الانتخابات الرئاسية الإيرانية إلى الجولة الثانية: قراءة في نتائج الجولة الأولى

قد يفلح تقدم بزشكيان في الجولة الأولى في إقناع طيف من الإصلاحيين بالمشاركة، طمعًا في العودة إلى الساحة السياسية من بوابة الرئاسة، وقد يتكرر ما حدث فيما يتعلق بنسبة المشاركة. ولا يمكن التقليل من سعيد جليلي كمنافس قوي أظهرت النتائج أن لديه كتلة صلبة. وإن كان خطاب جليلي يبدو صداميًّا في بعض القضايا لكنه يمتاز عن منافسه بأن لديه برنامجًا وخطابًا واضحًا تجاه العناوين الكبرى في السياسة الخارجية الإيرانية.
30 يونيو 2024
ناخب إيراني يحمل صورة الرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم رئيسي، أثناء الإدلاء بصوته (المصدر: الباحثة)

لم تفلح استطلاعات الرأي هنا في إيران، في جزء كبير منها، في قراءة المشهد الانتخابي الإيراني فيما يتعلق بالمرشح الأصولي، سعيد جليلي؛ حيث كانت تضعه ثالثًا بعد المرشح الإصلاحي، سعيد بزشكيان، والمرشح الأصولي الآخر، محمد باقر قاليباف. كما لم تفلح في توقع نسبة المشاركة التي جاءت منخفضة عن كل الدورات الانتخابية السابقة حيث وصلت إلى 40%. وحيث لم يفلح أي من المرشحين الأربعة في تحقيق النسبة المطلوبة قانونيًّا للفوز (1+50%) انتقلت الانتخابات إلى جولة ثانية ستُعقد يوم الجمعة، الموافق 5 يوليو/تموز 2024، وفق ما قرره مجلس صيانة الدستور.

1
مؤيدة لبزشكيان في تجمع مناصر له في طهران (الباحثة)

 وكان المتحدث باسم وزارة الداخلية الإيرانية، محسن إسلامي، قد أعلن النتيجة النهائية لفرز الأصوات في الانتخابات الرئاسية الرابعة عشرة في مؤتمر صحفي عقده في وزارة الداخلية، يوم السبت، 29 يونيو/حزيران 2024. وتم إحصاء الأصوات في 58 ألفًا و640 فرعًا في 482 مدينة، وكان مجموعها 24 مليونًا و535 ألفًا و185 صوتًا، وُزِّعت على المرشحين كالتالي:

  • مسعود بزشكيان: 10415991 صوتًا.
  • سعيد جليلي: 9473298 صوتًا.
  • محمد باقر قاليباف: 3383340 صوتًا.
  • مصطفى بور محمدي: 206397 صوتًا.
  • الأصوات الباطلة: 1056159 صوتًا.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تنتقل فيها الانتخابات الرئاسية الإيرانية إلى جولة ثانية، فقد سبق أن شهدت ذلك في 2005 في المنافسة التي كان لها تبعاتها على الحياة السياسية الإيرانية بين محمود أحمدي نجاد وعلى أكبر هاشمي رفسنجاني، وبعد أن تقدم رفسنجاني في الجولة الأولى دون أن يحسم النتيجة فاز أحمدي نجاد في الجولة الثانية وحصل على 62% من مجموع الأصوات فيما حصل رفسنجاني على 36%، بنسبة مشاركة تجاوزت الـ75%.

"مسعود" و"سعيد" وتحدي الجولة الثانية

كثيرة هي الرسائل التي حملتها نتائج هذه الانتخابات في إيران، وتعطي مؤشرات يمكن بسهولة قراءتها فيما يتعلق بقدرة التيارات السياسية القائمة على الوصول إلى الناس ومخاطبتهم. بدا إحجام 60% ممن يحق لهم الاقتراع عن التصويت وكأنه نوع من رد الفعل على السياسات التي أخفقت في إيجاد حل للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية. ولم تفلح إجابات المرشحين في المناظرات المكثفة التي بثها التليفزيون الإيراني في إقناعهم. ولعل التحدي الذي ما زال قائمًا هو إن كانت المناظرات التي ستُعقد بين بزشكيان وجليلي قبل الجولة الثانية ستفلح في جذب الناس للتصويت مجددًا.

1
ملصق انتخابي لسعيد جليلي (الباحثة)

وعودة إلى الرسائل التي من الممكن أن نجملها في التالي:

  • أصبح المجتمع الإيراني في مرحلة ما بعد الإصلاحيين وما بعد الأصوليين أيضًا، وقد تفرز الحالة الإيرانية في المستقبل اتجاهات سياسية تتجاوز هذه الثنائية كما تتجاوز تيار الاعتدال أيضًا.
  • أظهرت النتائج عجز الإصلاحيين عن إقناع الناس رغم الحملة المنظمة ودخول الزعيم الإصلاحي، محمد خاتمي، ساحة السجال السياسي ودعمه لوزير الصحة السابق في حكومته، مسعود بزشكيان، ورغم الجهود المضنية التي بذلها وزير الخارجية السابق، جواد ظريف، والتي ربما تكون هي ما قادت إلى تقدم المرشح الإصلاحي دون أن تحسم النتيجة.
  • عجز التيار الإصلاحي عن جذب الجيل الجديد من الشاب، وأخفق في تكرار ما حدث عندما فاز خاتمي بأصوات الشباب، عام 1997، وحصل على 20 مليون صوت، ورافق فوزه كخامس رئيس للجمهورية في إيران صعود كبير للتيار الإصلاحي.
  • تراجع التيار أيضًا في محافظات كانت تصوِّت لصالحه ومنها تحديدًا المحافظات التي تعيش فيها الأقليات في كردستان وخوزستان وسيستان وبلوشستان.
  • ومن حيث عدد الأصوات تراجع التيار أيضًا إلى 10 ملايين صوت في حين كان تاريخيًّا يصل إلى 20 مليونًا.
  • كانت هذه الانتخابات فرصة لقراءة المكانة الحالية للحركة الإصلاحية وما إذا كانت ما زالت محافظة على بيئتها الحاضنة، ولعل النتيجة تقول بالتراجع.
  • رغم تأكيدات بزشكيان بأنه لن يكون امتدادًا لروحاني لكن الخطاب والفريق الذي اختاره جعل الناس يرون أن فوزه سيكون "الحكومة الثالثة لحسن روحاني"، ولعل هذه من أبرز نقاط ضعفه.
  • في المقابل، خسر الأصوليون أيضًا، وعجزوا عن جمع صفوفهم، وتراجعت نسبة أصواتهم، التي كانت تتجاوز في السابق الـ17 مليونًا، كما أن الانقسامات بدت واضحة في بيئتهم الحاضنة، واشتركوا مع منافسيهم بشن حملة إعلامية تقلل من فرص جليلي لصالح قاليباف، في حين أن النتائج أظهرت تقدم جليلي في 13 محافظة في حين تقدم منافسه في 11 محافظة إيرانية.
  • قاطع هذه الانتخابات الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، ولعل من مفارقات السياسة الإيرانية أن مير حسين موسوي، زعيم الحركة الخضراء، الذي وُضع قيد الإقامة الجبرية بعد الاحتجاجات على إعادة انتخاب أحمدي نجاد، في 2009، قد قاطع الانتخابات هو الآخر، ولذلك فهناك طيف إصلاحي يتبع لموسوي ربما يكون قد أحجم عن التصويت وكذلك الحال بالنسبة لتيار أحمدي نجاد إذ قد يكون تبع زعيمه وقاطع الانتخابات، على الرغم من أن جبهة الثبات التي سبق ودعمت أحمدي نجاد هي التي تدعم سعيد جليلي حاليًّا.

في السياسة الخارجية

أي رئيس قادم سيكون مجبرًا على الدخول في عملية تفاوضية مع واشنطن؛ فالعقوبات أثَّرت على الاقتصاد ومعيشة الناس بصورة غير مسبوقة، واستهدفت السلع الأساسية وأدخلت البلاد في أزمة اقتصادية بلغت فيها نسب التضخم معدلات غير مسبوقة، لكن الإطار التفاوضي سيختلف من رئيس لآخر، وبالنسبة لبزشكيان ورغم أنه أكد في أكثر من مناسبة أنه ليس حسن روحاني، لكن سياسته الخارجية من حيث التوجه ستكون مشابهة لسياسة روحاني وتستخدم أدواتها والشخصيات التي حملت مسؤولية المفاوضات.

بالنسبة لجليلي: هو الآخر سيدخل عملية تفاوضية لكنها ستكون ضمن إطاره الخاص الرافض للاتفاق النووي، والمدافع بشراسة عن تطوير البرنامج النووي الإيراني؛ إذ لن يكون من السهل التخلي عن التقدم الذي تحقق. وكلاهما، بزشكيان وجليلي، يحتاجان إلى موافقة القيادة العليا للدخول في أية عملية تفاوضية، ولا يمكنهم مغادرة الخطوط العريضة التي ترسمها مؤسسة القيادة، وكذلك لا يمكن أن يتم ذلك بدون مباركة مؤسسة الحرس الثوري. 

أما فيما يتعلق بالتوجهات نحو القضية الفلسطينية، فكلاهما ينظران بمركزية إلى القضية الفلسطينية، ولكن هناك تباينات فيما يتعلق بأسلوب الدعم، ويبدو جليلي، الأكثر وضوحًا؛ إذ يرى أن دعم الفصائل المسلحة هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق العدالة للفلسطينيين، ويرى في مقاومة إسرائيل التزامًا دينيًّا لا يمكن التنازل عنه، وأن "المقاومة هي السبيل الوحيد لتحقيق حقوق الفلسطينيين"، ويرفض بصورة تامة عمليات التسوية. أما بزشكيان، فيميل إلى الإطار الذي رسمه خاتمي من قبل والذي يركز على دعم القضية الفلسطينية دبلوماسيًّا وسياسيًّا والتركيز على العلاقات الدولية في هذا الاتجاه.

بزشكيان وجليلي: الحظوظ والفرص

قد يفلح تقدم بزشكيان في الجولة الأولى في إقناع طيف من الإصلاحيين بالمشاركة، طمعًا في العودة إلى الساحة السياسية من بوابة الرئاسة، وقد يتكرر ما حدث فيما يتعلق بنسبة المشاركة. ولا يمكن التقليل من سعيد جليلي كمنافس قوي أظهرت النتائج أن لديه كتلة صلبة.

قد يبدو خطاب جليلي صداميًّا في بعض القضايا لكنه يمتاز عن منافسه بأن لديه برنامجًا وخطابًا واضحًا، وقد يكون سعيد جليلي هو الخيار الأنسب لإيران في مرحلة تنبئ بعودة ترامب للرئاسة الأميركية.

تتعزز فرص جليلي بإعلان قاليباف دعمه له في الجولة الثانية، لكن ذلك لا ينفي أن تذهب أصوات من التيار الأصولي لديها خصومة مع جليلي إلى المرشح المنافس.

لا يبدو بزشكيان إصلاحيًّا راديكاليًّا، لكن طرحه السياسي سيُحدث إرباكًا على صعيد ما بدأته إيران فيما يتعلق بالتوجه شرقًا والعلاقات مع روسيا، والعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك البرنامج النووي الإيراني خاصة مع التطور الذي شهده بعد الخطوات التصعيدية التي جاءت بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، عام 2018.

وعلى العكس منه تبدو طروحات سعيد جليلي أكثر انسجامًا مع مسار السياسة الإيرانية الحالي، والرجل القادم من أروقة الدبلوماسية الإيرانية يظهر صلابة كبيرة فيما يعتقد أنه الأصلح لإيران على صعيد البرنامج النووي، وكذلك نفوذ إيران في الإقليم والعلاقة مع محور المقاومة.

وقد تكون مهمة بزشكيان، إن فاز، في تقديم فريقه والحصول على ثقة مجلس الشورى ذي التركيبة الأصولية، صعبة، ولن يكون من السهل عليه أن يحصل على ثقة المجلس إن قدَّم (ظريف) وزيرًا للخارجية.

لكن مهمة جليلي أمام المجلس ستكون أسهل، خاصة مع سيطرة جبهة الثبات (پایداری) التي تدعمه على غالبية مقاعد مجلس الشورى.

نبذة عن الكاتب