التيارات الإسلامية في اليمن: تحدي البقاء في بيئة مضطربة

تسعى هذه الورقة إلى تقديم تحليل للوضع الراهن للحركات الإسلامية الرئيسة في اليمن، مع التركيز على التحولات الجوهرية التي طرأت على بنيتها التنظيمية وأطرها الفكرية وممارساتها السياسية خلال آخر عشر سنوات. وبحسب الورقة، يتجه المشهد المستقبلي للتيارات الإسلامية في اليمن نحو أنماط جديدة من التأثير السياسي والمجتمعي، قوامه تراجع التيارات الجهادية وتقدم التيارات الأخرى.
1 يناير 2025
يتجه المشهد المستقبلي للتيارات الإسلامية في اليمن نحو انحسار التيارات الجهادية وتراجع خطابها وانكشاف محدودية نموذجها (الجزيرة).

مقدمة

تمر التيارات الإسلامية في اليمن بتحولات عميقة منذ اندلاع ثورة 2011، فخلال ثلاثة عشر عامًا حافلة بالتغيرات، تضافرت عوامل محلية وإقليمية في إعادة تشكيل المشهد الديني بتعبيراته المختلفة، سواء المؤسسية أو المجتمعية، السياسية منها وغير المسيسة.

تسعى هذه الورقة إلى تقديم تحليل الوضع الراهن للحركات الإسلامية الرئيسة في اليمن، مع التركيز على التحولات الجوهرية التي طرأت على بنيتها التنظيمية وأطرها الفكرية وممارساتها السياسية خلال آخر عشر سنوات. ويقتصر مصطلح "التيارات الإسلامية" في هذه الدراسة على الحركات والتنظيمات ذات المرجعية الإسلامية، ولن تتطرق الورقة لجماعة أنصار الله الحوثية، نظرًا للاختلاف الجوهري في المرجعيات العقائدية والفكرية، والتباين في النشأة والتطور التاريخي، والاختلاف في طبيعة الممارسة السياسية والعلاقة مع الدولة، إضافة إلى التمايز في شبكة العلاقات الإقليمية.

وعلى الخارطة الجغرافية في الوقت الراهن تتوزع السيطرة بين عدة قوى رئيسية؛ تهيمن جماعة "أنصار الله" الحوثية على معظم المناطق الشمالية بما فيها العاصمة، صنعاء، ما عدا مأرب وتعز، في حين يبسط "المجلس الانتقالي الجنوبي" سيطرته على عدن وبعض المحافظات الجنوبية. أما الحكومة المعترف بها دوليًّا، ممثلةً بالمجلس الرئاسي، فهي تحتفظ بوجود رمزي في عدن مع نفوذ محدود على الأرض، وبالمقابل تتمركز القوات الموالية للحكومة الشرعية في عدة مناطق، مثل تعز ومأرب وشبوة وحضرموت، ويُطلق على المناطق التي تم انتزاعها من جماعة الحوثي اسم "المناطق المحررة".

التجمع اليمني للإصلاح

تعود جذور حزب التجمع اليمني للإصلاح، إلى حركة الإخوان المسلمين في اليمن، وهو يجمع بين "الهوية الإسلامية" والعمل السياسي المؤسسي، مع قدرة لافتة على التكيف مع المتغيرات السياسية والاجتماعية.  

شهدت حركة الإخوان المسلمين في اليمن مرحلتين أساسيتين في تطورها. بدأت المرحلة الأولى في عام 1963 بتأسيس الحركة في القاهرة على يد مجموعة من الشباب اليمني بقيادة عبده محمد المخلافي. تميزت هذه المرحلة بالعمل السري والتركيز على البناء التنظيمي والتربوي؛ حيث نجحت الحركة في بناء شبكة واسعة من العلاقات والأنشطة التعليمية والدعوية. كما طورت خلال هذه الفترة أساليب عملها التنظيمي وآليات التواصل مع مختلف شرائح المجتمع. وقد ساعد العمل السري للحركة في تجنب المواجهة المباشرة مع السلطة، مع الحفاظ على استمرارية العمل التنظيمي والتربوي. واستمرت هذه المرحلة حتى عام 1990؛ حيث استفادت الحركة من هذه الفترة في تأسيس قاعدة شعبية صلبة وإعداد كوادر قيادية مؤهلة(1).

أما المرحلة الثانية، فقد بدأت مع تأسيس التجمع اليمني للإصلاح، في سبتمبر/أيلول 1990، مستفيدة من أجواء الانفتاح السياسي التي صاحبت تحقيق الوحدة اليمنية. تميزت هذه المرحلة بالعمل العلني والمشاركة السياسية الفاعلة؛ حيث نجح الحزب في تحقيق حضور فعال في البرلمان والحكومة، وبناء تحالفات سياسية واسعة. كما تمكن من تطوير خطابه السياسي ليجمع بين المرجعية الإسلامية والقيم الديمقراطية(2).

شهدت رؤية الحركة للعمل السياسي والدولة تطورًا ملحوظًا على مدى العقود الماضية. فقد انتقلت من التركيز على فكرة "الدولة الإسلامية" إلى تبني مفهوم الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية. ويتجلى هذا التطور في قبول الحركة للتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، وتأكيدها على مبادئ المواطنة والعدالة الاجتماعية(3). ويؤكد محمد قحطان، أحد قيادات الحركة البارزين(4)، أن "الاعتقاد بالديمقراطية يعد مبدأ لا يمكن التنازل عنه"، مشيرًا إلى أن الإصلاحيين يطمحون لإقامة دولة العدالة والمساواة(5). وقد انعكس هذا التطور في العلاقة مع النظام السياسي؛ حيث مرت بمراحل مختلفة من المشاركة في السلطة إلى المعارضة خلال ثورة 2011، ثم التحالف مع الشرعية في مواجهة الحوثيين. وتميزت الحركة بقدرتها على التكيف مع المتغيرات السياسية مع الحفاظ على مبادئها الأساسية. وقد أسهم هذا النموذج في تعزيز قدرة الحركة على البقاء والاستمرار رغم التحديات المختلفة(6).

جمع النموذج التنظيمي للحركة بين العمل المؤسسي والحضور الشعبي. فعلى المستوى المؤسسي، تمتلك الحركة هيكلًا تنظيميًّا يضم مؤسسات وهيئات متخصصة. وعلى المستوى الشعبي، نجحت في بناء شبكة واسعة من العلاقات الاجتماعية والثقافية(7). كما نجحت الحركة في تطوير نموذج خاص يراعي طبيعة المجتمع اليمني وتركيبته المذهبية والقبلية المعقدة. فعلى عكس تجارب إخوانية أخرى، استطاعت الحركة في اليمن التعامل بمرونة مع التنوع المذهبي، خاصة في علاقتها التاريخية مع المذهب الزيدي. وقد أسهم هذا في تعزيز شرعيتها المحلية وقدرتها على التأثير في المجتمع. وعلى صعيد "التمدد الإيراني"، رفضت الحركة التدخلات الإيرانية ومن الواضح أنها تتجنب الانجرار إلى الصراع الطائفي قدر الإمكان، وبالمقابل تحاول المحافظة على استقلالية نسبية في قراراتها رغم الضغوط الإقليمية المختلفة(8). قدم حزب الإصلاح في مناسبات متعددة توضيحات رسمية تنفي ارتباطه التنظيمي أو الهيكلي بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، مؤكدًا أن توجهاته وأولوياته تنحصر في النطاق الوطني المحلي. ويستند الحزب في إثبات هذا الموقف إلى مرجعياته التأسيسية المتمثلة في نظامه الأساسي وبرنامجه السياسي ولوائحه الداخلية؛ حيث تحدد هذه الوثائق هويته وفلسفته السياسية وقيمه التنظيمية، دون أن تتضمن أي إشارة إلى علاقة عضوية مع جماعة الإخوان المسلمين.

التداعيات والتحولات 

شهد الوضع التنظيمي والسياسي للتجمع اليمني للإصلاح تحولات عميقة نتيجة المتغيرات الإقليمية والمحلية. فبعد وصول الرئيس، عبد ربه منصور هادي، للسلطة في 2012، حاول الإصلاح إعادة ترتيب علاقته مع النظام الجديد والانخراط الفاعل داخله. لكن سيطرة "أنصار الله" الحوثيين على صنعاء، في 2014، غيرت المعادلة السياسية برمتها، وقد تعرض الحزب، في أبريل/نيسان 2015، لحملة اعتقالات واسعة من الحوثيين لـ122 من قياداته، بينهم أعضاء في مجلس شورى الحزب والهيئة العليا، وعدد من القيادات البارزة.

شكلت سيطرة الحوثيين على صنعاء نقطة تحول في الأزمة اليمنية؛ حيث تعرض التجمع اليمني للإصلاح، الخاسر الأكبر في هذه التحولات، لموجة غير مسبوقة من الإجراءات القسرية والإقصاء السياسي، وتلقت شبكة تحالفاته التقليدية وحلفاؤه من قبائل حاشد وآل الأحمر ضربة قاسية(9)، حتى إن حاضنتها الشعبية ومحل نفوذها العسكري والقبلي التقليدي في المحافظات الشمالية التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، دخلت في حالة جمود وركنت للوضع القائم(10).

وأهم معضلة واجهت حزب الإصلاح أنه كان من جهة، مستهدفًا من قبل "انقلاب الحوثيين" في صنعاء، ومن جهة أخرى، واجه موقفًا متحفظًا من دول التحالف (السعودية والإمارات) بسبب ارتباطه التنظيمي بجماعة الإخوان المسلمين. وقد أدى هذا التعقيد السياسي إلى تحول النزاع من حرب استعادة الشرعية، إلى حرب استنزاف طويلة الأمد أثَّرت سلبيًّا على المجتمع اليمني بأكمله.

بينما شهدت المحافظات الجنوبية تراجعًا لنشاط الحركة السياسي والتنظيمي بشكل ملحوظ وذلك بعد سيطرة المجلس الانتقالي على عدن، عام 2017، حيث تعرضت قياداتها وكوادرها للإقصاء والاغتيالات في محافظتي عدن ولحج؛ مما أسهم في خروج أغلب قياداتها وكوادرها من البلاد وانحصار وجودها الفعلي في محافظتي تعز ومأرب وانتقل مركز ثقلها التنظيمي إلى محافظة مأرب. بينما انتقل أغلب القيادات السياسية إلى الرياض وتركيا وبقيت أغلب القيادات التنظيمية ما بين مأرب والمحافظات الشرقية(11).

وشهدت الحركة خلال تلك الفترة تراجعًا ملحوظًا في دورها السياسي، إذ تم تقليص مشاركتها في المحادثات الدبلوماسية الرئيسية التي عُقدت في سويسرا والكويت بين عامي 2015 و2016، واقتصر تمثيلها على قيادات من المستوى الثاني؛ مما انعكس على إستراتيجياتها السياسية وأنماط صنع القرار داخل هياكلها التنظيمية؛ حيث برز انقسام واضح بين تيارين: الأول: يمثله الجناح البراغماتي الذي يسعى للتكيف مع المتغيرات الإقليمية، ويتجلى ذلك في مشاركة رئيس الحزب، محمد اليدومي، في مؤتمر علماء أهل السنة بالرياض. والثاني: يمثله التيار الشبابي المعارض لهذا التوجه، والذي يتخذ من تركيا مقرًّا له(12). وفي ذات السياق، برزت مدينة إسطنبول مركزًا مهمًّا للحركة؛ حيث شهدت توافدًا متزايدًا للقيادات والكوادر والمؤسسات الإعلامية المرتبطة بها. وقد تُوج هذا الحضور بافتتاح مكتب تنفيذي للحزب عام 2016، معتمدًا هيكلية تنظيمية مماثلة لتلك القائمة في اليمن، مع إنشاء مكاتب فرعية في المناطق الإدارية المختلفة. ويلاحظ أن أهمية المكتب التنفيذي في إسطنبول تجاوزت حدود الاهتمام التركي الرسمي بالشأن اليمني(13).

يمكن تتبع النشاط التنظيمي والسياسي للحركة على الخارطة اليمنية خلال الفترة (2017-2022) وفق نمط جغرافي متباين؛ حيث يمكن تقسيم مستويات النشاط إلى ثلاث فئات رئيسية: المستوى الأول: المناطق ذات النشاط الطبيعي، وتشمل المحافظات الشرقية (حضرموت والمهرة)، مع ملاحظة وجود بعض القيود في مدينة المكلا. المستوى الثاني: المناطق ذات النشاط المتفاوت، وتتمثل في محافظتي أبين وشبوة، حيث تراوح النشاط بين المد والجزر تبعًا للمتغيرات السياسية والأمنية. أما المستوى الثالث: فهي المناطق المقيدة، وتشمل محافظات عدن ولحج والضالع؛ حيث شهدت تجميدًا شبه كامل للنشاط التنظيمي. أما في محافظتي مأرب وتعز، فقد تميز حضور الحركة بالفاعلية المؤسسية؛ حيث مارست نشاطها من خلال المؤسسات الرسمية للدولة وامتدت عبر الفضاءات المدنية المختلفة(14). ثم شهد عام 2022 تحولات جوهرية في المشهد السياسي اليمني، تمثلت في متغيرين رئيسيين أسهما في تخفيف حدة التوتر بين حزب الإصلاح والقوى السياسية الأخرى، وتحديدًا المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات طارق صالح. تمثل المتغير الأول في تشكيل مجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد العليمي، والذي شكَّل منعطفًا في العلاقة بين الإصلاح والمجلس الانتقالي. وقد تجلى هذا التحول من خلال الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بذلها الإصلاح خلال الفترة (2022-2024)، والتي تمثلت في سلسلة من المفاوضات في العاصمة الأردنية، عمَّان، وكذلك في عدن، بهدف نقل العلاقة إلى إطار العمل السياسي المؤسسي. وقد أثمرت هذه الجهود تخفيف الضغوط الأمنية والإعلامية على قواعد الإصلاح في المحافظات الجنوبية (عدن، لحج، الضالع). أما المتغير الثاني فتمثل في التحولات الميدانية المتمثلة في سيطرة المجلس الانتقالي وقوات العمالقة على محافظتي شبوة وأبين، وهو ما أدى -بشكل غير مباشر- إلى تبني سياسة أكثر مرونة في التعامل مع الكوادر المنتمية للحركة الإسلامية المتمثلة بحزب الإصلاح(15).

وفي ذات الوقت شهدت العلاقة بين حزب الإصلاح و"قوات المقاومة الوطنية" بقيادة طارق صالح تحولًا ملحوظًا في المسار والتوجهات. فبعد أن اتسمت العلاقة بينهما بالتنافس الحاد، اتخذت القيادة المركزية للإصلاح قرارًا إستراتيجيًّا قبل عام يقضي بالتقارب مع قوات طارق صالح، سعيًا نحو علاقة تكاملية. وقد عملت قيادة الحزب على معالجة هذا التحول بحكمة في محافظة تعز، متبنية سياسة التهدئة وضبط النفس؛ مما أدى إلى تراجع ملحوظ في حدة التوتر بين القيادات السياسية والعسكرية للطرفين. غير أن عوامل التوتر الكامنة تظل قائمة وقابلة للاشتعال في أي لحظة(16). ويمكن فهم هذا التحول في إطار الرؤية الإستراتيجية للإصلاح، التي تعتبر جماعة الحوثي العدو الإستراتيجي الرئيسي؛ مما يستدعي توحيد كافة الجهود في المعركة الوطنية ضد مشروعها. وفي هذا السياق، يسعى الإصلاح إلى احتواء مختلف التكتلات السياسية والعسكرية وتوجيهها نحو هذا الهدف المشترك.

أما بالنسبة لعلاقة الحركة مع الجماعات الإسلامية الأخرى فبإمكاننا تحليل العلاقة من خلال ثلاثة أبعاد: البعد الأول: طبيعة العلاقة التنافسية حيث تتسم العلاقة بين الحركات الإسلامية ذات المرجعية المشتركة بالتنافس الحاد على المستويين الفكري والسياسي، نظرًا لاشتراكها في الأرضية الأيديولوجية نفسها. وقد تراوحت هذه العلاقة تاريخيًّا بين التكامل والتنافس والصدام. غير أن المواجهة مع الحوثيين أحدثت تحولًا في طبيعة هذه العلاقة؛ حيث تراجعت حدة التنافس والصدام إلى التعاون والمرونة. أما البعد الثاني فهو بروز تحدٍّ جديد يتمثل في التشكيلات العسكرية المبنية على المكون "السلفي الجامي" في الجنوب، والمتمثلة في قوات العمالقة والأحزمة الأمنية وأذرع الوطن. وتحمل هذه التشكيلات بذور توتر محتمل قد يؤدي إلى صدامات مستقبلية. البعد الثالث: موقفه من "الجماعات الجهادية"؛ فللإصلاح موقف واضح فهو يرفض مناهجها ويحرص على إيجاد مسافة فاصلة معها. وينعكس هذا الموقف في الواقع الميداني؛ حيث تغيب هذه الجماعات عن مناطق نفوذ ووجود قواعد الإصلاح(17).

التحديات

تواجه الحركة الإسلامية في اليمن مجموعة معقدة من التحديات، من أهمها تلك المتعلقة ببناء الحركة نفسها؛ يقول بونفوا: إن "الانقسامات العميقة في البنية الاجتماعية والسياسية اليمنية خلقت معضلة حقيقية أمام قدرة الإصلاح على تقديم نفسه كقوة وطنية جامعة"(18). وتتجلى هذه التحديات البنيوية في ثلاثة أبعاد رئيسية. يتمثل البُعد الأول في التآكل التدريجي للقاعدة الاجتماعية التقليدية للحركة، وذلك نتيجة للتحولات الديمغرافية والاجتماعية المتسارعة التي يشهدها المجتمع اليمني. أما البُعد الثاني، فيتجلى في محدودية قدرة الحركة على تجديد خطابها السياسي بما يتواءم مع تطلعات الأجيال الجديدة وتحولاتها الفكرية والثقافية. وفيما يتعلق بالبُعد الثالث، فيتمثل في تراجع فاعلية الأطر التنظيمية التقليدية في ظل متطلبات العصر الرقمي وتحدياته المتجددة.

وفي سياق تحليل التحديات السياسية المباشرة التي تواجه الحركة الإسلامية في اليمن، تبرز قضية الفساد المؤسسي، وتحديدًا ما تَكَشَّف من ملفات الإعاشة، والتي تمثل تهديدًا محتملًا لوحدة الحركة وتماسكها الداخلي. وتكمن خطورة هذا الملف في قدرته على زعزعة الثقة بين القيادة والقواعد التنظيمية؛ مما قد يؤدي إلى انقسامات داخلية عميقة.

وعلى الرغم من التحديات المتعددة، استطاع حزب الإصلاح المحافظة على تماسكه التنظيمي، متجنبًا حالة التشرذم التي تعاني منها الأحزاب اليمنية المعاصرة. ويمكن إرجاع ذلك إلى استمرار ثقة القواعد التنظيمية بصحة المسار السياسي للحركة وبقراراتها الإستراتيجية، وإن وقعت في الإخفاقات، غير أن هذا لا ينفي وجود مخاطر محتملة للتشظي في المستقبل، لاسيما أن الحركة تعمل في بيئة سياسية صعبة(19).

وفيما يتعلق بالتحديات السياسية الخارجية، تبرز ثلاث معضلات رئيسية: تصاعد نفوذ القوى المناوئة للحركة لاسيما الحوثيين، وتعقد العلاقة مع التحالف العربي في ظل الموقف الإماراتي المتحفظ، وصعوبة الموازنة بين الالتزامات المحلية والعلاقات الإقليمية. كما أن هناك تأثيرات إقليمية ذات أبعاد على مستقبل الحركة، يتجلى البعد الأول منها فيما ستؤول إليه نتائج السابع من أكتوبر/تشرين الأول على الجماعات الإسلامية في المنطقة وتحديدًا حركة الإخوان المسلمين. أما البعد الثاني فيتمثل في القيود الإقليمية المتزايدة على الحركات الإسلامية عمومًا، وخاصة في علاقتها مع المملكة العربية السعودية والإمارات. والذي أدى إلى تعقيدات إضافية في المشهد اليمني.

مستقبل الحركة

تشير المعطيات التاريخية والواقع الحالي إلى أن مستقبل الحركة في اليمن يتأرجح بين عدة سيناريوهات محتملة، تتأثر بعوامل داخلية وخارجية. وقد أظهرت الحركة على مرِّ تاريخها القدرة على التكيف مع المتغيرات لذلك يبرز سيناريو البقاء والتعافي كأكثر السيناريوهات ترجيحًا؛ حيث إن بقاء الحركة ليس محل نقاش بسبب المرونة التاريخية التي أظهرتها حركة الإخوان المسلمين في اليمن، وقدرتها أو بالأحرى "قدرة الإصلاح على التكيف مع الظروف المتغيرة تمثل أحد أهم عوامل استمراريته رغم التحديات الكبيرة"(20). وقد أثبتت الحركة قدرتها على الحفاظ على تماسكها التنظيمي رغم الضغوط الهائلة التي تعرضت لها، وأثبتت قدرتها على تطوير خطابها السياسي بما يتناسب مع متطلبات كل مرحلة.

أما تعافي حزب الإصلاح فيعتمد على مدى قدرته "على إعادة تموضعه في المشهد السياسي" من جهة، وتطوير "رؤية جديدة تتجاوز المعادلات التقليدية"(21) من جهة أخرى؛ ما يعني أن على الحزب أن يجري تجديدًا شاملًا في المنظومة الفكرية والتنظيمية" مع الحفاظ على هويته الأساسية(22).

يرتبط نجاح هذا السيناريو عمومًا، بقدرة الحركة على إعادة بناء تحالفاتها المحلية والإقليمية، وتطوير آليات عمل جديدة تتناسب مع المتغيرات السياسية والاجتماعية.  

وهناك سيناريو التراجع والانحسار. يفترض هذا السيناريو تراجعًا متزايدًا لدور الحركة وتأثيرها في المشهد السياسي اليمني. يستند تحقق هذا السيناريو إلى تصاعد ضغوط التحديات البنيوية التي تواجه الإصلاح، وكذلك تصاعد الضغوط الإقليمية على الحركة، وتراجع قدرتها على الحشد والدعم السياسي والمادي، إضافة إلى التحولات العميقة في المشهد السياسي اليمني التي أحدثتها الحرب. وقد لاحظ بونفوا أن "تراجع القدرة على التأثير في المشهد السياسي يترافق مع تحديات داخلية تتعلق بمثل عدم تجديد الخطاب وتطوير الآليات التنظيمية"(23)، فاستمرار هذه العوامل   يؤدي إلى تآكل تدريجي في قدرة الحركة على الفعل السياسي. أما تحديد مستقبل الحزب وفق هذه السيناريوهات، فيجب أن يأخذ بالاعتبار أربعة متغيرات رئيسية متداخلة: يتمثل المتغير الأول في مسار التسوية السياسية في اليمن وما قد تفرزه من توازنات جديدة تؤثر على موقع الحركة ودورها المستقبلي. في حين يتعلق المتغير الثاني بالمواقف الإقليمية تجاه الحركات الإسلامية وانعكاساتها على هامش الإسلام السياسي. أما المتغير الثالث فيتمثل في قدرة الحركة على تجديد خطابها وتطوير آليات عملها بما يتواءم مع المتغيرات المحلية والإقليمية. ويرتبط المتغير الرابع بالتحولات الجارية في المشهد السياسي العربي والإقليمي والدولي وتأثيراتها المحتملة على مستقبل الحركات الإسلامية.

التيارات السلفية في اليمن

شهد التيار السلفي في اليمن تحولًا في بنيته التنظيمية والفكرية منذ مطلع الألفية الثالثة. فبعد أن كان يمثل كتلة متجانسة تحت قيادة مؤسسه، الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، شهد تحولًا نحو التعددية التنظيمية والفكرية، وشهدت الساحة اليمنية خلال العقد الأخير تحولات في المشهد السلفي، سواء من حيث التموضع السياسي أو الانخراط في العمل المسلح. وقد أدت الحرب الأهلية والتدخل الخارجي إلى إعادة تشكيل خارطة التيارات السلفية وتوجهاتها.
ويمكن رصد تباين واضح في تصنيف الاتجاهات السلفية في اليمن بين الباحثين والمنتمين للتيار السلفي على حدٍّ سواء(24)، فهناك من يرى أنهم ثلاثة اتجاهات(25): الأول: الاتجاه المشيخي ويمثله الشيخ مقبل الوادعي ومن تبع نهجه، وهو يتميز بموقف غير تصادمي مع الأنظمة الحاكمة دون إقرار شرعيتها، مع وجود رأي يشير إلى تغير موقفه في آخر عمره بشأن الإقرار بالشرعية(26). الاتجاه الثاني: هو الجامي والمدخلي ويمثله الشيخ يحيى الحجوري وأتباعه. يتميز بالإقرار بشرعية الأنظمة الحاكمة ووجوب طاعتها، مع وجود رأي يرى عدم وجود اختلاف بين الاتجاهين، الأول والثاني(27). أما الاتجاه الثالث فهو السرورية نسبة إلى محمد بن سرور أو ما يسمى بالسلفية الحركية وهناك من يراها لا تختلف عن الاتجاهات السابقة(28). وهناك من يضيف اتجاهًا آخر وهو السلفية الجهادية(29).

في خضم هذا النقاش يمكن ترسيم التيارات السلفية الرئيسية الحالية في اليمن إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية(30): اتجاه السلفية التقليدية العلمية، وهو ما يندرج فيه الشيخ مقبل الوادعي والحجوري ومحمد الإمام. الاتجاه الثاني هو السلفية الحركية أو التنظيمية. أما الاتجاه الثالث فهو السلفية المنخرطة في التشكيلات العسكرية وهي ما يُطلق عليها "الجامية" أو "المدخلية" دون أن يسموا أنفسهم بذلك.

اتجاه السلفية التقليدية العلمية

شكَّل مركز دار الحديث في دماج، الذي أسسه الشيخ مقبل الوادعي، نقطة محورية في تشكيل وتطور هذا التيار منذ نهاية السبعينات وحتى مطلع الألفية الثالثة. تكمن أهمية التيار العلمي في قدرته على تشكيل نموذج تعليمي وفكري، وتأثيره الممتد في المشهد الديني والاجتماعي اليمني والإقليمي(31). تميزت المنهجية للسلفية التقليدية بتركيزها على دراسة علوم الحديث والعقيدة واللغة العربية(32). وقد استقطب مركز دار الحديث في دماج آلاف الطلاب من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، حتى أصبح أحد أهم المراكز السلفية العلمية على مستوى المنطقة. "وقد استقطب المركز في ذروته ما يزيد عن سبعة آلاف طالب من أربعين دولة"؛ ما جعله ذا تأثير عالمي(33).

ويؤكد هذا التيار على مبدأ طاعة ولي الأمر والابتعاد عن الصراعات السياسية ورفض المشاركة السياسية والحزبية. وبحسب الباحث أحمد الدغشي، هذا الموقف نابع من قناعة فكرية عميقة بأولوية الإصلاح العقدي والتربوي على العمل السياسي المباشر(34).

شهد عام 2014 تحولًا جذريًّا في الوضع الميداني والديمغرافي لمنطقة دماج؛ حيث أفضت المواجهات العسكرية إلى بسط جماعة الحوثي سيطرتها الكاملة على المنطقة. نتج عن ذلك تدمير مركز "دار الحديث" وتهجير قسري لما يقارب 15 ألفًا من أتباع التيار السلفي(35).  أدى هذا التطور في سبتمبر/أيلول من العام نفسه، إلى الانقسام داخل التيار السلفي التقليدي إلى فريقين متمايزين: فريق آثر سياسة الحياد والمهادنة(36) وتجنب المواجهة، ويمثله سلفيو "مدرسة معبر" في محافظة ذمار بقيادة الشيخ محمد الإمام، وسلفيو محافظة إب، إضافة إلى التجمعات السلفية الموجودة في مناطق نفوذ الحوثي شمال البلاد. أما الفريق الثاني فاتخذ موقفًا متحفزًا للمواجهة، ومثَّله قطاع واسع من السلفيين في محافظات تعز والبيضاء والمناطق الجنوبية، وقد أصبح أقرب إلى تيار رئيسي ثان في البلاد، يمثله ما يسمى بالتيار الجامي/المدخلي والذي انخرط في التشكيلات العسكرية في وقت لاحق(37).

أما الفريق الأول فقد فضَّل الابتعاد عن المواجهة والتركيز على العمل الدعوي والتعليمي في المناطق الآمنة البعيدة عن بؤر الصراع؛ حيث يُشار إلى نشوء ما لا يقل عن عشرة مراكز علمية جديدة في المناطق الجنوبية والشرقية(38). هذا التباين في المواقف والإستراتيجيات يعكس عمق التحول الذي أصاب البنية الفكرية والتنظيمية للتيار السلفي التقليدي في اليمن.

وتشير التحولات التي شهدتها السلفية التقليدية خلال العقد الأخير إلى قدرة التيار العلمي على التكيف والاستمرار رغم التحديات الكبيرة. ومع ذلك، يواجه التيار تحديات مستقبلية مهمة تتعلق بإعادة بناء مؤسساته التعليمية، والحفاظ على منهجيته، والتعامل مع المتغيرات السياسية والاجتماعية المتسارعة في اليمن والمنطقة.

اتجاه السلفية المنخرطة في التشكيلات العسكرية: يثير تصنيف التيار السلفي المنخرط في العمل العسكري باليمن جدلًا، فبينما يميل بعض المشايخ السلفيين والباحثين(39) إلى تصنيف هذا التيار ضمن ما يُعرف بـ"الجامية" أو "المدخلية" -نسبة إلى الشيخين، محمد أمان الجامي وربيع المدخلي- يذهب آخرون إلى تعميم هذا التصنيف على التيار السلفي التقليدي بأكمله(40). غير أن الملاحظ أن هذا المصطلح بات يرتبط بشكل خاص بالتشكيلات العسكرية السلفية، رغم عدم تبني هذه المجموعات للتسمية بشكل رسمي.

يعود تنامي هذا الاتجاه إلى بداية انهيار الدولة اليمنية في أواخر عام 2014 وسيطرة جماعة الحوثي على العاصمة، صنعاء، والذي شكَّل نقطة تحول مفصلية في مسار السلفية التقليدية. فمع توسع الحوثيين جنوبًا نحو محافظات تعز والبيضاء والضالع ولحج وعدن وأبين، برزت ظاهرة لافتة تمثلت في انخراط العديد من السلفيين في المقاومة الشعبية ضد التمدد الحوثي. ويُلاحظ أن هذا التحول سيُشكل قطيعة مع النهج السلفي التقليدي المتحفظ على المشاركة في النزاعات المسلحة. وقد تباين حجم هذه المشاركة من محافظة إلى أخرى، لكن اللافت أن غالبية المنخرطين في المقاومة كانوا من المشاركين السابقين في مواجهات دماج(41)، مما يشير إلى تأثير تجربة دماج في تشكيل مواقفهم اللاحقة.

شكَّلت عملية "عاصفة الحزم" التي أطلقتها المملكة العربية السعودية، في مارس/آذار 2015، وما تبعها من تشكيل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، تحولًا في المشهد العسكري للتيار السلفي. يمكن رصد هذا التحول من خلال مسارين رئيسيين: المسار الأول: تحول العمل العسكري الذي تغلب عليه العفوية إلى نمط مؤسسي منظم. أما المسار الثاني فيتمثل في التحول البنيوي للقيادة السلفية؛ إذ شهدت الساحة صعود جيل جديد من القيادات العسكرية السلفية، غالبيتهم من مهجَّري دماج، ليتولوا زمام القيادة الميدانية في مختلف جبهات القتال. وقد مثل هذا الانتقال من القيادة التقليدية المتمثلة في المشايخ إلى القيادة العسكرية الميدانية تحولًا هيكليًّا في بنية الحركة السلفية وآليات عملها. إن هذا التحول المزدوج -المؤسسي والقيادي- يؤشر إلى مرحلة جديدة في تاريخ الاتجاهات السلفية في اليمن.  

في هذا السياق، برزت ألوية العمالقة كأبرز وأقوى التشكيلات العسكرية السلفية؛ حيث تشير التقديرات إلى أنها تضم ما يقارب 30.000 مقاتل(42)، غالبيتهم من خلفية سلفية(43). يقود هذه القوات عبد الرحمن "أبو زرعة" المحرمي، عضو مجلس القيادة الرئاسي، وأحد خريجي مدرسة دار الحديث في دماج، الذي استطاع تحويل هذه القوات من مجرد تشكيلات صغيرة إلى قوة عسكرية منظمة ومؤثرة في المشهد اليمني.

وقد تميز هذا التحول نحو العمل العسكري بارتباط وثيق مع التحالف العربي؛ مما أسهم في تطوير القدرات القتالية لهذه القوات وتعزيز حضورها في الميدان، وجعلها قوة عسكرية وسياسية لا يمكن تجاهلها في المعادلة اليمنية.

كما سارعت المجموعات السلفية نحو الاندماج والتنسيق مع القوى العسكرية المختلفة، متجاوزة الحدود الأيديولوجية التقليدية. فقد تميزت التشكيلات السلفية المسلحة بقدرة فريدة على التكيف والاندماج المؤسسي مع القوات النظامية والتشكيلات العسكرية الأخرى. ويتجلى هذا النموذج في تجربة قوات أبو العباس التي اندمجت مع اللواء 35 مدرع، وكذلك في تجربة ألوية العمالقة التي طورت علاقات تنسيق وثيقة مع قوات طارق صالح في الساحل الغربي، والمجلس الانتقالي الجنوبي وقوات النخبة في شبوة.

تعكس هذه المرونة في التحالفات والاندماج المؤسسي توجهًا براغماتيًّا لدى القيادات السلفية العسكرية؛ إذ يركزون على البعد العملياتي والميداني دون السعي للهيمنة السياسية. هذا النهج البراغماتي، كما يبدو، هو ما جعل هذه التشكيلات محط اهتمام ودعم القوى الإقليمية(44).

يتوزع النفوذ العسكري للتشكيلات العسكرية المنطوية بها مجموعات سلفية في مواقع إستراتيجية حيوية في اليمن. ففي الساحل الغربي؛ تنتشر قوات طارق صالح، بينما تتموضع ألوية العمالقة كقوة عسكرية رئيسية في عدة نطاقات جغرافية. وتبرز في تعز كتائب أبي العباس في حين تتولى قوات الحزام الأمني والنخبة مهام أمنية وعسكرية مؤثرة في محافظات عدن ولحج وشبوة.

ورغم هذا النجاح العسكري الظاهر، يواجه التيار السلفي المسلح تحديات وإشكاليات عميقة. تتركز في ثلاثة تحديات رئيسية: أولها: إشكالية الشرعية الدينية للعمل العسكري، وثانيها: تحديات الولاء بين المرجعية الدينية والسياسية، وثالثها: مخاطر التوظيف السياسي والإقليمي. هذه التحديات تطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل هذا الاتجاه وقدرته على الحفاظ على هويته السلفية مع استمرار انخراطه في العمل العسكري.

وفيما يتعلق بالمستقبل، يملك هذا الاتجاه من القوة العسكرية والعلاقات السياسية الإقليمية ما يرشحه لدور محوري في مرحلة ما بعد الحرب(45)، على الأقل في ثلاثة اتجاهات: المشاركة في ترتيبات ما بعد الحرب، والتأثير في التوازنات السياسية والعسكرية، وإعادة تشكيل المشهد الديني والاجتماعي.

اتجاه السلفية الحركية (المنظمة)

شهدت السلفية التقليدية في اليمن تطورًا في أواخر ثمانينات القرن العشرين، حين برز خلاف فكري بين الشيخ مقبل الوادعي ومجموعة من تلاميذه البارزين. تمخض عن هذا الخلاف ظهور اتجاه "السلفية المنظمة" أو "السلفية الحركية" وإن كان هذا الاتجاه يتجاوز اليمن في انتشاره أو أسباب نشأته(46). يُطلق على أتباع هذا الاتجاه أحيانًا "السروريين" نسبة إلى محمد بن سرور، وتمثله جمعية الحكمة اليمانية الخيرية، وقد اتهم الشيخ الوادعي هذا الاتجاه بالانحراف عن المنهج السلفي التقليدي والتأثر بمنهج الإخوان المسلمين. شهدت جمعية الحكمة نفسها انقسامًا داخليًّا أدى إلى تأسيس كيان جديد في حضرموت تحت مسمى "جمعية الإحسان الخيرية". وتُعزى هذه الانقسامات في جوهرها إلى تباين المواقف من المتغيرات السياسية التي شهدها اليمن بعد الوحدة وإعلان التعددية السياسية، إضافة إلى اختلاف الرؤى تجاه التطورات المحلية والإقليمية(47).

أما التباين الأعمق بين السلفية التقليدية والمنظمة فقد برز خلال ثورة 2011، فقد اتخذ التيار التقليدي موقفًا معارضًا للثورة، مستندًا إلى مبدأ "تحريم الخروج على ولي الأمر"، في حين انحاز تيار السلفية الحركية إلى صف المطالبة بالتغيير.

أفرز هذا التطور ظاهرة جديدة في السلفية الحركية، تمثلت في تشكل تكتلات شبابية سلفية في مختلف المحافظات اليمنية. ففي صنعاء تأسست رابطة شباب النهضة والتغيير، في أبريل/نيسان 2011، وفي عدن ظهرت حركة النهضة، وفي تعز حركة العدالة، بينما شهدت الحديدة تأسيس حركة شباب النهضة والتجديد، وفي إب تشكلت حركة الحرية والبناء وائتلاف الشباب السلمي(48).

وقد اتجه معظم هذه التكتلات، في مارس/آذار 2012، نحو الاندماج في إطار سياسي موحد، عُرف باسم "اتحاد الرشاد اليمني"، مع احتفاظ حركتي النهضة في عدن والحرية في إب باستقلاليتهما التنظيمية. وفي عام 2013، أعلنت مجموعة من القيادات السلفية عن تأسيس كيان سياسي جديد تحت اسم "حزب السلم والتنمية". والجدير بالذكر أن منتسبي جمعية الإحسان، شكلوا القاعدة الرئيسية لاتحاد الرشاد وحركة النهضة، في حين هيمن أعضاء جمعية الحكمة على حزب السلم والتنمية(49). وتعكس هذه التحولات سمة التشظي والانقسام في التيار السلفي بشكل عام.

دعمت السلفية الحركية المنظمة الشرعية عقب الانقلاب الحوثي، وتولى قياديون بارزون من حزب الرشاد مناصب حكومية رفيعة. وقد عزز هذا الحضور المؤسسي من قدرة التيار على المشاركة في صياغة القرار السياسي والمساهمة في جهود السلام، خاصة عبر المشاركة الفاعلة في مفاوضات جنيف والكويت.

وتبلور الموقف السياسي للسلفية الحركية خلال فترة الصراع في اليمن عبر مسارات واضحة المعالم، ففي البعد السياسي الرسمي، التزم الاتجاه بموقف مبدئي داعم للشرعية، ورافض للانقلاب العسكري مع التمسك بمخرجات الحوار الوطني. وفيما يتعلق بالعلاقات السياسية، تجاوز هذا الاتجاه الاختلافات الأيديولوجية وبنى شبكة من التحالفات مع مختلف القوى "الوطنية"؛ مما عزز من حضوره في المشهد السياسي(50).

وعلى الجانب التنظيمي، شهدت المؤسسات التابعة للتيار السلفي الحركي في الفترة ما بين 2016 إلى 2018، وتحديدًا جمعيتي الحكمة والإحسان، تغييرات هيكلية، شملت إطلاق برامج إغاثية متخصصة للتخفيف من الآثار الإنسانية للحرب، كما عززت من شراكاتها مع المنظمات الدولية. بينما شكلت ذات الفترة، من 2016 إلى 2018، مرحلة حرجة في مسار التيار السلفي الحركي؛ حيث تعرض لحملة استهداف ممنهجة، فقد شهدت مدينة عدن تصفية أكثر من ثلاثين إمامًا وخطيبًا من المحسوبين على جمعيتي الحكمة والإحسان إضافة إلى حزب الإصلاح. كما جرى إبدال نحو خمسة وعشرين إمامًا من السلفيين المعتدلين بشخصيات سلفية أخرى موالية للقوى المسيطرة، في محاولة لإعادة تشكيل المشهد الديني في "المناطق المحررة" المتمثلة بعدن وما جاورها. هذه الحملة المنهجية، مثَّلت محاولة لتفكيك البنية المؤسسية للاتجاه السلفي الحركي وإعادة هندسة المشهد في جنوب اليمن.

وعلى المستوى السياسي، وُضِعت جمعية الإحسان وغيرها على قوائم الإرهاب(51) من بعض دول التحالف(52)؛ ما أدى إلى تقييد نشاطها المؤسسي وتراجع قدرتها على التواصل مع المنظمات الدولية. وفي الجانب المالي والتنظيمي، تقلصت الموارد المالية لهذا الاتجاه بشكل حاد، وفضلًا عن ذلك، فإن تعدد مناطق النفوذ وتباين السياسات في اليمن يطرح صعوبات لوجستية وتنظيمية معقدة.

وفيما يتعلق بالمستقبل، يمتلك الاتجاه السلفي المنظم فرصًا واعدة للمشاركة السياسية الفاعلة، مستندًا إلى رصيده المؤسسي والتنظيمي الذي راكمه عبر عقود من العمل في المجالات الخيرية والإغاثية والتعليمية. ويتعزز هذا التوقع الإيجابي بكون التيار يدخل المعترك السياسي متحررًا نسبيًّا من إرث الصراعات التاريخية التي تثقل كاهل القوى السياسية التقليدية.

التيار الصوفي في اليمن

شكَّل الصراع السياسي في اليمن منذ انقلاب جماعة الحوثي على الدولة، في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وما تلاه من تدخل التحالف العربي، في 26 مارس/آذار 2015، منعطفًا في مسار الجماعات الصوفية التي انتشرت في مناطق واسعة من البلاد، شمالًا في تهامة وتعز والبيضاء وإب، وجنوبًا في حضرموت وعدن. فرغم انشغال الصوفية التاريخي بالأربطة العلمية والمزارات الدينية، وتركيزهم على الطقوس التعبدية والأوراد والاحتفالات الروحية، إلا أن تصاعد الأزمة السياسية أجبرهم على الخروج من دائرة الحياد التقليدي. فقد أفرزت هذه التحولات السياسية تباينًا لافتًا في مواقف التيار الصوفي، ويمكن تصنيفه في ثلاثة اتجاهات (53) رئيسية تعكس التحول في البنية الفكرية والسياسية للتيار الصوفي:

الاتجاه الأول: تمثل في التيار المؤيد للحوثيين، بقيادة شخصيات صوفية بارزة كالحبيب سهل بن عقيل وأولاده(54)، والشيخ محمد مرعي(55)، وآل الجنيد(56). وتتعدد التفسيرات لهذا الموقف السياسي، فهناك من يربطه بعوامل نسبية تتمثل في الاشتراك في النسب "الهاشمي"(57) مع قيادات الحوثي والتقارب العقدي بين التصوف والتشيع في مسألة آل البيت(58)؛ مما شكل أرضية مشتركة للتقارب السياسي. بينما يرى آخرون أن الدافع الرئيسي يكمن في الخصومة التاريخية بين التيار الصوفي والمكونات السنية الأخرى(59)، والتي وجدت في هذا التحالف فرصة لتصفية حسابات قديمة ولتغيير موازين القوى. ويمكن إضافة عاملين آخرين؛ الأول منهما أن جماعة الحوثي حافظت على استقلالية مساجد الصوفية وسمحت لهم بممارسة أنشطتهم التقليدية. كما وجد بعض الصوفية في خطاب الحوثيين المناهض "للاستكبار العالمي" ورفع الظلم توافقًا مع توجهاتهم الفكرية(60). أما الثاني فتاريخي ويتمثل في الإرث التاريخي للعلاقة بين الصوفية والزيدية، والذي يتجلى في حالة الود والاحترام المتبادل بين الطرفين. فقد امتدت هذه العلاقة منذ عهد الأئمة، حيث كان الإمام يحيى والإمام أحمد يحتفيان بعلماء حضرموت في زياراتهما لصنعاء وتعز(61).

الاتجاه الثاني: حافظ على النهج التقليدي للتصوف في النأي عن السياسة، وتمثله مدرسة حضرموت(62) والطريقة العلاوية(63) وغيرها من الطرق(64). ويعكس هذا الموقف محاولة الحفاظ على استقلالية المؤسسة الصوفية وحمايتها من تداعيات الصراع السياسي. ومن المشايخ الذين مثلوا هذا التيار الحبيب أبوبكر المشهور(65) والحبيب عمر بن حفيظ(66).

الاتجاه الثالث: مجموعة من المستقلين لهم مواقف متباينة. منهم مثلًا الشيخ محمد عاموه(67) في الحديدة، وقد عُرف بموقفه المستقل وهو ناقد لجماعة الحوثي وغيرها من القوى السياسية(68). وهناك الحبيب علي الجفري(69) الذي اتخذ موقفًا مغايرًا تمامًا. فله علاقات واسعة مع القيادات العربية وهو موقف يختلف عن النهج التقليدي للمدرسة الحضرمية التي تدعو إلى الابتعاد عن الحكام. 

ومن هؤلاء أيضًا الشيخ عبد الرحمن باعباد(70)، الذي نشط سياسيًّا من خلال مشاركته في تأسيس مؤتمر حضرموت الجامع وحلف قبائل حضرموت. وقد انتهت مسيرته بحادث مروري، عام 2018(71).

وفي سياق تحليل المشهد الصوفي في اليمن، فقد تعرض الصوفية لموجة ممنهجة من العنف والاستهداف مثلما تعرضت الجماعات الأخرى، تجلت في مظهرين رئيسيين:

الأول: تعرضت الأضرحة والقباب التاريخية لحملة تدمير واسعة، خاصة في المناطق الجنوبية، كما امتد هذا الاستهداف إلى مناطق أخرى في لحج وعدن وتعز وتهامة، مستهدفًا معالم تاريخية يعود بعضها إلى القرن الثاني الهجري، مثل مسجد الشيخ أحمد الفاز في التحيتا(72).

الثاني: اغتيال شخصيات صوفية غير منخرطة في العمل السياسي أو الصراعات القائمة، كان أبرزها اغتيال العلامة عيدروس بن سميط في بيته بتريم، وشيخ الطريقة القادرية بعدن، علي عثمان محمد(73).

شكلت هذه الاعتداءات الممنهجة دافعًا إضافيًّا لبعض التيارات الصوفية للانحياز نحو جماعة الحوثي، باعتبارها قوة حامية للمقدسات والرموز الدينية في مناطق سيطرتها، ورغم المحاولات المدنية لوقف هذه الاعتداءات، مثل رفع 25 ناشطًا من أبناء تهامة شكوى رسمية لمنظمة اليونسكو، إلا أن هذه الجهود لم تحقق نتائج ملموسة في وقف استهداف المعالم والرموز الصوفية في تلك الفترة الممتدة ما بين 2015 و2019(74).

هذا الواقع يكشف عن عمق الأزمة التي يواجهها التصوف في اليمن، ويفسر جزئيًّا التحولات في المواقف السياسية للتيارات الصوفية المختلفة؛ حيث أصبحت مسألة الحماية والبقاء عاملًا محوريًّا في تشكيل هذه المواقف. كما يشير إلى تعقد المشهد السياسي اليمني وتأثيره على المؤسسات الدينية التقليدية، التي وجدت نفسها مضطرة للتكيف مع واقع سياسي متغير، سواء بالانخراط المباشر في الصراع، أو محاولة الحفاظ على الحياد، أو تبني مواقف مستقلة تتجاوز الاستقطاب الثنائي القائم.

الجماعات الجهادية

يبرز في المشهد اليمني حضور تنظيمين جهاديين رئيسيين: القاعدة في جزيرة العرب وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وقد شكلت البيئة اليمنية، بما تتسم به من هشاشة أمنية وانقسامات سياسية وصراعات مسلحة، حاضنة لنمو هذه التنظيمات وتطور إستراتيجياتها. فمن جهة، يمثل تنظيم القاعدة التنظيم الأقدم والأكثر تجذرًا في النسيج الاجتماعي اليمني، مستفيدًا من تحالفاته القبلية وخبرته في التكيف مع المتغيرات المحلية. ومن جهة أخرى، ظهر تنظيم داعش بوصفه منافسًا أيديولوجيًّا وعملياتيًّا، محاولًا إيجاد موطئ قدم في الساحة اليمنية؛ مما خلق ديناميكية من التنافس والصراع بين التنظيمين.

القاعدة في اليمن: برز تنظيم القاعدة في اليمن تحت لافتات عديدة خلال الفترة (1997-2011)؛ حيث تعددت أسماؤه بدءًا من "جيش عدن-أبين الإسلامي" (1997-1998)، مرورًا بـ"تنظيم القاعدة-فرع اليمن" (2000-2009)، وصولًا إلى تشكيل "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" (2009-2011) عبر اندماج الفرعين، السعودي واليمني. وعقب التحولات السياسية، في فبراير/شباط 2011، برز التنظيم مجددًا تحت اسم "أنصار الشريعة" في محاولة للتمدد في المحافظات الجنوبية تحت اسم جديد لكي يُلاقي قبولًا لدى المجتمع اليمني(75).

وقد شكَّل التدخل العسكري للتحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، في مارس/آذار 2015، بداية لمرحلة انحسار تدريجي في قوة التنظيم، رغم نجاحاته التكتيكية المحدودة كالسيطرة على المكلا، في أبريل/نيسان 2015، والسيطرة على محافظة أبين، عام 2011، بعد اتباعه إستراتيجية تكيُّفية جديدة؛ حيث اعتمد اسم "أبناء حضرموت" كواجهة محلية، في محاولة للتغلغل في النسيج المجتمعي المحلي. وعلى الرغم من وجود قيادات مركزية بارزة في التنظيم، يتقدمهم ناصر الوحيشي وقاسم الريمي، إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل في نهاية المطاف(76). بالمقابل، شكَّلت أواخر عام 2015 منعطفًا في تموضع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ضمن خريطة التنظيمات الجهادية؛ حيث أعلن موقفه الصريح بتجديد ولائه للظواهري والقيادة المركزية(77). وقد أفضى هذا الموقف إلى انشقاقات محدودة في صفوف التنظيم، غير أن محدودية الانشقاقات لا تعكس بالضرورة قناعة عميقة بالموقف القيادي للتنظيم تجاه داعش، بل أشارت المعطيات الميدانية إلى أن البعد الأمني شكَّل عاملًا حاسمًا في قرار غالبية الأعضاء بالبقاء ضمن صفوف التنظيم، خاصة في أعقاب العمليات المثيرة للجدل التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية ضد مسجدي بدر والحشوش، في مارس/آذار 2015(78).

شكَّل الانقسام بين تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية في اليمن عقبة في البنية الأيديولوجية للتنظيم؛ إذ قوَّض أحد أهم أركانه العقائدية المتمثل في مشروع الخلافة الإسلامية الشاملة. وبرزت تداعيات هذا التحول الفكري في تآكل الدافعية العقائدية لدى عناصر التنظيم؛ مما انعكس في التراجع الملحوظ للعمليات "الانتحارية"، التي تمثل ذروة الالتزام العقائدي والاستعداد للتضحية القصوى(79).

كما تضافرت، منذ عام 2018، ثلاثة عوامل رئيسة في تقويض بنية تنظيم القاعدة الداخلية: الصراع مع داعش، والاختراقات الأمنية، وأزمة القيادة(80). وهذه الأخيرة اتضحت في حادثتين مفصليتين، الأولى: قضية القيادي أبو عمر النهدي، الذي اتُّهم بمحاولة الانضمام لداعش والتورط في مقتل قاسم الريمي. الثانية: اختراق استخبارات عربية للتنظيم، وفق ادعاءاته هو نفسه.  اتخذ التنظيم إجراءات أمنية مشددة، مثل تقييد الاجتماعات وحظر الأجهزة الإلكترونية وقام باعتقالات واسعة في صفوف أعضائه؛ مما أدى إلى موجة انشقاقات جديدة. وكشفت وثائق مسربة عبر داعش تعاظم الانهيار التنظيمي؛ حيث أقدم عدد من القيادات البارزة على مغادرة التنظيم وتسليم أنفسهم لحكوماتهم(81)؛ مما عكس تآكلًا حادًّا في التماسك الأيديولوجي والتنظيمي للجماعة.

ويبدو أن التنظيم يواجه معضلة هيكلية مركبة، تتمحور حول إشكاليتين رئيستين: الأولى: تتعلق بهاجس التشرذم الداخلي وتآكل البنية التنظيمية، خاصة مع فقدان المعاقل الإستراتيجية في أبين وشبوة وحضرموت، وتراجع الحاضنة الاجتماعية والقبلية. أما الثانية فتتمثل في إشكالية التبعية للقيادة المركزية وتأثيراتها على استقلالية القرار، لاسيما مع إقامة أحد قادته، سيف العدل، في إيران(82).

تتفاقم هذه التحديات في ظل متغيرات إقليمية، أبرزها تداعيات حرب غزة على التحالفات الإقليمية، وإعادة تصنيف الحوثيين على قوائم الإرهاب الأميركية، وتحولات المشهد اليمني في ظل مساعي السلام. هذه المتغيرات تفرض على التنظيم إعادة تقييم خياراته الإستراتيجية، خاصة في ظل تراجع موارده المالية واللوجستية. وتشير القراءة المستقبلية للتنظيم إلى ترجيح سيناريو الانكماش في المدى المنظور؛ حيث يُتوقع أن يتجه التنظيم نحو التركيز على "الهموم المحلية" بدل الطموحات الخارجية، مع تقليص العمليات العسكرية والاحتفاظ بالخطاب التحريضي. وقد يترافق هذا مع محاولات لإعادة بناء الهياكل التنظيمية الداخلية وترميم العلاقات مع الحاضنة القبلية.

يشير تحليل المشهد الراهن لتنظيم القاعدة في اليمن إلى دخوله مرحلة انحدار إستراتيجي غير مسبوق؛ إذ تتضافر مجموعة من العوامل الهيكلية في تقويض قدراته التنظيمية والعملياتية. وتتجلى هذه الأزمة البنيوية في تآكل مرتكزين أساسيين: الأول: يتمثل في أزمة القيادة؛ حيث يفتقر القادة الحاليون، إلى المؤهلات الكاريزمية والرؤية الإستراتيجية اللازمة لإدارة التنظيم في مرحلة حرجة. أما المرتكز الثاني فيتجسد في تصدع البنية الأيديولوجية للتنظيم، الذي يتجلى في تراجع الالتزام العقائدي وفقدان البوصلة الإستراتيجية في التعامل مع القوى الإقليمية. وتشير المؤشرات الميدانية والتحليلية إلى أن التنظيم يتجه نحو سيناريو الجمود الإستراتيجي؛ حيث سيستمر في الوجود كهيكل تنظيمي محدود مع نشاط عملياتي منخفض، مع احتمالية التفكك التدريجي على المدى البعيد.

تنظيم الدولة الإسلامية في اليمن

مثَّل ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في اليمن، أواخر 2014، تطورًا في مشهد "الجماعات الجهادية" في اليمن، عبر انشقاق مجموعة محدودة عن تنظيم القاعدة وإعلانها البيعة لأبي بكر البغدادي(83). تزامن هذا الظهور مع تحولات محلية وإقليمية، أبرزها سيطرة الحوثيين على صنعاء وانهيار المؤسسات الأمنية والعسكرية، إلى جانب صعود "الخطاب الطائفي"؛ مما خلق بيئة مواتية لصعود هذا التنظيم.

يكشف تحليل مسار التنظيم عن ثلاث مراحل، عكست كل منها منطقًا إستراتيجيًّا مختلفًا. ففي المرحلة الأولى (2014-2015)، سعى التنظيم إلى تأكيد حضوره عبر إستراتيجية الصدمة، متجسدة في عمليات نوعية كتفجيرات مسجدي بدر والحشوش في صنعاء عام 2015(84). أدت هذه الإستراتيجية إلى نفور مجتمعي عميق وتمايز تنظيم القاعدة عنها.

أما المرحلة الثانية (2015-2016)، فقد شهدت استثمار الفراغ الأمني الناجم عن انهيار المؤسسات الأمنية والعسكرية للتمدد في عدن والمناطق الجنوبية؛ إذ وجد تنظيما "داعش" و"القاعدة" في ذلك فرصة لتعزيز نفوذهما، من خلال القتال إلى جانب "المقاومة الشعبية" ضد قوات الحوثي في الجنوب. وتمكَّنا بذلك من السيطرة على بعض مناطق عدن. لكن عودة الحكومة اليمنية وانطلاق عملية عسكرية لتطهير عدن من التنظيمين، عام 2016، قلَّصت نفوذهما بشكل كبير(85).

شكلت المرحلة الثالثة (2016-2020) بداية الأفول التدريجي للتنظيم، متأثرًا بعوامل متعددة؛ فعلى المستوى الاجتماعي، أدى اصطدام التنظيم بالبنية القبلية اليمنية إلى تقويض قدرته على بناء حاضنة اجتماعية. وعلى المستوى العملياتي، استنزفته المواجهات مع تنظيم القاعدة في البيضاء والضربات العسكرية من قوات التحالف والحوثيين(86).

ويمكن تفسير إخفاق التنظيم في اليمن عبر ثلاثة مستويات تحليلية متداخلة. فعلى المستوى الإستراتيجي، استنسخ التنظيم النموذج العراقي-السوري في البيئة اليمنية دون أن يأخذ بالاعتبار خصوصية المجتمع اليمني وتعقيداته القبلية. وعلى المستوى التنظيمي، أدت محدودية الموارد البشرية والمادية، مقترنة بضعف الخبرة القتالية وغياب القيادة المؤهلة، إلى إضعاف قدرة التنظيم على الصمود والتكيف. أما على المستوى البنيوي، فقد شكَّل الصدام مع النسيج الاجتماعي والقبلي، والتنافس مع تنظيم القاعدة الأكثر خبرة وتجذرًا، تحديًا وجوديًّا للتنظيم. وقد تفاقمت هذه التحديات بسبب تبني نموذج العنف المفرط لاسيما في بيئة تحكمها توازنات اجتماعية وقبلية معقدة. بعد هذا الفشل، اتجه التنظيم نحو ما يُعرف بـ"التجربة الاقتصادية" المرتكزة على عمليات الابتزاز والخطف مصدرًا للتمويل واستمرارية البقاء(87). وما بين فترة وأخرى يعاود التنظيم إظهار مقاتليه في اليمن وهم يؤدون البيعة للخليفة الجديد آخرها كان لأبي حفص الهاشمي القرشي بعد مقتل الخليفة السابق، في أغسطس/آب 2023(88)، مُوجهًا رسائل مفادها أنه ما زال باقيًا ولم ينتهِ(89).

مستقبل التيارات الإسلامية في اليمن

يتجه المشهد المستقبلي للتيارات الإسلامية في اليمن نحو أنماط جديدة من التأثير السياسي والمجتمعي؛ حيث سنشهد انحسار التيارات الجهادية وتراجع خطابها وانكشاف محدودية نموذجها. مع انكفاء متوقع للتيارات الصوفية على الدعوة والعلم والرباطات بحيث ستبرز في الساحة ثلاثة اتجاهات رئيسية: أولًا: حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون) الذي يبدي قدرة لافتة على التكيف والبقاء، مستندًا إلى تماسكه التنظيمي وخبرته السياسية المتراكمة وقاعدته الاجتماعية الواسعة، وثانيًا: السلفية المنظمة التي تمتلك رصيدًا مؤسسيًّا وتنظيميًّا يمتد لعقود في المجالات الخيرية والإغاثية والتعليمية، إضافة إلى تحررها النسبي من إرث الصراعات التاريخية. والسلفية الجامية/المدخلية التي تحتفظ بدور عسكري وأمني مؤثر من خلال قوتها العسكرية المتمثلة في ألوية العمالقة وعلاقاتها مع القوى الإقليمية.

يتوقف مستقبل هذه الاتجاهات على مسار التسوية السياسية في اليمن وتوازناتها المحتملة، والمواقف الإقليمية تجاه التيارات الإسلامية، وقدرة كل تيار على تجديد خطابه وأدواته، إضافة إلى التحولات في المشهد السياسي العربي والإقليمي. وتكمن خصوصية المشهد اليمني في تعدد مراكز القوى والسلطات، وتأثير البعد القبلي والاجتماعي، وتداخل الصراعات المحلية والإقليمية؛ مما يجعل مستقبل هذه القوى مرهونًا بقدرتها على بناء تحالفات سياسية واسعة، وتطوير خطاب وطني جامع، والتكيف مع المتغيرات دون فقدان الهوية، وتجنب الاستقطاب والصراعات البينية، في ظل مشهد سياسي وأمني بالغ التعقيد.

نبذة عن الكاتب

مراجع
  1. ناصر محمد علي الطويل، الحركة الإسلامية والنظام السياسي في اليمن من التحالف إلى التنافس (صنعاء: مكتبة خالد بن الوليد، 2009)، 45.
  2. لوران بونفوا وعبد السلام الربيدي، "إعادة تشكيل الهويات في ظل الحرب الدائرة في اليمن: المشهد الإسلامي السني المعاصر،" إضافات (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 38-39، 2017): 52-53.
  3. François Burgat, "Le Yémen après le 11 septembre 2001: entre construction de l'État et rétrécissement du champ politique," Critique internationale, no. 32 (2006): 32.
  4. معتقل لدى الحوثيين منذ عام 2015 ولا يُعلم مصيره حتى الآن.
  5. Stacey Philbrick Yadav, "Yemen's Muslim Brotherhood and the Perils of Powersharing," Rethinking Political Islam Series, Working Paper (Washington, DC: Brookings Institution, August 2015), p.82.
  6. John M. Willis, Unmaking North and South: Cartographies of the Yemeni Past (London: Hurst & Company, 2013)p.156.
  7. الطويل، "الحركة الإسلامية"، ص89.
  8. بونفوا والربيدي، "إعادة تشكيل الهويات، ص65
  9. مركـز حقوقـي يرصـد انتهـاكات الحوثيـن، الجزيرة نت، 5 أبريل/نيسان 2015 (تاريخ الدخول: 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://2u.pw/MlMJ8vUN
  10. مقابلة عبر تطبيق ميت (Meet) أجراها الباحث مع ناصر الطويل، مؤلف كتاب الحركة الإسلامية في اليمن. 23 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
  11. المصدر السابق.
  12. بونفوا والربيدي، "إعادة تشكيل الهويات، 64.
  13. Farea Al-Muslimi, "In Exile in Turkey, Yemen's Muslim Brothers Cling to Caliphate Dreams," New Lines Magazine, May 23, 2024, accessed October 25, 2024, https://newlinesmag.com/reportage/in-exile-in-turkey-yemens-muslim-brothers-cling-to-caliphate-dreams/
  14. الطويل، مقابلة، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
  15. المصدر السابق.
  16. المصدر السابق.
  17. المصدر السابق.
  18. بونفوا والربيدي، "إعادة تشكيل الهويات"، 58.
  19. الطويل، مقابلة، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
  20. بونفوا والربيدي، "إعادة تشكيل الهويات"، 63.
  21. الطويل، مقابلة، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
  22. المصدر السابق.
  23. بونفوا والربيدي، "إعادة تشكيل الهويات"،" 65.
  24. مقابلة عبر تطبيق ميت (Meet) أجراها الباحث مع رياض المسيبلي، باحث في التاريخ الثقافي اليمني، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2024. مقابلة شخصية أجراها الباحث مع شيخ سلفي في إسطنبول، 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024. مقابلة عبر تطبيق ميت (Meet) أجراها الباحث مع أنور الخضري، باحث في التيار السلفي، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
  25. انظر إلى: أحمد محمد الدغشي، السلفية في اليمن: مدارسها الفكرية ومرجعياتها العقائدية وتحالفاتها السياسية (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات؛ بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2014)، أمجد خشافة، "اتفاقيات التعايش بين الحوثيين والسلفيين: الدوافع وآفاق المستقبل"، مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، 7 ديسمبر/كانون الأول 2021، (تاريخ الدخول: 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/analysis-ar/15884K. جمال الدين إسماعيل أبو حسين، "السلفيون والأزمة اليمنية.. بين الدعوة والسياسة والسلاح،" السياسة الدولية، 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، (تاريخ الدخول: 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://www.siyassa.org.eg/News/4972.aspx
  26. لورنت بونفوي، "إلى أي مدى تكون السلفية عابرة للقوميات في اليمن؟" في السلفية العالمية: الحركات السلفية المعاصرة في عالم متغير، تحرير رول ميير (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر،2014)، 441.
  27. شيخ سلفي، 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
  28. المسيبلي، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
  29. الدغشي، السلفية في اليمن، ص49.
  30. بناءً على تأثيرهم الحالي في المجتمع والسياسة اليمنية وكذلك استنباط الباحث من المقابلات التي أجراها.
  31. الدغشي، السلفية في اليمن، ص32.
  32. المرجع السابق، ص33.
  33. Laurent Bonnefoy, Salafism in Yemen: Transnationalism and Religious Identity (New York: Columbia University Press, 2011), P143.
  34. الدغشي، السلفية في اليمن، ص45.
  35. فؤاد مثنى، "السلفيون في اليمن وتحديات الحرب"، تقييم حالة، مركز أبعاد للدراسات والبحوث، 2 أغسطس/آب 2021، (تاريخ الدخول: 12 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://abaadstudies.org/news/topic/59884
  36. مع توسع نفوذ جماعة الحوثي في محافظات صنعاء وذمار وإب، تم إبرام سلسلة من اتفاقيات التعايش المشترك، مكتوبة وشفهية. وقد مثلت وثيقة التعايش، الموقعة في 26 يونيو/حزيران 2014، بين الحوثيين ومركز معبر السلفي في ذمار نموذجًا لهذه الاتفاقيات. تضمنت الوثيقة ثلاثة مبادئ أساسية: منع الصدام المسلح مع ضمان التعددية الفكرية، ونبذ الخطاب التحريضي وتعزيز التعاون المشترك، وإنشاء قنوات تواصل مباشرة لمعالجة المستجدات والتحديات المحتملة. انظر: وثيقة التعايش المشترك الموقعة بين محمد الإمام وعبد الملك الحوثي، منشورة في موقع اليمن برس، بتاريخ 10 يوليو/تموز 2014 (تاريخ الدخول: 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://yemen-press.net/news32769.html
  37. انظر: مثنى، "السلفيون في اليمن"، بشرى المقطري، "تطور الجماعات السلفية في تعز،" مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، 29 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/analysis-ar/4856
  38. آدم يحيى، "السلفية.. أداة تحالف 'الرياض وأبو ظبي' لتطويع اليمن،" الاستقلال، 2018، (تاريخ الدخول: 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، الرابط https://www.alestiklal.net/ar/article/dep-news-1552674710
  39. الخضري، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2024. شيخ سلفي، 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
  40. المسيبلي، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
  41. مثنى، "السلفيون في اليمن".
  42. "من هي ألوية العمالقة ومن يسلحها ويمولها؟" مونت كارلو الدولية، 3 فبراير/شباط 2022، (تاريخ الدخول: 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://2u.pw/qn4sEAVc
  43. يرى لوران بونيفوي أن الجنود ليس جلهم سلفيين وإنما القادة فقط سلفيون، وأن دوافع المقاتلين أبعد مما يُظن عادة؛ فالكثير منهم ينضمون للقتال لحماية أراضيهم أو للحصول على دخل مادي، أكثر من انضمامهم لأسباب عقائدية أو فكرية. يؤيده في ذلك أنور الخضري. انظر: لوران بونيفوي وآدم بارون، "خمسة أسئلة عن الجماعات السلفية في اليمن"، تحرير جاتندر بادا، ترجمة فاطمة صالح، المركز اليمني للسياسات، فبراير/شباط 2022، (تاريخ الدخول: 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)،  https://2u.pw/Iou8MZf
  44. المرجع السابق.
  45. الطويل، مقابلة، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2024، الخضري، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
  46. مقابلة شخصية أجراها الباحث مع منتم للتيار السلفي المنظم (طلب عدم ذكر اسمه)، 15 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
  47. المصدر السابق.
  48. مثنى، "السلفيون في اليمن".
  49. مثنى، "السلفيون في اليمن.
  50. الخضري، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
  51. "ماذا وراء اتهام دول الحصار جمعيات قطر الخيرية؟"، الجزيرة نت، 13 أغسطس/آب 2017، (تاريخ الدخول: 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://2u.pw/UaZtL0V6
  52. المصدر السابق
  53. يضم بعض الباحثين جماعة التبليغ ضمن التيار الصوفي إلا أنها لا ترتبط بالتيار وليست جماعة رئيسية في اليمن، وقد حظر الحوثيون أنشطتها في مناطقهم منذ عام 2020. انظر: أزد عامر، "من هي جماعة التبليغ؟ ولماذا توقف نشاطها في مناطق سيطرة الحوثي؟" المشاهد نت، 4 مايو/أيار 2023 (تاريخ الدخول: 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://almushahid.net/113858/.
  54. الحبيب سهل بن عقيل (توفي عام 2019): نجل العلامة إبراهيم بن عقيل مفتي تعز. تلقى تعليمه في عدن والقاهرة وتخرج في الجامعة الأمريكية في بيروت في ستينات القرن العشرين. تولى منصب مفتي تعز وشيخ طريقة آل باعلوي بعد وفاة والده، عام 1995. ساند احتجاجات 2011 ثم دعم جماعة الحوثي لاحقًا، وعارض بشدة تدخل التحالف العربي في اليمن. زار طهران، عام 2013، والتقى بالسيد خامنئي. خلفه ابنه علوي في مواقفه السياسية المناصرة لجماعة الحوثي. انظر: محمد الصافي، "الصوفية في اليمن: الفكر والواقع"، ورقة مقدمة في منتدى مجال (ديسمبر/كانون الأول 2021).
  55. الشيخ محمد علي مرعي (1946-2021): من أبرز علماء تهامة الشافعية وعضو مجلس النواب اليمني. أسس جامعة العلوم الشرعية في الحديدة وتولى عمادتها، وقد تخرج فيها الآلاف. عُرف بمواقفه السياسية الداعمة للرئيس الأسبق، علي عبد الله صالح، خلال احتجاجات 2011، ثم مساندته لجماعة الحوثي ومعارضته لحرب التحالف العربي في اليمن. انظر: خالد بريه، مدينة الحديدة في عبق المكان والذكرى (د. م، دار نشر عناوين، 2024).
  56. آل الجنيد: أسرة صوفية بارزة في تعز، لها دور فاعل في الحركة الصوفية اليمنية. اتخذت الأسرة موقفًا موحدًا في دعم جماعة أنصار الله، خاصة بعد "تعرضهم للاعتداء" في منطقة الصراري بتعز. محمد الصافي، "الصوفية في اليمن: الفكر والواقع"، ورقة مقدمة في منتدى مجال (ديسمبر/كانون الأول 2021).
  57. أنور قاسم الخضري، "توظيف الجماعات الدينية في النزاعات السياسية: اليمن أنموذجًا"، مجلة لباب، العدد 22 (1 مايو/أيار 2024).
  58. أمجد خشافة، "صوفية اليمن بين الحياد والتناغم مع الحوثي"، مجلة البيان، 24 مارس/آذار 2016 (تاريخ الدخول: 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)،https://albayan.co.uk/article2.aspx?id=4979
  59. مقابلة عبر تطبيق ميت (Meet) أجراها الباحث مع الدكتور محمد الصافي، باحث في الصوفية ومتصوف، 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
  60. المرجع السابق.
  61. غالب حميد القانص، "الفكر التربوي عند الزيدية في اليمن خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين (الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين)،" مجلة ثوابت، العدد 67 (2012). نقلاً عن محمد الصافي، "الصوفية في اليمن: الفكر والواقع"، ورقة مقدمة في منتدى مجال (ديسمبر/كانون الأول 2021).
  62. مدرسة حضرموت الصوفية: تمثل مركزًا تاريخيًّا للتصوف في اليمن منذ قرون، وتُعرف بطريقة آل باعلوي. تُعد حضرموت الحاضنة الرئيسية لهذه المدرسة، التي امتد تأثيرها إلى مختلف أنحاء اليمن والعالم الإسلامي. انظر: صالح الحامد، تاريخ حضرموت (صنعاء: مكتبة الرشاد، 2003).
  63. الطريقة العلاوية الشاذلية في اليمن: فرع من الطريقة العلاوية التي أسسها الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي (1871-1934) في الجزائر. دخلت اليمن عبر الشيخ عبد الله علي الحكيمي والشيخ سيف أحمد حاجب الدبعي. حظيت بقبول رسمي في عهد الإمام أحمد بعد تحقيق لجنة قضائية في تعاليمها. يقود الطريقة حاليًّا الشيخ محمد عبد الرب النظاري (من مواليد 1960)، الذي تولى مشيختها، عام 1991، بتكليف من الحبيب إبراهيم بن عقيل. تتميز الطريقة بابتعادها عن السياسة، ولها حضور في صنعاء وعدن من خلال مجالس أسبوعية يديرها مقدمو الطريقة. انظر محمد الصافي، "الصوفية في اليمن: الفكر والواقع"، ورقة مقدمة من منتدى مجال (ديسمبر/كانون الأول 2021).
  64. الطرق الصوفية في اليمن المعاصر تتنوع بين ثلاث عشرة طريقة: العلوية الحضرمية، والشاذلية، والعلاوية الشاذلية، والبرهانية، والخليلية، والحسانية، والتيجانية، والهبرية، والقادرية، والألوسية، والنقشبندية، والمكاشفية، والرفاعية والأحمدية. تختلف هذه الطرق في حجم انتشارها وتأثيرها في المجتمع اليمني، مع تفاوت مواقفها من الأحداث السياسية المعاصرة وقد ذكرت الورقة أبرزها.
  65. الحبيب أبوبكر بن علي المشهور (1947، 2022): أبرز علماء المدرسة الحضرمية المعاصرين وشيخ الطريقة بعد وفاة الإمام عبد القادر السقاف. أسس عشرات المعاهد والمراكز التعليمية، منها جامعة الوسطية الشرعية في حضرموت. له عشرات المؤلفات العلمية والتاريخية، وشغل منصب الموجه العام لأربطة التربية الإسلامية، وامتد تأثيره خارج اليمن.
  66. الحبيب عمر بن حفيظ (1963): من أبرز علماء آل باعلوي على مستوى العالم الإسلامي، ومن أهم مراجع المدرسة الحضرمية المعاصرة. أسس "دار المصطفى للدراسات الإسلامية" في تريم، عام 1994، وقد أصبحت مركزًا تعليميًّا عالميًّا يستقطب طلابًا من مختلف دول العالم.     ينقل عن ابن حفيظ أنـه قـال في الأحـداث الأخـيرة: "لسـنا مُكفريـن لأحـد، ولا مشركين لأحد، ولا نريد إمدادًا من أحد ولا نخاف سوءًا من أحد، وموقفنا هو بلاغ عن الله ورسوله نؤدي الأمانة كما أحب الله"، الحبيــب عمــر حبيــب المتقــين، موقــع شــبوة بــرس، 21 أبريل/نيسان 2019 (تاريخ الدخول: 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)،  https://shabwaah-press.info/news/57403
  67. الشيخ محمد عاموه: من أبرز علماء الصوفية المعاصرين في محافظة الحديدة. انظر: خالد بريه، مدينة الحديدة في عبق المكان والذكرى (د. م، دار نشر عناوين، 2024).
  68. مقابلة أجراها الباحث عن بعد مع خالد بريه، أديب وموثق لتاريخ الحديدة المعاصر، 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
  69. الحبيب علي عبد الرحمن الجفري (مواليد 1971، جدة): من أبرز رموز الصوفية الحضرمية المعاصرة. نجل السياسي اليمني، عبد الرحمن الجفري (مؤسس حزب الرابطة). بدأ نشاطه الدعوي في مصر ثم انتقل إلى الإمارات. اتخذ مواقف مثيرة للجدل، خاصة في مؤتمر غروزني 2016. انظر: محمد الصافي، "الصوفية في اليمن: الفكر والواقع"، ورقة مقدمة في منتدى مجال، ديسمبر/كانون الأول 2021.
  70. الشيخ عبد الرحمن باعباد (1973-2018): من أبرز شيوخ الطريقة الباعلوية من غير السادة العلويين في حضرموت. تلقى تعليمه على يد علماء حضرموت والبيضاء والحجاز والشام. أسس "رباط الإسعاد للدراسات الإسلامية" وعدة مراكز تعليمية. تميز بدوره في الإصلاح الاجتماعي والنشاط السياسي، خاصة في تأسيس مؤتمر حضرموت الجامع وحلف قبائل حضرموت. عُرف بتأثيره الواسع وقبوله الاجتماعي.
  71. محمد الصافي، "الصوفية في اليمن".
  72. أصيل سارية، "الصوفية في اليمن: تعايش مستمر رغم استهدافات متكررة،" دكــة، 5 أغسطس/آب 2021 (تاريخ الدخول: 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://dakkh.net/alsofy-fy-alymn-taaaysh-mstmr-rghm-asthdafat-mtkrr
  73. المرجع السابق.
  74. الصافي، مقابلة، 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
  75. الخضري، "توظيف الجماعات الدينية".
  76. توفيق الجند وآخرون، "387 يومًا في السلطة: كيف استولت القاعدة على مدينة يمنية وسيطرت عليها وفقدتها في النهاية؟"، مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، 5 يناير/كانون الثاني 2021 (تاريخ الدخول: 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/main-publications-ar/12606 .
  77. المرجع السابق.
  78. المرجع السابق.
  79. المرجع السابق.
  80. تعرض تنظيم القاعدة في العقد الأخير إلى سلسلة اغتيالات لأبرز قيادته وكذلك وفاة زعيمهم، خالد باطرفي، مطلع عام 2024، وتولي سعد العولقي، انظر: محمد بوشيخي، "بعد قيادة 'العولقي': مستقبل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بين التشرذم والتبعية"، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 20 مارس/آذار 2024 (تاريخ الدخول: 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/9103
  81. أبو بكر أحمد، "تنظيم القاعدة: تغير خارطة التحالفات خلال حرب اليمن"، مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، . https://sanaacenter.org/ar/publications-all/analysis-ar/21000      
  82. عاصم الصبري، "حرب غزة: كيف لها أن تفتح باب التحالف بين إيران وفرع تنظيم القاعدة في اليمن؟"، مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، 12 ديسمبر/كانون الأول 2023 (تاريخ الدخول: 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/analysis-ar/21458
  83. عبد الحكيم هلال، "اليمن.. تراجع القاعدة وبروز داعش"، الجزيرة نت، 10 مارس/آذار 2016 (تاريخ الدخول: 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)،  https://2u.pw/ey071KMO
  84. "اليمن.. 142 قتيلًا و'داعش' يتبنى الهجوم على مسجدين،" العربية.نت، 20 مارس/آذار 2015 (تاريخ الدخول: 11 نوفمبر 2024) الرابط  https://2u.pw/0rQMfBaz
  85. التحالف العربي يفكك أركان الإرهاب في اليمن، مركز الاتحاد للأخبار، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 (تاريخ الدخول: 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://2u.pw/SrFD9RP
  86. في أواخر شهر أغسطس/آب 2020، شن الحوثيون هجومًا على مناطق داعش في مديرية ولد ربيع في محافظة البيضاء وتمكَّنوا من القضاء على عناصره الموجودين هناك بشكل كلي. أما عناصر القاعدة، فقد تجاوبوا مع وساطة قبلية اقترحت عليهم الانتقال إلى مديريات أخرى في المحافظة، بحسب مصادر خاصة تؤكد، أيضًا، أن الحركة قامت بنقل عائلات قتلى «داعش» إلى محافظة ذمار. انظر: عبد الرزاق الجمل، "داعش" في اليمن... قصة البداية والنهاية، صحيفة الأخبار، 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 (تاريخ الدخول: 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://tinyurl.com/22dpfkhx .
  87. أحمد سلطان، "تنظيم اللصوص.. وثائق مسربة تكشف أسرار خلايا السلب والنهب الداعشية"، أخبار الآن، 21 أبريل/نيسان 2023 (تاريخ الدخول: 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://2u.pw/oxYYG3ZX  
  88. بيعة جنود الخلافة في اليمن لأمير المؤمنين أبي حفص الهاشمي القرشي، وكالة أعماق (الداعشية)، 6 أغسطس/آب 2023.
  89. أحمد سلطان، "تحولات داعش الحرجة في اليمن: من الهجمات الإرهابية إلى 'التجربة الاقتصادية'"، مركز اليمن والخليج للدراسات، 14 سبتمبر/أيلول 2023 (تاريخ الدخول: 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://ygcs.center/ar/estimates/article18.html