مقدمة
لقد صَدَر قانون النمو والفرص في إفريقيا (African Growth and Opportunity Act)، الذي يُختصر بـ"أغوا" (AGOA)(1)، عام 2000م ليكون حجر الزاوية في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهو يهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي، والحدّ من الفقر من خلال توفير الوصول التفضيلي إلى السوق الأميركية. وفي الوقت الذي صُوِّر فيه قانون أغوا على أنه مبادرة تحويلية فعّالة، فإنّ فعاليته كانت موضع نقاش، مدفوعًا بقيوده البنيوية، وتداعياته الجيوسياسية. وعلى مرّ السنين، خضع قانون أغوا لعدة تعديلات، كان آخرها عام 2015؛ مما أدى إلى تمديد صلاحيته حتى سبتمبر/أيلول 2025(2). ومع اقتراب هذا الموعد النهائي، تنشأ أسئلة مهمة حول ما إذا كان قانون أغوا سيُمَدَّد لعقد من الزمن، أو سيُلغى، أو سيُحَدَّث بشكل كبير؛ ليتماشى والمشهد الاقتصادي الإفريقيّ المتطور.
إنّ الدافعَ الأساسيّ لهذه الدراسة هو تقييم تأثير قانون أغوا في الاقتصادات الإفريقيّة، والتعرف على كيفية تأثير تصميمه الهيكلي في أنماط التجارة والتنمية الاقتصادية في دوله المستفيدة. وبناءً عليه، تهدف هذه الورقة إلى دراسة التحديات المرتبطة بالإطار الهيكلي لقانون النمو والفرص في إفريقيا، وتركيزه المحدود على القيمة المضافة، وأبعاده الجيوسياسية، التي غالبًا ما تُعطي الأولوية لأهداف السياسة الخارجية الأميركية على حساب احتياجات التنمية الإفريقيّة. وتتضمن أسئلة البحث الرئيسة ما يلي:
- ما التأثيرات الاقتصادية والسياسية لقانون أغوا في الدّول الإفريقيّة المشاركة؟
- إلى أيّ مدى حقق قانون أغوا أهدافه المتمثلة في تعزيز التنوع، والحدّ من الفقر، وتعزيز العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وإفريقيا؟
- ما التعديلات اللازمة لضمان دعم قانون أغوا أو بدائله لأهداف التنمية في إفريقيا بشكل أفضل؟
وتكمن أهمية هذه الدراسة في كونها تسلط الضوء على التحديات التي تواجهها الدّول الإفريقيّة في الاستفادة الكاملة من قانون أغوا، وتطرقها إلى المناقشات حول مستقبل القانون عند اقتراب الموعد النهائي المحدد له في عام 2025.
ولتحقيق هذه الأهداف، ستناقش الورقة خمس نقاط رئيسة، هي: مفهوم قانون النمو والفرص في إفريقيا وأهدافه، وشروط العضوية ومعايير الأهلية لقانون أغوا؛ وتأثيرات قانون أغوا التجارية والانتقادات الموجهة إليه، وأخيرًا الاستنتاجات والتوصيات السياساتية، ثم الخاتمة.
أولا: مفهوم قانون النمو والفرص في إفريقيا (أغوا) وأهدافه
أ. مفهوم قانون أغوا وتاريخه
يُعَدّ قانون النمو والفرص في إفريقيا تشريعًا تجاريًّا أميركيًّا يَهدف إلى تعزيز التجارة والنمو الاقتصادي في دول إفريقيا جنوب الصحراء. صدر هذا القانون في 18 مايو/أيار 2000م، تحت الرقم 106-200 للكونغرس(3)، وذلك بهدف تمكين الدول الإفريقيّة المؤهلة من الوصول إلى الأسواق الأميركية بشكل أفضل. وشهد القانون تمديدًا لصلاحيته لعقد من الزمن في عام 2015م بعد بلوغه 15 سنة، وهي المدة التي قُرِّرت عند إنشائه، وبذلك أصبح ساري المفعول حتى سبتمبر/أيلول 2025(4).
يُعتبر قانون أغوا، تاريخيًّا، نتاج أفكار عضو الكونغرس "جيم ماكديرموت" ورئيس أركانه "مايكل ويليامز"، بمساندة من عضو الكونغرس "إد رويس" ونشطاء آخرين. وبعد نقاشات وتداولات عديدة في أروقة الكونغرس الأميركي، وقّع الرئيسُ الأميركي بيل كلينتون في مايو/أيار 2000 القانونَ ليصبح نافذًا(5). ومع مرور الوقت، ظهرت مناقشات مكثفة حول فعالية هذا القانون وتطبيقه العملي؛ مما أدى إلى إجراء تعديلات لتحسين معايير الأهلية وتعزيز بيئة الأعمال في الدول الإفريقيّة النامية. ومع اقتراب موعد انتهاء سريان القانون في عام 2025، تظل حالة من عدم اليقين تحيط بمستقبل العلاقات التجارية الأميركية الإفريقية، خاصةً في ظل تطور البيئات التجارية، وتعدُّد الشراكات الاقتصادية الدولية.
منذ صدوره، سعى القانون أساسًا إلى تعزيز وصول الدول الإفريقيّة المؤهلة إلى الأسواق الأميركية عبر تخصيص برنامج خاص لحوالي 6800 بَنْد تعريفيّ في جدول التعريفة الجمركية للولايات المتحدة، الأمر الذي يُتيح للمستوردين الأميركيين استيراد السلع من هذه الدول دون رسوم جمركية. وبالاعتماد على نظام الأفضليات المعمم الأميركي (GSP)، يُقدّم قانون أغوا تغطية أوسع للمنتجات، بما في ذلك الملابس، والأحذية، والنبيذ، وبعض مكونات السيارات، والمنتجات الزراعية، والمواد الكيميائية، والصلب؛ مما يجعله مميزًا عن نظام الأفضليات المعمم الذي يتطلب إعادة تفويض بشكل أكثر تكرارًا من قبل الكونغرس(6).
وتجدر الإشارة إلى أنّ قانون أغوا منذ بدايته حظي بدعم واسع من الحزبين في الولايات المتحدة؛ إذ اعتُبرت زيادة الواردات الأميركية من السلع الإفريقية دليلًا على نجاحه. خلال العقد الأول، تضاعفت الصادرات الإفريقية إلى الولايات المتحدة من 22 مليار دولار إلى 61 مليار دولار. في 2010، وصفت روزا ويتاكر، المسؤولة السابقة للممثل التجاري الأميركي لإفريقيا، البرنامج بأنه "نجاح استثنائي"، مشيرة إلى أوجد ثلاثمئة ألف وظيفة مباشرة في إفريقيا، كما قدّرت منظمة "تحالف التجارة الإفريقية" أن حوالي 1.3 مليون وظيفة أُنشئت بشكل غير مباشر بحلول 2012(7).
ب. أهداف قانون النمو والفرص الإفريقيّة (أغوا)
يعتمد قانون أغوا على نظام التفضيلات المعمم الذي أطلقته الولايات المتحدة عام 1974، والذي يتيح لأكثر من مئة دولة منخفضة الدخل تصدير منتجاتها دون رسوم جمركية. ووسّع أغوا هذا النطاق ليشمل أكثر من خمسة آلاف منتج من خمس وثلاثين دولة إفريقية. كما يدعو إلى زيادة المساعدات التنموية الأميركية للدول الإفريقية جنوب الصحراء في مجالات مثل الزراعة والوقاية من الأوبئة وفيروس نقص المناعة البشرية(8)، وتتمثل أهدافه في:
- توسيع التجارة بين الولايات المتحدة وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
- تعزيز النمو الاقتصادي وتنويعه.
- تشجيع الحكم الرشيد والإصلاح الاقتصادي.
- الحد من الفقر وتحسين مستويات المعيشة.
- تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا.
ثانيا: شروط العضوية ومعايير الأهلية لقانون أغوا
لقد وَضَع قانون أغوا شروطًا وأحكامًا محددةً لمشاركة الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى في البرنامج، تتطلب الحفاظ على اقتصاد سوقي، واحترام سيادة القانون، وضمان التعددية السياسية، وحماية حقوق العمال، ومكافحة الفساد. كما تُلزم الدول المستفيدة بإجراء إصلاحات اقتصادية وتخفيض الحواجز أمام التجارة والاستثمار الأميركي، إلى جانب تنويع الصادرات وإيجاد بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي، بهدف تحقيق نمو اقتصادي شامل(9).
ويُطبّق القانون نظامَ مراقبة سنويًّا لتقييم التزام الدول المستفيدة منه بالشروط، مع إمكانية إنهاء العضوية أو تعليقها في حال عدم الامتثال. ويمكن أن "تتخرج" دولة من البرنامج عند تحقيقها مستوى كافيًا من التنمية، وفق معايير مثل ارتفاع مستوى دخل الفرد، والنمو الصناعي، واستقرار الاقتصاد، بناءً على معايير البنك الدولي(10). وقد تُخْرِج الإدارة الأميركية دولة ما مرغمَة إذا فشلت في الالتزام بشروط البرنامج. وعند اتخاذ مثل هذا القرار، يُصْدَر إشعار رسمي، تليه فترة انتقالية يُتوقع خلالها من الدولة المعنية الاستعداد لوقف الاستفادة من قانون أغوا. كما يمكن أن يؤدي عدم الامتثال، أو الفشل في تلبية شروط العضوية إلى تعليق أهلية الدولة أو إنهائها.
وتُعزز مراجعة الأهلية المستمرة دور قانون أغوا بوصفه أداة للإصلاح الاقتصادي والسياسي في إفريقيا جنوب الصحراء؛ مما يجعل البرنامج ديناميكيًّا ويسهم في تحسين بيئة الحكم والأداء الاقتصادي في المنطقة، مع دعم التنمية المستدامة وتعزيز العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وإفريقيا.
وحسب الدعاية الأميركية، من خلال توفير حوافز اقتصادية كبيرة عبر قانون أغوا، تهدف الولايات المتحدة إلى رعاية بيئة إفريقية مواتية للنمو والتكامل على المدى الطويل في الاقتصاد العالمي، الأمر الذي يعود بالنفع ليس على المنطقة فقط؛ بل يُسْهم في الاستقرار الاقتصادي العالمي أيضًا. وإلى جانب الشروط المذكورة آنفًا، هناك معايير أهلية شاملة لقانون أغوا تركز على معايير الحوكمة الاقتصادية والسياسية(11)، أبرزها ما يلي:
- المتطلبات الاقتصادية: على الدول المؤهلة دعم اقتصاد السوق وحقوق الملكية، وتقليل تدخل الحكومة، وتجنب التعريفات والإعانات التي تضر بالسوق.
- المعايير السياسية والقانونية: الالتزام بسيادة القانون، والتعددية، وضمان بيئة قانونية مستقرة للشركات والاستثمارات.
- الحواجز التجارية وسياسات الاستثمار: إزالة الحواجز أمام التجارة والاستثمار مع الولايات المتحدة، وضمان حماية الملكية الفكرية، وحل النزاعات بفعالية.
- السياسات الاجتماعية والاقتصادية: تطبيق سياسات للحد من الفقر، وتحسين الرعاية الصحية والتعليم، ومكافحة الفساد.
- حماية حقوق العمال: ضمان حقوق العمال الأساسية، مثل حق التنظيم، وحظر العمل القسري وعمل الأطفال.
- الأمن وحقوق الإنسان: الالتزام بعدم تقويض الأمن القومي الأميركي، وعدم انتهاك حقوق الإنسان المعترف بها دوليًّا.
وفضلًا عمّا سبق ذكره، لا ينبغي للدول المستفيدة من برنامج أغوا أن تُقَوّض مصالح السياسة الخارجية الأميركية؛ إذ يُقَيِّم رئيس الولايات المتحدة نفسه متطلبات الأهلية هذه سنويًّا، استنادًا إلى قانون التجارة الأميركي لعام 1974 وتشريعات قانون أغوا. وقد تفقد الدول أهليتها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان أو عدم الاستقرار السياسي؛ ففي يناير/كانون الثاني 2022، أُزيلت إثيوبيا ومالي وغينيا(12) من البرنامج بسبب انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان، كما فقدت بوركينا فاسو عضويتها في 2023 بسبب الانقلابات العسكرية(13).
وبحلول يناير/كانون الثاني 2023، كانت 35 دولة مؤهلة للمشاركة في أغوا، ولكن العدد انخفض في يناير/كانون الثاني 2024 إلى 32 دولة فقط من أصل 49 دولة مؤهلة؛ مما يعكس الشروط الصارمة للبرنامج وتطبيقها المستمر (يُنظر جدول 1)(14).
وتشمل عملية الحصول على الموافقة لقانون أغوا خطوات دقيقة لضمان أنّ الدول المؤهلة فقط هي التي تستفيد من الوصول إلى السوق الأميركية(15)، وتتلخص أهم الخطوات الأساسية فيما يلي:
- استيفاء معايير الأهلية: تلبية متطلبات مثل اقتصاد السوق وسيادة القانون وحقوق الإنسان.
- تقديم الطلب: إرسال الوثائق المطلوبة إلى الجهة الأميركية المختصة.
- المراجعة والتقييم: فحص الطلبات لضمان الامتثال للمعايير.
- القرار الرئاسي: يعتمد الرئيس الأميركي القرار النهائي.
- الحفاظ على حالة الاستفادة والامتثال: تلتزم الدول المستفيدة بالمعايير لضمان استمرار الامتيازات.
في واقع الأمر، فإنّ عملية الانضمام صارمة، وتستغرق وقتًا طويلًا، وتتطلب جهدًا كبيرًا لتأمين حالة المستفيد من برنامج أغوا والحفاظ عليها. ويُعَدّ الامتثال المستمر لجميع المعايير المحددة أمرًا ضروريًّا للحصول على فوائد مستدامة. الجدول (1) يوضح قائمة الدول المستفيدة والدول المستبعدة من هذا القانون لعام 2024.
جدول 1: قائمة الدول التي يشملها قانون أغوا وبيان وضعية الاستفادة منه اعتبارا من 1 يناير 2024
# |
الدولة |
الحالة |
# |
الدولة |
الحالة |
1 |
أنغولا |
مؤهلة |
26 |
ساو تومي وبرينسيبي |
مؤهلة |
2 |
بنين |
مؤهلة |
27 |
السنغال |
مؤهلة |
3 |
بوتسوانا |
مؤهلة |
28 |
سيراليون |
مؤهلة |
4 |
الرأس الأخضر |
مؤهلة |
29 |
جنوب إفريقيا |
مؤهلة |
5 |
تشاد |
مؤهلة |
30 |
تنزانيا |
مؤهلة |
6 |
جزر القمر |
مؤهلة |
31 |
توغو |
مؤهلة |
7 |
جمهورية الكونغو |
مؤهلة |
32 |
زامبيا |
مؤهلة |
8 |
جمهورية الكونغو الديمقراطية |
مؤهلة |
33 |
بوروندي |
غير مؤهلة |
9 |
كوت ديفوار |
مؤهلة |
34 |
بوركينا فاسو |
غير مؤهلة |
10 |
جيبوتي |
مؤهلة |
35 |
الكاميرون |
غير مؤهلة |
11 |
إسواتيني |
مؤهلة |
36 |
جمهورية إفريقيا الوسطى |
غير مؤهلة |
12 |
غامبيا |
مؤهلة |
37 |
غينيا الاستوائية |
غير مؤهلة |
13 |
غانا |
مؤهلة |
38 |
إريتريا |
غير مؤهلة |
14 |
غينيا بيساو |
مؤهلة |
39 |
إثيوبيا |
غير مؤهلة |
15 |
كينيا |
مؤهلة |
40 |
الغابون |
غير مؤهلة |
16 |
ليسوتو |
مؤهلة |
41 |
غينيا |
غير مؤهلة |
17 |
ليبيريا |
مؤهلة |
42 |
مالي |
غير مؤهلة |
18 |
مدغشقر |
مؤهلة |
43 |
النيجر |
غير مؤهلة |
19 |
مالاوي |
مؤهلة |
44 |
سيشل |
غير مؤهلة |
20 |
موريتانيا |
مؤهلة |
45 |
الصومال |
غير مؤهلة |
21 |
موريشيوس |
مؤهلة |
46 |
جنوب السودان |
غير مؤهلة |
22 |
موزمبيق |
مؤهلة |
47 |
السودان |
غير مؤهلة |
23 |
ناميبيا |
مؤهلة |
48 |
أوغندا |
غير مؤهلة |
24 |
نيجيريا |
مؤهلة |
49 |
زيمبابوي |
غير مؤهلة |
25 |
رواندا |
مؤهلة |
|
-- |
-- |
المصدر: إعداد الباحث بالاعتماد على تقارير مكتب التمثيل التجاري للولايات المتحدة
ثالثا: تأثيرات قانون أغوا التجارية والانتقادات الموجهة إليه
-
تأثيرات قانون أغوا في التجارة الإفريقيّة
وفقًا للتقارير الأميركية، فقد أسهم قانون أغوا في تحقيق مكاسب اقتصادية مهمة للدول الإفريقية؛ إذ أدى إلى زيادة الوصول إلى السوق الأميركية، ونمو صناعات مثل الملابس والسيارات في جنوب إفريقيا، وإيجاد مئات الآلاف من الوظائف. ورغم هذه الفوائد، واجهت الدول الإفريقية منافسة شديدة بعد إلغاء نظام الحصص العالمي في 2005، خاصة من الصين(16). ورغم التحديات، سهّل القانون تصدير منتجات متنوعة مثل الزهور، ومكونات السيارات، والصلب، واستفادت جنوب إفريقيا بتنويع صادراتها، بينما ركزت نيجيريا وأنغولا على قطاع الطاقة. كما دعمت الولايات المتحدة الدول الإفريقية من خلال مراكز تجارية إقليمية لتلبية المعايير الصحية الأميركية(17).
وفي عام 2019، بلغت واردات الولايات المتحدة من الدول المؤهلة 8.4 مليارات دولار بزيادة 2.4% منذ 2001، وشكلت المنتجات البترولية منها 4.6 مليارات دولار، والمنسوجات والملابس 37% من الواردات غير البترولية. وبلغت الواردات غير البترولية 3.8 مليارات دولار، وجاءت جنوب إفريقيا وكينيا أكبر المصدرين(18).
وقد نما حجم التجارة بين الولايات المتحدة وإفريقيا بنسبة 25% من 2000 إلى 2019 ليصل إلى 104.7 مليارات دولار في 2008. كما بلغت الواردات الأميركية تحت قانون أغوا 10.3 مليارات دولار في 2022، بزيادة 26% عن 2001، وشكلت المنتجات البترولية 45% من الواردات، وحققت الواردات غير النفطية رقمًا قياسيًّا بلغ 5.7 مليارات دولار، بزيادة أربعة أضعاف منذ 2001، مع استفادة جنوب إفريقيا بأعلى قيمة بلغت 3.6 مليارات دولار، تلتها نيجيريا وغانا وكينيا(19).
وتشمل أبرز فئات الواردات بموجب قانون أغوا في عام 2022 الوقود المعدني بقيمة 4.6 مليارات دولار (بزيادة 140% عن عام 2021)، ومعدات النقل بقيمة 1.5 مليار دولار (بزيادة 86.4%)، والمنتجات الزراعية بقيمة 914 مليون دولار (بزيادة 32.9%).كما سجلت المنسوجات والملابس 1.4 مليار دولار، في حين بلغت واردات المعادن ومنتجاتها 755 مليون دولار، والمجوهرات والأحجار الكريمة 420 مليون دولار(20).
وفي المقابل، أشارت التقارير إلى أن التجارة بين الصين وإفريقيا شهدت نموًّا كبيرًا؛ إذ ارتفعت من ثمانية مليارات دولار في عام 2000 إلى 157 مليار دولار في 2019، لتصبح الصين أكبر شريك تصدير لإفريقيا جنوب الصحراء بحلول 2019، متجاوزةً الولايات المتحدة. إذ كانت الولايات المتحدة تقدم وصولًا تفضيليًّا مشروطًا عبر قانون أغوا، في حين كانت الصين تركز على المنافع الاقتصادية المتبادلة بدون شروط حقوقية، وهو ما جعلها تكتسب نفوذًا تجاريًّا باستخدام المساعدات والاستثمارات المباشرة، حتى خلال الأزمة المالية العالمية 2008(21).
ولقد أثرت التحديات الاقتصادية الأخيرة في الصين في وارداتها من إفريقيا؛ مما سبب ضغوطًا اقتصادية على الدول الإفريقية التي تعتمد عليها. وجاءت مبادرات الصين، مثل: الحزام والطريق كدعم محدود وسط سعي إفريقيا لتحقيق نمو اقتصادي بعد جائحة كوفيد-19. وتتيح هذه التحديات فرصة للولايات المتحدة لاستعادة مكانتها بوصفها شريكًا اقتصاديًّا رئيسيًّا في المنطقة إذا ما تبنت إصلاحات تلبي احتياجات إفريقيا الحديثة، مع تعزيز التجارة والدعم الاقتصادي(22).
ب. الانتقادات والمآخذ على قانون أغوا
على الرغم من الصورة الإيجابية التي تروجها الإدارة الأميركية وبعض قادة الدول المستفيدة من برنامج أغوا، تعرض البرنامج لانتقادات عديدة من المحللين الاقتصاديين وخبراء التنمية. وتركزت الانتقادات على هيكلية البرنامج وآثاره السلبية على الاقتصادات الإفريقية؛ إذ يرى الباحث "تاتاه مينتان"(23) أنّ أغوا يُديم استغلال الموارد الإفريقية تحت مسمى اتفاقية تجارية خيِّرة، في حين اعتبر عالم الاجتماع "مايكل مان"(24) أنّ البرنامج يفرض تبعية غير مباشرة للسياسة الأميركية على الدول الإفريقية. كما يشير المنتقدون إلى أنّ أغوا يتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية، ويخدم بشكل أساسي قطاعي النفط والمواد الخام؛ إذ تعتمد الصادرات الإفريقية بنسبة 90% على الموارد الطبيعية التي لا تستفيد منها الدول الإفريقية بشكل كافٍ؛ لافتقارها إلى التكنولوجيا اللازمة لاستغلالها بفعالية.
ولفهم أوسع، يمكن إجمال أبرز الانتقادات والمآخذ على برنامج أغوا في النقاط التالية:
- ضعف التصنيع ذي القيمة المضافة: لم ينجح قانون أغوا في تعزيز التصنيع الإفريقي المتنوع؛ إذ تواصل الدول الاعتماد على تصدير المواد الخام، ولا توجد إلا استراتيجيات محدودة للاستفادة من البرنامج(25).
- التحديات الهيكلية والجيوسياسية: تتيح هيكلية القانون للولايات المتحدة التحكم في أهلية الدول بناءً على أولوياتها السياسية؛ مما يعيق الاستثمارات الطويلة الأجل، ويجعل القانون أداة للتأثير الجيوسياسي(26).
- عدم التبادل التجاري المتوازن: يمنح أغوا وصولًا مجانيًّا للسلع الإفريقية إلى السوق الأميركية؛ لكنه لا يتيح نفس الوصول للسلع الأميركية؛ مما يعمق التبعية الاقتصادية(27).
- إغفال القطاعات الحديثة: يستبعد البرنامج قطاعات النمو السريع كالتجارة الرقمية والخدمات المالية، التي أصبحت أساسية للنمو الاقتصادي الحديث في إفريقيا(28).
- تأثيرات إلغاء الأهلية في الاقتصادات المحلية: يؤدي إقصاء بعض الدول من البرنامج إلى خسائر اقتصادية محلية للدول المشاركة، ويدفعها إلى الاتجاه نحو شركاء آخرين كالصين وروسيا(29).
- ضعف الوعي بالبرنامج: تعاني الشركات من قلة الوعي والمعايير الصارمة؛ مما جعل فوائد أغوا محدودة وغير مستغلة بشكل كافٍ بين الدول المؤهلة(30).
- ضعف البنية التحتية وانتشار الفساد: يعيق نقص البنية التحتية وانتشار الفساد القدرة التنافسية للمنتجين الأفارقة ويزيد من تكاليف الإنتاج.
رابعا: الاستنتاجات والتوصيات السياساتية
لقد كان قانون أغوا حجر الزاوية في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وإفريقيا منذ إنشائه عام 2000، وبعد أكثر من عقدين فإن هناك نقاشا مستمرا بشأن فعاليته وتأثيره في الاقتصادات الإفريقية. وقد توصلت هذه الدراسة إلى العديد من القضايا الرئيسة المتعلقة بالتصميم الهيكلي لقانون أغوا، والتداعيات الجيوسياسية، والتوافق مع استراتيجيات التنمية الإفريقية. وللتوافق بشكل أفضل مع مصالح الدول الإفريقية، يمكننا تقديم توصيات سياساتية تهدف إلى معالجة هذه التحديات، وتعزيز السيادة الاقتصادية للقارة، وهي:
- تعزيز التصنيع ذي القيمة المضافة: يجب مراجعة قانون أغوا لدعم التصنيع المحلي والتكنولوجيا والخدمات لزيادة الفائدة الاقتصادية وتعزيز التنمية المستدامة.
- العلاقات التجارية المتكافئة: على الدول الإفريقية السعي نحو اتفاقيات تجارية متوازنة تقلل من الاعتماد على السوق الأميركية.
- توجيه نحو قطاعات النمو الحديثة: ينبغي دعم الوصول إلى الخدمات الرقمية والطاقة الخضراء لتعزيز التنافسية الإفريقية.
- التقليل من الأخطار الجيوسياسية: يجب التفاوض على اتفاقيات طويلة الأجل توفر استقرارًا ضد التأثيرات السياسية الأميركية الأحادية.
- تحقيق توزيع عادل للفوائد: على الدول الإفريقية التعاون لإنشاء سلاسل قيمة إقليمية تزيد من مشاركة الدول الأخرى وتوزيع الفوائد بشكل متوازن.
- بناء القدرات والبنية التحتية: ينبغي توفير دعم لبناء المؤسسات والبنية الأساسية والتدريب لتمكين الشركات الإفريقية من المنافسة في السوق الأميركية.
- التوافق مع الاستراتيجيات الإفريقية: تعديل أغوا ليتماشى مع أهداف التنمية الإفريقية وأجندة الاتحاد الإفريقي 2063 لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتكامل الإقليمي.
- تعزيز التعاون بين دول الجنوب: تحقيق توازن بين القوى العالمية وتنويع العلاقات التجارية مع آسيا وأميركا اللاتينية لتعزيز القوة التفاوضية الإفريقية في الساحة العالمية.
ومن خلال دمج هذه التوصيات في الخطط التجارية، تستطيع الدّول الإفريقية أن تتعامل بشكل أفضل مع تعقيدات التجارة العالمية، وتؤكد سيادتها الاقتصادية، وتُعَزِّز أهدافها الإنمائية الطويلة الأجل في عالم سريع التغير.
خامسا: الخاتمة
أصبح قانون النمو والفرص في إفريقيا (أغوا) عنصرًا مهمًّا في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وإفريقيا؛ ولكن حدوده وعيوبه البنيوية تسلط الضوء على الحاجة إلى نهج أكثر ملاءمة يتماشى حقًّا مع أهداف التنمية في إفريقيا. ومن أجل تعزيز السيادة الاقتصادية للقارة، يتعين على الدول الإفريقية أن تتجاوز الاعتماد على الأطر الخارجية، وأن تُعَزِّز السياسات التي تدعم القيمة المضافة، وتنويع الشراكات، والتركيز على قطاعات النمو الحديثة.
ومن خلال الدعوة إلى اتفاقيات تجارية تعكس المصالح الاستراتيجية لإفريقيا، وإعطاء الأولوية للتكامل الإقليمي والاكتفاء الذاتي، يمكن للدول الإفريقية أن تُشَكِّل مستقبلًا ناصعًا حين لا تكون مجرد متلقية للمساعدات والتفضيلات الخارجية، بل شريكًا نشطًا وفعّالًا في الاقتصاد العالمي. وسوف يتطلب هذا التحول إرادة سياسية قوية، وجهودًا إقليمية منسقة، والتزامًا بالابتكار، الأمر الذي يُمَهِّدُ الطريقَ في نهاية المطاف لإفريقيا أكثر مرونة واعتمادًا على الذات.
1)- من هنا فصاعدا ستُسْتَخْدم الصيغة العربية المختصرة (أغوا)، في أغلب المواضع، للإشارة إلى قانون النمو والفرص في إفريقيا وبرنامجه.
2)- Kuhnhenn, Jim. Obama Signs Trade, Incl.AGOA, Worker Assistance Bills into Law." Associated Press (AP). June 29, 2015. Accessed September 1, 2024. https://shorturl.at/bvBms
3)- U.S. Congress. Trade and Development Act of 2000.Public Law 106-200. Enacted May 18, 2000. Accessed September 4, 2024. https://tinyurl.com/mtse4sfc
4)- Kuhnhenn, Jim."Obama Signs Trade, Incl.AGOA, Worker Assistance Bills into Law." Associated Press (AP). June 29, 2015, Op Cit.
5)- Schneidman, Witney, with Zenia A. Lewis. The African Growth and Opportunity Act: Looking Back, Looking Forward. Brookings Institution, Africa Growth Initiative, June 2012. Accessed September 4, 2024. https://tinyurl.com/ye7fbuav
6)- Yanai, Akiko. Current Issues on the African Growth and Opportunity Act (AGOA). IDE Discussion). IDE No.661. Chiba: Institute of Developing Economies, Japan External Trade Organization (IDE-JETRO), March 2017. Accessed September 4, 2024. https://tinyurl.com/yc5uvrcs
7)- Runde, Daniel F. Beyond 2025: A Renewed Relationship with Sub-Saharan Africa. Center for Strategic and International Studies. Congressional Testimony, Op Cit.
8)- Yanai, Akiko. Current Issues on the African Growth and Opportunity Act (AGOA). IDE Discussion). IDE No.661.Chiba: Institute of Developing Economies, Japan External Trade Organization (IDE-JETRO), March 2017, Op Cit.
9)- Office of the Press Secretary. "Text of Notification to Congress on Burundi's Suspension from AGOA." The White House. October 30, 2015. Accessed September 4, 2024. https://tinyurl.com/ycsttxbb
10)- المصدر نفسه
11)- Office of the United States Trade Representative. "Determination Under the African Growth and Opportunity Act." Federal Register 82, no.161 (August 22, 2017): 39940-39941. Accessed September 4, 2024. https://www.govinfo.gov/content/pkg/FR-2017-08-22/pdf/2017-17705.pdf.
12)- Al Jazeera. "US Removes Ethiopia, Mali, and Guinea from AGOA Trade Programme." Al Jazeera. January 2, 2022. Accessed September 3, 2024. https://tinyurl.com/ymrw2zrx
13)- Reuters. "US Terminates Burkina Faso from AGOA Trade Preference Program: USTR." Reuters. January 2, 2023. Accessed September 4, 2024. https://tinyurl.com/4fbvd75f
14)- Office of the United States Trade Representative.2024 List of AGOA Eligible and Ineligible Countries. November 16, 2023. Accessed September 4, 2024. https://tinyurl.com/yc2tu5j7
15)- Office of the United States Trade Representative. "Determination Under the African Growth and Opportunity Act." Federal Register 82, no.161 (August 22, 2017): 39940-39941, Op Cit.
16)- Runde, Daniel F., and Sundar R. Ramanujam. "Beyond 2025: The Future of the African Growth and Opportunity Act." CSIS Briefs. Washington, D.C.: Center for Strategic and International Studies, March 2022. Accessed September 4, 2024. https://www.csis.org/analysis/beyond-2025-future-african-growth-and-opp….
17)- Runde, Daniel F. "Beyond 2025: A Renewed Relationship with Sub-Saharan Africa." Center for Strategic and International Studies. Congressional Testimony. June 12, 2024, Op Cit.
18)- المصدر نفسه
19)- Runde, Daniel F., and Sundar R. Ramanujam."Beyond 2025: The Future of the African Growth and Opportunity Act." CSIS Briefs. Washington, D.C, Op Cit.
20)- Office of the United States Trade Representative."U.S. Imports under the African Growth and Opportunity Act (AGOA)." AGOA Trade Fact Sheet. Washington, D.C.: Office of the United States Trade Representative, 2022. Accessed September 4, 2024. https://ustr.gov/sites/default/files/AGOA%20Trade%20Fact%20Sheet_final….
21)- المصدر نفسه
22)- المصدر نفسه
23)- الدكتور إيمانويل تاتاه مينتان، مؤلف وأكاديمي كاميروني وناشط في مجال العدالة الاجتماعية والقومية الإفريقية. وهو حاصل على درجات علمية في العلوم السياسية من ألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، ويدرس في جامعة ياوندي وجامعة مينيسوتا. تتناول أعماله مثل "العولمة وأزمة الحكم"، السياسة الإفريقية والقضايا العالمية، وأغلبها يروج للوحدة الإفريقية والاعتماد على الذات والحكم العادل. الموقع الشخصي للكاتب (تم التصفح ف 5 نوفمبر 2024): https://tatahmentanbooks.com/about-author/
24)- Mann, Michael. Incoherent empire. Verso, 2005.p.74.ISBN 1-84467-528-9.
25)- Klobucista, Claire, and Mariel Ferragamo."AGOA: The U.S.-Africa Trade Program." Council on Foreign Relations. Last updated December 4, 2023. Accessed September 4, 2024. https://tinyurl.com/2b54cufp
26)- Fletcher, Barnaby, and Patricia Rodrigues. "Revisiting AGOA: US-Africa Ties at a Critical Juncture." Control Risks. January 22, 2024. Accessed September 4, 2024. https://tinyurl.com/4bm7u2ws
27)- Runde, Daniel F." Beyond 2025: A Renewed Relationship with Sub-Saharan Africa." Center for Strategic and International Studies. Congressional Testimony. June 12, 2024. Accessed September 4, 2024: https://tinyurl.com/3a4nf4jx
28)- Klobucista, Claire, and Mariel Ferragamo. "AGOA: The U.S.-Africa Trade Program." Council on Foreign Relations, Op Cit.
29)- المصدر نفسه
30)- المصدر نفسه