مسار الحرب على قطاع غزة بعد السنوار: اندفاع إسرائيل وتصلب المقاومة

تواجه حركة حماس عقب استشهاد السنوار تحديا كبيرا على مستوى هرميتها القيادية وإدارة المعركة ميدانيا في القطاع، وصعوبة اختيار قائد لها يمكنه أن يسد الفراغ النوعي الذي تركه. في المقابل فإن استمرار عمليات المقاومة في مختلف أنحاء القطاع وتصاعدها نوعيا بشكل خاص في الشمال، لا يعطي الانطباع بأن إسرائيل على وشك هزيمة المقاومة، حتى بعد رحيل السنوار.
21 أكتوبر 2024
تصاعد عمليات المقاومة خاصة في شمال القطاع، لا يعطي الانطباع بأن إسرائيل على وشك هزيمة المقاومة، حتى بعد رحيل السنوار (الفرنسية).

استشهد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وقائدها السياسي والميداني في قطاع غزة يحيى السنوار، وقد مضى على توقف مفاوضات التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتبادل الأسرى في قطاع غزة أكثر من ثلاثة أشهر. تعقد مسار التفاوض بشكل خاص عقب اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران في 31 يوليو/تموز الماضي (2024)، واختيار الحركة ليحيى السنوار رئيسا لمكتبها السياسي خلفا له. كان من الواضح أن إسرائيل أرادت من وراء اغتيال هنية (من بين أهداف أخرى) أن توجه ضربة قاصمة لاستراتيجية حماس التفاوضية، التي جمعت بين المرونة في القبول أكثر من مرة بمقترحات أميركية، وأميركية مصرية قطرية في شهري مايو/أيار ويوليو/تموز، وبين التمسك الصارم بسقف وقف الحرب، وعودة النازحين. في مقابل المرونة التي أظهرتها الحركة، بادر بنيامين نتنياهو إلى إفشال جهود الوساطة على الأقل في مناسبتين مفصليتين: الأولى خلال شهري مارس/آذار وإبريل/نيسان حيث بذل الوسطاء القطري والمصري والأميركي كثيرًا من الجهد لإعادة المفاوضات إلى مسارها، وتلقوا ردا إيجابيا من حركة حماس على المقترح المصري(1)، فقام نتنياهو بالدفع نحو اجتياح رفح؛ مما أدى إلى انهيار المفاوضات. والثانية عندما رفض نتنياهو مقترح "خريطة الطريق" التي قدمها الرئيس الأميركي جو بايدن في 31 مايو/أيار 2024(2)، بذريعة أن هذا المقترح لا يعطي إسرائيل ضمانات تسمح لها باستمرار الحرب في حال عدم التزام حركة حماس ببعض بنوده.

بتوقف المفاوضات، ومعها تراجع حماسة الوسطاء للمضي قدما في جهودهم، لم يتحرك هذا الملف حتى بعد البيان الأميركي القطري المصري في 15 أغسطس/آب، الذي دعا إلى استئناف التفاوض بهدف "التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتحرير الرهائن والمحتجزين في قطاع غزة"(3).

استمرت إسرائيل في حربها على قطاع غزة، مستفيدة من الدعم الذي تلقاه نتنياهو عقب زيارته لواشنطن وخطابه أمام الكونغرس، وعلى إثر تصاعد المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، وصولا إلى الحرب المفتوحة التي نشهدها اليوم. وقد شكل اختيار يحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس، سببا إضافيا بالنسبة للحكومة الإسرائيلية للإصرار أكثر على الخيار العسكري، واعتبار تصفيته هدفا من أهداف حربها على قطاع غزة، نظرا لدوره المركزي في التخطيط لعملية "طوفان الأقصى"، وقيادته الميدانية لها، فضلا عن الدلالات المعنوية والدعائية والعملية التي ستنطوي على تصفيته.

أما وقد رحل السنوار مقاتلا بين أنقاض رفح المدمرة، فإن مسألة مسار العدوان على قطاع غزة، ومصير الأسرى المحتجزين في قطاع غزة، واحتمالات استئناف التفاوض في هذا الملف، وسؤال "اليوم التالي" عادت لتتصدر مشهد الحرب.

رحيل "السنوار" في قلب حسابات التصعيد

حتى لحظة استشهاد يحيى السنوار فإن الأهداف الثلاثة التي أعلنتها الحكومة الإسرائيلية لعدوانها على غزة ما زالت قائمة بحكم أن أيًّا منها لم يتحقق، أو لم يتحقق بصورة كاملة على الأقل، وهي: القضاء على حكم حماس في غزة، وتفكيك قدراتها العسكرية (ومعها بقية فصائل المقاومة في غزة)، والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين. وهو ما يعني أن العملية العسكرية الواسعة النطاق في شمالي القطاع إنما تهدف إلى تكثيف الضغط الميداني والإنساني على سكان القطاع وعلى حركة حماس، وخاصة في شمال القطاع بمضاعفة الأزمة الإنسانية الهائلة التي يعيشها أكثر من 300 ألف فلسطيني. وهذا يؤكد بوضوح تام سعي الاحتلال لتحقيق أهدافه الضمنية غير المعلنة، وفي مقدمتها تهجير السكان، وعزل شمال القطاع وتحويله إلى منطقة مهجورة تماما، وذلك مقدمة لتحويله إلى احتياط جيوسياسي وأمني للتوسع الاستيطاني.

 بعد استشهاد السنوار لم يظهر أي تقدير إسرائيلي، بأن أوان انتهاء العمليات العسكرية في قطاع غزة قد أصبح قريبا، أو أن وتيرة الحرب إلى تخفيض. فقد أعلن الجيش الإسرائيلي أن العملية العسكرية في شمال القطاع وبشكل خاص في منطقة جباليا، ستستمر، وأن لها أهمية خاصة وتتصدر أولويات الجيش بعد رحيل السنوار. ولا غرابة في ذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه المناطق كانت قد تعرضت لعمليات مشابهة في ثلاث مرات سابقة، عادت بعدها حركة حماس وقوى المقاومة لبناء قدراتها وحضورها، إضافة إلى إصرار سكانها على رفض النزوح رغم كل أساليب التدمير والتجويع والقتل الذي تمارسه القوات الإسرائيلية، الأمر الذي دفع بالحكومة إلى إطلاق حملة عسكرية غير مسبوقة على هذه المنطقة، هي تطبيق فعلي لما يعرف باسم "خطة الجنرالات"، وهي تطبيق مكثف "لعقيدة الضاحية" التي صاغها غادي آيزنكوت؛ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق.

بالرغم من عدم تبني الحكومة الإسرائيلية أو الجيش رسميا لما يعرف باسم "خطة الجنرالات"(4) التي صاغها وأعلن عنها الجنرال المتقاعد غيورا آيلاند في مقال في صحيفة يديعوت أحرونوت في شهر أغسطس/آب الماضي، فإن تسريبات، نقلت بعضها إذاعة جيش الاحتلال في سبتمبر/أيلول الماضي، قد أشارت إلى أن نتنياهو ووزير دفاعه غالانت صدّقا على العمليات التي يمكن تنفيذها في غزة على أساس خطة الجنرالات. تركز الخطة على حصار شمال قطاع غزة، وفي حال نجاحها يمكن تكرارها في مناطق أخرى من القطاع، في مدينة غزة ثم المناطق الوسطى وصولا إلى الجنوب.

هذه الخطة أصبحت العنوان الأبرز راهنا للحرب الإسرائيلية على القطاع، وتقضي بتحويل شمالي القطاع إلى منطقة عسكرية مغلقة، وتقوم على إجبار السكان على النزوح جنوبا عبر التجويع والحرمان من المساعدات من أي نوع، بهدف عزل مقاتلي المقاومة. وقد غير بنيامين نتنياهو الاسم الإسرائيلي للحرب من "السيوف الحديدية" إلى "حرب القيامة"، في استعارة صريحة للشعار المرتبط بالمحرقة اليهودية، باعتبار هذه الحرب حربا وجودية. ويريد نتنياهو بذلك أن يكرس في الوعي الجماعي الإسرائيلي اليهودي، أن استمرار هذه الحرب هو تعبير عن القيامة الثانية للشعب اليهودي، وهو ما يعني المضي بلا كوابح في حرب الإبادة باعتبارها هي الثمن اللازم لحماية الوجود اليهودي.

كان لاختيار توقيت البدء بهذه العملية الإجرامية دلالات عميقة ولها علاقة مباشرة بشخص ودور يحيى السنوار. فقد بدأت في الذكرى السنوية الأولى لعملية "طوفان الأقصى"، وهي رسالة مفادها أن إسرائيل تتعامل (وعلى الأرجح ستظل تتعامل) مع هذه العملية وكأنها حدثت يوم أمس وليس قبل عام، بكل ما يعنيه ذلك من عدوان متجدد وعمليات انتقامية تحصد يوميا حياة الفلسطينيين بالعشرات. وترافقت مع تركيز إعلامي كبير حول حياة السنوار وأمكنة اختبائه، وعزو تعطيل مسار التوصل إلى صفقة تعيد "الرهائن" إليه، وتحميله مسؤولية معاناة سكان قطاع غزة. وهي حملة شملت وسائل إعلام ومواقع إلكترونية أميركية وعربية، وفي بعض المناسبات فلسطينية أيضا. وسيكون للمشاهد الأخيرة من حياة السنوار، التي تعتبر أيقونية لما انطوت عليه من معاني "التحدي والشجاعة"، تأثيرها في القرار الإسرائيلي باتجاه تصعيد حرب الإبادة والإصرار على جباية ثمن فادح من حركة حماس على صمودها من لحوم ودماء الفلسطينيين في القطاع، ومما بقي من بناه المدنية والصحية وغيرها من معالم الحياة، وبخاصة كون استشهاد السنوار لم يجر وفق تصورات نتنياهو وأركان حكومته، فلم يكن من خلال اغتيال يعيد التأكيد على القدرات الاستخبارية والعملياتية لأجهزة الأمن والجيش الإسرائيليين. كل ذلك يعزز احتمالات استمرار إسرائيل في حربها على قطاع غزة، وتواصل الحرب مع حزب الله في لبنان، وكذلك توجيه ضربة انتقامية لإيران.

عوامل استمرار الحرب أو تراجعها

أولا، موقف نتنياهو: تمكن بنيامين نتنياهو من تعويد المجتمع الإسرائيلي على حالة الحرب الطويلة التي لم يسبق لهذا المجتمع أن عاشها، وخاصة أن جزءا مهما من هذه الحرب يدور في مناطق إسرائيل المكتظة بالسكان، كما نجح في تقديم الحرب على غزة باعتبارها عملية مستمرة لاستئصال حماس، واستهداف قادتها وفي مقدمتهم رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار. وقد جاء استشهاد السنوار بعد سلسلة متصلة من النجاحات الاستخبارية والعملياتية الإسرائيلية التي أسفرت عن عدد من الاغتيالات الناجحة لقادة فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وعلى رأسهم الرجلان الأولان في حركتي حماس وحزب الله، هنية ونصر الله.

منحت هذه الاغتيالات مساحة أكبر لنتنياهو للتصرف بحرية ولتصليب موقفه باتجاه الذهاب بالحرب إلى مداها الأبعد، باستسلام حماس والقضاء على قدراتها وعلى حكمها للقطاع، والمضي قدما في التصعيد على كل الجبهات، انطلاقا من افتراض معلن بأن هذه القوى قد منيت بضربات قاتلة، وفقدت الكثير من قوتها، وبالتالي فإن الفرصة المتاحة لتصفيتها واستسلامها لن تتكرر. بهذا المعنى استمد نتنياهو من استشهاد السنوار زخما متجددا وفرصة للمضي بالحرب في كل من لبنان وقطاع غزة، نحو إيجاد واقع جديد في كل منهما، وتوجيه ضربة لإيران تغير معادلة الردع وتعيد ميزان القوى إلى سابق عهده، وكل ذلك تمهيدا لإيجاد شرق أوسط جديد لا وجود فيه لمحور المقاومة، أو على الأقل لا يوجد فيه لهذا المحور أيّ قدرات يمكنها أن تتحدى الواقع الجديد الذي يريده نتنياهو ومن خلفه واشنطن.

لم يكن الموقف الداخلي لنتنياهو في أي يوم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 أقوى مما هو اليوم، فكان تصريحه تعقيبا على استشهاد السنوار بمثابة إعلان متجدد لاستمرار الحرب على قطاع غزة، بما يعكس الحالة العامة التي سادت في إسرائيل بأن نهاية حركة حماس أصبحت وشيكة عقب فقدانها للعقل المدبر لعملية "طوفان الأقصى" وقائدها الميداني الذي أحكم قبضته على الحركة، وحال حتى استشهاده دون التقدم في صفقة تبادل تلبي المعايير الإسرائيلية وفق الرواية التي يتمسك بها نتنياهو، واستمر في تسويقها دوليا ومحليا، وخاصة للجمهور الإسرائيلي الذي لم يعد يهتم - بذات الدرجة السابقة على الأقل- بمسألة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة.  

ثانيا، اتجاهات الشارع الإسرائيلي: يشير الاستطلاع الأخير الذي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في سبتمبر/أيلول الماضي ونشرت نتائجه في مطلع هذا الشهر تحت عنوان "استطلاع السيوف الحديدية"(5)، إلى عدد من المعطيات ذات الدلالة على الوضع الراهن في إسرائيل من حيث مستوى الدعم الذي تحظى به "حرب القيامة" التي يريدها نتنياهو حربا حتى تحقيق النصر المطلق. كشف الاستطلاع أن مستوى الثقة بالحكومة لم يتغير بشكل ذي دلالة عما كان عليه قبل عملية "طوفان الأقصى"، حيث كان في حينه عند مستويات 22-26% من الجمهور، بينما بلغ 22% في هذا الاستطلاع. لكن ذلك تقابله مستويات ثقة ما زالت عالية في الجيش بالرغم من تراجعها كذلك من 90% في أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 67% في الاستطلاع الحالي. إن مرد هذا التراجع الكبير هو عدم قدرة الجيش على الخروج بنصر صريح من قطاع غزة بعد مرور عام على الحرب، وبسبب ما تبديه المقاومة الفلسطينية من قدرات على الأرض، فضلا عن استمرار احتفاظ فصائل المقاومة بأكثر من 100 محتجز إسرائيلي لم يتمكن الجيش وأجهزة الأمن والاستخبارات من تحريرهم. من المتوقع أن تتعزز ثقة الإسرائيليين بالجيش عقب استشهاد يحيى السنوار، إلا أن ذلك من المستبعد أن يؤثر في موقف الجمهور من بنيامين نتنياهو والحكومة، الأمر الذي يشكل دافعا إضافيا لبنيامين نتنياهو إلى الاستمرار في الحرب إلى أن يتمكن من تقديم رواية انتصار مقنعة للجمهور، على أمل أن تمنحه ثقة أكبر وتزيد من حظوظه الانتخابية في أي اقتراع مقبل. فقد بلغت نسبة الذين يثقون به في هذا الاستطلاع 30%، وتدهورت الثقة بوزير حربه إلى 35% مقارنة بـ58% في أكتوبر/تشرين الأول 2023، الأمر الذي يهدد مكانة حزب الليكود الذي يتزعمه كلاهما في أيّ انتخابات عامة مقبلة.

وربما يكون المؤشر الأكثر أهمية بالنسبة لما بعد السنوار هو أن ثقة الجمهور الإسرائيلي بأن الجيش سينتصر في قطاع غزة بلغت 66% في حين كانت 90% في شهر أكتوبر/تشرين 2023، وهو تراجع مرتبط أيضا باقتناع الجمهور بأن أهداف الحرب في قطاع غزة لن تتحقق. فقد اعتبر 10% فقط من المستطلعة آراؤهم أن أهداف الحرب في غزة ستتحقق بشكل كامل، وقال 38% منهم إنها ستتحقق بشكل جزئي. في ذات الوقت فإن 75% من الجمهور الإسرائيلي يرون أن الجيش سينتصر في لبنان، مقارنة بنسبة وصلت إلى 90% عقب واقعة "البيجر" وسلسلة الاغتيالات في صفوف قادة حزب الله. وإذا ما أخذنا بالاعتبار أن الاستطلاع قد جرى قبل تصاعد هجمات حزب الله، وتراكم المؤشرات التي تفيد بأن الحزب قد استعاد عافيته واستلم زمام المبادرة بعد سلسلة الضربات التي تلقاها، فإنه من المتوقع أن تتدهور ثقة الجمهور بالانتصار على حزب الله، بينما ستصعد فيما يتعلق بغزة عقب استشهاد السنوار، وهو ما سيستغله نتنياهو للاستمرار في الحرب على القطاع.

ثالثا، الموقف الأميركي: في حين يرى بنيامين نتنياهو أن رحيل السنوار لا يعني توقف الحرب، ويتمسك بالتوجهات الكلاسيكية للحكومات الإسرائيلية التي راهنت دوما على أن اغتيال قادة قوى المقاومة يشكل فرصة لتحقيق المزيد من الإنجازات الميدانية، سواء كانت لذاتها، أو بهدف استثمارها على طاولة التفاوض، فإن الأطراف الدولية ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة، تميل إلى اعتبار غياب السنوار فرصة لإنهاء الحرب والتوصل إلى صفقة لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين. وهذا الموقف يشمل أكثر الأطراف ترحيبا باستشهاد السنوار وهي الإدارة الأميركية، والإعلام الأميركي السائد.

تأسس الموقف الأميركي لتبرير الفشل في تحقيق اختراق على صعيد التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتبادل للأسرى على ادعاء أن السنوار هو الذي يتحكم في مجريات الأمور ويمتلك الكلمة النهائية في شأن المفاوضات وبالتالي هو الذي يعطل التوصل إلى اتفاق. وهو موقف تدعمه تقديرات عدد من المحللين والخبراء الأميركيين الذين يعتبرون أن السنوار قد بنى حركة حماس على صورته ولن يكون من السهل استبداله، وسيترتب على رحيله انعكاسات عميقة على الحرب(6). وقد أتت الردود الأولية من الإدارة الأميركية لتؤكد هذا المنحى ولتشتق منه بالتالي وجود فرصة لوضع حد للحرب على حد تعبير مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان الذي قال "إن إبعاد السنوار من ساحة المعركة يمثل فرصة لإيجاد طريقة تعيد الرهائن إلى ديارهم، وتضع حدا للحرب وتقودنا إلى اليوم التالي". أما الرئيس بايدن فقد هنأ نتنياهو بمقتل السنوار معتبرا أن ذلك يجب أن يبشر بنهاية الحرب(7).

تبدو هذه التصريحات في ظاهرها وكأنها تعكس تفاؤلا لاستخلاص "الخير من باطن الشر"، وتهدف للدفع نحو تحريك عجلة المفاوضات التي عطلها في الحقيقة بنيامين نتنياهو مرارا، لكنها تستبطن الافتراض بأن حركة حماس والمقاومة قد هزمت أو تم تقويضها إلى حد كبير مثلما قال وزير الدفاع الأميركي في مؤتمره الصحفي على هامش اجتماع وزراء الدفاع في حلف الناتو المنعقد في إيطاليا(8)؛ مما يعني أن أمام إسرائيل فرصة كبرى لتفرض شروطها على المقاومة الفلسطينية بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن إطلاق سراح المحتجزين في قطاع غزة، دون أي ضمانة لإنهاء العدوان على القطاع أو انسحاب القوات الإسرائيلية منه.

وفي هذا السياق تنتشر التعليقات والمقالات التي تكتبها أوساط بحثية ومعلقون أميركيون مقربون من البيت الأبيض، والتي ترى في رحيل السنوار فرصة لإسرائيل ليس لإنهاء الحرب فحسب، بل لإحداث "تقدم دبلوماسي واقتصادي وسياسي" مثلما جاء في مقال لكل من دينيس روس المبعوث الأميركي السابق للسلام في الشرق الأوسط وزميليه في معهد واشنطن لدراسة سياسات الشرق الأدنى جيفري سونينفيلد وستيفين تايان. إذ يرى هؤلاء أن "القضاء على السنوار وتدمير غالبية قدرات حماس بما فيها 23 من أصل 24 من كتائبها في قطاع غزة، وتدمير معظم قدراتها الصاروخية سينعش احتمالات السلام ويجلب معه فرص السلام والازدهار الإقليمي"(9)، وذلك في استعارة صريحة من تصريحات نتنياهو المتكررة بأن هزيمة كل من حركة حماس وحزب الله سيفتح الباب أمام "شرق أوسط جديد" يعمه السلام. كما أن هذا التقييم يعكس إصرار الإدارة الأميركية على العمل لاستئناف التطبيع الإسرائيلي العربي ليكون أحد أهم مخرجات خلع أنياب المقاومة في فلسطين ولبنان وكسر العمود الفقري لـ"محور المقاومة".   

رابعا، تعقيدات التصعيد الإقليمي: لا يبدو أن لدى الإدارة الأميركية في هذه المرحلة المفصلية -خاصة مع اقتراب الانتخابات الأميركية- ما يكفي من القدرة أو الأدوات لتحويل تفاؤلها بمقتل السنوار إلى برنامج عمل سياسي ودبلوماسي قابل للتحقق؛ خاصة أنها ستصطدم بالحكومة الإسرائيلية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، بقدر ما يشكل منع تطور التصعيد الإقليمي إلى حرب شاملة مصلحة أميركية، فإن هذه الإدارة معنية باستمرار التصعيد القابل للسيطرة، والأهم الذي سيقود إلى كسر شوكة المقاومة ومعها إيران.

وفي السياق نفسه، فإن إحدى أهم استراتيجيات حكومة نتنياهو تقوم على الفصل بين حربها في قطاع غزة وبين مواجهتها التي أصبحت مفتوحة مع حزب الله. وتتفق الإدارة الأميركية مع هذه الاستراتيجية؛ فلبنان مسألة وغزة مسألة أخرى. ففي حين توجد لدى الإدارة الأميركية مصلحة أكيدة في إيجاد استقرار سياسي في لبنان يوفر لها تحكما أكبر في نظامه السياسي لما لذلك من تأثير مباشر في سياساتها الإقليمية، فإن ما يجري في قطاع غزة (والضفة الغربية أيضا) متروك إلى حد بعيد للحكومة الإسرائيلية. وليس أدل على ذلك من حقيقة أن كل التحركات الدبلوماسية الأميركية للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة على امتداد عام كامل من الصراع كانت تنطلق من أهمية مثل هذا الاتفاق في الحسابات الإقليمية، وليس لأنه مصلحة أميركية في حد ذاته.

لقد أسهمت سياسات الحكومة الإسرائيلية في ترسيخ ما يعرف باسم "وحدة الساحات"، التي راهن عليها يحيى السنوار لتكثيف الضغط الإقليمي على إسرائيل. فمن خلال تصعيد المواجهة نوعيا مع حزب الله وإيران والاستمرار في الحرب على قطاع غزة، أصبح الترابط بين هذه الجبهات تحصيل حاصل، وربما سيكون الحلّ يمر حتما من خلال مقاربة شاملة تنهي الحرب على قطاع غزة. ويمكن اعتبار مقتل السنوار عاملا قد يؤجج المشهد الإقليمي بحكم هذا الترابط الذي سينعكس على شكل تصعيد من قبل المقاومة اللبنانية، وربما تشدد في الموقف الإيراني تحسبا لاحتمال هزيمة حركة حماس أو تصفيتها تماما. فمنذ اللحظة التي اعتبر فيها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطابه الأخير قبيل اغتياله أن حرب الإسناد التي يخوضها حزب الله هي "ورقة تفاوضية" بيد المقاومة الفلسطينية، وبأن هذه الحرب لن تتوقف إلا بتوقف العدوان على قطاع غزة اندفعت إسرائيل إلى حرب مفتوحة مع الحزب. بذلك يكون نتنياهو قد حول الحرب على قطاع غزة إلى مسألة إقليمية معقدة ومتشابكة مع المواجهات الإقليمية التي من الصعب التكهن بتطوراتها ونتائجها(10)، حتى لو رأت الإدارة الأميركية غير ذلك مدفوعة برغبتها الملحة في إزاحة هذا الملف من أمام حملة كاملا هاريس للفوز بالرئاسة بعد أسابيع، فنتنياهو سيعمل ما بوسعه لكيلا يمنحها هذه الجائزة.

ومن ناحية أخرى فقد بلغ التصعيد الإقليمي مرحلة من الخطورة أقرب إلى المواجهة الصفرية، فإسرائيل لن ترى في استشهاد السنوار سببا لإنهاء الحرب في قطاع غزة، كما أنه لن يقود بالضرورة إلى تراجع التصعيد الإقليمي، بل سيجعل نتنياهو متمسكا أكثر باستمرار الحرب على القطاع ولو مرحليا، في محاولة لتحصيل شروط لوقف إطلاق النار هي أقرب إلى الهزيمة بالنسبة لحركة حماس. وبغض النظر عما يحدث في غزة فإن الصراع الإقليمي مرشح للاتساع، بكل ما ينطوي عليه ذلك من أخطار عالية، فهناك الرد الإيراني المعلن على ردّ إسرائيل المنتظر انتقاما من الهجوم الإيراني الأخير عليها(11)؛ مما يجعل من الوضع في غزة كما هو عليه الآن ورقة رابحة بيد نتنياهو في مواجهة إيران وحلفائها الإقليميين.

تداعيات

على افتراض أن استشهاد السنوار يمكن أن يغير ديناميات المعركة المستمرة منذ أكثر من عام في قطاع غزة، وهو أمر مرجح، فإن التصعيد الإسرائيلي في القطاع واستمرار المقاومة في عملياتها المؤلمة ضد الجيش الإسرائيلي، إلى جانب إصرار سكان شمال القطاع على عدم الانصياع للأوامر الإسرائيلية بالنزوح نحو الجنوب، وفقا لخطة الجنرالات، يمكن أن يشير إلى أن استشهاده وخاصة كيفية هذا الاستشهاد، يمكن أن يكون له أثر مخالف لتصورات إسرائيل والإدارة الأميركية، وهو احتمال يفسر تطورين هامين: الأول هو إصرار نتنياهو على الاستمرار في الحرب، والثاني هو التحرك الأميركي المتعجل للاستثمار السياسي والدبلوماسي لرحيل السنوار.

بالنسبة لبنيامين نتنياهو فإن مقتل السنوار لا يبدو أنه سيغير المعادلة الإقليمية لصالح إسرائيل بحكم ما يبديه حزب الله من قدرات فتاكة، وكذلك بسبب عدم تمكن واشنطن حتى الآن من فرض ترتيبات سياسية داخل لبنان تؤمن لإسرائيل إنجازات سياسية وأمنية، إضافة إلى الإصرار الإيراني على الرد على أي رد إسرائيلي. إلى جانب ذلك فإن تصريحات نتنياهو بشأن استشهاد السنوار تشير إلى النهاية التي يريدها لقطاع غزة، حيث قال إن صورة يحيى السنوار بين الأنقاض هي صورة قطاع غزة في اليوم التالي: أي غزة بلا حماس، مدمرة وغير قابلة للحياة، إلا بقدر ما تسمح به إسرائيل. وهو ما يعني أمرين جوهريين: الأول هو الإصرار على استراتيجية تفاوض بوصفها مسارا متداخلا مع الحرب وليست موازية أو بديلا عنها، وهو ما يجسد أيضا موقف المؤسسة العسكرية على لسان وزيرها يوآف غالانت الذي قال إن التفاوض سيكون دوما تحت النار. بهذا المعنى فإن وقف إطلاق النار ليس نهاية في حد ذاته، بل مخرج مرحلي يحقق الأهداف المعلنة للحرب فقط، وله ما سيتبعه. والثاني هو أن القرار المتعلق بالحرب سيبقى دوما وحصريا بيد نتنياهو بكل ما يعنيه ذلك من الاستجابة لضغوط حلفائه في الحكومة لاستمرار الحرب، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق مؤقت يضمن إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة.

من جهتها فإن الإدارة الأميركية عادت إلى تحريك ملف غزة إقليميا ودوليا، وترى في رحيل السنوار فرصة كبرى لإحداث اختراق في تحديد معالم غزة في اليوم التالي للقضاء على حركة حماس. وهو ما دفع وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن إلى المبادرة فور إعلان مقتل السنوار إلى إجراء اتصالات هاتفية مع كل من وزيري خارجية قطر والمملكة العربية السعودية والرئيس الإسرائيلي حاييم هرتسوغ للبحث في استئناف مفاوضات غزة. وكأن استشهاد السنوار سيبدد الخلافات بين الإدارة الأميركية ونتنياهو حول معالم "اليوم التالي" في قطاع غزة، حيث كانت وزارة الخارجية الأميركية تعمل قبل مقتل السنوار على خطة أميركية عربية، وربما دولية، ويدرسها الوزير بلينكن تهدف إلى إدخال قوات عربية إلى قطاع غزة وإنهاء حكم حركة حماس. الخطة تقضي بتشكيل قوة دولية عربية في قطاع غزة، وتقفز عن موضوع تبادل الأسرى باعتباره متعذرا في هذه المرحلة. وتستبعد الخطة حركة حماس والسلطة الفلسطينية من ترتيبات حكم غزة، إلا إذا قامت السلطة بإصلاحات تنطوي على تقليص صلاحيات الرئيس محمود عباس (من بين أمور أخرى) (12). واللافت أن نتنياهو لم يبد استعداده لقبولها، بالرغم من أن الخطة تستجيب للشروط الإسرائيلية الأكثر أهمية المتمثلة بإنها حكم حماس في غزة وضمان عدم تشكيل القطاع أي خطر أمني على إسرائيل، وتستبعد السلطة الفلسطينية ما لم تتحول إلى قوة متعاونة بالكامل مع إسرائيل، إلى جانب أن الخطة لا تقيم أي ربط بين الترتيبات المستهدفة وبين ما يعرف باسم خطة "حل الدولتين".

لا تمتلك هذه الخطة حظوظا جدية للتطبيق، لكونها لا تزال موضع نقاش ولا تلبي تصورات أطرافها أصلا. فالخطة لا تستجيب لتعقيدات ملف محور صلاح الدين مع مصر، وتتطلب حل النقاط العالقة بين مصر وإسرائيل فيما يتعلق بالحدود ومعبر رفح ومحور صلاح الدين، ومسألة المطلب الإسرائيلي لإدخال تعديلات على البروتوكول الأمني الذي ينظم علاقات الطرفين على جانبي الحدود. وقد كان هذا الملف نقطة خلاف كبرى أدّت دورا مركزيا في إعاقة التوصل إلى اتفاق على امتداد الأشهر الماضية.

من جهتها فإن قوى المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس لن تقبل هذه الخطة، وكذلك الحال بالنسبة للسلطة الفلسطينية، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة وإلى حد يسمح بتحسين شروطها. تتمسك حركة حماس، مثلما أكد نائب رئيس مكتبها السياسي خليل الحية في كلمته التي نعى بها السنوار، بموقفها الذي يطالب بتطبيق الورقة التي قبلتها سابقا، وتقول إن ثمة اتفاقا جاهزا قبلته الحركة، ويبقى أن تقبله إسرائيل. إلا أن على الحركة أن تجد توازنا بين محددات موقفها، وخاصة تلك التي تشكل ضغطا كبيرا عليها وفي مقدمتها التكلفة الباهظة للحرب، وخاصة في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، في ظل تدني مستوى التضامن الشعبي العربي وغياب ضغط عربي رسمي لوضع حد "للجرائم" الإسرائيلية في قطاع غزة، والموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي غير المتفاعل.

تواجه حركة حماس عقب استشهاد السنوار تحديا كبيرا على مستوى هرميتها القيادية وإدارة المعركة ميدانيا في القطاع، وصعوبة اختيار قائد لها يمكنه أن يسد الفراغ النوعي الذي تركه. في المقابل فإن استمرار عمليات المقاومة في مختلف أنحاء القطاع وتصاعدها نوعيا بشكل خاص في الشمال، لا يعطي الانطباع بأن إسرائيل على وشك هزيمة المقاومة، حتى بعد رحيل السنوار. وبالرغم من غياب مواقف عربية ودولية تشكل ضغطا فعليا على إسرائيل، فضلا عن مساندة موقف حركة حماس والمقاومة، فإن تطورات معارك الشمال وانقلاب الموقف على الجبهة اللبنانية لصالح حزب الله، يدلّان على أن ثمة توازنا للعوامل لن يؤثر فيه غياب السنوار جوهريا؛ مما يعني أن الوضع في قطاع غزة سيراوح في مربعه الراهن على الأقل حتى انتهاء الانتخابات الأميركية الشهر المقبل، أو انفلات الردود الإسرائيلية الإيرانية مع ما سيعنيه من تصعيد كبير في لبنان.

نبذة عن الكاتب

مراجع
  1.  “Hamas accepts Qatari-Egyptian proposal for Gaza ceasefire”, Al Jazeera, 6 May 2024, “accessed October 20, 2024”.
  2. Karen DeYoung, “Biden announces new cease-fire plan for Gaza”, May 31, 2024, “accessed October 20, 2024”. https://www.washingtonpost.com/national-security/2024/05/31/biden-israe…
  3. آر. تي عربي، بيان مصري أمريكي قطري: واشنطن قدمت مقترحا يقلص فجوات المفاوضات بين إسرائيل وحماس، 16 أغسطس/آب 2024، (20 أكتوبر/تشرين الأول):  https://tinyurl.com/923udx6h
  4. خطة الجنرالات إستراتيجية لتحويل شمال غزة إلى منطقة عسكرية، موسوعة الجزيرة نت، 17 أكتوبر/تشرين الأول 2024، (20 أكتوبر/تشرين الأول): https://tinyurl.com/yvfnuwya
  5. الجزيرة نت. استطلاع: 53% من الإسرائيليين يعتقدون أن الوقت قد حان لإنهاء الحرب، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024، (20 أكتوبر/تشرين الأول): https://tinyurl.com/48eu3z66
  6. Amy Mackinnon. What Sinwar’s Death Means for Hamas and the War in Gaza.  Foreign Policy, October 17, 2024

https://foreignpolicy.com/2024/10/17/sinwar-death-hamas-gaza-israel-war/?utm_source=pocket_shared             

  1. مراسلو الجزيرة نت. هل يعقد استشهاد السنوار المشهد أمام واشنطن، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2024، (20 أكتوبر/تشرين الأول):

               https://tinyurl.com/329z2p2z

  1. رابط المؤتمر الصحفي لوزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، C-Span، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2024، (20 أكتوبر/تشرين الأول):

               https://www.c-span.org/video/?539374-1/secretary-austin-holds-news-conf…

  1. Jeffery Sonnenfeld, Dennis Ross, and Steven Tian. Hamas Leader Yehya Sinwar’s Death Can Bring the Middle East Closer to Peace.  Washington Institute for Near East Policy, October 17, 2024. https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/hamas-leader-yahya-…
  2. امطانس شحادة، إسرائيل توسع الحرب مدعومة بثقة المجتمع في الجيش، العربي الجديد، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2024، (20 أكتوبر/تشرين الأول): https://tinyurl.com/4b725ays
  3. محمد المنشاوي، هل يعقد استشهاد السنوار المشهد أمام واشنطن؟ الجزيرة نت، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2024، (20 أكتوبر/تشرين الأول): https://tinyurl.com/329z2p2z
  4. بلال ضاهر، بلينكن يدرس استعراض خطة "لليوم التالي" بغزة تستند لمقترحات إسرائيلية إماراتية، 16أكتوبر/تشرين الأول 2024، (20 أكتوبر/تشرين الأول): https://tinyurl.com/2mnay7uk