مبادرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتوسط بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة لإحلال الأمن والسلام في السودان، هل تفلح في نزع فتيل الحرب الدائرة في هذا البلد منذ إبريل/نيسان 2023 دون أفق قريب لحل جذري يوقف القتال الذي حصد آلاف الضحايا وأدّى إلى خسائر فادحة في الممتلكات والبنية التحتية.
مبادرة أردوغان.. المضمون الحيثيات والتوقيت
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتصال هاتفي مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، أن تركيا يمكنها التدخل لحل الخلافات بين السودان والإمارات العربية المتحدة كما توسطت في نزاع بين الصومال وإثيوبيا، الجارتين في القرن الإفريقي، وصولا إلى إحلال الأمن والسلام في السودان(1)، كما أكد الرئيس التركي للبرهان حسب بيان مديرية الاتصالات التركية أن إعلان أنقرة لحل الصراع بين الصومال وإثيوبيا ساهم بشكل كبير في إحلال السلام في المنطقة، وقال إن تركيا يمكنها أيضًا التدخل لحل النزاع بين السودان والإمارات العربية المتحدة، وسلط الضوء على المبادئ الرئيسية لتركيا في هذا الشأن مثل ضمان السلام والاستقرار في السودان، وحماية سلامة ووحدة أراضيه وسيادته، ومنع البلاد من أن تصبح ساحة للتدخل الأجنبي. وفي مناقشة التطورات الإقليمية مع البرهان، قال أردوغان إنه بعد 13 عامًا من الأزمة الإنسانية والحرب الأهلية، وصل الشعب السوري إلى مرحلة تقرير مستقبله، مؤكدًا أن تركيا ستساهم في هذه العملية، وأنها تدعم الحفاظ على الوحدة السياسية وسلامة أراضي سوريا، وسيستمر هذا الدعم لضمان اتخاذ الحكومة المؤقتة خطوات شاملة وصحيحة، وخدمة الشعب السوري، وعدم تشكيل تهديد لجيرانها(2).
تناول الاتصال الهاتفي بين البرهان وأردوغان كذلك عددا من القضايا بجانب المبادرة مثل إشارة الرئيس التركي إلى استئناف عمل الخطوط التركية قريبًا لرحلاتها الجوية بين إسطنبول وبورت سودان العاصمة الإدارية المؤقتة للسودان، واستعداد بلاده لبذل الجهود لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، كما تطرق أردوغان لنية بلاده تعزيز التعاون بين البلدين في العديد من المجالات على رأسها الزراعة والتعدين، وجدد تأكيد بلاده على دعمها للشعب السوداني بكل الإمكانيات، واستمرار المساعدات الإنسانية المقدمة من تركيا من الحكومة والمنظمات الخيرية التركية.
رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، أثنى على النجاحات التي حققتها تركيا في معالجة الملف السوري، ورحّب بأي دور تركي يسهم في وقف الحرب التي قال إن سببها هو قوات الدعم السريع التي تمردت على الجيش السوداني، داعيًا إلى تعزيز الاستثمارات التركية في مختلف المجالات، وأكد البرهان ثقته في مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته ومواقفها الداعمة للشعب السوداني وخياراته، مشيرا إلى الجهود التركية الإيجابية من أجل السلام والاستقرار في المنطقة والإقليم، ومعالجتها للكثير من القضايا على المستويين الإقليمي والدولي.
أبرز الحيثيات التي جعلت تركيا تتدخل في الشأن السوداني وتسعى للتوسط هو محاولتها التأثير في النظام السوداني بعد الحرب لصالحها؛ فإيجاد نهاية بوساطة للحرب يقلل من خطر فوز قوات الدعم السريع المتهمة بتلقي الدعم من الإمارات، وكانت العلاقات بين تركيا والإمارات متوترة بشدة في أعقاب الربيع العربي عام 2011، عندما وجدتا نفسيهما تدعمان جوانب متعارضة من الأزمات في مصر وسوريا واليمن وقطر، فضلًا عن التطبيع الدبلوماسي مع إسرائيل. كما أن كبح جماح قوات الدعم السريع في السودان يصب في صالح استراتيجية تركيا الأوسع في شمال شرق إفريقيا، التي تعتبرها مصدرًا رئيسيًّا للنمو الاقتصادي المستقبلي والنفوذ السياسي، حيث أمضت تركيا العقد الماضي في تشجيع الاستثمار والتجارة مع السودان وإثيوبيا، وقدم الجيش التركي دعمًا كبيرًا للصومال في محاولة لتحقيق الاستقرار فيه(3).
كما أن عرض أردوغان للمساعدة على حل أزمة الحرب في السودان من خلال التوسط في المفاوضات مع المتمردين وداعميهم المزعومين، الإمارات العربية المتحدة، جاء بعد أيام فقط من نجاح أردوغان في التوصل إلى اتفاق لنزع فتيل الصراع بين إثيوبيا والصومال بشأن الوصول إلى الموانئ، حيث يبدو أن تركيا تعمل على تعظيم نفوذها بشكل أكبر في سياسة القرن الإفريقي. كما أن بعض التقارير الدولية مثل تقرير للمنظمة الدولية للهجرة أكدت أن هناك حاجة ماسة إلى إنهاء القتال، الذي أدى إلى فرار ما يقرب من 15 مليون سوداني من ديارهم، وخلّف إحدى أسوأ أزمات اللاجئين في التاريخ الحديث، وتكافح منظمات الإغاثة للوصول إلى المراكز السكانية الرئيسية المتضرّرة من القتال العنيف الذي أدّى إلى انتشار الجوع والمرض.
محددات توقيت مبادرة أردوغان تشير إلى أن الاتصال الهاتفي مع البرهان تم بمبادرة من جانب الرئيس التركي، بعد يوم واحد من زيارة وزير خارجية أميركا لأنقرة واجتماعه مع أردوغان، قبل تولّي ترامب للحكم في أميركا بأسابيع قليلة، وجاء الاتصال كذلك بعد أسبوع واحد من الإطاحة بنظام الأسد في سوريا، التي أدّت فيها تركيا دورًا رئيسيًّا ومحوريًّا. ويؤكد الخبر الذي أوردته وكالة الأناضول بناء على تغريدتي البرهان والرئاسة التركية، والتفاصيل الواردة بخبر إعلام مجلس السيادة الانتقالي السوداني، أن اتفاقا وتفاهما قد حدث في الاتصال الهاتفي، وأن البرهان أعطى أردوغان ضوءًا أخضر فيما يتعلق بتعزيز وتطوير العلاقات الثنائية والوساطة بين السودان والإمارات.
يمثل اتصال أردوغان بالبرهان نجاحا وتحولا نوعيا في الخطاب الدبلوماسي المتعلق بالحرب السودانية؛ فدخول تركيا بوصفها قوة إقليمية مؤثرة واعتبارها النزاع "حرب سيادة" بين السودان والإمارات يرفع مستوى النقاش حول الحرب من مجرد صراع داخلي إلى حرب استتباع إقليمية تستهدف السيادة الوطنية السودانية، وهذا التحول يعكس نجاحا في دبلوماسية السودان، حيث أصبحت القضية تُعرّف في إطار يتجاوز الاختزال المعتاد لـ"حرب الجنرالين" أو "صراع بين الجيش والدعم السريع"(4).
عموما يطرح توقيت مبادرة الرئيس التركي مجموعة من التساؤلات المهمة، على رأسها سؤال يقول: هل يعكس عرض الوساطة التركية بين السودان والإمارات رغبة تركية صادقة في إنهاء الحرب في السودان المندلعة منذ إبريل/نيسان 2023، أم أن التحرك التركي هو جزء من استراتيجية أوسع لتعزيز نفوذ تركيا في منطقة تشهد تنافسًا إقليميًّا ودوليًّا واسع النطاق؟
المبادرة التركية.. المؤيدون والمعارضون
فتحت مبادرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نوافذ حذرة للأمل بإمكانية التوصل إلى وضع نهاية للحرب المدمرة في السودان، ولكن كالعادة انقسم السودانيون حول المبادرة بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، ولكل منهم حجته ومنطقه فيما طرح من رأي في المبادرة، التي ما زالت في طور التشكل، وتنتظر بعض التوضيحات من الأطراف ذات الصلة، حتى يمكن الحكم عليها، ومعرفة إلى أي مدى يمكن أن تفلح في الوصول إلى نهايات مقبولة لأزمة الحرب السودانية.
في طرف مؤيدي المبادرة وجد ما طرحه الرئيس أردوغان أصداءً إيجابية لدى الكثيرين في الداخل السوداني نظرًا إلى دور تركيا وثِقلها المُقدّر بين الدول الإسلامية ودول المنطقة، وكذلك على المستوى العالمي، إذ أيدوا الخطوة وعرضوا أهميتها وانعكاساتها الإيجابية في إيقاف الحرب في السودان، فهم يرون أن مبادرة أردوغان هي محاولة من الرئيس التركي لأن يكون الوسيط الذي يحاول أن يعيد ترتيب الأوراق بين المتصارعين، وهي خطوة جديدة في سلسلة تحركات دولية تعكس رغبة في فهم أعمق للمشهد السوداني المشتعل؛ فمنذ بداية الأزمة، كانت الإمارات تؤدّي دورًا مشبوهًا في دعم المليشيات المسلحة، معتقدة أن الدعم السري لقوات الدعم السريع قد يمر دون أن يلاحظه أحد، ولم تدرك الإمارات أنه مع مرور الوقت، ستتكشف الحقائق وتتساقط الأقنعة عبر تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. منذ اندلاع الحرب في السودان العام الماضي، هبطت عشرات طائرات الشحن من الإمارات العربية المتحدة في مهبط طائرات صغير في تشاد يشتبه بعض خبراء الأمم المتحدة والدبلوماسيين في أنه يُستخدم لنقل الأسلحة عبر الحدود إلى السودان، وفقًا لبيانات الرحلات الجوية وصور الأقمار الصناعية. وكشف تقرير لمختبر البحوث الإنسانية التابع لمدرسة ييل للصحة العامة بجامعة ييل الأميركية مدعم بصور الأقمار الصناعية، وجود أربع قطع مدفعية ثقيلة من طراز هاوتزر AH4 عيار 155 ملم شرق مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، قادرة على إطلاق ما يصل إلى خمس قذائف في الدقيقة بمدى يصل إلى 40 كيلومترًا، وأن هذه القطع المدفعية يرجح أنها تشارك في حملة القصف المستمرة على المدنيين في معسكر زمزم بضواحي مدينة الفاشر، التي أفادت التقارير أنها قتلت 73 شخصًا وأصابت 376 آخرين حتى 13 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تحديد هذه الأسلحة في الصراع الحالي في السودان. ووفقًا للمصادر المتاحة التي راجعها فريق البحث في حقوق الإنسان، فإن هذا النوع غير موجود في ترسانة الجيش السوداني، ويُعتبر الجيش الإماراتي المشغل الوحيد لهذا النوع من المدفعية خارج الصين منذ عام 2019، والإمارات هي الدولة الوحيدة المعروفة التي اشترت مدفعية هاوتزر AH4 من الصين(5).
هذا فضلًا عن شكاوى الحكومة السودانية، التي جعلت تورط الإمارات في الصراع السوداني أمرًا مكشوفًا للجميع، وبذلك أصبح العالم يدرك أن محاولات الإمارات لتغطية دعمها للمليشيات تحت شعار "المساعدات الإنسانية" لم تعد مجدية؛ فوجدت الإمارات نفسها في مأزق سياسي، حيث لم تتمكن من إتمام انقلابها عبر حليفها الدعم السريع؛ فتحولت إلى قوة تسعى للبحث عن مخرج، وهي في سعيها لإعادة تموضعها، قد تسعى إلى احتواء الموقف عبر وساطات إقليمية، وتبدو الإمارات الآن مضطرة إلى التكيف مع معطيات جديدة قد تفرض عليها التراجع، مؤقتًا على الأقل، ومع تقدم الجيش السوداني، تبدو الوساطة التركية بمثابة محاولة لإيجاد توازن جديد في المنطقة(6).
يمثل عرض الرئيس التركي للوساطة بين السودان والإمارات، لدى البعض، خطوة إيجابية وبداية صحيحة نحو تحديد دور المجتمع الدولي والإقليمي في حرب السودان؛ فالمجتمع الدولي منذ اندلاع الحرب في السودان تبنى محاولات عديدة لحل النزاع، مثل الجمع بين قادة الحرب، أو السياسيين السودانيين، أو حتى الدول المؤثرة في أطراف النزاع، لكن كل هذه المحاولات فشلت لأسباب عدة، أهمها التعريف الخاطئ لدور المجتمع الدولي والإقليمي في هذه الحرب؛ فالحرب لها أسباب ودوافع كثيرة يجب على السودانيين معالجة المتعلق منها بالداخل عبر الحوار، بينما يقع على عاتق المجتمع الدولي معالجة أهم أسبابها، وهو تدخل الإمارات ومحاولاتها السيطرة على السودان، ولا يمكن وصف هذا الأمر إلا بأنه عدوان مباشر، إذ لا يحق لدولة التدخل الحربي في شؤون دولة أخرى مهما كان حجم اختلافها مع النظام السياسي هناك. والوساطة التركية يمكن أن تنجح في إعادة تعريف دور المجتمع الدولي والإقليمي في حرب السودان، وبداية تركيزه على ما يوقف الحرب فعلًا(7).
من غرائب المبادرة التركية أنها حصدت تأييد أطراف متناقضة، حيث رحب الأمين العام لتنسيقية "تقدم" صديق الصادق المهدي، بوساطة رجب طيب أردوغان في حرب السودان، ورأى أن فرص نجاحها "تبدو جيدة"، مشيرًا إلى أنها تبدأ بخطوة مهمة في الحل، تفتح الطريق للخطوات التي تليها، فسلام السودان تصنعه في النهاية الإرادة السودانية، وأضاف في منشور على فيسبوك: "فلنتفاءل بأن الظرف أصبح مناسبا للتوصل لسلام يوقف نزيف الدم السوداني، ويوقف ما يعانيه السودانيون من قتل واغتصاب وتشريد ونهب"(8).
ووصف الناشط السياسي مستشار رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك الدكتور أمجد فريد، مبادرة أردوغان بأنها دعوة إيجابية، قد تخدم جهود وقف الحرب في السودان، وتركيا تسعى بشكل حثيث إلى "تعزيز نفوذها في المنطقة ككل وتقديم نفسها كلاعب أساسي وعامل مساعد على الاستقرار"، بعد نجاحها في تغيير الأوضاع في سوريا والتوسط لإطفاء التوتر بين إثيوبيا والصومال، ولذا تتقدم اليوم بدعوة للمصالحة بين السودان والإمارات، كما تتميز هذه المبادرة بأنها وضعت الأمور في نصابها الصحيح، بتعاملها مع الإمارات كفاعل أساسي في إشعال حرب السودان" عبر إمدادها المستمر للدعم السريع بالعتاد والسلاح، ويحمد لها أنها وضعت دور الإمارات في مكانه الصحيح بعيدا عن الأقنعة والمجاملات الدبلوماسية التي تحاول تصويرها على أنها وسيط أو مراقب محايد في عمليات السلام السودانية(9).
أما حركة المستقبل للإصلاح والتنمية فوصفت مبادرة الرئيس التركي بأنها جيدة ومقبولة إذا حافظت على سيادة السودان، وقال المسؤول السياسي بالحركة هشام الشواني إن أي اختراق دولي أو إقليمي للتصالح بين السودان والإمارات يحافظ على السيادة الوطنية هو أمر مقبول، مشيرا إلى وجود ما يبدو أنه إرادة في الإقليم لفتح مخرج ما لحفظ ماء وجه الإمارات. ورحب حزب منبر السلام العادل بحذر شديد بالوساطة التركية، رغم وصفه للمبادرة التركية بأنها لا تقف على ساقين، وكل الأطراف لن تكون متحمسة لها، خصوصًا الإمارات، التي ستتجاهلها، لأنها بحسب تقدير الحزب، ليست أصيلة في الصراع مع السودان، بل هي وكيلة لآخرين في المنطقة، وهي مكلفة بهذه المهمة، بدليل استمرارها حتى اللحظة في تزويد الدعم السريع بالسلاح والعتاد، كما أنها داعمة ومساندة لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) التي عدّها حليفة سياسية للمليشيات، وهي تتبنى تحركات سياسية لتكوين حكومة موازية تحت اسم حكومة المنفى، لمزيد من الضغط السياسي على الحكومة السودانية. كما أن تركيا نفسها لم تعد تضع السودان ضمن أجندتها الخارجية المهمة خلال الفترة الأخيرة، والعلاقات التركية الإماراتية جيدة، وبين الدولتين تعاون، وللإمارات أموال ضخمة في المصارف التركية، لكن بروز الملف السوري ونجاح تركيا فيه، فاقم الخشية التركية من التدخلات الإماراتية في سوريا، وتقويض السلطة الجديدة، في وقت تخشى فيه الإمارات "من الإسلاميين الجدد في سوريا"، وربما تريد تركيا بواسطتها في السودان، شغل الإمارات بملف المصالحة مع الخرطوم، وتحقيق اختراق خارجي يضاف إلى إنجاز المصالحة الإثيوبية الصومالية، لتحافظ تركيا على مساحتها التي تناقصت في السودان(10).
وأيد الحزب الاتحادي الديمقراطي المبادرة، غير أنه اشترط على لسان القيادي بالحزب أسامة حسون، لنجاح المبادرة التركية، التنسيق التام والتوافق مع التحركات الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الجهود السعودية الأميركية التي قطعت أشواطًا في منبر جدة منذ العام الماضي، وعدم عزل مبادرة أردوغان، عن الجهود الكلية لإنهاء حرب السودان، وعودة ملايين النازحين إلى ديارهم، حيث يرى أن التداخلات الخارجية، وثروات وموقع السودان الاستراتيجي، واتباع سياسة الإقصاء وعدم التركيز على الوفاق السوداني، كلها تجعل للمبادرات الخارجية دورًا مهمًّا في حل الأزمة السودانية، مؤكدًا أنهم في الحزب الاتحادي يرحبون بمثل تلك الوساطات.
ورأى حزب المؤتمر الشعبي أن تركيا مكان ثقة وتقدير عند كثير من الدول، ولها من الإمكانيات والعلاقات المؤثرة ما يؤهلها للقيام بأدوار إيجابية لحلحلة الكثير من الأزمات والخلافات بين جيرانها وأصدقائها وأشقائها من الدول، وهي تستطيع القيام بدور إيجابي لحل الأزمة ووقف الحرب المستعرة في السودان وذلك لما لها من علاقات وتقدير لدى أطراف النزاع في الأزمة السودانية، وستجد القبول من السودان ودولة الإمارات لمكانة الدولة التركية عند كافة أطراف النزاع(11).
هناك شبه اتفاق على أن مبادرة أردوغان هي الأولى التي تؤكد أن الإمارات هي اللاعب المحوري في حرب السودان، وأن قرار إيقاف الحرب في السودان بيد الإمارات وليس بيد قوات الدعم السريع ولا أي جهة أخرى، وذلك من خلال تحديد مبادرة أردوغان لطرفي عملية الوساطة بأنهما حكومة السودان ودولة الإمارات، كما يبدو أن أردوغان قد تلقى سابقا موافقة الإمارات على الانخراط في المبادرة، وأنها لن تخذله بعد أن صرح بأنها طرف في معادلة الحرب في السودان، وهو ما يعني أن الإمارات ربما راجعت موقفها من الحرب في السودان بعد مرور أكثر من عام ونصف على اندلاعها، دون ظهور أفق واضح لنهاية قريبة لها، واستمرار تمويل الإمارات لقوات الدعم السريع وإمدادها بالأسلحة عبر مطارات بعض دول الجوار السوداني، ومطارات ومهابط داخل السودان في مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع في دارفور وكردفان غربي السودان.
سلطت مبادرة أردوغان الضوء على تعقيدات الحرب السودانية وأدوار اللاعبين الإقليميين فيها، حيث عرض الرئيس التركي الوساطة بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة، في محاولة لتهدئة التوترات وإيجاد حل للخلافات بين الجانبين، في وقت يواجه فيه السودان تحديات كبيرة بسبب التدخلات الخارجية التي يرى مراقبون أنها أدّت دورًا مباشرًا في تأجيج الصراع وإطالة أمده، ويُثير عرض الوساطة التركية تساؤلات حول طبيعة الخلاف بين السودان والإمارات، ودور المجتمع الدولي والإقليمي في إنهاء هذه الحرب المستمرة منذ 15 إبريل/نيسان 2023، وتصدّر بسببها السودان قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية الصادرة عن لجنة الإنقاذ الدولية للعام الثاني على التوالي، في ظل استمرار الأزمة الإنسانية غير المسبوقة في البلاد، وسط دعوات إلى إعادة تعريف أدوار الدول المتورطة في النزاع وتوجيه الجهود نحو إنهاء الحرب وبناء السلام(12).
على الجانب الآخر يستند رافضو المبادرة التركية إلى موقف عدد من قيادات الدولة السودانية من عدم التفاوض مع مليشيا الدعم السريع المتمردة وأعوانها من المحاور الإقليمية والدولية التي تمثل الإمارات رأس حربة فيها ارتكازًا على دعمها المستمر لهذه الحرب وتغذيتها لوجستيًّا وماديًّا وإعلاميًّا؛ مما أطال من أمد القتال رغم الانتصارات المتلاحقة للجيش وتدميره لكتلة المليشيا الصلبة في جميع محاور وجبهات القتال، حيث أصبحت قوات الدعم السريع مجرد عصابات تقوم بقتل وترويع المواطنين ونهب ممتلكاتهم بعد أن كانت تتحدث في بواكير الحرب عن نيتها الحفاظ على الديمقراطية والدولة المدنية ومحاربة الكيزان وفلول نظام الإنقاذ البائد. ويستبعد هؤلاء نجاح أي وساطة لإصلاح العلاقات السودانية الإماراتية، لأن قائد الجيش السوداني ليس له ما يقدمه للإمارات حتى تفك الخناق عنه، كما يرون أن البرهان لا يستطيع التضحية بشركائه الإسلاميين في صفقة مع الإمارات، لكي تتنازل عن الضغط على الدولة السودانية عبر الدعم السريع، كما أن أي مفاوضات من هذا النوع تحكمها المعادلات على الأرض، وليس الأمنيات أو من هم على رأسها من الوسطاء(13).
بعض من عارض المبادرة التركية يدعو إلى الحذر منها بحسبان أن مثل هذه الوساطات تسعى لها دول بناءً على مصالحها، أو بحسب رؤية استراتيجية مستقبلية تضمن لها الاستفادة من مصالح قد لا تكون منظورة، ويقول إنه يجب ألا تُسقط أي مصالحة مع الإمارات مبدأ المساءلة والعقاب، بسبب جرائمها في السودان، لأن حجم خسائر الحرب التي أججتها وزادتها اشتعالًا، كبير وخطير وضخم، وقد تكون رغبة الإمارات في الموافقة على مصالحة السودان لتحقيق أهداف عجزت عن تحقيقها من باب دعم مليشيا الدعم السريع المتمردة، وتنسيقية تقدم، فليس من المنطق أن تكون الإمارات راغبة في المصالحة، وفي الوقت نفسه تهبط طائرات إمدادها للتمرد ثلاث أو أربع مرات في مدينة نيالا، أو تبعث بالإمداد عبر تشاد وإفريقيا الوسطى، فليست هذه أفعال من يرغب في التصالح. ويرى العميد المتقاعد عقيل مادبو أن ما تقوم به الإمارات لا ينفصل عن محاولات تشكيل خريطة جديدة للمنطقة بعد سقوط بشار الأسد في سوريا، وسعي أميركا لتوسيع دائرة الأمان الإسرائيلي، مؤكدًا أن الوضع العسكري الجيد للجيش السوداني لا يحتاج إلى مصالحات آنية وهُدن مؤقتة، بل إلى موقف جديد يقود إلى إنهاء التمرد، ويؤدي إلى سلام دائم. واقترح مادبو، قبل الموافقة على الانخراط في الوساطة التركية، أن يتم إخضاع فحوى موضوع الوساطة ومسألة قبول الإمارات بها للدراسة والتحليل، فالأمر هنا يتعلق بأمن الوطن واستقراره(14).
من يرى ضرورة الحذر في التعامل مع التحرك التركي، يعتقد أن تركيا قد تسعى إلى صياغة تسوية توافقية تنقذ الإمارات من المأزق الذي وقع فيه حلفاؤها، برغم التوقعات بتغير الاستراتيجيات الأميركية اتجاه الشرق الأوسط وبالتالي تصبح الإمارات في وضع أصعب، وقد تجد نفسها مضطرة إلى التراجع عن دعم مليشيا الدعم السريع. وبرغم هذه التحفظات هناك من يرى أن البرهان بحاجة إلى التشبث بالمبادرة التركية للوصول إلى تسوية تفضي إلى إنهاء الحرب، لأنه تقع عليه مسؤولية كبيرة لإيقاف الحرب، والأمل معقود على أن تنتهي حرب السودان عبر مجهودات أردوغان، أو غيره، حتى يتجاوز السودان التحديات التي تتضاعف حول مصير وحدة البلاد. لكن البرهان بحاجة إلى الاعتبار بمصائر أولئك الطغاة لأنه يعتمد على المراوغة سواء في السلم والحرب، وهو نهج سينجح مرات، ولكنه غير مأمون العواقب، لأنه يقود إلى مصير الطغاة الذين دائمًا لا يلتفتون إلى الوراء للاعتبار بمراوغات المستبدين؛ فالقذافي وزين العابدين بن علي وصدام والبشير وعلي عبد الله صالح وبشار تحايلوا على الواقع بسياسات تلتف على المشروع الديمقراطي للدولة القُطرية، ومن ثَمّ سيطروا لمرحلة، لكن نهايتهم كانت شنيعة، فضلًا عن تضييع زمن شعوبهم وضرب الإسفين المناطقي والإثني والمذهبي والأيديولوجي بينها. هذا فضلًا عن أن الأطراف المدنية السودانية عليها أن تتشجع بعد ظهور المبادرة التركية للتواصل مع القيادة التركية، وتحقيق تحرك سياسي يدعمها لإجبار طرفي الحرب لإنهائها، وإتاحة الفرصة للمدنيين للإمساك بالعملية السياسية، ووضع خطة لإعادة بناء الوطن بدعم الأطراف الإقليمية، والدولية(15).
يتضح مما سبق أن هناك تفاؤلا حذرا وترحيبا بالوساطة التركية بين السودان والإمارات، وأنها يمكن أن تفلح في إحداث اختراق، لأن أردوغان لديه تأثير في البلدين، في ظل حضور الولايات المتحدة الأميركية في الوساطة التركية، خاصة أنها طُرحت عقب لقاء بين أردوغان ووزير الخارجية الأميركي الذي زار أنقرة أخيرا، وقد تطرح تركيا صيغة توافقية بين البرهان والإسلاميين والإمارات لصالح إنهاء الحرب في السودان. وهذا يعني أن شكل سلطة ما بعد الحرب سيكون بين الأطراف الثلاثة وإقصاء القوى المدنية المناهضة للحرب، ويمكن القول إن الوساطة التركية تتوقف على ما سيقوله البرهان بشأن مستقبل الإسلاميين في السودان لدى الجانب الإماراتي، الذي سيطرح مسألة الإسلاميين في السودان ومستقبلهم السياسي، وكيفية إدارة العلاقة بينهم وبين البرهان.
مبادرة أردوغان.. التحديات والفرص
الوساطة التركية تختزن عددا من فرص النجاح مع وجود عقبات وتحديات لا تخلو منها أي مبادرة مثل هذه، والتحدي الأساسي الذي سيواجه هذه المبادرة هو من جانب دولة الإمارات التي تسعى "لتحقيق مكاسب كلية شاملة في فرض نفوذها على السودان من خلال الدعم السريع، أو بعض العناصر المدنية المنخرطة في تحالف "تقدم"، والتي انخرطت في محاولة تشكيل حكومة موازية كخطوة في طريق تقسيم السودان"(16). وتتزامن المبادرة التركية مع جهود مماثلة من جانب الكونغرس الأميركي الذي بدأت فيه تحركات لفرض حظر على تصدير السلاح على الإمارات حتى تتوقف عن إمداد الدعم السريع، وهو ما يضمن "الضغط الدولي على دولة الإمارات في وقف دعم قوات الدعم السريع"، حيث قدم السيناتور الديمقراطي الأميركي كريس فان هولين، مشروع قانون في مجلس الشيوخ الأميركي في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لتعليق مبيعات الأسلحة للإمارات على خلفية اتهامات بتسليحها قوات الدعم السريع أحد طرفي الصراع في السودان، كما تقدمت النائبة الديمقراطية سارة جاكوبس بمشروع مماثل في مجلس النواب(17).
من الواضح أن عرض الوساطة التركي يأتي في وقت حساس بالنسبة لأزمة الحرب في السودان، إلا أن نجاحه يعتمد على عوامل عدة، أبرزها(18):
- قبول الطرفين: هل يمكن للإمارات والسودان التوصل إلى أرضية مشتركة يقبلان بموجبها وساطة تركيا؟
- الثقة الإقليمية: هل تملك تركيا الحيادية الكافية لتكون وسيطًا موثوقًا به، أم أن مصالحها في السودان قد تجعلها طرفًا غير مقبول لدى بعض الأطراف؟
- الدعم الدولي: هل ستحظى المبادرة التركية بدعم من القوى الدولية والإقليمية الأخرى التي لها نفوذ في السودان؟
يرى مراقبون أنه يصعب تصديق أن الإمارات ستوافق على حوار أو مفاوضات تتعلق بدورها ومسؤوليتها اتجاه الحرب في السودان، خاصة إذا كان الوسيط تركيا، التي أعادت تسويق مشروع "الإسلام الوسطي"، وقدمت هيئة تحرير الشام وقائدها إلى العالم في ثوب جديد، وتم التعامل معه من "العالم المتحضر" باعتباره الرجل الأول في سوريا الجديدة؛ فأصبحت أميركا والدول الأوروبية تتهافت على زيارة دمشق والبحث في صيغة مناسبة لإلغاء تصنيف الهيئة جماعةً إرهابية. فما الفرق بين فلول سوريا وفلول السودان؟ وبذا تكون تركيا قد أطاحت بمشروع الإمارات وبمبررات تدخلها في السودان ومحاربة الإسلاميين واستئصالهم(19).
خطوة أردوغان بالمبادرة في الشأن السوداني تعكس اهتمام تركيا المتزايد بدورها الإقليمي، وهي خطوة بحسب مراقبين قد تعيد تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية في إفريقيا؛ فتركيا أردوغان لاعب محوري في السياسة الدولية والإقليمية، وضمن مجموعة العشرين الكبار، والاقتصاد السادس عشر في العالم، ولها من التأثير ما يكاد يفوق تأثير دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة في كثير من الملفات في المنطقة، خاصة بعد نجاح أردوغان في الإطاحة بنظام بشار الأسد الذ يعدّ أحد أعتى دكتاتوريات المنطقة، واستبداله بنظام المعارضة المسلحة الموالية لتركيا، وهذا التغيير شبه الناعم مقارنة بكثير من التغييرات التي حدثت بالمنطقة يؤكد قدرة تركيا على إقناع المجتمع الدولي والشركاء اللصيقين بنظام الأسد (روسيا وإيران) بضرورة التغيير، كما عزز الدور التركي في المنطقة، وقدرته في المشهد العربي والإفريقي، خاصة بعد نجاح أردوغان أيضا في نزع فتيل الأزمة بين الصومال وإثيوبيا عبر وساطة تركية أفضت إلى توافق حول قضايا خلافية بين البلدين كادت تُشعل حربًا جديدة في القارة.
فتركيا تسعى حثيثا إلى تعزيز نفوذها في القارة الإفريقية من خلال استراتيجيات متعددة تشمل التعاون الاقتصادي، والمساعدات الإنسانية، والأدوار الدبلوماسية، وآليات القوة الناعمة كافة، ويعتبر السودان نقطة ارتكاز مهمة في التوازنات الإقليمية نظرًا إلى موقعه الجغرافي وعلاقاته التاريخية مع مصر ودول الخليج، كما تعكس الخلافات بين السودان والإمارات تعقيدات السياسة الإقليمية في مرحلة ما بعد الثورة السودانية 2018، إذ تتشابك المصالح الاقتصادية والسياسية.
لذا ولعدة أسباب أخرى، يمكن القول إن تركيا هي الأنسب لإيقاف حرب السودان وذلك وفق معطيات أبرزها أن الأهلية السياسية والثقافية والاقتصادية لتركيا في السودان كبيرة، حيث يعود تاريخ العلاقات السودانية التركية إلى عام 1555 عندما دخلت المنطقة تحت سيادة الدولة العثمانية وأنشأ العثمانيون ما يعرف بـ"إيالة الحبشة" على جزء من شرق السودان وجزء من دولة إرتيريا الحالية، وكانت عاصمة تلك المحافظة مدينة سواكن(20) على البحر الأحمر، وقد تم اتفاق سوداني تركي على إدارة وترميم جزيرة سواكن، التي تحوي آثارًا تعود إلى العصر العثماني وكان ميناؤها مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي 1821 و1885، وهو العصر الذي يريد أردوغان استعادته وترويجه، لكونه شهد قوة الدولة العثمانية ومجدها(21).
مما يعضد آمال نجاح المبادرة التركية كذلك القبول الرسمي والشعبي الذي يتمتع به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدى السودانيين، والذي يعد عاملًا مهمًّا، إذ إن تجارب السودان في كل الاتفاقيات والوساطات والمؤتمرات التي تأتي من الدول الغربية دائما ما تصنف بأنها غير محايدة، وتدعم مشروعًا ثقافيًّا محددًا أكثر من الرغبة في الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه ومؤسساته، بجانب المعرفة الدقيقة لتركيا بطبيعة ما يجري في السودان لذلك اختصرت الطريق وجعلت الوساطة بين السودان والإمارات مباشرة، وليس بين الجيش والدعم السريع أو مجموعة تقدم، بخلاف كل المبادرات السابقة كمنبر جدة وجنيف والمنامة.. التي حرصت في مجملها على جعل الجيش والدعم السريع طرفين متساويين في هذه الحرب، وهو الوصف الذي ظلت تروجه الآلة الإعلامية الغربية ويردده وكلاؤها بالسودان وهو وصف "طرفي الصراع"، لذا يمكن القول إن هذه العوامل مجتمعة ستجعل فرص نجاح المبادرة أكبر من فشلها وتجعل تركيا الشريك الموثوق به في أداء دور مؤثر في إيقاف حرب السودان بما يتوافق ورغبة السودانيين.
المبادرة التركية.. السيناريوهات والآفاق
جاءت وساطة الرئيس التركي بشأن أزمة الحرب في السودان بعد مضي أكثر من عشرين شهرا على اندلاع الحرب، ودون ظهور أفق للحل يكسر الجمود السياسي، ويعيد تعريف دور الأطراف الإقليمية في الصراع السوداني، ومن سياق ثنايا هذه المبادرة تتولد العديد من الأسئلة من شاكلة: هل يمكن أن تكون الوساطة التركية بداية لحل دائم لأزمة الحرب في السودان، أم أنها ستُضاف إلى قائمة المبادرات التي أخفقت بسبب تعقيد المشهد السوداني؟ وهل يمكن قراءة مبادرة أردوغان في إطار سعي تركيا لأداء دور محوري في إعادة ترتيب المشهد في الشرق الأوسط تحت بند الاستقرار أولًا؟ وكيف ستبدو خريطة طريق الحكومة السودانية للتعامل مع هذه المبادرة في ظل تصاعد الاتهامات للإمارات بدعم قوات الدعم السريع؟ وهل ستفتح هذه الخطوة من قبل أردوغان الباب أمام المجتمع الدولي لتبني مقاربة جديدة أكثر فعالية لإنهاء الحرب؟ أم أنها ستظل محاولة أخرى تضاف إلى سلسلة المبادرات التي لم تصل إلى نهايات واضحة؟
الوساطة التركية بين السودان والإمارات لم تبدأ بعد خطواتها العملية التنفيذية؛ فلا تزال أنقرة تنتظر رد الجانبين حول مناقشة التفاصيل الدقيقة، ولم يتضح هل تحمل ثنايا المبادرة لقاءات مباشرة على مستوى رؤساء السودان والإمارات، أو على أي مستويات قيادية أخرى، خاصة مع رغبة تركية في إحياء المبادرة التي طرحتها إثيوبيا في زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لبورت سودان في يوليو/تموز 2024، التي مضت إلى مرحلة المكالمة الهاتفية بين البرهان ومحمد بن زايد، وتوقفت الأمور عند ذلك الحد لعدم اتفاق الجانبين على بعض النقاط الخلافية.
ويمكن القول إن مبادرة الرئيس رجب طيب أردوغان لحل أزمة الحرب في السودان ينتظرها أحد ثلاثة سيناريوهات:
الأول: أن توافق دولة الإمارات العربية على المبادرة وتمضي إلى الأمام في طي صفحة دعم مليشيا الدعم السريع، والبدء في تأسيس جديد لعلاقات للسودان مع الإمارات تقوم على تبادل المصالح، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والبدء في مترتبات ما بعد توقف الحرب من اعتذار للشعب السوداني وإعادة إعمار ما دمرته الحرب وتعويض المتضررين، وإعادة الأمل في الحياة مستقبلا لشعب السودان المحطم.
الثاني: أن تفضي المبادرة إلى التوصل إلى عقد لقاء قمة مباشر بين البرهان وأردوغان ومحمد بن زايد يكون غرضه الرئيس الإيقاف الفوري للحرب وفق رؤية الحكومة السودانية، والعودة إلى منبر جدة بوصفه مدخلًا مقبولًا من كل الأطراف لبدء حوار حول القضايا العسكرية والسياسية في زمان ومكان واحد.
الثالث: أن تتعثر خطوات المبادرة التركية نتيجة رفض الأطراف المعنية التعامل مع المبادرة، وفشل تركيا في الضغط على الأطراف للمضي قدما في تحقيق المبادرة لأهدافها، ويترتب على هذا السيناريو استمرار الحرب، واستمرار الإمارات في دعم قوات الدعم السريع، واستمرار حالة انسداد الأفق في التوصل إلى حل يوقف نزيف الدم السوداني.
1)- Turkiye’s Erdogan offers to mediate in Sudan-UAE disputes,13-12-2014. In: https://tinyurl.com/yvrbaaed
2)- Efe Ozkan ,Turkish president voices readiness to mediate between Sudan, UAE in phone call with Sovereign Council head, 13.12.2024 ,in: https://tinyurl.com/8fmvzw47
3)- Matthew Kendrick, Turkey offers to mediate in Sudanese civil war, Dec 15, 2024,in: https://tinyurl.com/39j2f94b
4)- محمد وداعة، الإمارات ترفض المبادرة التركية، الموجز السوداني، 23 ديسمبر/كانون الأول 2024م، في: https://almogzalsudani.com/31269
5)- Yale HRL report confirms RSF heavy artillery presence in North Darfur, Dabanga Radio, 15/12/2024 ,in: https://tinyurl.com/3mvzkbk9
6)- عمار العركي، الوساطة التركية: لحظة فارقة بين تراجع الإمارات وتقدم الجيش السوداني، منصة السودان، 17 ديسمبر/كانون الأول 2024، في: https://sudaplatform.com/105365
7)- الفاتح محمد، وساطة أردوغان بين السودان والإمارات: اعتراف أم فرصة لمحاسبة المعتدي؟ نون بوست، 15 ديسمبر/كانون الأول 2024، في: https://www.noonpost.com/277678/
8)- صديق الصادق: وساطة أردوغان تفتح الطريق للخطوات التي تليها وسلام السودان تصنعه الإرادة السودانية، صحيفة التحرير الإلكترونية، 16 ديسمبر/كانون الأول 2024، في : https://www.alttahrer.com/archives/100469
9)- محمد الصاحي، هل تنجح محاولة أردوغان مصالحة السودان والإمارات؟ موقع آر تي عربي، 21 ديسمبر/كانون الأول 2024، في: https://shorturl.at/Lfjyy
10)- عبد الحميد عوض، العلاقات السودانية الإماراتية.. هل تنجح وساطة أردوغان في إصلاحها؟ العربي الجديد، 14 ديسمبر/كانون الأول 2024، في: https://shorturl.at/0Lorn
11)- هبة علي، "تركيا على الخط".. وساطة جديدة لوقف حرب السودان، تقرير إخباري، لايف ميديا، 14 ديسمبر/كانون الأول 2024، في: https://livemedianetwork.net/8179
12)- الفاتح محمد، وساطة أردوغان بين السودان والإمارات: اعتراف أم فرصة لمحاسبة المعتدي؟ مرجع سابق.
13)- عبد الحميد عوض، العلاقات السودانية الإماراتية.. هل تنجح وساطة أردوغان في إصلاحها؟ مرجع سابق.
14)- المرجع السابق.
15)- صلاح شعيب، وفقًا للتحركات التركية: هل يعتبر البرهان من نصيب الأسد؟ صحيفة التغيير الإلكترونية، 16 ديسمبر/كانون الأول 2024، في: https://shorturl.at/hSmVz
16)- أردوغان يتدخل لحل الخلاف بين السودان والإمارات.. فرص نجاح الوساطة التركية، موقع ترك برس نشر بتاريخ 22 ديسمبر 2024 (تم التصفح في 26 ديسمبر 2024): https://www.turkpress.co/node/103920
17)- محمد الصاحي، هل تنجح محاولة أردوغان مصالحة السودان والإمارات؟ موقع آر تي عربي، 21 ديسمبر/كانون الأول 2024، في: https://shorturl.at/Lfjyy
18)- جمال السوسي، أردوغان يقدم عرضًا للوساطة بين السودان والإمارات: قراءة في أبعاد ودلالات المبادرة، المغرب الآن، 14 ديسمبر/كانون الأول 2024، في: https://shorturl.at/S8sVq
19)- محمد وداعة، الإمارات ترفض المبادرة التركية، الموجز السوداني، 23 ديسمبر/كانون الأول 2024م، في: https://almogzalsudani.com/31269
20)- سواكن: هي جزيرة سودانية بها ميناء وآثار ترجع إلى أيام الخلافة العثمانية بالساحل السوداني على البحر الأحمر، وكان الحاكم العثماني لجنوب البحر الأحمر يستخدم سواكن مقرا له، واتفقت تركيا مع السودان على ترميم آثار سواكن حتى يمكنها إعادة بناء المنطقة لتكون موقعا سياحيا، وذلك خلال زيارة للميناء القديم قام بها الرئيس أردوغان وقال فيها: "إن مدينة سواكن بعد تجديدها ستجذب الحجاج المتجهين إلى مكة الذين سيرغبون في التعرف على تاريخ الجزيرة، مما يساهم في دعم قطاع السياحة السوداني"، وبموجب الاتفاق حصلت تركيا بصفة مؤقتة على حق استغلال جزء من ميناء سواكن، وإنشاء مرسى لصيانة السفن المدنية والعسكرية، ونقطة ترانزيت للحجاج المسافرين إلى مكة عن طريق البحر الأحمر، وكانت صفقة سواكن إحدى عدة صفقات تم الاتفاق عليها مع السودان تبلغ قيمتها الإجمالية 650 مليون دولار.
21)- إلياس حرفوش، قراءة في الاتفاق التركي السوداني.. جزيرة سواكن السودانية وعودة "الأحلام القديمة"، مجلة المجلة، 12 يناير/كانون الثاني 2018، شوهد: 27 ديسمبر/كانون الأول 2024، في:https://shorturl.at/zQZMn