معركة الجزيرة: منعطف حرج في الحرب السودانية

سيطرت قوات الدعم السريع على عاصمة ولاية الجزيرة، في تطور مفاجئ، لأن تركيز الأنظار كان من قبل ينصب على غرب السودان بمنطقة دارفور، وقد تنجر عن هذا تطورات عديدة، عسكرية وسياسية، تستنزف السودان وتفاقم فشله.
تسلح السودانيين ردا على هجمات الدعم السريع (مواقع التواصل)

رغم أن الجزيرة ليست الولاية الأولى التي تسقط عاصمتها في قبضة قوات الدعم السريع، وتتعرض أجزاء من مناطقها لهجماتهم، فإن هذا الحدث بملابساته وتداعياته يشكل نقطة مهمة في مسار الحرب السودانية، لما له من آثار تتجاوز البعد المحلي إلى دول الجوار والتحالفات الإقليمية المرتبطة بأطراف الصراع في بلاد النيلين.
هذا التقدير يجيب عن أسئلة تتعلق بكيفية سقوط "ود مدني"، وموازين قوى الطرفين، وموقع ذلك من مجمل التطورات المهمة، وتداعيات هذا الحدث محليًّا وإقليميًّا، لتختم باستشراف السيناريوهات المتوقعة.

 ولاية مفصلية

شكَّل استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة "ود مدني"، عاصمة ولاية الجزيرة الواقعة جنوب الخرطوم، حدثًا مفاجئًا للمراقبين، ويعزى ذلك إلى مجموعة عوامل، أهمها:

1- السرعة التي انهارت فيها الولاية بالكامل (قرابة أسبوع) في حين استغرقت معركة "ود مدني" وقتًا أقل بكثير.

2- الحشود التي جمعتها القوات المسلحة السودانية في الولاية التي تجاوزت عشرات الآلاف من المقاتلين والمتطوعين.

3- تأكيدات الفريق عبد الفتاح البرهان في زيارته للمدينة، مطلع ديسمبر/كانون الأول 2023، أن تجهيزات الجيش ستجعل الولاية قاعدة لسحق قوات الدعم السريع.

من جانبها، وصفت الأخيرة في بيان لها اجتياحها الولاية بأنه "هجوم استباقي مشروع" لقطع الطريق على الجيش السوداني الذي يخطط لمهاجمتها في الخرطوم.

وعلى هذا، فإن تخوفات الدعم السريع من تطويق قواتها المتمركزة في أجزاء واسعة من العاصمة السودانية بكماشة طرفاها القوات النظامية المتحركة من ولاية الجزيرة جنوبًا ونظيرتها القادمة من شمال الخرطوم، وقطع طريق إمداداتها المتصل بولاية شمال كردفان، دفعتها إلى اجتياح ولاية الجزيرة.

يلف الغموض خلفيات سقوط مدينة "ود مدني"؛ إذ لم تمر 24 ساعة على إعلان الجيش السوداني، في 17 ديسمبر/كانون الأول، إخلاء ولاية الجزيرة من القوات المهاجمة، حتى كانت الأخيرة تعلن استيلاءها على عاصمة المدينة وانسحاب قوات الفرقة الأولى المتمركزة هناك من مواقعها، الذي أكده بيان قيادة الجيش السوداني، واعدًا بالتحقيق في ملابسات ما حدث وإعلان النتائج للرأي العام.

وبينما يذهب البعض إلى حدوث اختراق أمني داخل الجيش، تؤكد بعض التفسيرات أن قصورًا كان يعتري جاهزية الفرقة الأولى، بجانب عدم امتلاك المتطوعين للتجربة القتالية، وأنه كان على الفرقة مواجهة القوات المهاجمة في نقاط توغلها عند حدود الولاية بدلًا من إتاحة الفرصة لها للتقدم نحو المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية.

سجل جنود الدعم السريع في الانتهاكات المتضمنة النهب والسلب والقتل والاعتداءات الجنسية، كما أكدته الأمم المتحدة والولايات المتحدة وهيئات حقوقية دولية، دفع مئات الآلاف إلى الفرار نحو الولايات المجاورة حتى قبل إكمال سيطرتها على الولاية.

1
(الجزيرة)

مناطق السيطرة

بسطت قوات الدعم السريع سيطرتها على عاصمة ولاية الجزيرة خلال بضعة أيام مع انسحاب الفرقة الأولى للجيش منها، وشرعت قوات الدعم السريع في شن هجمات على الجنوب نحو ولاية سنار، مستفيدة من موقعها المركزي بين عدد من الولايات سارعت القوات المنتصرة إلى التحرك في عدة اتجاهات أبرزها ولاية سنار (جنوب شرق)؛ حيث دارت اشتباكات عنيفة مع الجيش السوداني حالت دون تقدمها.

في المقابل، أُعلنت حالة الطوارئ في عدد من الولايات المجاورة للجزيرة وهو ما يشير إلى التخوف من هجمات مرتقبة للدعم السريع، كما عزز الجيش السوداني قواته في ولاية القضارف، وتزايد إقبال المواطنين على حمل السلاح كقوة مساندة للجيش.

وقع هجوم قوات الدعم السريع على عاصمة ولاية الجزيرة في سياق أعم جعل النظر إلى التطورات يتغير بشكل كبير. فلقد كان تركيز قوات الدعم السريع على منطقة دارفور الواقعة بغرب السودان، وثارت تكهنات بأن الدعم السريع قد يعيد السيناريو الليبي الذي قسَّم البلد هناك إلى مناطق شرقية وغربية تداران بسلطات متصارعة. استند هذه السيناريو السابق إلى أن قوات الدعم السريع تنجذب نحو الغرب لأنها تحظى بحاضنة قبلية هناك. لكن التطورات داخل هذه المناطق الغربية أسهم في تغيير هذا المسار؛ فلقد قررت الفصائل المسلحة السابقة التي توجد قواعدها بدارفور مثل القوات التابعة إلى مني مناوي حاكم دارفور، أن تقف إلى جنب الجيش لمواجهة قوات الدعم السريع. وقد خاضت هذه الجماعات المسلحة خلال عهد البشير معارك عديدة في قتال قوات الدعم السريع، ويتشارك الطرفان نفس أنماط قتال حرب العصابات القائم على سرعة الحركة وتفادي الصدام المباشر. علاوة على أن هذه الفصائل المسلحة تستند إلى قاعدة قبلية في دارفور، مثل قبيلة الزغاوة، توجد على الجانب الثاني من الحدود أي في تشاد، وقد تنقل الصراع إلى تشاد الذي اتهمه الجيش السوداني بدعم قوات الدعم السريع، وسيمثل هذا قيدًا على الموقف التشادي.

قلب هجوم قوات الدعم السريع على مركز ولاية الجزيرة الواقعة وسط السودان هذه المسار، وقد تكون دلالات ذلك تقدير قيادة الدعم السريع أن الرهان على المنطقة الغربية محفوف بالمخاطر، وأن الأجدى التحول إلى مناطق أخرى تعوق خطوط التواصل بين الخرطوم وبقية القوى التابعة لها في مناطق أخرى.

موازين القوى

يتمتع الدعم السريع بمجموعة من نقاط القوة سواء فيما يتعلق بالعنصر البشري أو باللوجستيات أو التكتيكات القتالية التي يتبعها.

فيما يتعلق بالعنصر البشري فالنواة الصلبة لمقاتليه تتمتع بخيرة قتالية اكتسبتها من خوضها للحروب عبر سنوات طويلة داخل السودان وخارجه، ويمثل الجانب المادي حافزًا مهمًّا لمقاتليه سواء على مستوى التجنيد أو الدافعية القتالية؛ حيث تزيد الرواتب المدفوعة لهم مقارنة بنظرائهم في الجيش بما يزيد على الضعف، بجانب أن استباحة المدن والسطو على الممتلكات، حسب تأكيدات الأمم المتحدة، تمثل إغراء كبيرًا لجذب المقاتلين من السودان أو من دول إفريقية أخرى.

اتهم الجيش السوداني الإمارات وتشاد بدعم قوات الدعم السريع، ولمَّح البرهان إلى ذلك أيضًا لما دعا دولًا في الإقليم إلى وقف التدخل في الشأن الداخلي للسودان. وكانت نيويورك تايمز، في سبتمبر/أيلول 2023، نشرت تقريرًا عن إقامة الإمارات العربية لقاعدة عسكرية في تشاد بالقرب من الحدود السودانية لدعم قوات الدعم السريع، في حين قالت الإمارات إن تلك المنشآت هي مستشفى لاستقبال المصابين في القتال بالسودان، وذكرت وول ستريت جورنال أن الإمارات ترسل شحنات أسلحة للدعم السريع عن طريق أوغندا. وقد ردت الإمارات على كل هذه الاتهامات بأنها لا تنحاز لأي طرف سوداني وتنفي دعمها قوات الدعم السريع، وطالبت تشاد الجيش السوداني بالاعتذار لكنه رفض، وظل مصرًّا على اتهاماته بسيطرتها على مناجم للذهب في دارفور وقدرتها على بناء تحالفات خارجية وسيطرتها على الحدود مع دول، كتشاد وإفريقيا الوسطى وليبيا، أصبحت قوات الدعم السريع قادرة على تأمين الدعم اللوجستي والتسليحي لمقاتليها وإيصاله مباشرة إلى مناطق سيطرتها، أو تسريبه عبر الحدود.

كما أن اتباع قوات الدعم السريع لتكتيكات حرب المدن والتمركز داخل الأحياء السكنية يحد من قدرة الجيش على استهداف تجمعات أفرادها.

في المقابل، تتمتع القوات المسلحة السودانية بالقدرة على استخدام سلاح الطيران لضرب مواقع قوات الدعم السريع وخطوط إمداداه التي تصبح أطول كلما ابتعد عن قواعده الرئيسية غربي البلاد؛ ما يجعلها أكثر عرضة للاستهداف من الجو.

وكذلك تتوافر للجيش القاعدة الشعبية الواسعة المؤيدة والمناصرة، يبدو هذا في الاستجابة الكبيرة لدعوات التسلح والتطوع؛ ما يخلق بيئات مسلحة معادية للدعم السريع في مناطق توغله المتوقعة. علاوة على التحاق الفصائل المسلحة التي وافقت على السلام وصارت جزءًا من النظام السياسي، بجانب الجيش لمواجهة قوات الدعم السريع.

ويعاني الجيش السوداني في جانب الإمداد والتسليح نتيجة الضرر الكبير الذي أصاب منظومة الصناعات الدفاعية السودانية التي كانت أحد أهم المصادر التسليحية للجيش، في حين يبدو الدعم الخارجي الذي تشير إليه بعض المصادر غير ملموس الأثر حتى الآن.  

 التكتيكات القتالية

الدفاع هو التكتيك الذي تستخدمه القوات المسلحة السودانية في مواجهة زحف الدعم السريع، يُلحَظ هذا في سلسلة انسحابات قام بها الجيش السوداني في عدد من ولايات دارفور غربي البلاد، أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2023، وعدم قيامه بمحاولات كبيرة لاستعادة الأراضي التي فقدها.

وهو ما يمكن تفسيره بمحاولة هذه القوات الحفاظ على مواردها البشرية والمادية والحشد لمعركة فاصلة، واستدراج قوات الدعم السريع إلى التمدد لإنهاكها، وانكشاف خطوط إمدادها التي تزداد طولًا أمام ضربات سلاح الجو السوداني، وتعبئة المواطنين خلف الجيش في ردة فعل مباشرة على الفظائع المرتكبة، التي أكدتها أطراف عديدة مثل الأمم المتحدة والولايات المتحدة، من قبل قوات الدعم السريع.

ميدانيًّا، لا تبدو نتائج هذه الإستراتيجية مبشرة بالنسبة للقوات المسلحة السودانية؛ حيث إن أداء قوات الدعم السريع لا يؤشر إلى أي تناقص لمواردها، كما أن التوسع الكبير في الأشهر الأخيرة للمناطق الواقعة تحت سيطرتها خلق حالة من اهتزاز الثقة في أداء الجيش السوداني، ولاسيما بعد مفاجأة سقوط "ود مدني".

لذا، ربما تفرض التطورات الأخيرة على الجيش العدول عن إستراتيجيته الدفاعية إلى الهجوم؛ إذ تتحدث مصادر عن إعداد قيادة الجيش لخطة لاستعادة عاصمة ولاية الجزيرة اعتمادًا على الفرق العسكرية المتمركزة في سنار والنيل الأبيض والقضارف، بالإضافة إلى الفرقة الأولى التي انسحبت من الجزيرة إلى سنار.
لكن مثل هذه الخطوة تخضع لحسابات معقدة، فنتائج أي مواجهة كبيرة بين الطرفين ستمثل عاملًا مهمًّا في تحديد مصير الحرب في السودان؛ إذ إن أي تراجع في الموقف العسكري للجيش سيؤدي إلى توغل قوات الدعم السريع في شرق وجنوب شرق السودان ومحاصرة الجيش السوداني في بورتسودان والمنطقة الشمالية. أما في المقابل، فإن أي انكسار للدعم السريع سيفتح الطريق لمحاصرة قواته في الخرطوم وإعادة السيطرة عليها ما يمثل نصرًا معنويًّا كبيرًا، ويقوِّي موقف الجيش ميدانيًّا وفي أي جولة تفاوض مستقبلية.

 تداعيات توسع الدعم السريع

معركة ولاية الجزيرة وسقوط عاصمتها بيد قوات الدعم السريع تمثل نقطة بالغة الأهمية في مسار الحرب في السودان لما تنطوي عليه من تأثيرات على الديناميات المحلية والأبعاد الإقليمية للصراع.

حيث أدت الملابسات التي رافقت سقوط المدينة إلى اهتزاز الثقة بقدرة الجيش السوداني على مواجهة الدعم السريع؛ ما دفع المزيد من المدنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الأول إلى حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم وأعراضهم وممتلكاتهم، ورغم أن هذا يصعِّب من مهمة الدعم السريع، ويفقده الحواضن الشعبية التي تعد عاملًا حاسمًا في ترجيح كفة موازين القتال في هذا النوع من الحروب.

نتيجة لموقعها بين وسط وشرق السودان، شكلت السيطرة على ولاية الجزيرة نقلة في الجغرافية الحربية للدعم السريع نحو شرق البلاد، كما أمَّنت الجبهة الجنوبية لمدينة الخرطوم ما سيزيد من صعوبة إخراجهم منها، وستكون ورقة مهمة في التفاوض مع الجيش السوداني، بالإضافة إلى تعقيد مهمة القوات المسلحة لتزويد حامياتها بالإمداد اللوجستي في ولايات كسنار والنيل الأزرق.

تعد ولاية الجزيرة سلة غذاء السودان، وسيؤدي القتال الدائر فيها إلى إفقاد السودان أهم مركز غذائي، فتزداد معاناة السودانيين، ثم إن سيطرة قوات الدعم السريع عليها، إن تحققت، ستجعلهم يتحكمون بورقة ثمينة، تزيد من دخلهم، وتضغط على السلطات السودانية، إضافة إلى أنها ستكون مصدر غذاء لقوات الدعم السريع.

كما أن توجه الدعم السريع نحو سنار بعد الجزيرة يؤشر إلى محاولته بلوغ الحدود الإثيوبية؛ ما قد يعني انفتاح طريق للإمداد اللوجستي من إثيوبيا أو غيرها لقواته في شرق السودان؛ ما سيخلصه من عقبة طول خطوط إمداده من قواعده الخلفية في غرب السودان ويقوِّي موقفه الميداني بشكل كبير.

كما أن احتمال وصول قوات الدعم السريع إلى إثيوبيا يعني تشكيل محور معاد لمصر من جنوبها، ويحرم الأخيرة من أي فرصة للضغط على أديس أبابا عبر الحدود السودانية، كما سيمثل هذا التحالف جزءًا من محور يشيد بدعم الإمارات المتحدة، يمتد من شرق إفريقيا إلى قلبها في تشاد.

في المقابل، سيطرة قوات الدعم السريع على ولاية كسلا المحاذية لإريتريا ستضيق من خيارات أسمرا بالنظر إلى التوتر الكبير الذي تمر به علاقاتها مع أديس أبابا؛ حيث كان السودان الرئة التي تتنفس عبرها إريتريا في حال الصراع مع إثيوبيا، وهو ما يبدو من الصعوبة بمكان إن سيطر حليف لأديس أبابا على حدودها الغربية مع السودان.

تجنبًا لهذا السيناريو من المتوقع أن تعمل إريتريا على تشكيل مجموعات مسلحة موالية لها على غرار فصائل الأمهرا في إثيوبيا، تعمل خط دفاع متقدمًا عن حدودها، وتتيح لها الإمكانية للمشاركة في التفاوض على الحلول النهائية مستقبلًا.

وبالنظر إلى ما سبق، يبدو الصراع السوداني متجهًا إلى عدد من السيناريوهات:

أ- سيناريو التفاوض: إثر معركة الجزيرة نشطت جهود الوساطة من طرف الإيغاد والاتحاد الإفريقي المدعومة أميركيًّا لجمع طرفي الصراع على طاولة تفاوض، تجنبًا لتوسع الصراع وانهيار الدولة المحتمل ما يؤثر بشكل مباشر على مصالح واشنطن في المنطقة.

غير أن تحقق هذا السيناريو تعترضه عقبات، منها تعقيد العملية التفاوضية نتيجة الأفضلية التي تمتع بها الدعم السريع بعد انتصاره في الجزيرة، وكذلك فإن عدم تعرض الجيش السوداني لهزيمة قاصمة يجعله قادرًا على خوض معركة أخرى قد تعدل الأوزان التفاوضية للطرفين. وقد تبين أن حميدتي، قائد الدعم السريع، قام بجولة خارجية بعد انقطاع دام عدة أشهر، لعله ينشد كسب تأييد دولي لموقفه، لكنه لم يحضر لقاء البرهان المتفق عليه لمناقشة القضايا الخلافية.

يعوق هذا السيناريو أيضًا، أن الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، حسب الأمم المتحدة والولايات المتحدة، وتسلح فئات من المواطنين لحماية أنفسهم من قوات الدعم السريع، سيكون قيدًا على التقارب بين حميدتي والبرهان، وقد يرفض الجيش السوداني هذا التقارب أيضًا.

ب- سيناريو استمرار القتال: وفق هذا السيناريو ستقوم الدول المتضررة من تأثير من احتمالات هزيمة الجيش السوداني كمصر، بدعم القوات المسلحة السودانية وترجيح كفتها في مواجهة مقبلة؛ ما سيعدل موازين القوى ميدانيًّا ويهيئ البيئة المناسبة للتفاوض ضمن شروط وسقوف أكثر ملائمة للجيش السوداني.

ويقوي من هذا السيناريو أن الإمارات العربية المتحدة التي هي جزء من الرباعية الدولية، بمعية الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية، لم يعد الجيش السوداني يعتبرها وسيطًا محايدًا أو راعيًا نزيهًا، بل شريكًا في الحرب إلى جنب قوات الدعم السريع، ويؤثر ذلك على دور الوساطة الرباعية في التقريب بين الطرفين المتحاربين بالسودان.

 قد يؤدي فشل الجيش في هذه المواجهة إلى تمدد الدعم السريع شرق البلاد، وفقدان السودان قيادة مركزية، فتنطلق قوى متعددة للسيطرة على مناطق في الإقليم السوداني، بما يهدد استقرار المنطقة ككل، كما أن انتشار السلاح في أيدي المواطنين، قد يجعل وقف القتال أمرًا صعبًا لأن هذه الفئات قد ترفض بقاء قوات الدعم السريع مسيطرة على مناطقها.

وتحسبًا لهذا السيناريو، قد تتضافر جهود عدة أطراف خارجية، معنية بأمن البحر الأحمر، وباستقرار القرن الإفريقي، مثل السعودية والولايات المتحدة ومصر، إلى منع القتال من دفع السودان إلى حالة تمزق منفلتة من كل سيطرة، وستستعمل نفوذها لاحتواء هذا الخطر.

قياسًا على تجارب السودان السابقة، قد تتجه هذه التطورات إلى حالة إنهاك شبيهة بحالات الإنهاك السابقة، تفرض على الأطراف المتقاتلة التوصل إلى تسوية سياسية شبيهة بالتسويات التي عقدتها السلطات السودانية مع الفصائل المسلحة، وإن كانت هذه التسويات لا تزال هشة، وقابلة للانهيار، وستكون التسوية الناتجة عنها، نظامًا سياسيًّا هشًّا وضعيفًا، ويقوم على محاصصة بين الفصائل المسلحة التي تعتمد على داعمين خارجيين سيلعبون دور الوصي على السودان.