انتخابات برلمانية ورئاسية تركية مبكرة: الدوافع والتحديات

في حال فوز أردوغان، ستعمل هذه الانتخابات على تحرر تركيا من عبء التكهنات والتوقعات المتضاربة، وتؤسس لاستقرار طويل نسبيًّا، يستمر طوال خمس سنوات من عمر البرلمان الجديد وولاية الرئيس المنتخب.
7d34cfc305534d5596d3220099d72f89_18.jpg
انتخابات مبكرة تضع اللبنة النهائية في النظام الرئاسي (الأناضول)

مقدمة

متحدثًا لمجموعة حزبه البرلمانية صباح يوم 17 أبريل/نيسان 2018، في العاصمة أنقرة، قال رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، إن تركيا لا تستطيع الانتظار حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2019 لعقد الانتخابات المقرر أن تنقل البلاد إلى النظام الرئاسي. بدلًا من ذلك، دعا بهتشلي إلى أن تعقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بصورة مبكرة، في 29 أغسطس/آب 2018. امتنع الرئيس رجب طيب أردوغان عن التعليق على اقتراح بهتشلي حتى يستمع إليه في اللقاء الذي كان قُرر مسبقًا في اليوم التالي، 18 أبريل/نيسان. بعد ساعات قليلة من لقاء الرجلين، خرج أردوغان ليعلن موافقته على عقد انتخابات مبكرة في 24 يونيو/حزيران، أي بعد 65 يومًا فقط. أية دوافع تقف خلف دعوة بهتشلي لعقد انتخابات مبكرة، ولماذا وجد المقترح استجابة من أردوغان هذه المرة، علمًا وأن دعوة مشابهة كانت قد صدرت عن رئيس حزب الحركة القومية في يناير/كانون الأول 2018؟ إلى أي درجة يمكن القول بأن الرئيس التركي، وحزب العدالة والتنمية، على ثقة من النصر؟ وما التحديات التي تواجه أردوغان في الفوز بالرئاسة، وتواجه سعي العدالة والتنمية إلى تحقيق أغلبية برلمانية مريحة كتلك التي يتمتع بها في البرلمان الحالي؟

 

دوافع ليست متطابقة تمامًا

يخوض حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية الانتخابات في تحالف انتخابي رسمي، بعد أن أقر البرلمان التركي إمكانية عقد التحالفات الحزبية الانتخابية. بدأ التقارب بين الحزبين منذ ما بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016، وتعزز بتصويت الحركة القومية لصالح الاستفتاء على التعديلات الدستورية، التي اقترحها العدالة والتنمية، في أبريل/نيسان 2017. ويقدر الحزبان أن التحالف الانتخابي يفيد كلًّا منهما، وإن بصورة مختلفة إلى هذا الحد أو ذاك.

ثمة انشقاق وقع في حزب الحركة القومية في العام 2017 أدى إلى تشكيل الحزب الجيد (The IYI Party)، بقيادة ميرال أكشنر، التي كانت تعتبر من كبار قادة حزب الحركة القومية. وقد رافق أكشنر في تشكيل الحزب الجديد عدد من كوادر وقادة حزب الحركة القومية ونوابه البرلمانيين. أضعف هذا الانشقاق حزب الحركة القومية بلا شك، وأثار أسئلة حول ما إن كان سيستطيع تجاوز حاجز العشرة بالمئة من الأصوات، الضروري لتمثيل أي حزب في البرلمان. ولذا، فإن التحالف مع العدالة والتنمية يضمن لحزب الحركة القومية العودة للبرلمان، بعدد ما من المقاعد، بغض النظر عن نسبة الأصوات التي سيحققها في الانتخابات.

من جهة أخرى، يعمل الرئيس أردوغان على الفوز بفترة رئاسية جديدة، وممارسة صلاحياته في ظل النظام الرئاسي للحكم، من الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية، تمامًا كما نجح في ذلك في انتخابات 2014 الرئاسية. لتحقيق هدف الفوز بأكثر من خمسين بالمئة من الأصوات في جولة الرئاسيات الأولى، يعتقد أردوغان أن من الضروري الحصول على تأييد القطاع الأكبر من الصوت القومي. بدون ذلك، يخشى الرئيس من أن يثير ذهاب الانتخابات الرئاسية إلى جولة ثانية أسئلة حول ما إن كان ثمة تراجع في شعبيته، وما إن كانت سلطته بالتالي أصبحت أضعف. التحالف، على الأقل كما يراه أردوغان وبهتشلي، يخدم مصالح الطرفين ويسهم في تحقيق أهدافهما في هذه المرحلة. 

ولكن بهتشلي، حتى بعد التحالف مع العدالة والتنمية، لا يزال يأمل في أن يحافظ حزبه على مستوى الدعم الشعبي الذي حققه في الانتخابات البرلمانية السابقة. وليس ثمة شك أن الحزب الجيد هو مصدر مخاوف بهتشلي الرئيس؛ إذ يكشف برنامج الحزب الجيد وبنيته القيادية عن محاولة لمنافسة حزب الحركة القومية على قاعدته الشعبية، ذات التوجه القومي المحافظ والعلماني. ولكن قانون الانتخابات التركي لا يسمح لحزب ما بخوض الانتخابات إن لم يكن له فروع نشطة في نصف عدد ولايات البلاد. وليس من الواضح بعد إن كانت فروع الحزب الجيد غطَّت بالفعل نصف الولايات أو لا. ولكن، وحتى وإن غطَّاها جميعًا فالمؤكد أن أغلب هذه الفروع لم يستطع بعد وضع جذور عميقة في كافة مناطق تواجد الحزب.

بهذا المعنى، تخدم الانتخابات المبكرة حزب الحركة القومية وزعيمه العجوز، الذي يأمل أن تقوم اللجنة العليا للانتخابات بمنع الحزب الجيد من خوض الانتخابات. وإن سمحت، فإن المهلة القصيرة المتبقية إلى موعد الانتخابات، لن تسمح له بتشكيلِ تحدٍّ ملموس لحظوظ حزب الحركة القومية الانتخابية.

لم يشر بهشتلي في كلمته إلى حقيقة دوافعه، ولا فعل الرئيس أردوغان عندما أعلن تأييده الدعوة لعقد انتخابات مبكرة. كلاهما، أكد على أن تركيا تواجه تحديات إقليمية متسارعة، وأن مناخ عدم اليقين المحيط بالساحة السياسية، لا يخدم مصالح تركيا القومية وبالتالي فلابد من ضرورة إزالة الالتباس في مركز صنع القرار.

أردوغان، من جهته، نظر إلى فكرة الانتخابات المبكرة من منظار أوسع قليلًا من منظار حليفه القومي. فتفاقم الأوضاع الإقليمية هو بالتأكيد ضمن حسابات أردوغان. ولكن السبب الأهم، على الأرجح، يتعلق بالوضع الاقتصادي. فقد حققت تركيا في العام 2017، معدل نمو بلغ 7.4%، وهذه النسبة تعتبر الأعلى ضمن مجموعة دول العشرين الأكبر اقتصادًا في العالم، كما انخفض معدل البطالة قليلًا. ولكن العجز في ميزان الحساب الجاري لم يزل مرتفعًا، وكذلك معدل التضخم. الأكثر مدعاة للقلق كان الانخفاض المستمر في قيمة الليرة التركية في مواجهة الدولار واليورو، وتجاوز الليرة، في النصف الأول من أبريل/نيسان، الحاجز النفسي لأربع ليرات مقابل الدولار. سجلت الليرة موجات انخفاض ثلاث منذ محاولة الانقلاب الفاشلة. في المرتين السابقتين، كانت أسباب تراجع الليرة واضحة، وتعلقت بواقعة المحاولة الانقلابية نفسها، أو خروج كثيف لأموال رجال الأعمال الغولانيين من البلاد. هذه المرة يصعب التعرف على أسباب اقتصادية محددة خلف الانخفاض المتسارع في قيمة الليرة.

يعتقد عدد من مستشاري الرئيس أن مناخ عدم اليقين الذي تعيشه البلاد والفترة الزمنية الممتدة من الاستفتاء على التعديل الدستوري في العام 2017 واكتمال الانتقال إلى النظام الرئاسي بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، دفع قطاعًا من رجال الأعمال الأتراك إلى سحب أموال إلى الخارج وأحدث شيئًا من التردد لدى المستثمرين الأجانب. لمعالجة هذا الوضع، يقول هؤلاء، لابد من إجراء انتخابات مبكرة، تُسرِّع من انتقال البلاد إلى النظام الرئاسي، وتؤكد استمرار أردوغان في موقعه، وتحقق وضوحًا كافيًا لما سيصبح عليه جهاز الحكم التنفيذي والجهاز القضائي في الدولة.

السبب الآخر خلف تأييد أردوغان لفكرة الانتخابات المبكرة يتصل بعملية عفرين. فقد أطلقت العملية مناخًا من الحشد القومي والالتفاف الشعبي خلف الحكومة والرئيس، ويخشى العدالة والتنمية تبدُّد هذه المشاعر خلال الشهور المقبلة، وخسارة الحزب بالتالي المكاسب السياسية التي يمكن أن يحصدها من قرار تنفيذ العملية.

أما السبب خلف اختيار أردوغان عقد الانتخابات في 24 يونيو/حزيران، بدلًا من 29 أغسطس/آب، الذي ورد في مقترح بهتشتلي، فأبسط بكثير، ويتعلق بموسم الإجازات الصيفية، وليس بأي دوافع سياسية خاصة. فخلال الإجازة الصيفية يغادر ملايين من الأتراك مواطن سكناهم، وربما يصعب على كثير منهم العودة لمجرد الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات. ولضمان الإقبال المرتفع، والمعتاد في الانتخابات التركية، على مقار الاقتراع، وجد أردوغان أن نهاية يونيو/حزيران موعدًا أفضل من نهاية أغسطس/آب.

 

تحديات الانتخابات المبكرة

طبقاً للتعديلات الدستورية المقرة في العام 2017، سيرتفع عدد نواب البرلمان التركي الجديد من 550 إلى 600 نائبًا، وسيصبح من حق كل من بلغ 18 سنة من عمره الترشح لعضوية البرلمان، إضافة إلى التصويت. وستجري الانتخابات الرئاسية بين أي عدد من المرشحين الذين أقرتهم اللجنة العليا للانتخابات على مرحلتين، إن لم يحصل أي من المرشحين على خمسين بالمئة من الأصوات زائد واحد في الجولة الأولى. وستستمر ولاية الرئيس والبرلمان معًا لخمس سنوات. كما أن حل البرلمان لأي سبب في المستقبل والدعوة لانتخابات مبكرة، يتطلب إجراء انتخابات رئاسية كذلك.

يتمتع حزب العدالة والتنمية بأغلبية مريحة في البرلمان الحالي، بعد أن حقق فوزًا كبيرًا في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015 الطارئة، وحصل على ما يقارب 50 بالمئة من الأصوات. السؤال الآن هو ما إن كان العدالة والتنمية سيستطيع الحفاظ على أغلبيته البرلمانية. إن نجح الرئيس أردوغان في العودة إلى موقع الرئاسة، سيظل رئيس الجمهورية، حتى بعد الانتقال الكامل إلى النظام الرئاسي، بحاجة إلى ضمان دعم الأغلبية البرلمانية. بدون ذلك، لن يستطيع الرئيس تنفيذ برنامجه بسلاسة كافية، سيما في ظل الاستقطاب الحاد الذي تتميز به الساحة السياسية التركية.

ثمة عدد من العوامل والقوى، التي لم تتضح بعد، ستترك تأثيرًا مباشرًا على الانتخابات البرلمانية. أحدها، أن العدالة والتنمية يخوض المنافسة هذه المرة في تحالف مع الحزب القومي، بينما لم يعرف بعد ما إن كان حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيس، سينجح في تشكيل تحالف انتخابي مناهض. ما هو معروف أن مباحثات بدأت على عجل بين الشعب الجمهوري، من جهة، والحزب الجيد، وحزب السعادة، من جهة أخرى. وتجري مباحثات موازية بين حزب السعادة والحزب الجيد، لا تتعلق بتحالف انتخابي نيابي وحسب، ولكن أيضًا حول كيفية تنسيق موقفي الحزبين من الانتخابات الرئاسية. ولأن الأحزاب لم تبدأ في إعداد لوائح مرشحيها، ليس من الواضح بعد عدد مرشحي حزب الحركة القومية على قائمة تحالف الشعب، الذي يضمه والعدالة والتنمية.

كما أن ذهاب العدالة والتنمية إلى تحالف مع الحزب القومي، وتصاعد وتيرة الخطاب القومي لدى قادة العدالة والتنمية في العامين الأخيرين، ترك أثرًا سلبيًّا على القاعدة الإسلامية للحزب، وعلى الدوائر الكردية المحافظة، التي اعتادت التصويت له خلال العقد ونصف العقد الماضيين. ولكن أحدًا لا يعرف على وجه اليقين حجم هذا الأثر السلبي، وما إن كان سينعكس على صناديق الاقتراع. إضافة إلى ذلك كله، تلعب شخصية المرشح وطبيعة الدائرة الانتخابية الخاصة دورًا لا يقل أهمية في نتائج الانتخابات البرلمانية. عمومًا، فربما سيصعب تبلور صورة أولية لخارطة الانتخابات البرلمانية قبل مضي أسبوعين أو أكثر على انطلاق الحملات الانتخابية وظهور عدد من استطلاعات الرأي ذات الطابع القومي.

ولا تقل الانتخابات الرئاسية صعوبة في التوقع. فالمؤكد حتى الآن أن كلًّا من الرئيس أردوغان ورئيسة الحزب الجيد، ميرال أكشنر، سيخوض المنافسة الرئاسية. ولكن حزب الشعب الجمهوري لم يعلن عن مرشحه بعد، ولا ما إذا كان هذا المرشح أصبح موضع نقاش في المباحثات التحالفية التي يعقدها مع الحزب الجيد وحزب السعادة. الأكثر مدعاة للاهتمام، ولقلق حزب العدالة والتنمية، على السواء، انتشار أنباء حول عزم رئيس الجمهورية السابق، وأحد كبار مؤسسي العدالة والتنمية، عبد الله غل، خوض الانتخابات الرئاسية، سواء كمرشح مستقل، أو كمرشح لحزب السعادة، إسلامي التوجه.

بعض ممن يعرف غل يقول إن الرجل، وبالرغم من الضغوط التي يتعرض لها من عدد من الدوائر المحافظة والمعارضة لأردوغان، سيمتنع في النهاية عن خوض المنافسة الرئاسية. يدرك غل أن خطوة كهذه ستحدث انقسامًا بالغًا في المعسكر المحافظ، وستضعه في مواجهة مباشرة مع صديقه ورفيقه السابق، وتنقل معركة الرئاسيات إلى مستوى غير مسبوق من التدافع الحاد. في المقابل، ثمة مصادر تؤكد أن هناك انقسامًا حقيقيًّا في مجموعة الآباء المؤسسين للعدالة والتنمية، وأن شخصيات مثل علي باباجان وبشير أطلاي تقف بقوة خلف ترشح غل للانتخابات الرئاسية. وتعمل مجموعة أنصار غل على اصطفاف كافة الأحزاب المعارضة، بما في ذلك حزب الشعب الجمهوري، خلف غل، على أن يبادر حزب السعادة، الإسلامي المحافظ، إلى دعوة غل لخوض المنافسة الرئاسية.

إن اتخذ غل قراره بخوض المنافسة، بوجود أكثر من مرشحين اثنين، فهناك احتمال كبير أن يسهم هذا التطور في فشل أي من المرشحين في حسم الانتخابات من جولتها الأولى، وأن تصبح نتيجة الجولة الثانية مفتوحة على عدة احتمالات. ومع ذلك، يظل فوز أردوغان من الجولة الأولى احتمالًا قائمًا ولكنه في حاجة إلى توفر جملة من الشروط. أما إن اصطف المعارضون جميعًا خلف غل، وتحولت الانتخابات الرئاسية إلى معركة ثنائية بين غل وأردوغان، فستكفي الجولة الأولى للحسم. أما إن ابتعد غل عن حلبة المنافسة، فليس ثمة مرشح يمكن أن يشكل خطرًا ملموسًا على حظوظ أردوغان في الاحتفاظ بمنصبه.

تحدي أردوغان الرئيس في حالة امتناع غل عن خوض الانتخابات هو ما إن كان سيحقق الفوز من الجولة الأولى، أو أنه سيضطر إلى خوض جولة ثانية في مقابل ثاني أعلى المرشحين أصواتًا في الجولة الأولى. لحسم الانتخابات الرئاسية في الجولة الأولى، يحتاج أردوغان عودة المحافظين من أبناء طبقة المدن الوسطى، الذين أحجموا عن تأييد التعديلات الدستورية في استفتاء أبريل/نيسان 2017، إلى التصويت له. وأن يحصل على دعم كاف من الصوت الكردي المحافظ، أو أن يعوض التراجع المتوقع في التأييد الكردي بتأييد مقابل من الصوت القومي.


انتخابات ليست كسابقاتها

تعود الديمقراطية التركية في الحقبة الجمهورية إلى بداية التعددية الحزبية في انتخابات 1950. ولكن الديمقراطية التركية واجهت العديد من العثرات، سواء بفعل الانقلابات العسكرية أو تدخلات الجيش غير المباشرة في الحكم. وقد مثَّلت الدعوة لانتخابات مبكرة الوجه الآخر لاضطراب مسيرة الديمقراطية في تركيا. وهذه ليست المرة الأولى التي يلعب فيها حزب الحركة القومية دورًا رئيسًا في الدعوة لانتخابات مبكرة. الحقيقة، أن موقف حزب الحركة القومية كان السبب الرئيس خلف كل حالات الانتخابات المبكرة منذ ثمانينات القرن الماضي، بما في ذلك انتخابات 2002، التي جاءت بالعدالة والتنمية إلى الحكم. ولكن هذه المرة يبدو الأمر مختلفًا إلى حد كبير عن سابقاته.

لقد عبرت الانتخابات المبكرة دائمًا عن تفاقم أزمة الحكم، بينما تتمتع تركيا هذه المرة بقدر كبير من الاستقرار. ما دفع حزب الحركة القومية والعدالة والتنمية إلى الاتفاق على الدعوة لانتخابات مبكرة ليس وجود أزمة حكم ما، بل مصالح حزبية أو قلق من نوع آخر، يتعلق بمخاوف اقتصادية أو مناخ عدم اليقين الذي ولده طول المرحلة الانتقالية بين إقرار التعديلات الدستورية المتعلقة بنظام الحكم والانتظار إلى أن تعقد الانتخابات في موعدها المحدد مسبقًا. وما يمنح هذه الانتخابات فرادتها، إضافة إلى ذلك، ليس فقط تزامن الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ولكن أيضًا أنها تؤشر إلى انتقال البلاد كلية، وللمرة الأولى في تاريخ الجمهورية، إلى النظام الرئاسي. ولأن فكرة الانتقال إلى النظام الرئاسي كانت دومًا، بما في ذلك في الاستفتاء حول التعديلات الدستورية في 2017، محل انقسام حاد في البلاد، فمن الصعب تجاهل الأثر الذي قد يتركه هذا الانقسام على نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية، على السواء.

مهما كان الأمر، ففي حال فوز أردوغان، ستعمل هذه الانتخابات على تحرر تركيا من عبء التكهنات والتوقعات المتضاربة، وتؤسس لاستقرار طويل نسبيًّا، يستمر طوال خمس سنوات من عمر البرلمان الجديد وولاية الرئيس المنتخب. في هذه المرحلة، سيصبح مركز صنع القرار أكثر تحديدًا، وسيتعرف الأتراك والمهتمون بالشأن التركي على ما يعنيه النظام الرئاسي للبلاد.

أما إن قرر عبد الله غل خوض المنافسة، واستطاع في النهاية الفوز، فستدخل تركيا حقبة جديدة من عدم الاستقرار، سيما إن نجح العدالة والتنمية في الاحتفاظ بالأغلبية البرلمانية. والأرجح عندئذ أن تعود تركيا ثانية إلى صناديق الاقتراع خلال فترة لن تطول بعد انتخابات 24 يونيو/حزيران 2018.