مقدمة
شكَّلت الحرب على غزة مرحلة فارقة ومهمة في مكانة الفلسطينيين في إسرائيل، وذلك على مستوى مكانتهم المدنية في إطار "الدولة اليهودية"، وعلاقتهم معها ومع الشعب الفلسطيني. أثبتت الحرب على غزة، وما رافقها من سياسات تجاه هذه المجموعة الفلسطينية، هشاشة المواطنة الإسرائيلية لمن هم من غير اليهود، لاسيما الفلسطينيين. في الأصل كانت هذه المواطنة هشَّة ومتآكلة ومُحددة بحدود انسيابية بحسب السياق التاريخي والسياسي في إسرائيل، تتوسع حدودها حينًا وتتقلص حينًا آخر، وهو بحد ذاته يدل على هشاشتها، كونها متعلقة باختلاف السياقات السياسية والتاريخية، لكن تداعيات الحرب كشفت عن مواطنة "مُعلَّقة"، إن صحَّ التعبير، في فترة الحرب، فقد تقلصت حدودها إلى الحد الأدنى، وبقيت كبطاقة أمان وجود مادي لفلسطينيي الداخل في حدها الأقصى، لكنه وجود منزوع الحقوق الأساسية لمواطنين في دولة تزعم أنها ديمقراطية.
الفلسطينيون في إسرائيل إبَّان الحرب
يُشكِّل الفلسطينيون في مناطق 48، والذين يحملون المواطنة الإسرائيلية حوالي 17% من السكان في إسرائيل (حوالي 1.7 مليون نسمة). وقد عبَّر فلسطينيو الداخل عن علاقتهم مع القضية الفلسطينية، باعتبارهم جزءًا منها في الكثير من المفاصل التاريخية المختلفة، بدءًا بيوم الأرض في 1976، مرورًا بانتفاضة القدس والأقصى، في أكتوبر/تشرين الأول 2000، وانتهاء بأحداث هبَّة الكرامة، في مايو/أيار 2021. وكلها أحداث ظهر فيها دور الفلسطينيين، مجموعة وطنية تناضل من أجل حقوقها الجماعية المدنية والقومية، وفي نفس الوقت تنخرط في النضال الفلسطيني من أجل حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني(1). تعددت أشكال الانخراط في المسألة الفلسطينية، ولكن كان السائد فيها هو النضال السياسي السلمي، وطرح مواقف سياسية تعبِّر عن هوية المجموعة الفلسطينية وتوجهاتها الوطنية، وهو نضال يجري في إطار المواطنة الإسرائيلية بالأساس.
من بين الأحداث المفصلية المهمة، كانت هبة الكرامة في أيار/مايو 2021، فهي الحاضرة في وعي الجيل الفلسطيني الجديد، والتي رافقت معركة "سيف الأقصى" بين إسرائيل وحركة حماس وباقي الفصائل في قطاع غزة، والتي جاءت على خلفية الاحتجاجات الفلسطينية في المسجد الأقصى والشيخ جراح ضد تهويد القدس، وكان لفلسطينيي الداخل دور بارز في هذا الاحتجاج(2). قمعت إسرائيل احتجاج مواطنيها بعنف شديد، وقضت على الكثير من الشباب بأحكام عالية بشكل غير متناسب مع التهم، وذلك لردع هذا الجيل من الفلسطينيين الذي وُلد بعد انتفاضة القدس والأقصى، ولم يكتو بنار القمع للمظاهرات التي عمَّت البلدات والمدن الفلسطينية في الداخل وأدت إلى استشهاد 12 شابًّا عربيًّا.
في البيان الأول الذي أصدرته حركة حماس حول طوفان الأقصى، نادت الشعب الفلسطيني بكل أماكن وجوده للمشاركة في النضال، ولم يستثن البيان الفلسطينيين في إسرائيل، وليس هناك شك في أن هذا التعويل على انتفاضة أو حراك في صفوف الفلسطينيين في إسرائيل وقت الحرب على غزة كان معتمدًا على احتجاجهم الكبير في هبة الكرامة 2021.
إلى جانب الاحتجاج الواسع الذي عمَّ المجتمع الفلسطيني، في مايو/أيار 2021، فإنه مجتمع يرزح تحت عبء الجريمة والعنف التي مزقته وفكَّكته من الداخل. تُشكل الجريمة والعنف في صفوف الفلسطينيين واحدة من التحديات الإستراتيجية التي تضعف المجتمع، وتحيِّد دور نخبه، وتُضعف مكوناته السياسية، وفي ظل تواطؤ الشرطة الإسرائيلية في مواجهة الجريمة التي تفاقمت في العقد الأخير، وتغلغلت في أغلب مجالات الحياة في صفوف الفلسطينيين، والتي تحولت لجريمة منظمة (تشبه عصابات المافيا الأوروبية والأميركية)، وقد تراجع الانشغال السياسي وقدرة المجتمع على مزاولة العمل السياسي، بسبب القلق الفردي والجماعي من العنف والجريمة، والبحث عن الأمن الشخصي، في ظل مؤسسة لا تلقي بالًا أو أدنى اهتمام لارتفاع معدلات الجريمة بكافة أنواعها، لاسيما جرائم القتل؛ حيث ارتفعت حالات القتل من 116 عام 2022، إلى 244 جريمة قتل عام 2023(3).
الممارسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين إبَّان الحرب
أعادت السلطات الإسرائيلية نظام السيطرة والرقابة الصارمين على الفلسطينيين مع بدء الحرب على غزة، مما أعاد للأذهان نظام الرقابة والسيطرة الذي اتبعته إسرائيل تجاه الفلسطينيين في فترة الحكم العسكري (1948-1966)، على الرغم من منحهم الجنسية الإسرائيلية. شمل نظام الرقابة والسيطرة قيام إسرائيل بحملة اعتقالات واسعة لفلسطينيين بسبب وضعهم منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي فيها تعاطف مع سكان قطاع غزة، أو يمكن تفسيرها بأنها دعم للمقاومة الفلسطينية. مثلًا جرى اعتقال فلسطينيين بسبب نشر آيات قرآنية، فسرتها الشرطة على أنها تضامن مع المقاومة، بل كان الاعتقال حتى بسبب إبداء أي تعاطف بالكلمة أو الرمز للمعاناة الانسانية في قطاع غزة. حاولت السلطات الأمنية من هذه الممارسات قمع أي بذور للاحتجاج أو التعبير عن الرأي السياسي أو الإنساني والأخلاقي تجاه "العدوان" والممارسات الإسرائيلية في قطاع غزة. فالمنطق الأمني الإسرائيلي يقوم على أن قمع أي نوع من التعاطف العاطفي مع غزة، سيؤدي إلى ردع أي فعل سياسي أو احتجاجي فلسطيني ضد الممارسات الإسرائيلية. وعندما خرجت تظاهرة في أم الفحم خلال الشهر الأول من الحرب، قمعتها الشرطة بوحشية واعتقلت المنظمين لها لشهور عديدة. عمومًا، خلال الأشهر الأولى من الحرب، لم يكن هناك أي فعل احتجاجي فلسطيني يُذكر تقريبًا ضد الحرب، كانت حالة الصمت هي السائدة والتي شابها الكثير من الخوف من الممارسات الإسرائيلية، أو ما قد تفعله إسرائيل بمواطنيها الفلسطينيين إذا احتجوا على "العدوان". وهذا يدل على أن الفلسطينيين أنفسهم لا يثقون بمكانة المواطنة حامية لحقوقهم، وأن مواطنتهم "مُعلقة" في الظروف الأمنية، وهي ظروف اعتبرتها إسرائيل "وجودية"، وبالتالي السلطات الأمنية مستعدة لقمعهم والتنكيل بهم كما تفعل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية.
بحسب معطيات مركز عدالة- المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، فإنه من تاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أي خلال شهر بعد الحرب، رصدت "عدالة" 251 حالة اعتقال وتحقيق ومحادثات تحذيرية، وهو رقم يعبِّر فقط عما رصدته عدالة، وليس كما هو في الواقع فعليًّا(4).
وقد عانى الطلبة العرب الذين يدرسون في الجامعات والكليات الإسرائيلية بشكل خاص من سياسة الملاحقة والاعتقال، من طرف الشرطة والمؤسسات الأكاديمية نفسها. فحتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني جرى اعتقال عشرة طلاب جامعيين، فيما استدعت الجامعات 160 طالبًا للجان الطاعة والتأديب بسبب منشورات تطالب بوقف الحرب. ولم تكتف الجامعات باستدعاء الطلبة لجلسات تأديبية، بل بعثت بصور عن منشوراتهم للشرطة التي قامت باعتقال الطلاب، أو التحقيق معهم(5). وتجند أكاديميون إسرائيليون لتقديم شهادة "رأي متخصص" ضد الطلبة العرب في المحاكم، مثل استدعاء مستشرق ليثبت أن آية قرآنية في منشور على شبكة التواصل الاجتماعي هي تضامن مع حركة حماس.
اتبعت الدولة منذ بداية الحرب سياسة الإسكات والإخراس، وقد عرف الفلسطينيون في إسرائيل السياق الذي يمرون به، فكان الصمت هو السياسة التي اتبعوها، خوفًا من توحش الدولة والمجتمع اليهودي الذي تحول إلى قبيلة تترصد وتراقب كل كلمة وتعبير يصدر عن الفلسطينيين في الداخل. لم تكن الرقابة رسمية فحسب، بل كانت الرقابة والتوحش الشعبي أخطر وأشد، فقد استهدفت موظفين وأطباء وعمالًا عربًا بسبب الوشاية من زملائهم اليهود على منشورات كتبوها في شبكات التواصل الاجتماعي، لم تحمل أي تأييد لحماس بل تعاطفًا مع قطاع غزة.
وفقًا لاستطلاع مركز كونراد أديناور، تبيَّن أن للعدوان تأثيرًا سلبيًّا على الشعور بالأمان الشخصي، فضلًا عن تضرر مصالح العرب الاقتصادية؛ حيث أفاد حوالي 81% بأن شعورهم بالأمان الشخصي تراجع بسبب الحرب(6). وفي استطلاع لمعهد دراسات الأمن القومي، أشار 54% من العرب إلى أن وضعهم الاقتصادي ساء بسبب الحرب(7).
وفي استطلاع رأي أجراه مركز مدى الكرمل(8)، في بداية عام 2024، حول تداعيات الحرب على الفلسطينيين، عبَّر 55% عن شعور بالخوف من اعتداء الشرطة عليهم بدرجات متفاوتة، فيما قال 45% إن لديهم خوفًا من اعتداء الشرطة عليهم بدرجة عالية. ويظهر الشعور بالخوف من المجتمع اليهودي أكبر من الدولة؛ حيث أشار 66% من العرب أنهم يخافون من اعتداءات من اليهود بدرجات متفاوتة، فيما يخاف 34% من اعتداء يهود عليهم بدرجة عالية. واعتبر 31% من العرب أن سلوك العرب الصامت خلال الحرب كان حكيمًا، أما 27% فيعتقدون أنه لم يكن من خيار للعرب سوى الصمت، واعتبر 24% منهم أن تصرفهم كان نابعًا من الشعور بالخوف. بحسب استطلاع مدى الكرمل، أغلب العرب (54%) يتوقعون أن تتعمق العنصرية تجاههم في أعقاب الحرب، ويتوقع 23% من العرب أن الدولة ستعمل على تشديد القيود على حرية العمل السياسي وحرية التعبير عن الرأي. ويتوقع 44% أن الحرب ستزيد التوتر بين العرب واليهود في إسرائيل. وأوضح 48% منهم أنهم غير مستعدين للمشاركة في احتجاج مناهض للحرب، في حين عبَّر 31% منهم عن أنهم غير مستعدين للمشاركة في مظاهرة إلا إذا أعطت الشرطة ترخيصًا لها.
مواقف الفلسطينيين في إسرائيل من القضايا المتعلقة بالحرب
تشير أغلب استطلاعات الرأي التي أجريت في إسرائيل، إلى أن الفلسطينيين في إسرائيل هم المجموعة الوحيدة التي تطالب بوقف الحرب في قطاع غزة، وهم المجموعة الوحيدة التي تعبِّر عن موقف سياسي وأخلاقي ضدها، وهم المجموعة التي لا تزال تؤيد حل الدولتين بمعدلات عالية جدًّا. لم يعبر الفلسطينيون عن مواقفهم المناهضة للحرب من خلال عمل سياسي أو احتجاجي بسبب التضييق على الاحتجاج الفلسطيني بكل أشكاله، مع التأكيد أن مساحة الاحتجاج توسعت بعد الشهور الثلاثة الأولى للحرب، لكنها ظلت أقل مما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
في أول استطلاع أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، في أكتوبر/تشرين الأول، في أعقاب الحرب، وتناول في أحد محاوره مسألة تبادل الأسرى، أيَّد 60.5% من العرب تحرير أسرى فلسطينيين مقابل أسرى إسرائيليين، وعارض ذلك 11% فقط. أما في أوساط اليهود فقد أيد ذلك 40% مقابل معارضة 45%(9).
وفي استطلاع نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أيد 55% من العرب حل الدولتين مقابل 35% من اليهود(10)، وهو قريب من نتائج استطلاع مدى الكرمل (51%). وواضح أن نسبة العرب الذين يؤيدون حلًّا عادلًا للقضية الفلسطينية هي أعلى، لكن هناك من يعتقد أن حل الدولتين غير عادل للفلسطينيين فلا يُؤيده، ويطالب بحل الدولة الواحدة، أو حل الدولتين مع نزع الطابع اليهودي عن إسرائيل، كما يوضح ذلك استطلاع مدى الكرمل (الجدول 1).
الجدول (1): ما هو الحل السياسي الأكثر ملاءَمة برأيك للقضية الفلسطينية-الإسرائيلية؟
العدد |
النسبة |
|
حل الدولتين لشعبين |
256 |
%51 |
حل الدولتين مع تحويل إسرائيل إلى دولة لكلِّ مواطنيها |
102 |
%20 |
حل الدولة الواحدة لليهود والفلسطينيين معًا |
73 |
%15 |
استمرار الوضع القائم كما هو |
33 |
%7 |
لا أعرف |
37 |
%7 |
المجموع |
501 |
%100 |
في جميع الاستطلاعات الشهرية التي نفذها المعهد الإسرائيلي للديمقراطية كانت المجموعة الفلسطينية هي الوحيدة التي تؤيد وقف الحرب والتوقيع على صفقة لوقف القتال وتبادل أسرى، ففي استطلاع مايو/أيار عشية بدء العملية العسكرية في رفح، أيد حوالي 82% من الفلسطينيين الذهاب لصفقة، مقابل 56% من اليهود(11). وفي الاستطلاع الذي فحص مواقف الجمهور من العملية العسكرية في الشمال، أواخر سبتمبر/أيلول، قال 56% من العرب: إن على إسرائيل التوقيع على تسوية مع لبنان، مقابل 18% في صفوف اليهود(12).
خاتمة
أدرك الفلسطينيون في إسرائيل تداعيات عملية "طوفان الأقصى" على الدولة والمجتمع اليهودي. أظهرت الدولة توحشها في الأشهر الأولى من الحرب، وتجندت كل مؤسسات الدولة لقمع أي احتجاج أو موقف يخالف الإجماع اليهودي في إسرائيل. عمليًّا، تحولت إسرائيل إلى دولة القبيلة اليهودية، نافية عنها أي مركبات ديمقراطية، ووضعت الدولة والمجتمع اليهودي حدودًا للقبيلة، فإما التماهي معها كليًّا، وإلا فإن أي موقف آخر يعد خيانة. قمعت الدولة كل محاولة للتضامن مع غزة، أو موقف ينادي بوقف الحرب، وتجند المجتمع اليهودي أفرادًا ومؤسسات لملاحقة غير مسبوقة لكل صوت ناقد للحرب، أو تضامني مع غزة حتى لو كان إنسانيًّا، وهوجمت حتى مقولات تعبِّر عن المساواة بين معاناة "سكان غلاف غزة" وأهل غزة.
كان الصمت هو الصفة البارزة للسلوك الجماعي للفلسطينيين في إسرائيل، باستثناء بعض مؤسسات المجتمع المدني التي عملت حصرًا عن الدفاع عن "المعتقلين" من المجتمع العربي أو ممن فُصلوا من أعمالهم بسبب مواقفهم من الحرب، وكان الفعل السياسي غائبًا، لاسيما في الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب.
إن عملية طوفان الأقصى جاءت في سياق عوامل ثلاثة أثَّرت على الفاعلية السياسية للفلسطينيين في إسرائيل؛ العامل الأول: انتشار العنف والجريمة التي تحولت إلى قضية تشغل هموم الناس، لاسيما وأنها تغلغلت في كل مناحي الحياة، ورافقها مستوى عال من غياب الأمن الفردي. وزاد من تداعيات الجريمة وإضعافها للمجتمع تواطؤ الشرطة مع الجريمة المنظمة، وعدم تخصيص موارد لمحاربتها. فقد أرهقت الجريمة والعنف المجتمع الفلسطيني، وتحولت إلى نوع من الإرهاب المدني الحقيقي(13)، بتحول الأمن الفردي إلى غاية مركزية للإنسان الفلسطيني في مناطق "عرب 48". العامل الثاني: قمع "هبة الكرامة" في مايو/أيار 2021، وما رافقها من أحكام قضائية عالية ضد الشباب الذين شاركوا في الهبة، بعضها وصل إلى 15 عامًا. أسهم القمع الإسرائيلي، سواء الشرطي والشعبي خلال الهبة، إلى حالة من العزوف عن العمل الاحتجاجي، في ظل سلطة شرطة أصبحت متوحشة أكثر تحت قيادة وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، وجهاز قضائي "انتقامي" في أحكامه ضد العرب. الجدير بالذكر أنه خلال الهبة كانت بداية ظهور ميليشيات من المستوطنين شاركت في قمع احتجاج الفلسطينيين داخل مناطق "عرب 48"، واستشهد شابان عربيان، أحدهما برصاص الشرطة والآخر برصاص الميليشيات المسلحة. العامل الثالث: حالة الضعف في الحقل السياسي الفلسطيني في الداخل العربي بإسرائيل، التي تتمثل بتراجع دور الأحزاب، والعمل الشعبي، وضعف المؤسسات التمثيلية القُطرية لفلسطينيي الداخل، فضلًا عن الانقسامات السياسية العميقة التي ظهرت في السنوات الأخيرة بسبب انتخابات الكنيست وتفكك القائمة المشتركة، وانحصار العمل السياسي في إطار الكنيست الإسرائيلي.
وبالإضافة إلى تهديد الأمن الشخصي للإنسان الفلسطيني بسبب الجريمة والعنف، فإن الحرب وما بعدها ستحمل تهديدًا لأمنه المدني، فقد باشرت الحكومة تشريع مجموعة من القوانين التي تقيد العمل السياسي. أهمها تعديل قانون أساس الكنيست، الذي تحاول من خلاله الحكومة الإسرائيلية الحالية إلغاء مشاركة قوائم عربية في الانتخابات. ينص تعديل القانون المقترح، على أن لجنة الانتخابات المركزية، وهي لجنة سياسية مؤلفة من ممثلين عن القوائم في الكنيست، تستطيع شطب قائمة انتخابية، دون منح إمكانية التوجه للمحكمة العليا للاستئناف على قرار اللجنة، وهو ما كان يحصل في السابق، حيث تشطب اللجنة قوائم وشخصيات عربية، ولكن كانت المحكمة العليا تلغي الشطب.
يهدف الائتلاف الحكومي من هذا التشريع، إلى منع مشاركة القوائم العربية في الانتخابات؛ حيث من المتوقع أن تكون مشاركة العرب مرتفعة في الانتخابات القادمة، بسبب سياسات الحكومة الحالية وبسبب الحرب على غزة في محاولة لإسقاطها، يدرك اليمين الإسرائيلي الحاكم أن ارتفاع مشاركة العرب في الانتخابات سوف تمنعه من تشكيل الحكومة القادمة.
تحمل المرحلة القادمة تحديات كبيرة للفلسطينيين، على الرغم من حالة الصمت التي اتبعوها خلال العدوان على غزة، وعلى الرغم من تنفيذ عدد من الفلسطينيين من مواطني إسرائيل عمليات مسلحة خلال الحرب، فهي كانت قليلة وهامشية، وواحد من أهم التحديات هو تعميق التضييق على حرية التعبير، والعمل والمشاركة السياسيين.
- مهند مصطفى وأسعد غانم، الفلسطينيون في إسرائيل: سياسات الأقلية الأصلية في الدولة الإثنية، رام الله: مركز مدار، 2018.
- خالد عنبتاوي، هبة في حالة عتبة: هبة الكرامة (أيار 2021) والفعل الانتفاضي الشعبي لدى فلسطينيي 48 مقاربة سوسيولوجية، حيفا، مركز مدى الكرمل، 2024.
- مبادرات إبراهيم، ضحايا العنف والجريمة في المجتمع العربي: ملخص العام 2023، مبادرات إبراهيم، 2023، (تاريخ الدخول 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2024): https://shorturl.at/U2s0z
- عدالة- المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، حول التحقيقات، الاعتقالات ولوائح الاتهام لفلسطينيي الداخل، نوفمبر 2023، (تاريخ الدخول 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2024): https://www.adalah.org/ar/content/view/10957
- أمير بويرات، الجامعات الإسرائيلية تستدعي 160 طالبًا عربيًّا خلال الحرب على غزة: اعتقال طلبة بعد أسابيع من ذلك، عرب 48، 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، (تاريخ الدخول 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2024): https://shorturl.at/vS0hw
- مدى الكرمل، قراءة في مواقف المجتمع العربي تجاه الحرب على غزة، حيفا: مدى الكرمل، 2023.
- المصدر السابق.
- نشرت نتائج الاستطلاع في المؤتمر السنوي لمدى الكرمل في يوليو/تموز 2024، (تاريخ الدخول 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2024): https://mada-research.org/post/16017
- تمار هيرمن وأور عنابي، استطلاع أكتوبر/تشرين الأول 2023، أقلية بسيطة بين الجمهور (7%) تثق برئيس الحكومة أكثر من قادة الجيش في إدارة الحرب، المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023، (تاريخ الدخول 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2024): https://shorturl.at/v5NFA
- تمار هيرمن وأور عنابي، استطلاع نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أغلب الجمهور يتوقع موجة احتجاج كبيرة بعد الحرب، المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، 5 ديسمبر/كانون الأول 2023، (تاريخ الدخول 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2024): https://www.idi.org.il/articles/51742
- تمار هيرمن وليؤور يوحانني ويارون كابلن، استطلاع أبريل/نيسان 2024: 62% من الجمهور يفضلون صفقة لتحرير المخطوفين على عملية عسكرية في رفح، المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، 12 مايو/أيار 2024، (تاريخ الدخول 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2024): https://www.idi.org.il/articles/54044
- تمار هيرمن وليؤور يوحانني ويارون كابلن، استطلاع سريع: عملية "سهام الشمال"، المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، 1 أكتوبر/تشرين الأول 2024، (تاريخ الدخول 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2024): https://shorturl.at/51v3J
- نهاد علي، إرهاب مدني: الجريمة والعنف في المجتمع العربي، حيفا: جامعة حيفا، 2014.