"طوفان الأقصى": كيف يدير "محور المقاومة" المواجهة؟

كان "طوفان الأقصى" فعلًا فلسطينيًّا خالصًا، وفقًا لبيانات حركة المقاومة الإسلامية حماس وتأكيدات إيران، ولكن هذه التأكيدات لم تمنع من طرح أسئلة جدية ومتكررة بشأن حدود الدور الإيراني في المواجهة، خاصة أن طهران تتبنى علنًا دعم حركة حماس بالمال والتدريب والسلاح. ولعل الأسئلة عن دور إيران وكذلك محور المقاومة لا تقف عند حدود مساحة الدور بل تصل إلى جوهر هذا الدور وطبيعته. تبحث هذه الدراسة الدور الإيراني ودور محور المقاومة وكيفية إدارة المواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وما حدود هذا الدور ومحدداته.
21 فبراير 2024
لوحة كبيرة في بيروت عن عملية "طوفان الأقصى" (رويترز)

مقدمة

منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ضد الاحتلال الإسرائيلي، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، واسم إيران يتردد في وسائل الإعلام الإقليمية والدولية وفي تصريحات الساسة في إسرائيل والغرب. وأثيرت أسئلة في المنطقة والعالم بشأن الدور الإيراني في العملية وحدود هذا الدور، مع أن طهران سارعت مبكرًا لتأكيد أن العملية "فعل فلسطيني خالص". ولعل هذه الأسئلة تنطلق من مجموعة عناوين أهمها حالة العداء التي تطبع سياسية الجمهورية الإسلامية تجاه إسرائيل، والالتزام بدعم فصائل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس وبناء علاقات قوية مع الحركة وتقديم دعم مالي وعسكري لها. ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة كانت الأسئلة تتصاعد أيضًا بشأن موقف إيران من العدوان وكيف ستدير معادلة دعم المقاومة في فلسطين من خلال أطراف محور المقاومة دون أن يقود ذلك إلى مواجهة شاملة تتحول فيها إيران نفسها إلى هدف. والواقع أن أبعاد الموقف الإيراني لا يمكن فهمها بمعزل عن فهم طبيعة الإستراتيجية الدفاعية الإيرانية التي تقوم على بناء حالة ردع تجنِّبها الدخول في حرب. وما العلاقة التي نسجتها مع حلفائها في المنطقة إلا استجابة لما تفرضه هذه الإستراتيجية. لقد أسهمت ويلات الحرب مع العراق وما صنعته من ذاكرة في بناء هذه الإستراتيجية، ثم جاءت حرب الخليج الثانية وما أعقبها من حضور غير مسبوق للقوات الأجنبية وفي مقدمتها القوات الأميركية لتؤكد ضرورة المضي في هذه الإستراتيجية الدفاعية وكان بناء فيلق القدس مرتبطًا بصورة جذرية بهذا التطور، ولاحقًا شكَّل احتلال أفغانستان ثم العراق والدمار الذي ألحقه الاحتلال الأميركي بهما عاملًا آخر لا يقل أهمية في شكل وبنية الإستراتيجية الدفاعية الإيرانية التي تقوم على محور أساسي وهو تجنب المواجهة الشاملة. ومع ذلك، لا يمكن إغفال الموقف الأيديولوجي الإيراني من القضية الفلسطينية وهو موقف ظل ثابتًا منذ انتصار الثورة الإسلامية، ولعل هذا الموقف يفسر جانبًا من جوانب العلاقة مع حماس.

ولفهم هذه الحالة ينبغي تناول البعد الداخلي في إيران، وفهم طبيعة علاقة الجمهورية الإسلامية مع حلفائها في المنطقة، فضلًا عن فهم بنية الإستراتيجية الدفاعية الإيرانية التي توجه سياستها وردود فعلها على مجريات الأحداث في الإقليم وتتحكم في علاقاتها بمحور المقاومة.

"طوفان الأقصى": ردود الفعل   

قوبلت عملية "طوفان الأقصى" بردود فعل إيرانية متباينة، ومن أهم عناوين النقاش بشأنها:

  • "طوفان الأقصى" مؤامرة وفخ أم فعل ذكي وخطة مدروسة؟
  • سوء التقدير وقيمة العملية.
  • حماس وأخلاقيات الحرب.
  • دور إيران وحزب الله في عمليات "طوفان الأقصى": هل كانا على علم أم لا؟
  • الديناميات الداخلية لحركة حماس؟
  • العلاقة بين حماس والقاعدة و"تنظيم الدولة/ داعش" و"الإخوان المسلمون".
  • موقف الإيرانيين: دعم فلسطين أم دعم إسرائيل؟
  • ماذا يعني لإيران انتصار حماس؟ وهل ستكون على موعد مع "طالبان" أخرى في المنطقة؟

في أعقاب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، سارع كبار المسؤولين الإيرانيين، منهم القائد الأعلى، آية الله علي خامنئي، والرئيس، إبراهيم رئيسي، إلى إعلان دعمهم للحركة مع نفي أي دور مباشر لإيران في الهجوم. ولم تقدم أي أدلة تؤكد هذا الدور وإن كان من المعروف أن إيران قدمت دعمًا سياسيًّا وعسكريًّا وماليًّا للمقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس التي ترتبط بعلاقة وثيقة مع "محور المقاومة".

رأى خامنئي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول هزيمة للاحتلال لن يكون من السهل عليه التعافي منها، وأكد أن الهجوم استهدف بعض هياكل النظام بمستوى يصل إلى "عدم القابلية للإصلاح"(1). ويرجح القائد الأعلى في إيران ألا يتمكن الكيان الصهيوني الغاصب من استعادة فاعلية تلك الهياكل رغم كل ما يفعله، وكل الدعم الذي يتلقاه من الغربيين في العالم اليوم. "لقد ضُرب، ولا يمكن تعويض ما لحق به بسهولة". أكد خامنئي أن العملية "فلسطينية ولكن الاحتلال يلقي باللوم على الآخرين لعجزة أمام الشجاعة والتخطيط الذكي للشباب الفلسطيني"(2).

قرأ خامنئي "طوفان الأقصى" في سياق أوسع أطلق عليها سياسة "اجتثاث الأمركة"(3). ورأى أنه حدث تاريخي استطاع أن يقلب أجندة السياسات الأميركية في المنطقة، وأن الطوفان سيستمر وسيمحو أجندة السياسات الأميركية في غرب آسيا. لذا، فإن إحدى سمات التغيير في خريطة الجغرافيا السياسية للمنطقة هي أن عملية نزع الأمركة قد بدأت؛ فبعض الدول التي كانت خاضعة بنسبة 100% للسياسة الأميركية بدأت تجد زاوية في علاقتها مع أميركا وهو أمر سيستمر ويتصاعد.

وبخلاف النبرة الحذرة في تصريحات المسؤولين الإيرانيين يبدو موقف خامنئي في دعم المقاومة هو الأوضح. وبعد شهرين ونصف على "طوفان الأقصى" عاد خامنئي ليبشر بالنصر ويؤكد أن "ما يجري هو فريد في نوعه، فالبطش والقتل الإسرائيليان لم يشهد لهما التاريخ مثيلًا، لكن مقاومة أهل غزة وصبرهم أيضًا لم يشهد لهما التاريخ مثيلًا وعلى الجميع أن يساعد المقاومة بكل ما يستطيع. مساعدة المقاومة واجب، ومساعدة الكيان الصهيوني جريمة وخيانة"(4).

ورغم وجود بعض الأصوات تحمل توجهات مختلفة إلا أن الخطاب الرسمي في إيران بقي محافظًا على دعم القضية الفلسطينية، وهو ما يعد مؤشرًا على الجذور العميقة للقضية الفلسطينية في السياسة الإيرانية. ومنذ الثورة الإيرانية العام 1979، اتجهت طهران نحو موقف معارض أيديولوجيًّا لوجود إسرائيل، وكان آية الله الخميني ينظر إلى إسرائيل باعتبارها قوة احتلال ومشروعًا استعماريًّا للغرب يمثل تهديدًا للعالم الإسلامي، وإن كان صنَّاع القرار يُجمعون على موقف مؤيد للقضية الفلسطينية إلا أن الشعب الإيراني تتجاذبه توجهات منها من لا يرى فائدة لإيران من دعم القضية الفلسطينية، ومنها من يدعو إلى الاعتراف بإسرائيل.

تحركت إيران دبلوماسيًّا، وقام وزير خارجيتها بعدد من الجولات في المنطقة، كان دأب خلالها على التحذير من أن الاستمرار في العدوان على غزة من شأنه أن يوسع ساحة المواجهة في المنطقة. وتحدث عبد اللهيان غير مرة عن خطوط حمراء لن يُسمح بتجاوزها، لكن مجريات الحرب وأعداد الشهداء الكبيرة أثارت أسئلة بشأن المقصود بالخطوط الحمراء في المعادلة الإيرانية.  

ودَعَتْ طهران الدول الإسلامية إلى اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل ردًّا على عدوانها على غزة، مثل "قطع العلاقات الدبلوماسية ولو فترة محدودة" وفرض العقوبات ووقف تصدير النفط(5)، لكن مقترحاتها لم تجد آذانًا صاغية على الرغم من فداحة الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين والأطفال. لقد حمل هذا التجاهل مؤشرًا على مسافة كبيرة بين ما تريده إيران وما تريده الدول العربية، وبدا أن السعي الإيراني لإيجاد شريك عربي يساعد في الضغط على إسرائيل لوقف الحرب ضرب من المستحيل.  

إيران لا تصطاد لأصدقائها إنما تعلمهم الصيد

رغم التأييد المعلن إلا أن إيران تعاملت مع تبعات" طوفان الأقصى" بحذر بالغ، وبدا واضحًا أن الداعم الأكبر لمحور المقاومة يبذل جهده لمنع توسيع ساحة الصراع، ويرسل رسائل واحدة تلو الأخرى محذرًا من ذلك.

بقي الأصوليون في إيران على موقفهم المعلن في دعم حماس، بينما اتجهت الشخصيات الإصلاحية والمعتدلة إلى توجيه دعوات بضرورة الحذر، فهناك "من يحاول جرَّ رجل إيران إلى المعركة". كانت الدعوات واضحة ومتزايدة بتوخي المزيد من الحذر، وهي الدعوة التي وجهها الإصلاحي، محسن هاشمي، محذرًا من استفزاز إسرائيل وتوريط إيران وتحويل اتجاه الخطاب نحو حرب إقليمية أوسع ضد إيران في محاولة لحشد دعم دولي أوسع(6).

وظهرت المسحة الواقعية في ردود أفعال التيار الإصلاحي والتيار المعتدل، اللذين كثيرًا ما رجَّحا خطاب الدبلوماسية على خطاب المواجهة (خاصة في الأمور التي تتعلق بالولايات المتحدة)، وهو ما أصاب القضية الفلسطينية أيضًا(7).

لقد صدرت تصريحات مؤيدة للقضية الفلسطينية عن وزير الخارجية السابق، محمد جواد ظريف، والرئيسين السابقين، حسن روحاني ومحمد خاتمي، وتؤكد أهمية القضية الفلسطينية، لكنهم أرسلوا دعوات واضحة بتقييد دور إيران في الدعم السياسي وتجنب التورط العسكري. بعد ثلاثة أيام على "طوفان الأقصى" تحدث الرئيس الإصلاحي السابق، محمد خاتمي، وأشاد بعملية حماس وعدَّها "إنجازًا للشعب الفلسطيني" مشددًا على ضرورة "الحكمة السياسية" في التعامل مع الحرب في غزة، وأدان خاتمي إسرائيل وأعلن عن دعمه للفلسطينيين، ولكنه دعا إلى "إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية الإيرانية" وإلى تبني سياسة خارجية "معتدلة"(8)، وحذر خاتمي من تبعات الاستقطاب السياسي واتخاذ مواقف "متهورة واستفزازية" من شأنها أن "تضر بالإيرانيين والفلسطينيين على حدٍّ سواء"(9).

حذَّر ظريف في محاضرته في نقابة المحامين من دور يتعدى الدعم السياسي ويؤدي إلى توسيع ساحة المواجهة، مبينًا أن دعم المظلومين لا يعني القتال نيابة عنهم، مؤكدًا أن الإيرانيين تعبوا من دفع الأثمان، وأن وصول الصراع إلى إيران يعني أن الصواريخ ستسقط على رؤوس الناس لا المسؤولين(10).

هاجم التيار الأصولي منافسيه وانتقد هذه الدعوات لاتباع نهج مدروس، ورأى فيها انحرافًا عن مبادئ السياسة الأساسية للجمهورية الإسلامية- إلا أن سياسة طهران الفعلية حتى مع حكومة رئيسي الأصولية الخالصة كانت حذرة إلى حدٍّ ما، وتتحرك ضمن معادلة المصالح الوطنية(11).

"في حرب غزة حاول الصهاينة أن يجعلوا إيران تبدو كأنها قائد هجوم حماس، في حين أن أسلوب الجمهورية الإسلامية وإستراتيجيتها لا تقوم على مقاربة من هذا النوع. نحن لا نصطاد السمك لأصدقائنا، ولكننا نعلمهم كيف يصطادون"(12). تشرح هذه المقولة لمحسن رضائي، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق للحرس الثوري، السياسة الإيرانية بدقة واختصار، وهي النسخة الأصولية لوجهة نظر جواد ظريف.

ذكر الأستاذ والأكاديمي الإيراني، آرش رئيسي نجاد، في مقال تحليلي أسبابًا سبعة رأى أنها "لن تجعل إيران تقاتل من أجل حماس"، وصاحب المقال لديه تغريدة ثابتة على حسابه على "إكس" يقول فيها: "إن العمق الإستراتيجي لإيران ليس في العراق وسوريا، ولا في أفغانستان وطاجيكستان، بل يجب البحث عنه في البلاد! إن مركز ثقل الأمن الإيراني يرتكز على العلاقة بين الحكومة والأمة ويشير إلى "الوحدة في القمة، والتعددية في القاع"، ويقتضي ضرورة التماسك بين صنَّاع القرار السياسي، واحترام أساليب حياة الناس، وخلق التوازن بين الأمن والحرية"(13).

وعودة إلى الأسباب السبعة(14) التي بسط فيها رئيسي نجاد الكلام نجدها تعكس المصالح الوطنية الإيرانية وأولويات المجتمع الإيراني وتحولاته، وهذه الأسباب هي:

أولًا: لا تستطيع الجمهورية الإسلامية حشد المجتمع للانخراط في حرب جديدة كما فعلت خلال الحرب مع العراق في الثمانينات؛ فقد تغير الكثير منذ تلك الحرب وتراجعت قدرة النظام على التعبئة والحشد، وشهد المجتمع الإيراني تغيرات كثيرة لحقت مواقفه من النظام ومستوى تأييده.

ثانيًا: حالة الانقسام التي تحكم الساحة الإيرانية؛ ففي حين يوجد تيار داخل إيران يعارض التدخل المباشر في الحرب، الذي سيقود إلى مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية وهو ما تريده، يرى تيار آخر أن القضاء على حماس سيعقبه استهداف حزب الله وفي النهاية الهجوم على إيران.

ثالثًا: لا يمكن الرهان على فشل إسرائيل أمام هجوم حماس، ليكون ذلك سببًا في تغيير حسابات طهران الإستراتيجية تجاه إسرائيل. صحيح أن حماس وجَّهت ضربة عسكرية واستخباراتية كبيرة لإسرائيل، لكن هذا لا يغير من ديناميكيات القوة في المنطقة التي لا توفر لإيران الفرصة لتحدي إسرائيل باستخدام القوة الصاروخية.

رابعًا: طبيعة العلاقة بين إيران وحماس، وخلافًا للرأي السائد، فلا حماس ولا حتى حزب الله وكيل إيران؛ ومن الأدق تصنيفهما حلفاء لإيران من غير الدول. والعلاقة لا تقوم على تلقي الأوامر، وتوجد تباينات في مواقف حماس حتى وإن وُجدت مشتركات، والحالة السورية قدمت دليلًا واضحًا على ذلك. وتؤكد التقارير الاستخبارية الأميركية أن قادة إيران لم يكونوا على علم بعملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

خامسًا: أن شركاء إيران الإستراتيجيين، وهم الصين وروسيا، لا يدعمون حماس بشكل واضح. ولا ترغب طهران بإفساد علاقتها بهاتين القوتين، كما أنها تسعى لتجنب العزلة الدولية في الأزمات الكبرى.

وفيما يتعلق بالشريك الروسي، نشر الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية، عبد الرسول ديفسالار، تحليلًا(15) للموقف الروسي وللسياسة الروسية تجاه فلسطين وتعارض ذلك مع السياسة الإيرانية؛ استنادًا إلى تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الأخيرة، يمكن إجماله في النقاط الآتية:

-يشكِّل موقف لافروف بشأن غزة مؤشرًا على فشل محاولة طهران بناء موقف مشترك مع روسيا بشأن القضية الفلسطينية. ويقول لافروف: إنه من الضروري عقد مؤتمر بحضور الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وفي خطة روسيا، تقف إيران على الهامش وتلعب السعودية دورًا مركزيًّا.

- يوجد على الأقل اختلافان أساسيان مهمان في موقفي إيران وروسيا بشأن القضية الفلسطينية:

أولًا: تصر موسكو على تشكيل دولة فلسطينية في إطار خطة السلام العربية (المقترحة من طرف المملكة العربية السعودية). ولذلك يتم الاعتراف لإسرائيل بالحق في الوجود، وهي مشكلة تقوم على العلاقات البنيوية بين روسيا وإسرائيل.

ثانيًا: تركز سياسة موسكو بشأن غزة على منع استبعاد روسيا من العمليات الدبلوماسية. وترى موسكو في ذلك فرصة لتعزيز دورها الإستراتيجي في البنية الأمنية للشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه جعل الجهود الأميركية لعزل روسيا غير فعالة.

- إيران ليست شريكًا لروسيا في أي من هذه الأهداف. إن هيمنة نهج المقاومة على السياسة الإيرانية تتعارض مع أهداف موسكو الإستراتيجية في غزة. ورغم أن موسكو تستفيد من هذا الفارق تكتيكيًّا، فإن التنسيق مع طهران يضمن أهمية موسكو باعتبارها قناة دبلوماسية وقوة مؤثرة.

-بناء على هذه القراءة، فإن زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الأخيرة لموسكو كانت عمليًّا بلا إنجاز. وكان الغرض الرئيسي منها التشاور مع موسكو بشأن القضية الفلسطينية لكن تصريح لافروف الأخير دليل على عدم فعالية مساعي طهران للتأثير على سياسة موسكو تجاه فلسطين.

سادسًا: توجد قناعة مترسخة لدى صنَّاع القرار في إيران بأن جيرانها سيرحبون بحرب واسعة النطاق بينها وإسرائيل، كما أن زعماء هذه الدول يرغبون في القضاء على حماس التي يرون فيها وكيلًا لإيران.

سابعًا: وهو الأهم من وجهة نظر الكاتب؛ فيتعلق بوجهة نظر خامنئي في الصراعات الإقليمية، فالرجل الذي اختبر تبعات الحرب العراقية-الإيرانية يسعى إلى تجنب الدخول في مواجهة شاملة؛ مما جعل إيران تعمد إلى رد فعل محسوب نسبيًّا في أعقاب اغتيال الولايات المتحدة للقائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، مطلع 2020. وتنسجم وجهة نظر خامنئي مع إستراتيجيته الشاملة في التعامل مع الأزمات الإقليمية؛ فقد سبق له وأن رفض دعوات لمهاجمة أفغانستان بعد سيطرة طالبان على كابول والهجوم الذي تعرضت له البعثة الدبلوماسية الإيرانية في أفغانستان.

وفي الساحة السنية الإيرانية، تحاشى عبد الحميد إسماعيل زهي، إمام جمعة زاهدان والمعروف باسم مولوي عبد الحميد، إدانة طرفي حرب غزة؛ مما جعله عرضة لنقد كثير، وهو الذي ارتفع صوته المعارِض للجمهورية الإسلامية خلال الاحتجاجات التي شهدتها على مدى السنوات الماضية.

تجنب عبد الحميد بشكل واضح دعم القضية الفلسطينية وقال على حسابه في موقع "إكس": إن "الصراع الأخير بين إسرائيل والفلسطينيين، الذي تسبب في وقوع خسائر فادحة في الأرواح، وخاصة بين المدنيين، ينبغي على المجتمع الدولي أن يقوم بواجبه في الوقف الفوري لهذا الصراع"(16).

وانحازت المعارضة الإيرانية في الخارج بصورة واضحة للرواية الصهيونية من خلال وسم "الإيرانيون يقفون مع إسرائيل"، واحتفوا بشكل كبير بفيديو من ملعب كرة القدم في طهران، يحتج فيه مشجعون على إدخال العلم الفلسطيني للملعب(17).

وعودة إلى الأسئلة المحورية التي وردت في مستهل هذه الورقة، يفيد هادي معصومي زارع، وهو باحث وخبير إيراني في شؤون المنطقة العربية والحركات الإسلامية، أن هذه العناوين جرى بحثها في صالونات سياسية عدة؛ منها جلسة خاصة عُقدت في طهران، بمشاركة خبراء وباحثين ومسؤولين حاليين وسابقين لمناقشة "طوفان الأقصى" وتأثير ذلك في عدد من هذه القضايا ذات العلاقة بالسياسة الإيرانية الإقليمية. وقُدمت في هذه الجلسات قراءات إيرانية مختلفة لهذه المسائل(18).

ماهية طوفان الأقصى: نقاش النخب

انقسمت الإجابة عن سؤال "طوفان الأقصى مؤامرة أم خطة ذكية؟" إلى ثلاثة اتجاهات امتدت على مساحة واسعة من النقاش الإيراني بدءًا من العامة وفضاءات وسائل التواصل الاجتماعي وصولًا إلى مراكز البحث والدراسات وطروحات النخب الفكرية والسياسية.

عبَّر الاتجاه الأول عن رأيه بأسئلة مشككة: هل حقًّا هُزمت إسرائيل؟ وهل حقًّا كانت العملية مباغتة لها؟ كانت هذه القراءة محكومة بالصورة التي استقرت في الأذهان بشأن قدرة إسرائيل الاستخبارية وكذلك قدرة الأجهزة الاستخبارية الغربية؛ إذ كيف يمكن التخطيط لعملية من هذا النوع دون أن ترصدها المخابرات الإسرائيلية. جاء هذا التشكيك منذ اللحظة الأولى التي أعلنت فيها حماس عن العملية، مع إصرار على إلقاء هالة من الشك على الهجوم عند البعض بدافع الحرص، والبعض الآخر انطلق من موقفه تجاه منافسيه الداخليين متهمًا إياهم بأنهم واقعون ضحية التوهم راسمًا لنفسه صورة من يلقي بالشك من بصيرة لديه لا تتوافر لدى خصومه السياسيين، ورأوا أن هذه العملية المذهلة مستحيل أن تتم في الأساس دون معرفة أجهزة المخابرات القوية، وأن الذي جرى أن اسرائيل والأميركيين أهملوا ما وصلهم، ولم يكن ما حدث سوى عملية خطرة وفخ ماهر نصبه نتنياهو واليمين المتطرف لحماس لإنقاذ أنفسهم من المستنقع السياسي والقضائي الذي كانوا يواجهونه لخلق التماسك داخل النظام(19).

ويرد أسامه حمدان، مسؤول العلاقات الخارجية في حركة حماس، هذه الرواية مفصلًا في ضعفها بالقول: أولًا: اسمحوا لي أن أقول بوضوح: أولئك الذين اعتادوا على الفشل لا يمكنهم تصور الفوز. ومن يفقد الثقة بالنفس اللازمة لتحقيق النصر لا يستطيع أن يصدق أن هذا الطريق سيؤدي إلى النصر. والنقطة الثانية هي أن من يدرس مسيرة المقاومة في المنطقة يمكن أن يستنتج بوضوح أن المقاومة تتزايد يومًا بعد يوم، إنها تتقدم نحو الفوز بالمعركة الأخيرة(20). على سبيل المثال، عندما بدأت المقاومة في لبنان في الثمانينات على يد حزب الله، قال كثيرون: ماذا يستطيع حزب الله أن يفعل عندما فشل الفلسطينيون أنفسهم؟ ولكن بعد 18 عامًا من المقاومة، انتصر لبنان. وعندما فرَّ النظام الصهيوني من لبنان، سمعنا أن البعض يقول: إن النظام الصهيوني ينفذ مؤامرة. وسرعان ما اندلعت حرب تموز وانتصر حزب الله مرة أخرى(21).

تستذكر حركة حماس الآراء المثبطة في فترات المواجهة السابقة، فعندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية في 1987، قال كثير من الناس: هل يستطيع حجر أن ينتصر على الدبابات الإسرائيلية ويضع الكيان في ورطة؟ لقد استثمر الكثيرون في فلسطين وبعض الدول العربية اتجهت نحو اتفاقات أوسلو، التي آلت إلى الفشل، وانفجر غضب الشعب الفلسطيني عام 2000 مع الانتفاضة الثانية. وأدت إلى طرد الصهاينة من غزة في 2004(22).

يذكِّر أسامة حمدان بأن "تاريخ هذه الانتصارات ماثل أمام أعيننا، فكيف يبرر من يتحدثون بنظرية المؤامرة انتصارات المقاومة في 2006 و2008 و2014؟! وفي كل الأحوال، لا يمكن النظر إلى طوفان الأقصى بمعزل عن عملية تطور المقاومة، سواء في فلسطين أو في لبنان. إنها مقاومة صاعدة تكتسب الأرض وتستعد لتحقيق نصر أكبر"(23).

النقطة الثالثة هي أنه إذا كانت إسرائيل تريد خداع حماس والمقاومة، فلماذا سمحت بمهاجمة قواعدها المليئة بالجنود؟ كيف تقبل إسرائيل مقتل المئات من جنودها في الساعات الأولى من العملية؟ فهل إسرائيل لديها القدرة على استيعاب هذه القضية؟ ومن يتحدث عن المؤامرات عليه أن يلاحظ أنه في الساعات الأولى من اليوم، وباعتراف العدو، سقط للكيان الصهيوني 1200 قتيل وجريح وأسير. فهل يمكن لهذا النظام أن يدمر صورة جيشه المنيع بهذه الطريقة؟!(24).

ويبدو أن من الأمور التي تجعل من الصعب قبول هذه العملية هو نجاحها غير المسبوق.

لقد استهان العدو الصهيوني دائمًا بقدراتنا. اليوم، ضباط الجيش يحذِّرون نتنياهو من أن الاحتلال البري لغزة خطر كبير، وعليه أن يحذر من خطر كبير كهذا؛ لأنه قد يؤدي إلى هزيمة أخرى. فهل يمكن أن يُعزى هذا الفشل الثانوي أيضًا إلى مؤامرة؟(25).

النقطة الخامسة تتعلق بالمعلومات. فخلال ثلاثين عامًا تعلمت المقاومة من أسلوب العدو القتالي، ودرست أسلوب العدو ونقاط ضعفه، وفهمت بنية عقله الأمني، ونجحت في تضليل هذا العقل(26) .

اعتمدت المقاومة الفلسطينية عملًا متواصلًا، وما ثم لم يحدث بين ليلة وضحاها. وهذا "ناشئ عن طبيعة الصراع مع العدو. منذ سنوات طويلة والمقاومة الفلسطينية تراجع نتائج العمليات بعد كل مواجهة. على سبيل المثال، قامت المقاومة بدراسة جميع الهجمات على غزة في السنوات السابقة، وحددت نقاط القوة والضعف لدى العدو. وجاء طوفان الأقصى بناء على "المعرفة التي راكمتها حركة حماس والمقاومة الفلسطينية من خلال عدة مواجهات كبرى مع الجيش الصهيوني"(27) .

وفي الخطوة الثانية حددت المقاومة طرق التعامل مع نقاط القوة وضرب العدو من خلال نقاط ضعفه. فعلى سبيل المثال، من خلال دراسة دبابة الميركافا التي يُقال: إنها أفضل دبابة في العالم، تمكن المقاومون من تحديد نقاط الضعف التي أدت إلى تحطيم عدد منها خلال المواجهة. ويرجع حمدان الفضل في ذلك إلى "الجهد والعمل المشترك مع الأخوة في محور المقاومة"(29).

وفي الخطوة الثالثة، جرى اتباع سياسة الخداع؛ ما جعل الصهاينة لا يعرفون النوايا الحقيقية لحماس؛ فظنوا أنها تقوم بمناورة كما حدث في الأشهر الماضية(29).

في طهران، كان الرد على هذه القراءات المروجة لنظرية المؤامرة بالآتي: ما يجب أن نعرفه أنه في البنية السياسية والأمنية المتعددة الطبقات والمتصارعة داخل النظام في إسرائيل، فإن من المستحيل خلق مثل هذا الإجماع للإيقاع بحماس بهذه الطريقة ومن ثم القدرة على الحفاظ على سرية هذا المخطط. علاوة على ذلك، كان من الممكن أيضًا شن حرب تحت ذرائع كاذبة وبتكاليف أقل بكثير، على غرار ما حدث في 2008 و2012 و2014 و2019 و2021، التي كانت تحدث أحيانًا ردًّا على بضعة صواريخ أو بضعة أسرى. في نظام متشدد وأمني مثل إسرائيل، لم يكن إشعال حرب مدمرة يتطلب مثل هذا العرض الفاضح والمزعزع(30).

يواصل معصومي محاججة الأصوات المؤمنة بكون ما حدث مؤامرة وفخًّا نُصب لحماس بالقول: إذا نظرنا إليها بالعين المجردة، فإن "فضيحة السبت" قد سيطرت على النظام في إسرائيل لدرجة لن يكون بالإمكان الهروب من عواقبها في وقت قريب، وبعد (إن لم يكن أثناء الحرب)، ستواجه مسيرة نتنياهو السياسية تعقيدات ومشكلات جمة، وهو لن يخرج منتصرًا من هذه الحرب، حتى لو سوى غزة بالأرض، وسيذهب كما ذهب أولمرت إلى مزبلة التاريخ في حرب الـ33 يومًا. وسيكون من الصعب جدًّا على اليهود الذين يعيشون في الأراضي المحتلة أن يستعيدوا ثقتهم بالحكومة وأجهزتها الأمنية في المستقبل القريب، ولذلك فإن المسؤولية عن هذا الإخفاق الفاضح والصادم لن تكون قابلة للتسوية.

في مقابل الفريق المشكِّك والمتمترس خلف وجود مؤامرة، يرى توجه آخر في "طوفان الأقصى" دليلًا على أن الموساد وأجهزة استخبارات الكيان الصهيوني، ليست بتلك الهالة من الكفاءة التي استطاعت أن تسوقها، ولا تملك نخبًا ورقابة معلوماتية وأنه لا يمكن هزيمتها، وهذا ما يسرى كذلك على جيش الاحتلال. وهذا ما يدعمه أسامة حمدان بالقول: "هذا الكيان الذي يتمتع بمستوى كبير من القوة العسكرية والأمنية ليس كائنًا خارقًا للطبيعة، خاصة وأن وجوده في المنطقة طارئ"(31).

ويدلل معصومي على ذلك باستحضار التجربة الإيرانية في سوريا: لقد شهدنا ذلك من قبل في هجوم الجيش الإسرائيلي على عشرات الشحنات المزيفة أو التي لا علاقة لإيران بها في سوريا، وجعلت عملية "طوفان الأقصى" الأمر أكثر يقينًا.

لقد كشفت تجربة صباح السبت أن قوة الموساد الحقيقة، بالرغم من التفوق التكنولوجي والدعم والتغطية الدولية والتدريب الحديث واختيار النخبة والعشرات من المكونات المماثلة، تتغذى من التساهل والإهمال والاستهتار وعدم التدريب عند منافسي إسرائيل وأعدائها. وفي الواقع، فإن الافتقار إلى التدريب أو السلوك المهني للخصم هو الذي أطلق يد الموساد، أكثر من أي شيء آخر، لإجهاض الخطط وتوجيه الضربات. ووفقًا لاستنتاجاته من دراسة النمط السلوكي للموساد عدة سنوات، يرى معصومي أن الكمائن التي ينصبها الموساد والإسرائيليون ليست سوى خطط وإجراءات كلاسيكية وثابتة نسبيًّا، من أنظمة واسعة النطاق وشبكات هرمية، ومعركة معلوماتية تقليدية مع الخصوم، وتوظيف أشخاص خام وغير محترفين وفي بعض الأحيان استغلال نقاط الضعف المالية أو المعنوية لعدد من الأشخاص(32).

يأتي هذا التفسير، خلافًا للآراء التآمرية، ويرى أن نجاح حماس في طوفان الأقصى اعتمد، في المقام الأول، على تحويل شبكات واسعة وهرمية إلى أنوية عملياتية منفصلة ومخفية، فضلًا عن السرية التامة، جرى إخفاء طبيعة ومهمة كل نواة عن النواة الأخرى. وهو أمر يمكن الإشارة إليه بالتطور السلوكي لحماس والانتقال من الروتين السابق إلى تجربة حرب المعلومات غير المتكافئة. وهذا شيء لم يحدث بين عشية وضحاها، لكن ثماره برزت في يوم واحد.

يصف القائد في الحرس الثوري، مجتبى أبطحي، "طوفان الأقصى" بأنها معركة تحرير فلسطين(33)، لكنها ليست معركة يشارك فيها الجميع، و"ما يقوم به بعض الإخوة في محور المقاومة هي بعض الإجراءات من باب التعاطف والتعاون".  ويؤكد أبطحي أن المقاومة "لم تستخدم 5% من طاقتها، وإذا استخدمت قوتها وتعاظم الطوفان فإن العدو سيقع في مشكلة أكبر"(34).

غزة طالبت بالمزيد

على الجانب الآخر، انطلقت دعوات واضحة من قيادات حركة حماس في الخارج إلى إيران ومحور المقاومة لتقديم المزيد؛ فقد شكر رئيس حركة "حماس" في الخارج، خالد مشعل، "حزب الله" على موقفه من الحرب لكنه رأى أنه غير كاف؛ وقال: "حزب الله قام مشكورًا بخطوات، لكن تقديري أن المعركة تتطلب أكثر، وما يجري لا بأس به لكنه غير كافٍ"(35). وبعد أيام من هذا التصريح، أكد مشعل أن "حزب الله وإيران دعمونا بالسلاح والخبرة ونطلب المزيد"(36). بدت التصريحات وكأنها تحمل اتهامًا مبطنًا للحزب بأنه تخلى عن المقاومة الفلسطينية ولم يقدم ما وعد به، فيما قرأ البعض تصريحات مشعل على أنها "تصفية حساب قديم مع الحزب" ردًّا على ما لحق به على أيديهم عندما زار لبنان، في ديسمبر/كانون الأول 2021، إذ جرى الضغط لإفساد الزيارة وإلغاء عدد من المقابلات مع مسؤولين لبنانين ومنهم رئيس مجلس النواب، نبيه بري، الذي اعتذر عن لقاء مشعل، فضلًا عن مقاطعة حلفاء الحزب في تحالف 8 آذار الزيارة(37).

 وظهر داخل الحركة من يلوم حزب الله على أدائه غير مشعل وهو موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي للحركة، الذي سبق أن أثار تسريب صوتي له شكوكًا بشأن جدية إيران في دعم المقاومة الفلسطينية؛ ففي تعليقه على ردِّ "حزب الله" على عملية طوفان الأقصى، قال أبو مرزوق: "بمنتهى الصراحة كنا نتوقع أن يكون التفاعل مع الحدث أكثر كثيرًا مما جرى". وفي تصريح آخر للعربية أكد أن "الحركة تدفع بكل القوى التي تريد أن تقاتل بهذه المعركة من حزب الله وإيران، وذلك في ردٍّ عن سؤال بشأن وجود أي تنسيق مع حزب الله في العمليات العسكرية"(38).

وتحدثت تسريبات من اجتماعات داخلية للحزب بأن عملية "طوفان الأقصى" كانت جزءًا من عملية شاملة كان يفترض أن تشمل فتح الجبهة الشمالية وجبهات أخرى في وقت واحد بناءً على توقيت تحدده الجمهورية الإسلامية. وتأخذ هذه التسريبات على "حماس" تفردها بعمل تجاوز ما قررته "قيادات المحور". ويشي هذا العتب، بأن كتائب "القسام" تفرض على "حزب الله" توقيتها(39).

لكن صوتًا آخر من داخل حركة حماس، هو الشيخ الشهيد، صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وصف أداء محور المقاومة خلال معركة "طوفان الأقصى" بأنه متقدم، ولاسيما حزب الله واليمن، وأشاد بدور المقاومة العراقية التي تضرب القواعد الأميركية في سوريا والعراق، ورأى أن "ضرب الكيان من أي منطقة عربية أو إسلامية واجب مقدس في مناصرة الأقصى". مُطالبًا بتصعيد العمل ضد الاحتلال الإسرائيلي. وتحدث العاروري، عن وجود "تشييع شهداء في لبنان كل يوم"، مشددًا على الثقة التي تحكم العلاقة بين أطراف محور المقاومة "نثق بالإخوة في حزب الله، ونأمل أن يرفعوا من مشاركتهم بالمعركة، وصولًا إلى المواجهة الكبرى لحسم المعركة"(40).

لم يمض وقت طويل حتى اغتالت إسرائيل نائب رئيس حركة حماس، الشيخ صالح العاروري، الذي كان من المؤمنين بـ"وحدة ساحات المقاومة" والعاملين على تعزيزها والمدافع عن العلاقة مع إيران. وقبيل اغتيال الشيخ صالح في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية، بيروت، اغتالت إسرائيل في سوريا القائد في الحرس الثوري الإيراني، رضا موسوي، في 25 ديسمبر/كانون الأول 2023، فنعته حركة حماس، ويُعرَف بأنه صاحب الدور الكبير في نقل الأسلحة إلى محور المقاومة.

تصف صحيفة "إيران" القيادي في حزب الله، حسن حب الله، بأنه مهندس العلاقات مع حركات المقاومة الفلسطينية، وأنه الشخص الذي أدار ملف القضية الفلسطينية في حزب الله في أصعب الأوقات، وهو الصندوق الأسود لعلاقات حزب الله مع مختلف الفصائل الفلسطينية. وفي مقابلة معه تسأله الصحيفة: هل كان حزب الله يعرف توقيت وتفاصيل عملية اقتحام الأقصى؟

يوضح حب الله: النقطة الأساسية للمقاومة هي عدم تدخل أي طرف في تفاصيل عمل الطرف الآخر. على سبيل المثال، يقوم أصدقاؤنا في اليمن بتخطيط وتنفيذ خطة، ونحن نرحب بها بشكل عام كحركة مقاومة. ومن الطبيعي أن يكون لكل جماعة وحركة طريقتها الخاصة، كما أن لـ"طوفان الأقصى" خصائصها الخاصة(41). ويؤكد حب الله في هذه المقابلة: "الأصدقاء والأعداء يعرفون جيدًا أن هذه العملية صممها ونفذها الفلسطينيون أنفسهم"(42). ويرى أن من حقهم اتخاذ أي إجراء ضد المحتل؛ لأن أرضهم محتلة والمقاومة حقهم القانوني والمشروع. إنهم يريدون فقط تحرير أرضهم وأسراهم، ولا يستطيع أحد أن يحرمهم من هذا الحق، عدوًّا كان أم صديقًا.

واستنادًا إلى هذه التوضيح، يبين حب الله "أن جميع مراحل عملية طوفان الأقصى، من القرار إلى تصميمها وتنفيذها، كانت فلسطينية. ومن الواضح أن كتائب عز الدين القسام هي المسؤولة"(43). لكن فيما يتعلق بمعرفتهم بهذه العملية، يقول: لم يكن أحد في محور المقاومة يعلم في أي يوم ستتم العملية. حتى إن العديد من قادة وقيادات حماس لم يكونوا على علم بهذا الموضوع. ولذلك، كغيرنا من قوى المقاومة، لم نكن على علم بتفاصيل هذه العملية، وفي الوقت نفسه، نعتبر ما فعلته حماس هو الحق الطبيعي لهذه الجماعة والشعب الفلسطيني(44).

فهل يعني هذا أن حزب الله كان يعلم أن شيئًا بهذا الحجم سيحدث، لكن توقيت العملية وتفاصيلها لم يكن يعرفها؟

 في الأشهر التي سبقت طوفان الأقصى، نُشرت صور للشهيد صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وزياد النخالة، زعيم حركة الجهاد الإسلامي، في لقاء مع السيد حسن نصر الله، وكان اجتماعًا لافتًا للاهتمام، وتمت متابعة مناورات حزب الله قرب حدود إسرائيل بجدية. وقد رأى البعض في تلك الاجتماعات دليلًا على التنسيق بين حزب الله وحماس في التخطيط لعملية 7 أكتوبر/تشرين الأول.

من المنطق القول: إن حماس والجهاد الإسلامي هما حركتا مقاومة، وقد تقومان في أي لحظة بعمليات في غزة والضفة الغربية، وهذا مبدأ عام ولكن "تفاصيل كل عملية مثل الطريقة والموقع وغيرها من التفاصيل تكون تحت تصرف المجموعة العاملة والحركة. وليس مطلوبًا منهم التشاور مع أحزاب المقاومة الأخرى"(45).

وتعليقًا على هذه اللقاءات والإشارات، يقول حب الله: "نعم، اللقاءات والعلاقات بين حزب الله وحماس وحركة الجهاد الإسلامي وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى كانت موجودة دائمًا ولم تنقطع قط، ولا ينبغي بالضرورة أن يتم ذلك اللقاء وهذه الصورة على مثل هذا المعنى. إذا رجعت إلى الأرشيف، ستجد أن لقاءات عديدة بين قادة حزب الله والمقاومة الفلسطينية تُعقد بشكل روتيني. إسماعيل هنية جاء إلى بيروت قبل أربعة أشهر، وعقد لقاءات عديدة مع قيادات في حزب الله، ومن بينهم السيد حسن نصر الله، ونُشرت الصور. وبهذا التفسير لا يمكن القول بشكل قاطع: إن هذه اللقاءات كانت مرتبطة بعملية "طوفان الأقصى"(46).

يسوق حب الله هذا الكلام من باب الإقرار بالفضل للمقاومة الفلسطينية: يجب أن ننظر إلى طوفان الأقصى على أنه انتصار فلسطيني خالص، ولم يشارك أي طرف آخر بشكل مباشر في هذا النصر، ولكن من الطبيعي أن حزب الله، بقبوله مسؤولية مساعدة غزة اليوم، يؤدي واجباته على نحو مسؤول(47).

ينقض حب الله الرواية التي تقول: إن ما وقع كان فخًّا نصبه الإسرائيليون لحماس والفلسطينيين بهدف تدمير المقاومة وحتى تغيير التركيبة السكانية في غزة إن أمكن. يقول مسؤول حزب الله: "أنا أرفض مسألة تضحية إسرائيل بـ 1400 شخص. حتى التضحية بـ 100 شخص لتحقيق مثل هذا الهدف. لا، لم يكن فخًّا، بالعكس كانت عملية ناجحة. أسهمت عدة عوامل في نجاح هذه العملية؛ أولًا: عملية خداع المعلومات التي تقوم بها حماس بطريقة لم يفهم فيها الإسرائيليون النوايا الحقيقية لحماس. ثانيًا: اختيار الوقت واليوم المناسب لإجراء العملية. ثالثًا: تأخر دخول سلاح الجو إلى العملية، والذي بسبب اختلاط قوى المقاومة بالمستوطنين، أصبح احتمال حدوث قصف جوي من هذا النوع الذي نشهده في غزة هذه الأيام غير ممكن بالأساس. أبعد من ذلك، كانت هناك مشاكل بين نتنياهو والمعارضة، وهذا الأمر أثَّر بشكل كبير على الجيش. ومن كل هذه العوامل انهارت جبهة العدو سريعًا. لقد كان هذا حدثًا غير مسبوق وضربة قاتلة لإسرائيل. كانت أحداث طوفان الأقصى بمثابة تذكير بحرب يوم الغفران(48).

لكن ما حدث بعد هذه العملية أن أميركا انخرطت في المواجهة، وجاء الرئيس الأميركي إلى إسرائيل؛ فقال: "نحن معكم في هذه الحرب"، وعكس ما يعتقده كثير من الناس، فإنه لا توجد حتى الآن معاهدة دفاعية بين أميركا وإسرائيل، لقد أعلن بايدن صراحة أنه جزء من الحرب ضد حماس والمقاومة، وأرسل سفنه وقواته إلى المنطقة علنًا وبتشكيل قتالي.

يرى حب الله أن ما غيَّر المعادلة إلى حدٍّ ما هو التدخل الأميركي الصريح وإدارته للحرب: "إنهم يقودون الحرب رسميًّا ويتحملون تكاليف الحرب وعواقبها؛ وهذا شجَّع الإسرائيليين على ارتكاب الجرائم، وشجع الأميركيون الإسرائيليين رسميًّا على الانتقام. ووجهوا رسالة إلى دول المنطقة وحركات المقاومة مفادها أن إسرائيل تريد الانتقام من حماس والمقاومة الفلسطينية، وعليكم أن لا توسعوا نطاق الحرب.. وهذا الخطاب الأميركي لا يحمل رسالة سوى ارتكاب الجرائم بحق الفلسطينيين في غزة وتهجيرهم، والحقيقة أن الإسرائيليين يتنفسون برئتي الأميركيين"(49).

يرد حب الله في عدد من النقاط على اتهام حزب الله بالتقصير في نصرة غزة وحماس، وأنه لم يدخل المعركة كما كان ينبغي:

  • في الأساس، نحن ندفع ثمن الدفاع عن فلسطين منذ أربعة عقود. وكان دورنا هو الأكثر دعمًا؛ دعم الشعب الذي يريد التحرر من نير الاحتلال. ولكن من يريد أن يكون حرًّا؟ الشعب الفلسطيني يريد أن يتحرر من هذا الظلم. مهمتنا هي المساعدة، لكن هذا لا يعني أننا نقاتل بدلًا منه. هو نفسه يناضل من أجل تحرير أرضه ونحن نساعده.
  • النقطة الثانية هي أن فتح جبهة حرب أخرى ليس بالضرورة في مصلحة غزة. خلال حرب الـ 33 يومًا، اقترح السوريون فتح جبهة من الجولان لتخفيف الضغط على حزب الله ونحن في حزب الله لم نقبل بهذا الاقتراح؛ لأنه قد يزيد الوضع صعوبة وسوءًا ويأخذه إلى اتجاه خارج عن حساباتنا.
  • النقطة الثالثة هي أننا دخلنا الحرب عمليًّا منذ اليوم الثاني طوفان الأقصى. لقد دخلنا عمليًّا في معركة مع الإسرائيليين على حدود جنوب لبنان مع فلسطين. أردنا أن نبعث هذه الرسالة إلى الإسرائيليين والأميركيين بأن غزة ليست وحدها. كما قمنا بتحويل جزء من القوة العسكرية للنظام إلى الشمال حتى لا يتمكن من القتال بكل قوته وتركيزه في غزة. ويتمركز نحو 40% من قوة النظام على الحدود مع لبنان. لقد قدمنا ​​حتى اليوم عشرات الشهداء، وهو رقم كبير جدًّا بالنسبة لحزب الله.

وفي الخلاصة، يرى حب الله أنه لا ينبغي للمرء أن يتوقع إجراءات غير محسوبة. ومهما أرادت المقاومة أن تفعل فإنها ستحسب نتائجه وآثاره(50).

لكن هل يعد هذا الجواب مقنعًا للحلفاء؟ يجيب حب الله:

نحن على اتصال، أعتقد أنهم فهموا جيدًا أنه إذا تم فتح الجبهة الثانية من الشمال على نطاق واسع، فإن غزة ستفقد أهميتها إعلاميًّا سريعًا، وهذا هو ما تريده إسرائيل لتكثيف الجريمة ويطلق يدها أكثر. لا ينبغي التعامل مع هذه القضية عاطفيًّا. سيتم توضيح العديد من القضايا في المعركة البرية. يجب أن تحدث المفاجآت الرئيسية هناك. اليوم، تكبد الإسرائيليون خسائر فادحة في التقدم البري. ونتيجة لهذا الإحباط واليأس، تعالت اليوم أصوات من بعض الأوساط الإسرائيلية تتساءل: هل يمكن القضاء على جزء من حماس على الأقل؟ يعني أنه تدريجيًّا وبعد تزايد عدد الضحايا، استقر جزء من مجتمع النظام الصهيوني على تحقيق إنجاز بسيط(51).

يستغرب حب الله أن يتساءل البعض: هل سيدخل الحزب الحرب أم لا؟ فيؤكد أن "حزب الله لم يترك حماس وغزة لحالهما منذ اليوم الأول للحرب، وفي اليوم الثاني دخل الحرب رسميًّا ضد النظام الصهيوني ولم يتردد لحظة واحدة". يستدرك حب الله: "نحن جزء من المقاومة وثقافة المقاومة منذ أربعين عامًا مع العلم بأننا لسنا الحكومة ولا الجيش الذي نقرر خوض الحرب أم لا. نحن قوة المقاومة ضد المحتلين والمعتدين. ولذلك، نحن دائمًا في حالة حرب. لكن هذا لا يعني أن هذه الحرب يجب أن تكون بالضرورة واسعة النطاق وشاملة. في الخطوة الأولى لتدمير إسرائيل، يجب علينا خلق الردع ضدها ومراقبتها باستمرار؛ فإذا بدأ العدوان علينا أن نرد عليه مثل ما حدث في موضوع النفط والغاز في لبنان"(52). إن معادلة الحزب التي يؤكدها حب الله هي: "ما دامت إسرائيل موجودة، فنحن في حالة حرب معها، لكن الحرب ليست دائمًا منتظمة وكلاسيكية. نعم، نحن اليوم في حالة حرب، ولكننا لا نعلن الحرب والهجوم الشامل. إذا أردنا أن نفعل شيئًا، فإننا نفعله. نحن في حالة دفاع عن أرضنا، ونقف علنًا إلى جانب الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية وندعمها حتى تحرير كافة أراضيها وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف"(53).

يشرح أسامه حمدان طبيعة العلاقات بين أطراف محور المقاومة: منذ عدة عقود، يجري العمل المشترك بين فصائل المقاومة، ويتم تحديد الأهداف لمواجهة الكيان الصهيوني. على سبيل المثال، يتم تنفيذ أي عملية، سواء في لبنان أو فلسطين أو أي مكان آخر، من قبل جهة موجودة بشكل مباشر في مكان المواجهة، لكن الإطار العام ومنظور هذا المسار واضح. هناك قضايا تم الاتفاق عليها من قبل الجميع، مثل تطور دور المقاومة، لكن تفاصيلها يحددها ميدان العمليات والظروف القائمة، ولهذا السبب لا يمكن القول: إن تفاصيل "طوفان الأقصى" كانت معروفة للجميع(54). لكن الحقيقة هي ما قاله القائد الأعلى للثورة في إيران، آية الله علي خامنئي، بأن "التخطيط والإعداد لهذه العملية تم تصميمه وتنفيذه بأيدي الشباب الفلسطيني"، سواء كتائب القسام أو سرايا القدس(55). 

وتبعًا لظروف المواجهة كان عدد قليل فقط من القادة على علم بالوقت المحدد لتنفيذ هذه العملية، وهو ما يشرحه حمدان بالقول: إن الاتجاه العام والتوجه واضح على مستوى القيادة، لكن الظروف هي التي حددت التوقيت الدقيق لهذه العملية وتفاصيلها للتعامل مع العدو. وبطبيعة الحال، ومن أجل الامتثال لمبادئ الحماية والأمن، كان الوقت المحدد لتنفيذه سريًّا. على أية حال، فإن عددًا محدودًا من القادة العسكريين كانوا على علم بزمن وكمية ونوعية هذه العملية قبل تنفيذها. ما كان واضحًا هو أن المقاومة تخطط للدخول في المرحلة الهجومية لصراع طويل الأمد وتوجيه ضربة فعالة للكيان تقود إلى تحرير الأراضي المحتلة(56).

توجه صحيفة "إيران" سؤالًا للحركة عن بعض التسريبات التي قالت: إن "محور المقاومة وحزب الله اللبناني أدخلا حماس في هذه المعركة ثم تخلوا عنها"، وترد الحركة بالقول: "إذا نظروا إلى حماس إلى هذا الحد، فهذا مضحك للغاية. ولو أرادت إيران أو حزب الله إشراك حماس في مثل هذه المعركة، لكان بإمكانهما فعل ذلك قبل عشر أو عشرين سنة. نحن قوة مقاومة ولن ننسى كيف دعمنا وساعدنا إخواننا في الجمهورية الإسلامية وحزب الله حتى نتمكن من مواجهة العدو"(57)، وهذا أمر لا يفكر فيه إلا إنسان لا علم له بطبيعة علاقتنا مع إيران وحزب الله...ويؤكد حمدان: "في المواقف الصعبة نعلق أملنا في إيران وحزب الله وليس على الآخرين، لأننا على يقين من أن محور المقاومة لديه مكونات لديها قوة اتخاذ القرار والشجاعة لتنفيذ القرار"(58).

ربما ظن البعض أن كافة مكونات محور المقاومة ستقوم بعمل مماثل لما قامت به حماس في طوفان الأقصى، لكن حمدان يتحدث عن "رؤية تؤدي إلى المصالح الجماعية للمقاومة ومشروع هزيمة الكيان الصهيوني"(59). يفصِّل حمدان في هذه الرؤية بالقول: قصف إخواننا في حزب الله مناطق شبعا المحتلة في اليوم الثاني لعملية اقتحام الأقصى، وخلال هذه الفترة توسعت عملياتهم وقدموا عشرات الشهداء. عدا عن ذلك، ففي جنوب لبنان هناك سكان قرى يصبرون كثيرًا ويشاهدون بصمت جرائم الصهاينة في مناطقهم. ويرون أن الصهاينة أخلوا جميع مستوطناتهم حتى عمق سبعة كيلومترات من الحدود اللبنانية بسبب الخوف من هجمات حزب الله اليومية. ويضرب حزب الله وأنصار الله في اليمن نظام الاحتلال يوميًّا بإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة(60).

ومن ناحية أخرى، فإن إخواننا المقاومين في العراق أعلنوا منذ اليوم الأول أن دخول أميركا في هذه الحرب يعادل الخسائر التي ستلحقهم من المقاومة العراقية. أصدرت الولايات المتحدة اليوم بيانًا رسميًّا مفاده أن الولايات المتحدة لها دور استشاري فقط ولا تشارك في العملية، وهناك من يريد تشويه الصورة. لا يمكنك إقناعهم. هذه تتطلب إعادة البناء العقلي(61).

المحور وصبر أنصار الله

يقيم أبطحي، وهو فضلًا عن  كونه من قيادات الحرس الثوري يرأس مؤتمر دعم الانتفاضة الفلسطينية، الحالةَ في محور المقاومة: "الحمد لله، إلى الآن يقوم حزب الله بتنفيذ ما خطط له سابقًا بشكل جيد، الإخوة اليمنيون لمواقفهم من الصهيونية لا يستطيعون ضبط أنفسهم وأسهموا بصورة أولية، وإذا تقرر خوض المعركة فإن مئات الآلاف من المقاتلين اليمينين سوف يلتحقون بالقتال"(62).

بصورة معلنة، هددت الجماعات المدعومة من إيران والمنضوية ضمن "محور المقاومة"، إسرائيل وهاجمتها، بما في ذلك حزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن، والجماعات المسلحة في سوريا والعراق، وأرسل ذلك رسائل واضحة بأن المنطقة تشهد قتالًا عابرًا للحدود الوطنية، مما يرفع من مخاطر توسيع ساحة المواجهة.

سارع الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى نشر حاملتي طائرات في شرق البحر الأبيض المتوسط وقوات خاصة في المنطقة، وتزامن ذلك مع الهجمات ضد القوات الأميركية في سوريا والعراق وتطابق ذلك مع الهدف الإيراني المعلن منذ 2020 عقب اغتيال سليماني، وهو "إخراج أميركا من المنطقة"، فيما واصلت إيران التحذير من صراع إقليمي أوسع يهدد المنطقة. وترافق ذلك مع تساؤلات عن القدرة العملياتية لوكلائها.

دخلت "أنصار الله" في حرب السفن بين محور المقاومة وإسرائيل، واستهدفت السفن الإسرائيلية تضامنًا مع غزة. ففي الـ19 من نوفمبر/تشرين الثاني   2023، سيطر أنصار الله على السفينة الإسرائيلية "جالاكسي ليدر"، ونقلتها وطاقمها إلى الساحل اليمني. وفي 25 من الشهر نفسه، هاجمت طائرة يمنية بدون طيار سفينة أخرى مملوكة لشركة زيم الإسرائيلية. وفي الـ3 من ديسمبر/كانون الأول 2023 تم استهداف سفينتين إسرائيليتين في باب المندب، وهما: سفينة "يونِتي إكسبلورر" وسفينة "نمبر ناين"، كان استهداف السفينة الأولى بصاروخ بحري والثانية بطائرة مسيرة بحرية(63).

تعاظم انخراط أنصار الله في المواجهة، وتعهدت الجماعة باستهداف كل سفينة شحن متجهة إلى إسرائيل، بغض النظر عن جنسيتها ومن يقوم بتشغيلها. وقالت الحركة: إن القرار يأتي في إطار تضامنها المستمر مع قطاع غزة الذي يشهد حرب إبادة إسرائيلية أسفرت عن مقتل وجرح عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

بدأت الجماعة حصر عملها في البحر الأحمر باستهداف السفن الإسرائيلية فحسب، ثم ما لبثت أن أعلنت عن توسيع عملياتها لتشمل كل سفينة تتجه إلى إسرائيل مهما كانت جنسيتها؛ "أي سفن متجهة إلى الكيان الصهيوني ستكون هدفًا مشروعًا".

ما لبث التهديد أن تحول إلى فعل في البحر حيث أعلن العميد يحيى سريع، المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية التابعة لأنصار الله، في بيان نُشر على منصة "إكس": "نفذت القوات البحرية في القوات المسلحة اليمنية عملية عسكرية نوعية ضدَّ سفينة "إستريندا" تابعة للنرويج، كانت محملة بالنفط ومتجهة إلى الكيان الإسرائيلي وقد تمَّ استهدافها بصاروخ بحري مناسب"(64).

وأشار البيان إلى أن "القوات المسلحة اليمنية نجحت خلال اليومين الماضيين في منع مرور عدة سفن استجابت لتحذيرات القوات البحرية اليمنية ولم تلجأ لاستهداف السفينة النرويجية المحملة بالنفط إلا بعد رفض طاقمها كافة النداءات التحذيرية. إن القوات المسلحة اليمنية لن تتردد في استهداف أي سفينة تخالف ما ورد في البيانات السابقة"(65).

وفي 13 ديسمبر/كانون الأول 2023، استهدفت الجماعة ناقلة نفط ترفع علم جزر مارشال قادمة من الهند ومتجهة نحو قناة السويس يرافقها طاقم مسلح. وفي 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلنت أنصار الله عن "تنفيذ عملية نوعية ضد سفينتين مرتبطتين بإسرائيل"، مؤكدة أن "عمليات استهداف السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية من أي جنسية مستمرة". وجاء في بيان(66) صادر عن "أنصار الله" اليمنية، أن "القوات البحرية في القوات المسلحة اليمنية، نفذت عملية عسكرية نوعية ضد سفينتين لهما ارتباط بإسرائيل: الأولى: سفينة "سوان أتلانتك" محملة بالنفط والأخرى سفينة "إم إس سي كلارا" تحمل حاويات وقد تم استهدافهما بطائرتين بحريتين". وأوضح البيان أن "القوات المسلحة اليمنية، تجدد طمأنتها لكافة السفن المتجهة إلى كافة الموانئ حول العالم عدا الموانئ الإسرائيلية، بأنه لن يصيبها أي ضرر وأن عليها الإبقاء على جهاز التعارف مفتوحًا"(67). وأكدت الجماعة مرارًا على مطالبها بوقف الحصار عن غزة والسماح بمرور الماء والغذاء والدواء والوقود.

وحتى إعداد هذه الورقة، استهدف "أنصار الله" نحو 26 سفينة متجهة إلى إسرائيل؛ وكان من أبرزها، وفقا لتقرير لوكالة رويترز نشر في 12 كانون ثاني/ يناير 2024، "سفينة أميركية كانت تقدّم الدعم لإسرائيل"، مستخدمين أكثر من 20 طائرة مسيّرة وصاروخًا. ووصفته لندن بأنه "أكبر هجوم" ينفّذه " أنصار الله" منذ بدء الحرب على غزة. كما أعلنت حركة "أنصار الله" اليمنية، يوم الجمعة 28 كانون ثاني /يناير 2024، أن سفينة نفطية بريطانية احترقت بعد استهدافها بقصف صاروخي في خليج عدن. واتهمت القيادة المركزية الأمريكية، "أنصار الله" بمحاولة استهداف المدمرة "يو إس إس كارني" بصاروخ باليستي مضاد للسفن.  وأطلق "أنصار الله" في العمليات السابقة 100 صاروخ أو مسيرة. وفي المجموع شن أنصار الله، وفقا لتقارير وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، أكثر من 100 هجوم بطائرات مسيرة وصواريخ استهدفت سفنا تجارية(68).

في العاشر من يناير/كانون الثاني 2024، اعتمد مجلس الأمن قرارًا يدين هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر، بعد مشروع قرار تقدمت به كل من الولايات المتحدة الأميركية واليابان؛ الأمر الذي مهد الطريق لتنفيذ ضربات ضد مواقع أنصار الله. وهكذا ضرب الجيشان، الأميركي والبريطاني، في 12 من يناير/كانون الثاني 2024، مواقع في اليمن وذلك بعد يوم واحد من استهداف أنصار الله سفينة أميركية خلال عبورها البحر الأحمر قالوا: إنها تقدم الدعم لإسرائيل، واتهمت واشنطن طهران بالتحريض على استهداف السفينة. استهدف الهجوم الأميركي البريطاني 60 هدفًا في 16 موقعًا تابعًا لأنصار الله. لكن مؤشرات عدة تقول: إن هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر ستستمر وهو ما أكدته الجماعة نفسها، وقد تتوسع الهجمات باتجاه خليج عدن وبحر العرب؛ لأن أنصار الله في حاجة إلى إظهار قدرتهم على الردع، والثبات على مواقفهم، ولن يعطلوا الملاحة في البحر الأحمر بشكل كامل لأنهم متمسكون برواية استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل أو التي تقدم دعمًا لها(69).

دأبت إيران في غير مناسبة على النأي بنفسها عن فعل أنصار الله ونفت الاتهامات الأميركية لطهران بالضلوع في هجمات جماعة أنصار الله على سفن تجارية وأنها تقدم المعلومات عن السفن للجماعة، قائلة: إن الجماعة تتصرف من تلقاء نفسها، وإن "المقاومة تمتلك أدوات قوتها وتتصرف بناء على قراراتها وإمكانياتها"(70) .

نشرت "وكالة فارس" المقربة من الحرس الثوري تحليلًا ناقشت فيه أداء أنصار الله في معركة طوفان الأقصى. ورأى التحليل أن دخول اليمن إلى حرب غزة أدى إلى تعطيل المعادلات المحلية والإقليمية والدولية(71)، بحيث نشأت ظروف جديدة على الساحة اليمنية الداخلية. كان الوضع في اليمن إلى قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، يعطي مؤشرات جدية على نجاح المفاوضات السعودية مع أنصار الله، وتمكن ممثلو "حكومة الإنقاذ" الذين توجهوا إلى الرياض بوساطة عمان، من الحصول إلى درجة مقبولة على موافقة على مطالب في مجال تأمين رواتب الموظفين والاستفادة من إيرادات ميناء الحديدة ورفع الحظر الجوي والبحري (السماح بالوصول إلى وجهات طيران وموانئ جديدة).

وكان الموقف السعودي يتجه إلى تجاوز حالة الجمود في المفاوضات، وحتى معارضو أنصار الله في اليمن كانوا يتحدثون عن اتفاق محتمل. ورغم أنه في الداخل اليمني لم تكن أي بادرة سلام بين الأطراف اليمنية، لكن الوضع كان يتجه نحو تخفيف التوترات العسكرية. لقد أبدت السعودية رغبة ملحَّة في التوصل إلى الاتفاق مع أنصار الله لدرجة انتقدتها وسائل الإعلام المحلية المرتبطة بالحكومة في المنفى (المجلس الرئاسي)، ووسائل الإعلام في عدن (الحكومة الانفصالية في جنوب اليمن)، ومجموعات محسوبة على الإمارات العربية المتحدة.

جاءت عملية طوفان الأقصى وأعقبها الهجوم الوحشي الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة، ثم جاء رد أنصار الله بهجمات صاروخية وطائرات بدون طيار، وأعقب ذلك إجراءات ضد السفن الإسرائيلية ثم جميع السفن التي تنقل بضائع إلى إسرائيل. أدى ذلك إلى دخول لاعبين إقليميين مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى المعادلة، وتوقفت مفاوضات السلام مع السعودية التي تصدت دفاعاتها الجوية لصواريخ أنصار الله المتجهة إلى اسرائيل.

أدت هجمات أنصار الله، وفق ما نشره الخبير عمار الشوبكي على حسابه على منصة "إكس"، إلى مجموعة من النتائج الاقتصادية(72)، أهمها:

  • شلل في الموانئ "الاسرائيلية".
  • ارتفاع سعر نقل الحاوية من 900 دولار أميركي الى 2700.
  • قناة السويس تخسر نصف مليار دولار شهريًّا.
  • توقفت 11 شركة شحن ونفط عالمية عن المرور في البحر الأحمر.

يمكن قراءة تحرك الفاعل اليمني (أنصار الله) ضمن أبعاد عدة(73)، مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح وتوجهات اللاعبين المؤثرين في المعادلة، وهما: إيران والسعودية:

البعد الأول: إذا رأينا أن عمليات أنصار الله ضد إسرائيل تعد جبهة جديدة في حرب غزة، فإنها يمكن أن توسع الصراع بين حماس والكيان الصهيوني لتصبح المواجهة إقليمية. ويمكن النظر إلى دخول جهات فاعلة بهذا المستوى في إطار التحذيرات التي أطلقها بعض المسؤولين الإقليميين من تصاعد الصراعات وتوسيع ساحة الحرب، وقد تكون انعكاسًا لاحتمال تصعيد متعدد الساحات. ورغم أن كثيرًا من الأطراف، ومنها إيران، قد ضبطوا حساباتهم وفق منطق معقد وحذر، إلا أن كل شيء يمكن أن يتغير في لحظة ما. وهذا الموضوع يمكن أن يكون خيارًا عمليًّا، خاصة لمحور المقاومة الذي وضع إستراتيجيته الإقليمية منذ عقود على إساس إخراج إسرائيل من المعادلات الإقليمية. خاصة مع تصاعد آلة القتل الإسرائيلية في قطاع غزة.

البعد الثاني: ويتعلق بالعامل الزمني وإمكانيات المواجهة. لأسباب عدة، لا يمكن لحركة أنصار الله، باعتبارها جزءًا من محور المقاومة، أن تكون في حالة حرب مع إسرائيل فترة طويلة من الزمن، على افتراض أن المعركة ستستمر ستة أشهر على الأقل. العامل الأول: هو المسافة بين صنعاء وأقصى نقطة جنوب الأراضي المحتلة والتي تبلغ حوالي 1800 كيلومتر. ومن أجل توجيه ضربات، وإبقاء هذه الجبهة نشطة، لابد من استخدام الصواريخ الباليستية بعيدة المدى مثل مجموعة القدس، بما في ذلك القدس 3 و4 التي يصل مداها إلى 2000 كيلومتر. واستخدامها اليومي على نطاق واسع لا يتوافق مع نوع هذا السلاح.

يتحدث تحليل إيراني نشره موقع "انتخاب" نقلًا عن "دنياي اقتصاد" أن منطق الصواريخ الباليستية هو إحداث تأثير مفاجئ ومدمر، ولا يمكن أن تكون على جدول الأعمال على المدى المتوسط ​​مثل الصواريخ والقذائف قصيرة المدى. تنطبق هذه المشكلة أيضًا على الطائرات بدون طيار، وخاصة عائلة الطائرات بدون طيار صماد ووعيد. أما العامل الثاني فهو تكلفة استخدام الصواريخ الباليستية، والتي تستخدم عادة لدعم القوة الصاروخية من أجل خلق حالة ردع. إن الاستخدام اليومي لهذا السلاح يفرض تكاليف كبيرة على الفاعل المستخدم، وهو أمر ثقيل اقتصاديًّا على اليمن في الوضع الحالي(74).

البعد الثالث: يتعلق بمدى تأثير التصعيد على عملية السلام بين أنصار الله والسعودية، وهو ما يثير أسئلة عما إذا كان استمرار الهجمات اليمنية يمكن أن يثير مرة أخرى مسألة التهديدات ضد الأراضي السعودية وخلق حالة من الانفلات الأمني ​​في المنطقة، تصبح معها سلامة الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب معرضة للتهديد ويتجدد التوتر بين أطراف الأزمة اليمنية فتغادر طاولة المفاوضات لتعود إلى ساحة المعركة. إن تفاقم الوضع ووقف عملية السلام غير المكتملة يمكن أن يؤدي حتى إلى نشر الولايات المتحدة أنظمة دفاع باتريوت في الأراضي السعودية. وهو ما تطالب به الرياض منذ سنوات ويجري نقاشه في أروقة البيت الأبيض والبنتاغون والكونغرس. ويعد نشر السفينة الأميركية المضادة للصواريخ في البحر الأحمر جزءًا من هذا التصور القائم على التهديد. ومن التهديد أيضًا ما أعلن عنه وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، "إطلاق عملية بقيادة الولايات المتحدة ستشمل دوريات مشتركة في البحر الأحمر. وتحت اسم "المبادرة الأمنية متعددة الجنسيات"(75). وجاء في بيان لأوستن أن "البلدان التي تسعى إلى ترسيخ المبدأ الأساسي لحرية الملاحة، عليها أن تتكاتف لمواجهة التحدي الذي تشكله هذه الجهة".  كما كشف عن أن التحالف الجديد "عملية حارس الازدهار"، يضم 10 بلدان. وقال: "إنها تشمل بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا"، مضيفًا أنهم "سيقومون بدوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن".

ولكن موقع "نور نيوز" المحسوب على مجلس الأمن القومي الإيراني تحدث عن تحالف من 40 دولة. وقال تقرير للموقع: بعد اشتباك اليمنيين مع السفن الإسرائيلية في باب المندب، ودخول الولايات المتحدة، أصبحت الأزمة دولية وتم تشكيل تحالف من 40 دولة(76)، وهو في الواقع امتداد للتحالف الأميركي في الخليج، والذي كان من المفترض أن يتخذ إجراءات ضد إيران في مضيق هرمز. والتحالف الجديد، الذي يضم بحسب مصادر غربية 40 عضوًا وتتسع منطقة عملياته نحو 3 ملايين ميل من المياه الدولية (شمال المحيط الهندي والبحر الأحمر)، تم تفعيله هذه المرة لمواجهة أنصار الله في اليمن(77).

النقطة المهمة هي عضوية المملكة العربية السعودية أقوى دولة مجاورة لليمن، والتي من ناحية لا يمكن أن تكون غير مبالية بهذا التحالف؛ لأن الأميركيين سيخفضون أيضًا دعمهم العسكري للمملكة العربية السعودية ردًّا على هذا النهج. ومن ناحية أخرى، فإن أي حضور نشط للسعودية في هذا التحالف وإجراءاتها ضد حكومة الإنقاذ الوطني قد يعني الفشل التام لمفاوضات السلام مع حركة أنصار الله التي أعطتها مشاركتها في الحرب على غزة زخمًا شعبيًّا واستعراضًا للقوة.

وبناء على قراءة تحالفات أميركا القديمة، توقَّع تقرير مجلس الأمن القومي الإيراني فشل تحالف البحر الأحمر(78)؛ خاصة أن التحالف المذكور ضد اليمن الذي خرج من الاختبار القاسي لحرب الثماني سنوات مع أحدث الجيوش في المنطقة، واليوم يعترف المحللون بأنه لا يمكن تجاهل دور اليمن في تحديد مصير المنطقة. كما أن الأوضاع التي تحكم البحر الأحمر هي من نتائج جرائم الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين، وخاصة في غزة. وأكد اليمنيون مرارًا وتكرارًا أن أفعالهم في البحر الأحمر هي فقط ضد سفن الكيان الصهيوني أو السفن التي تنفذ عمليات النقل التابعة لهذا الكيان، وطالما استمرت جرائم هذا الكيان في غزة فإن اليمن سيستمر في استهدافه في البحر الأحمر. وبناء على ذلك فإن الحل المنطقي والنهائي لإعادة الأمن إلى البحر الأحمر هو وقف وحشية الصهاينة وإنهاء الحصار والبدء في إعادة إعمار غزة(79).

البعد الرابع: ويتعلق هذا البعد بصورة جوهرية بتجدد التوتر في العلاقات بين أنصار الله والسعودية، فإن العلاقات المنتعشة بين طهران والرياض يمكن أيضًا أن تشهد انتكاسة، لا تريدها إيران ولا السعودية في المرحلة الحالية؛ إذ لا تحمل أي ميزة إستراتيجية لأي منهما، على الرغم من أنها يمكن أن تحقق الحد الأدنى من الفوائد لبعض الأطراف(80).

في هذه المواجهة يجري مراقبة موقف الإمارات وذلك لمعارضتها الاتفاق السعودي مع أنصار الله وباعتبارها حليفًا لإسرائيل في منطقة الخليج. الإماراتيون، الذين استُبعدوا من المفاوضات السعودية يقدمون مساعدة لإسرائيل. ولقطع الطريق على مشاركة الإمارات في تحالف دولي ضدها هدد أنصار الله بمهاجمتها. وإذا تم استهداف الإمارات، فيمكننا عمليًّا الحديث عن حدوث صراع إقليمي شامل، لا يمكن التنبؤ بعواقبه على جميع الأطراف(81).

المواجهة المستمرة والمستترة

منذ استهداف قاعدة مشاة البحرية الأميركية، في 23 أكتوبر/تشرين الأول 1983، في لبنان، استخدمت إيران وكلاءها بشكل مستمر لمهاجمة القوات الأميركية. لكن لم يقم الحرس الثوري ولا أي قوة إيرانية أخرى بمهاجمة القوات الأميركية بشكل مباشر باستثناء مهاجمة عين الأسد ردًّا على اغتيال الولايات المتحدة الجنرال قاسم سليماني في 2020. كما أسقطت إيران مسيرة أميركية من طراز طائرات التجسس بدون طيار والتي يُطلق عليها طائرات الاستطلاع البحري واسع النطاق (737 BAMS-D) في 2019، كما حدثت مجموعة من الاحتكاكات مع الوحدات الأميركية في الخليج. مع ملاحظة أن أيًّا من هذه الاحتكاكات، لم تؤد إلى مواجهة مباشرة، وهو ما ينسجم مع الإستراتيجية الدفاعية التي تسعى إلى درء المواجهة ما استطاعت إيران إلى ذلك سبيلًا.

شكَّلت المرحلة التي أعقبت اغتيال الجنرال سليماني مرحلة جديدة في حروب الظل والمواجهة غير المباشرة مع واشنطن، خاصة في ظل هدف إيران المعلن: إخراج الولايات المتحدة الأميركية من المنطقة. بدأ حلفاء إيران يهاجمون القوات الأميركية، وشهدت الهجمات تصاعدًا تارة وتراجعًا تارة أخرى ضمن إيقاع بدا أن طهران تضبطه استنادًا لمجموعة من العوامل الإقليمية والدولية، وقابل هذه الهجمات رد فعل أميركي محدود ومدروس كذلك.

ومنذ بداية 2021 حتى منتصف 2023، نفذ حلفاء إيران من اللاعبين غير الحكوميين ما يقرب من 80 هجومًا بطائرات مسيرة أو صاروخية ضد القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة وردت القوات الأميركية على 12 هجومًا منها(82). ومما لا شك فيه أن أحد أسباب رد الفعل الأميركي الصامت هو رغبة واشنطن في عدم تصعيد المواجهة مع طهران سعيًا لإحياء الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 2018، وانشغالها بأولويات أخرى، وقد يعود ذلك إلى تقديرات أميركية بانتفاء التهديد الجدي من هذه الهجمات، وأخذها بعدًا لا يتعدى جانبه الاستعراضي.

بعد "طوفان الأقصى" وتواصل العدوان الإسرائيلي على غزة، انخرطت المجموعات الموالية لإيران بدرجات متفاوتة في الصراع ونفذت هجمات على القوات الأميركية في سوريا والعراق. وقالت وزارة الدفاع الأميركية إنه جرت مهاجمة القواعد الأميركية 56 مرة بطائرات بدون طيار وصواريخ منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأصيب 59 جنديًّا أميركيًّا بجروح مختلفة. كما أطلق أنصار الله ثلاثة صواريخ كروز وهاجموا بعدة طائرات مسيرة مدمرة صواريخ أميركية موجهة في البحر الأحمر.

إن الزيادة الكبيرة في الهجمات على القوات الأميركية، فضلًا عن احتمال عدم التوصل إلى اتفاق نووي قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2024، ستدفع إلى تصاعد الهجمات الانتقامية الأميركية ضد حلفاء إيران في الإقليم. ونفذ الجيش الأميركي ثلاث هجمات كان أبرزها سلسلة من الضربات في شرق سوريا، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني   2023، ضد مرافق التدريب والدعم اللوجستي والتخزين في البوكمال. واكتفت إيران بالإدانة مع محافظتها على سياسة تجنب خوض الحرب. ولكن التحدي يكمن في قدرة إيران على مواصلة سياسة الإنكار وإستراتيجية تجنب المواجهة، وما إذا كان ذلك سيحول دون ضربات أميركية وإسرائيلية تكون نتيجتها خسارة طهران للنفوذ الذي بنته على مدى أربعة عقود.

وتنسجم هجمات حزب الله ضد اسرائيل في الجبهة الشمالية مع سياسة عدم الرغبة في توسيع ساحة المواجهة، وفي حين تبدو جماعة أنصار الله غير قادرة على تحمل الجرائم الإسرائيلية وأن مستوى المواجهة ومساحتها قرار اتخذته الجماعة في صنعاء، تُبدي المجموعات الأخرى، وفي مقدمتها حزب الله، التزامًا بالخطة الإيرانية أو الخطة الموضوعة لـ"محور المقاومة"؛ وهي التي تهدف بصورة أساسية إلى حماية النظام في إيران، ومنع استهدافه بعمل عسكري مباشر. وهذا في المحصلة لعبة خطرة حتى إيران نفسها لا تضمن نتائجها.

الحسابات الدقيقة ومحاولة تجنب الخسائر

جاء "طوفان الأقصى" في فترة تسعى فيها إيران بشكل حثيث إلى طي صفحة خلافاتها مع العربية السعودية، في محاولة للبحث عن مسارات وبدائل لتجاوز العقوبات والخروج من حالة التردي الاقتصادي الذي تواجهه البلاد منذ سنوات، ورأى كثير من مخططي سياستها أن هذا التقارب مع السعودية من شأنه إن لم يكن إيقاف مبادرات السلام السعودية-الإسرائيلية فإبطاؤها. وجاءت سياسة "أولوية الجوار" لحكومة رئيسي في وقت كانت تتم فيه عمليات التطبيع على مرأى ومسمع طهران، وعلى بعد مسافة قصيرة من حدودها.

في الوقت ذاته، لا تستطيع طهران التخلص من تبعات شعاراتها وسياستها تجاه القضية الفلسطينية، ولكن وفي لحظة
"طوفان الأقصى الفارقة" بدا وكأن إيران تُجري عملية فصل بين العداء لإسرائيل ودعم القضية الفلسطينية. ولذلك، فإن "شعارات إزالة إسرائيل من الوجود" التي دأب قادة الحرس على ترديدها تتعلق بمستوى آخر من المواجهة تكون إيران ضالعة فيه بل وتكون هي قائدتها، وليس المقاومة الفلسطينية، ولذلك عندما يصل الحديث إلى دعم المقاومة نجد حديثًا من مثل "واجبنا تقديم المساعدة للمستضعفين وليس القتال نيابة عنهم" و"نحن نعلِّم حماس الصيد ولكن لا نصيد نيابة عنها". ولذلك يبدو من الصعب تصور أن تنخرط إيران التي بنت استراتيجية دفاعية حذرة تقوم على الردع في فعل عسكري خلف المقاومة الفلسطينية التي تدعمها. وقد يفسر ذلك الأداء المضبوط والمحسوب لحلفاء إيران وعلى رأسهم حزب الله.

بعد الأيام الأولى التي أعقبت "طوفان الأقصى"، نشر حميد عظيمي، وهو باحث يرأس مركز "مرصاد"، تحليلًا بدا مختلفًا عن اللغة السائدة في إيران، قرأ مبكرًا الموضوع من باب اليوم التالي للحرب. والحقيقة أن مقال عظيمي فيه كثير من القضايا التي تستحق النقاش، يقول عظيمي: قبل خمس سنوات، خلال المناقشات التي أجريتها حول تقرير "من البحر أو النهر"، أثار أحد الأصدقاء، الذي يتمتع بخبرة سنوات عديدة في دوائر صنع القرار العليا في الدبلوماسية العربية، نقطة مثيرة للاهتمام؛ هي أن السياسة الرسمية للجمهورية الإسلامية كانت تهدف إلى القضاء على إسرائيل، أكثر من دعم فلسطين. ورأى ضمنًا أن سبب عدم الاهتمام بمسألة «حق العودة» مقارنة بـ«القدس» هو نزعة واعية(83).

لا يوجد شك في أن النواة الصلبة للسلطة في إيران مقتنعة أن بلدها في حالة حرب مع الكيان الصهيوني. لكن في مواجهة هذا اليقين السلبي، يشكك عظيمي في أن السياسي الإيراني يمكن أن یتصور تشكيل دولة فلسطينية كاملة؛ فمنذ البداية كنا ضد حتى أن تصبح حماس حكومة وهو هنا يشير إلى المداولات التي جرت قبل مشاركة حماس في الانتخابات، فقد كانت دوائر صنع القرار الإيرانية تُجمع على معارضة المشاركة وهو ما رفضته الحركة فخاضت الانتخابات التي فازت بها في 2006.

عدَّدت إيران يومها الأسباب التي تقف خلف معارضتها ومنها القلق من وقوع حماس في مسؤولية لقمة عيش المواطنين وإبطاء ممارساتها الجهادية. لكن هناك ما يصفه عظيمي بـ"الشكوك المشروعة (التي) تنبع من نصف قرن من تفاعلنا الوثيق مع المجاهدين الفلسطينيين. مصدر هذه الشكوك يتجاوز تجربة انزلاق "فتح" المريرة إلى هاوية أوسلو، ويصل إلى ما هو أبعد من السياسة(84).

يفصِّل عظيمي: فإيران باعتبارها قوة تقف خارج العالم العربي على حاشية المذاهب الإسلامية، جعلها أمام وضع مزدوج متعدد الهويات؛ فمن ناحية يُشعرها التحديد الدقيق لهوية المقاومة بالارتياح، ومن ناحية أخرى فقد تم وضع إيران بشكل غير عادل خلف السعودية ومصر وتركيا في ما يتعلق بالموقف من القضية الفلسطينية(85). ونتيجة هذا الوضع فإيران ترحب تمامًا بإفراغ الفضاء الفلسطيني من المحتلين، ولكن حتى الآن ليس لديها صورة واضحة عن إعادة ملء هذا الفضاء بالفلسطينيين (عودة اللاجئين). إن استعادة الأرض تتطلب بلا شك القوة الصارمة والنزعة العسكرية، لكن إعادة بناء الأمة وإحياء الحكومة الفلسطينية يعتمدان بشكل كبير على الإرادة والعمل السياسي الذي لديه القدرة على الاستيلاء على الناس والجماهير.

ولكن وتبعًا لمعطيات كثيرة، يتعين على إيران أن تمنع سقوط حماس بأي ثمن، وإن كانت الإستراتيجية الحالية غير كافية للاقتراب من تحرير فلسطين من البحر إلى النهر. وسواء أخرجت حماس منتصرة من هذا الميدان أم سقطت، فإن رد فعل الأغلبية الفلسطينية سيكون مهمًّا. أغلبها، 3 ملايين منها في الضفة الغربية وملايين منها تقع في الضفة الشرقية لنهر الأردن. وإذا لم يتم إحداث الانفجار السياسي في مناطق الـ 48، الضفة أو الحدود الشرقية لنهر الأردن، فهذا يعني أن مركز الأزمة سيكون بعيدًا عن متناول السياسة الإيرانية، وأن مصر ستلعب دورًا أكثر فعالية وأكثر عمقًا في الجسد الفلسطيني(86) .

لتكون إيران في قلب محور المقاومة، وفق ما يقترحه عظيمي: "هناك حاجة إلى ما هو أبعد من الميدان والدبلوماسية. يجب البحث بوضوح عن محاولة خلق حركة سياسية وثورية وليس تنظيم ميليشيا أو حليف للحكومة. وهذا هو الجوهر الذي تمت الاستهانة به بشدة في جسد قوى المقاومة اليوم. ومع موت السياسة داخل إيران، تقلصت إلى حدٍّ كبير قدرة قواتها على التفاعل مع الجماعات غير الرسمية وغير المسلحة"(87).

يخلص عظيمي إلى أنه إذا ذهبت نتيجة معادلات غزة نحو خوض إيران حربًا مباشرة أو الاستسلام لتحييد حماس باعتبارها المعقل الأخير بين الفلسطينيين، فستكون هزيمة ثقيلة للإستراتيجية الأصولية.. ومن الطبيعي أنه بعد أن تتضح نتيجة الأزمة، لن تكون هناك فرصة أخرى لدخول المنافسة(88).

خلاصة

لا تريد إيران أن تُهزم حماس ولكنها أيضًا غير قادرة على فعل من شأنه أن يلجم آلة الدمار الإسرائيلية؛ لأن ذلك من شأنه أن يدفع نحو خيار الحرب الذي تحاول تجنبه منذ انتهاء الحرب مع العراق وما تكبدته فيها من خسائر، فقد انتهت الحرب وخرجت الجمهورية الإسلامية بذاكرة حرب مؤلمة، أثَّرت بصورة كبيرة على طريقة تفكير القيادة الإيرانية، وخططها الدفاعية، ولم يكن بناء شبكة العلاقات مع الحلفاء من اللاعبين غير الحكوميين ببعيد عن هذا التفكير. وعلى مدى عقود، قامت طهران ببناء شبكة من العلاقات مستخدمة إستراتيجية إقليمية متعددة الجوانب. وفي عملية تبرير نفوذ إيران في الخارج برزت عناوين، أهمها: دعم القضية الفلسطينية، والوحدة الإسلامية، والعمق الإستراتيجي ومكافحة الإرهاب والمجموعات التكفيرية. وداخل منظومتها الفسيفسائية يمكن لإيران متابعة عدة أهداف في وقت واحد واستخدام هذه المجموعات لأداء العديد من المهام ولعب أدوار متعددة، لكن هذا المعادلة الصعبة سيكون لها أثمانها عاجلًا أم عاجلًا.

شكَّلت عملية "طوفان الأقصى" والعدوان على غزة، أرضية عملية لاختبار حدود الفعل الإيراني فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والمدى الذي يمكن لمحور المقاومة أن يتحرك خلاله، ولعل النتيجة تقول: إن إيران نفسها، ووفقًا لحسابات كثيرة، هي من وضعت سقفًا لحدود الدعم والتزم أعضاء المحور بهذه الحدود وفق خطة مرسومة، وإن كانت مؤشرات عديدة تقول: إن "أنصار الله" انخرطوا في المعركة بدرجة تجاوزت حدود الدور المنوط بهم في المحور.

طوال معركة طوفان الأقصى، سعت إيران ومن خلفها الحلفاء إلى خلق حالة توازن بين خياري الرغبة والقدرة على المواجهة. وهذا يعني أن جبهة المقاومة بأطرافها المتعددة لديها القدرة اللازمة للدخول في المعركة مع إسرائيل، لكنها تتحرك ضمن معادلة تجنب الدفع نحو حرب واسعة النطاق. لقد بنت إيران قوة ردع عسكري ولكن سياستها الحذرة حتى في تجنب الرد على استهدافها المتكرر تعود لأسباب مختلفة، منها ضعف الدعم الداخلي للدخول في مواجهة، والمشاكل الاقتصادية الناجمة عن دورات العقوبات المتتالية وفشل الاتفاق النووي. ولكن، مع أن دعوات تجنب المواجهة المباشرة تتعالى في طهران فقد تكون حرب غزة مدخلًا لتسريع البرنامج النووي الإيراني وقد تدفع الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة وما تلقاه من دعم غربي إيراني إلى إعادة النظر في موقفها الرافض لامتلاك السلاح النووي، فما كان محرمًا في الأمس قد يصبح مباحًا بل مطلوبًا بفعل الضرورة؛ فالتزام إيران بفتوى عدم صناعة السلاح النووي مسألة مرتبطة بتصاعد التهديد فإذا ما بلغ مرحلة توجيه ضربة عسكرية لها فستقرر الخروج من معاهدة انتشار السلاح النووي وتتراجع عن خيارها السابق لتتجه إلى إنتاج السلاح النووي، وهو ما يعني تغييرًا في عقيدة إيران الأمنية.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) واکاوی نکات مطرح شده توسط رهبر انقلاب در مورد «طوفان الاقصی» و واکنش‌های رژیم صهیونیستی، تحليل النقاط التي أثارها قائد الثورة بشأن "عاصفة الأقصى" وردود أفعال النظام الصهيوني، موقع تابناك، 26 مهر 1402، (تاريخ الدخول: 4 ديسمبر/كانون الأول 2023):  https://2u.pw/6qescm8

(2) حضور و سخنرانی فرمانده کل‌قوا در مراسم مشترک دانش‌آموختگی دانشجویان دانشگاه‌های افسری نیروهای مسلح (حضور وكلمة القائد العام في حفل التخرج المشترك لطلبة جامعات ضباط القوات المسلحة)، الموقع الرسمي لخامنئي، 18/7/1402 ش، (تاريخ الدخول: 4 ديسمبر/كانون الأول 2023): https://farsi.khamenei.ir/news-content?id=54049

(3) بیانات در دیدار بسیجیان "تصريحات في لقاء التعبويين"، الموقع الرسمي لخامنئي، 8/9/1403 ش(تاريخ الدخول: 4 ديسمبر/كانون الأول 2023):  https://farsi.khamenei.ir/speech-content?id=54526

(4)  بیانات در دیدار مردم «کرمان» و «خوزستان» (تصريحات في لقاء أهل كرمان وخوزستان)، الموقع الرسمي للقائد الأعلى في إيران، 2/10/1402 ش (تاريخ الدخول: 24 ديسمبر/كانون الأول 2023): https://bitly.ws/374Pg

(5)  خامنئي يدعو الدول الإسلامية لقطع علاقاتها مع إسرائيل "لفترة محدودة"، الجزيرة نت، 19 نوفمبر/تشرين الثاني   2023 (تاريخ الدخول: 5 ديسمبر/كانون الأول 2023):  https://bitly.ws/34CFU

(6)  محسن هاشمی‌: باید مراقب بود تلاش اسرائیل برای کشاندن پای ایران به جنگ تحقق نیابد (محسن هاشمي: يجب الحذر لمنع نجاح محاولة إسرائيل جر إيران إلى الحرب)، موقع انتخاب، 14 آبان 1402ش، (تاريخ الدخول: 5 ديسمبر/كانون الأول 2023):  https://www.entekhab.ir/0036zF

(7) Hamidreza Azizi and Erwin van Veen,Iranian reactions to 7/10 and the invasion of Gaza, clingendael.org, 30 Nov 2023(accessed: 30 Nov 2023) : https://www.clingendael.org/publication/iranian-reactions-710-and-invas…

(8)   سید محمد خاتمی:حمله غافلگیرانه مقاومت به اسرائیل دستاورد بزرگى براى مردم فلسطین است/ زور و اشغال منشأ مشروعیت نیست (السيد محمد خاتمي: هجمة المقاومة المفاجئة على إسرائيل إنجاز عظيم للشعب الفلسطيني/ القوة والاحتلال ليسا مصدر الشرعية)، وكالة ايلنا، 18/7/1402ش ((تاريخ الدخول: 5 ديسمبر/كانون الأول 2023):  https://www.ilna.ir/fa/tiny/news-1405729

(9)  المرجع السابق

(10)  "مسئله فلسطین از دیدگاه حقوق بین‌الملل با تأکید بر تحولات اخیر"، (القضية الفلسطينية من وجهة نظر القانون الدولي بالتركيز على التطورات الأخيرة)، صحيفة اعتماد، 17/8/1402 ش (تاريخ الدخول: 5 ديسمبر/كانون الأول 2023): https://www.etemadonline.com/fa/tiny/news-639964

 

 (11) Hamidreza Azizi and Erwin van Veen, Ibid

(12) محسن رضایی: ما به حماس «ماهیگیری» آموختیم، (محسن رضائي: علمنا حماس الصيد)، ايسنا، 22 آذر 1402 ش (تاريخ الدخول: 21 ديسمبر/كانون الأول 2023): https://bitly.ws/36MAr

(13) تغريدة لرئيسي نجاد على منصة (اكس)، 15 أبريل/نيسان 2022 (تاريخ الدخول: 5 ديسمبر/كانون الأول 2023): https://bitly.ws/34E2k

 (14)Arash Reisinezhad, The 7 Reasons Iran Won’t Fight for Hamas, Foreign Policy, December 4, 2023, (accessed :December 4, 2023): https://bitly.ws/34Ehe

(15) رشتو- موضع لاوروف درباره غزه نشانه شکست تلاش تهران برای نزدیکی به روسیه در مساله فلسطین است(سلسلة- موقف لافروف بشأن غزة مؤشر على فشل محاولة طهران التقرب من روسيا بشأن القضية الفلسطينية)، منصة اكس، 17 ديسمبر/كانون الأول 2023  (تاريخ الدخول:  21 ديسمبر/كانون الأول 2023):https://rb.gy/hrfeut 

(16) تغريده لمولوي عبد الحميد على حسابه على منصة "اكس"، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 5 ديسمبر/كانون الأول 2023):  https://bitly.ws/34DQY

(17) مع استمرار الحرب بين حماس وإسرائيل زعيم إصلاحي إيراني يحث على "إعطاء الأولوية" للمصالح الوطنية، أمواج ميديا، 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 5 ديسمبر/كانون الأول 2023): https://bitly.ws/34DW7           

(18) مقابلة عبر الإنترنت مع هادي معصومي زارع، أكتوبر/تشرين الأول 2023.

(19) المرجع السابق.

(20) أسامة حمدان، مسؤول روابط بین الملل وعضو دفتر سیاسی جنبش اسلامی حماس در گفت و گو با "ایران": اندیشه تکفیری در جامعه فلسطین جایگاهی ندارد (أسامه حمدان، مسؤول العلاقات الخارجية وعضو المكتب السياسي في حركة حماس في حوار مع "إيران": لا مكان للفكر التكفيري في فلسطين)، صحيفة إيران، السبت 20 آبان 1402 ش، العدد 8325 ص 22.

(21) أسامة حمدان، صحيفة إيران، السبت 20 آبان 1402 ش، العدد 8325، ص 22.

(22) أسامة حمدان، المرجع السابق.

(23) المرجع السابق.

(23) المرجع السابق.

(24) المرجع السابق.

(25) المرجع السابق.

(26) المرجع السابق.

(27) المرجع السابق.

(28) المرجع السابق.

(29) المرجع السابق.

(30) هادي معصومي زارع، و ناگهان طوفان (درنگی در باب عملیات طوفان الأقصی) (وفجأة الطوفان.. وقفة على باب طوفان الأقصى)، قناة معصومي زارع على التلغرام، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 23 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://2u.pw/4yogBGq

(31) أسامه حمدان، مرجع سابق.

(32) معصومي زارع، مرجع سابق.

(33) سید مجتبی ابطحی در «به افق فلسطین»: هنوز 5 درصد از توان مقاومت هم بکار گرفته نشده است (السيد مجتبي أبطحي في برنامج "به أفق فلسطين": المقاومة لم تستخدم حتى الآن 5 بالمئة من قوتها)، شبكة أفق، 1 نوفمبر/تشرين الثاني  2023 (تاريخ الدخول: 2 نوفمبر/تشرين الثاني  2023): https://web.telegram.org/k/#@ofogh_tv 

(34) المرجع السابق.

(35) خالد مشعل: حزب الله قام مشكورًا بخطوات لكن الأمر يتطلب أكثر ومن مصلحتنا خوض المعركة معًا، التلفزيون العربي، 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://2u.pw/49mO38i

(36) رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل في مقابلة حصرية مع العربية: هجوم 7 أكتوبر كان مغامرة مدروسة.. وإيران وحزب الله دعمونا بالسلاح والخبرة ونطلب المزيد، قناة العربية، 20 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023):  https://2u.pw/WvIHvp9

(37) محمد قواص، سجال "حماس" - "حزب الله"!، صحيفة النهار، 26 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://2u.pw/JZcLZv6

(38) حماس: ندفع بكل القوى للقتال معنا من حزب الله وإيران، العربية، 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://2u.pw/7v4uVAw

(39) قواص، سجال "حماس" - "حزب الله"!، مرجع سابق

(40) العاروري: نثق بالإخوة في حزب الله.. وأداء محور المقاومة في لبنان واليمن متقدم، موقع قناة الميادين، 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 (تاريخ الدخول: 4 ديسمبر/كانون الأول 2023): https://2u.pw/ErSel6P

(41)  گفت و گوی «ایران» با استاد حسن حب الله مسئول پرونده فلسطین وعضو شورای سیاسی حزب الله لبنان بهترین گزینه برای شکست اسرائیل جنگ فرسایشی است، (حوار "إيران" مع الأستاذ حسن حب الله مسؤول القضية الفلسطينية وعضو المجلس السياسي لحزب الله اللبناني: الخيار الأفضل لهزيمة إسرائيل هو حرب استنزاف"، 23 آبان 1402 ش، العدد 8328 ص. 22.

 (42) المرجع سابق.

(43)  المرجع السابق.

(44)  المرجع السابق.

(45)  المرجع السابق.

(46)  المرجع السابق.

(47)  المرجع السابق.

(48)  المرجع السابق.

(49)  المرجع السابق.

(50) المرجع السابق.

(51) المرجع السابق.

(52) المرجع السابق.

(53) المرجع السابق.

(54)  اسامه حمدان، مسئول روابط بین الملل و عضو دفتر سیاسی جنبش اسلامی حماس در گفت و گو با «ایران» : اندیشه تکفیری در جامعه فلسطین جایگاهی ندارد (أسامة حمدان، مسؤول العلاقات الخارجية وعضو المكتب السياسي في حركة حماس في حوار مع "إيران": لا مكان للفكر التكفيري في فلسطين)، صحيفة ايران، السبت 20 آبان 1402 ش، العدد 8325، ص 22.

(55) المرجع السابق.

(56) المرجع السابق.

(57)  المرجع السابق.

(58)  المرجع السابق.

(59)  المرجع السابق.

(60 المرجع السابق.

(61)  المرجع السابق.

(62)  سيد مجتبى أبطحي، مرجع سابق.

(63)  13 صاروخًا بحريًّا يمتلكها اليمن وبها فرض حصارًا على الكيان الصهيوني، الموقع الرسمي لأنصار الله، 12 ديسمبر/كانون الأول 2023 (تاريخ الدخول: 13 ديسمبر/كانون الأول 2023): https://bitly.ws/35NJT

(64) بيان صادر عن القوات المسلحة اليمنية، حساب العميد يحيى سريع على منصة إكس، 12 ديسمبر/كانون الأول 2023 (تاريخ الدخول: 12 ديسمبر/كانون الأول 2023): https://bitly.ws/35wLj

(65)  المصدر السابق.

(66)  جماعة "أنصار الله" الحوثية تصدر بيانًا، روسيا اليوم، 18 ديسمبر/كانون الأول 2023 (تاريخ الدخول: 19 ديسمبر/كانون الأول 2023): https://bitly.ws/36yFZ

(67)  المرجع السابق.

(68)  إيران تنفي مساعدة الحوثيين في استهداف سفن مرتبطة بإسرائيل، الجزيرة نت، 24 ديسمبر/كانون الأول 2023 (تاريخ الدخول: 24 ديسمبر/كانون الأول 2023):  https://bitly.ws/374CE

(69) الضربات الأميركية البريطانية ضد الحوثيين: إلى أين ستمتد؟ وما خيارات الرد؟، تي آر تي، 13 يناير/كانون الثاني 2024 (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2024): https://bitly.ws/39KgD 

(70) باقری در پاسخ به مهر:غربی‌ها به دنبال فرافکنی «ضربات جریان مقاومت» هستند (باقري ردًّا على مهر: الغربيون يبحثون عن نسبة "ضربات المقاومة" لغيرهم)، مهر نيوز، 2 دي 1402 ش (تاريخ الدخول: 24 ديسمبر/كانون الأول 2023):  https://bitly.ws/374Cw

(71)  ابعاد داخلی، منطقه‌ای و بین‌المللی ورود یمن به جنگ با رژیم صهیونیستی (الأبعاد الداخلية والإقليمية والدولية لدخول اليمن في الحرب مع النظام الصهيوني)، وكالة فارس، 28/9/1402 ش (تاريخ الدخول: 19 ديسمبر/كانون الأول 2023):  https://bitly.ws/36E3s

(72)  شلل في الموانئ الإسرائيلية، والبحرين الدولة العربية الوحيدة في التحالف الأميركي لمواجهة الحوثيين، حساب عمار الشوبكي على منصة "إكس"، 20 ديسمبر/كانون الأول 2023 (تاريخ الدخول: 20 ديسمبر/كانون الأول 2023):  https://bitly.ws/36Eie

(73)  ورود انصارالله به جنگ اسرائیل به عنوان جبهه سوم چه پیامدهایی برای منطقه دارد؟ (ما هي تبعات دخول أنصار الله في الحرب الإسرائيلية كجبهة ثالثة للمنطقة؟)، انتخاب، مرجع سابق.

(74) المرجع السابق.

(75) بينها دولة عربية… واشنطن تعلن تشكيل تحالف دولي يضم 10 بلدان للتصدي لهجمات "أنصار الله"، سبوتنيك، 18 ديسمبر/كانون الأول 2023 (تاريخ الدخول: 19 ديسمبر/كانون الأول 2023): https://bitly.ws/36yHF

(76) "نور نيوز" تسلط الضوء على الدعم الأميركي الأعمى للكيان الصهيوني...تحالف بحري مشبوه من 40 دولة للتعامل مع عمليات اليمن في البحر الأحمر، موقع "نور نيوز" المحسوب على مجلس الأمن القومي الإيراني، 13 ديسمبر/كانون الأول 2023 (تاريخ الدخول: 19 ديسمبر/كانون الأول 2023): https://bitly.ws/36E89\

(77) ابعاد داخلی، منطقه‌ای و بین‌المللی ورود یمن به جنگ با رژیم صهیونیستی، مرجع سابق.

(78)  "نور نيوز" تسلط الضوء على الدعم الأميركي الأعمى للكيان الصهيوني... تحالف بحري مشبوه من 40 دولة للتعامل مع عمليات اليمن في البحر الأحمر، مرجع سابق.

(79)  المرجع السابق.

(80)  ورود انصارالله به جنگ اسرائیل به عنوان جبهه سوم چه پیامدهایی برای منطقه دارد؟ (ما هي تبعات دخول أنصار الله في الحرب الإسرائيلية كجبهة ثالثة للمنطقة؟)، انتخاب، مرجع سابق.

(81)  ابعاد داخلی، منطقه‌ای و بین‌المللی ورود یمن به جنگ با رژیم صهیونیستی (الأبعاد الداخلية والإقليمية والدولية لدخول اليمن في الحرب مع النظام الصهيوني)، مرجع سابق.

(82)  آمریکا در چه شرایطی به ایران پاسخ می‌دهد؟ (تحت أي ظروف ترد أميركا على إيران؟)، دنياي اقتصاد، 28/ 8/1402 ش (تاريخ الدخول: 19 ديسمبر/كانون الأول 2023):  https://bitly.ws/36FwR

(83)  حمید عظیمی، براى فلسطين يا فلسطيني (لأجل فلسطين أو الفلسطيني)، مرصاد، 6 آبان 1402 ش (تاريخ الدخول: 24 ديسمبر/كانون الأول 2023): https://bitly.ws/374Hc

(84) المرجع السابق.

(85) المرجع السابق.

(86) المرجع السابق.

(87) المرجع السابق.

(88) المرجع السابق.