اتفاق غزة: الالتزامات والتداعيات

16 يناير 2025
الوساطة القطرية لعبت دورا رئيسيا في وقف الحرب (الجزيرة)

أعلنت عدة قيادات دولية، كالقيادة القَطَرية والرئيس الأميركي، ترامب، عن اتفاق إسرائيل وحماس على وقف إطلاق النار بوساطة قطرية-أميركية-مصرية، يبدأ تنفيذه الأحد 19 يناير/كانون الثاني، حسب إعلان رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن. يُنفَّذ الاتفاق على ثلاث مراحل تنتهي بوقف دائم لإطلاق النار، وإعادة الإعمار، وضمانات أمنية للجانبين تمنع استئناف الأعمال القتالية بينهما.

سيُنهي هذا الاتفاق مرحلة الحرب التي استمرت 15 شهرًا، ويفتح الباب أمام تطورات داخل إسرائيل وبقية الإقليم، كانت معلقة أو شبه جامدة. علاوة على ذلك، هناك اتجاهات طويلة الأمد أطلقتها الحرب ستظل بعد الاتفاق تعيد صياغة علاقة إسرائيل ببيئتها الدولية وبالقضية الفلسطينية.

جوانب الاتفاق

يتلخص الاتفاق في أربعة جوانب رئيسية:

1- تبادل الأسرى بين الجانبين.
2- انسحاب القوات الإسرائيلية من كامل غزة خلال المراحل الثلاث.
3- عودة السكان المهجَّرين إلى شمال القطاع، مع تولي قطر ومصر تفتيش المركبات العائدة حتى لا تكون ناقلة لمقاومين مسلحين.
4- إعادة فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني وإدخال المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار.

لا يتضمن الاتفاق تحقيق أي من أهداف إسرائيل التي أعلنتها الحكومة الإسرائيلية خلال مراحل تطور الحرب؛ فلم تتمكن من إطلاق المحتجزين الإسرائيليين بالقوة، ولا القضاء على حماس، أو فرض الاستسلام عليها، ولم تنجح في تقليص مساحة القطاع من خلال السيطرة على شماله. كما لم ينجح اليمين المتطرف، خاصة وزير المالية، سموتريتش، في فرض التهجير على سكان القطاع، ولم ينجح نتنياهو في إبقاء سيطرة الجيش الإسرائيلي على محور فيلادلفيا الذي كان يدَّعي أنه جزء رئيسي في أمن إسرائيل.

في المجمل، وافق نتنياهو على نفس الاتفاق الذي كان يرفضه منذ مايو/أيار 2024، لكنه لم يستطع هذه المرة المراوغة للتملص، لأن ترامب أرسل موفده، ويتكوف، للمشاركة في عقد الاتفاق وضغط على نتنياهو بشدة لإرغامه على القبول. ومهَّد ترامب لذلك بإعادة تغريد فيديو للاقتصادي الأميركي، جيفري ساكس، يصف نتنياهو بأنه " الوغد الذي يورِّط الولايات المتحدة في حروبه". أزعجت هذه الضغوط نتنياهو، فألغى زيارته إلى واشنطن للمشاركة في احتفالية تنصيب ترامب.

سبق أن أعلن ترامب أنه يريد وقف الحرب في غزة وتبادل الأسرى قبل توليه منصب الرئاسة، في 20 يناير/كانون الثاني 2025، وأنه إذا لم يتحقق ذلك فإنه "سيصب الجحيم على المنطقة". وفسر بعدها أن ذلك ليس في صالح حماس أو أي طرف آخر. وأظهر الاتفاق أن تهديده لم يكن يستثني نتنياهو.

شروخ إسرائيلية مؤجلة

سيفتح الاتفاق الباب أمام تطورات قد تقضي على الائتلاف الحاكم الإسرائيلي ومستقبل نتنياهو السياسي. أعلن حليفا نتنياهو، بن غفير وسموتريتش، وهما من قيادات اليمين المتطرف، عن استيائهما من الاتفاق، وكانا يهددان سابقًا بالخروج من الائتلاف إذا وافق نتنياهو على صفقة تنهي الحرب، وتُبقي على حماس في غزة، وتتضمن إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، ولا تمنحهما حق بناء المستوطنات في غزة.

قد يؤدي قبول نتنياهو الاتفاق والشروع في تنفيذه إلى انهيار الائتلاف الحاكم. كما ينتظر نتنياهو تحقيقات قد تبدأ فور وقف إطلاق النار، أبرزها تحقيق حول دوره في وقوع عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 التي نفذتها حماس. ينفي نتنياهو مسؤوليته عن هذا الإخفاق، لكن دلائل تؤكد علمه بتحذيرات أمنية عن احتمالية الهجوم، إلا أنه تجاهلها، وركز على تمديد الاستيطان لإرضاء حلفائه في اليمين المتطرف.

الصفقات والاتجاهات

قد يوفر هذا الاتفاق بيئة إقليمية تمكِّن ترامب من استئناف اتفاق إبراهام الذي شرع فيه في عهدته الأولى، وأدى إلى تطبيع علاقات إسرائيل مع الإمارات والبحرين والمغرب. فقد يسعى ترامب إلى تطبيع علاقات إسرائيل خلال عهدته الثانية مع عدد من الدول العربية، خاصة الدول الرئيسية. وبذلك يضمن دمج إسرائيل في المنطقة ويعيد الأولوية للاقتصاد في تسوية القضية الفلسطينية.

ستستمر بعد الاتفاق اتجاهات أطلقتها الحرب:
أولًا: ستتوالى الملاحقات القضائية للجنود والقيادات الإسرائيلية المشاركة في الحرب على غزة بتهم الجرائم التي أعلنت عنها محكمة الجنايات الدولية.
ثانيًا: سيمكِّن وقف إطلاق النار الدائم الهيئات الإعلامية الدولية والمنظمات الإنسانية من دخول غزة والاطلاع المباشر على حجم الفظائع والجرائم وتوثيقها ونشرها، وستضاف إلى الصور السابقة التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، فتلطخ صورة إسرائيل أكثر في نظر الرأي العام العالمي عمومًا والغربي خصوصًا، وسيؤثر ذلك على اختيار القادة في الغرب.
ثالثًا: قد يؤدي بقاء حماس في غزة، وتأكيد تقارير أن محمد السنوار، شقيق إبراهيم، تمكن من زيادة عدد المقاومين، إلى شعور الإسرائيليين باحتمال حدوث 7 أكتوبر ثانٍ. علاوة على تعرض الفئات العلمانية منهم لضغوط اليمين المتشدد الإسرائيلي، فيتضافر هذان الضغطان لدفع فئات من الإسرائيليين إلى الهجرة الدائمة إلى بلدانهم الأصلية بحثًا عن الأمان وعن نظام علماني يكفل حرياتهم الفردية.

نبذة عن الكاتب