شبكات التواصل الاجتماعي وآليات التحكم في الرأي العام العالمي: الإبادة الرقمية للمحتوى الفلسطيني خلال الحرب على غزة (2023-2024)

تتتبَّع الدراسة السياسات والإجراءات التي تعتمدها شبكات التواصل الاجتماعي للتَّحَكُّم في الرأي العام العالمي، من خلال استهداف محتوى رقمي مخصوص، ومنع نشره ومشاركته بين المستخدمين في جميع الوسائط والمنصات الرقمية، ومحاولة تدميره كليًّا أو جزئيًّا؛ الأمر الذي يُعرِّضه لما يُسمَّى بـ"الإبادة الرقمية". وقد اهتمت الدراسة بالمحتوى الفلسطيني عبر هذه الشبكات، وأساليب التضييق عليه ومحاصرته، وآليات محاربته وتدميره، خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى سبتمبر/أيلول 2024، دون إغفال ما سبقها من حروب.
إبادة المحتوى الفلسطيني عبر الشبكات الاجتماعية تعتمد على مرجعيات سياسية وقانونية وتشريعية وتقنيات الذكاء الاصطناعي (وكالة الصحافة الفرنسية)

مقدمة

إن التداخل العميق بين الفعل السياسي ومختلف الأنشطة الحياتية يقود إلى النظر في تجليات الأبعاد السياسية لقرارات شبكات التواصل الاجتماعي، التي تبدو فضاءات لا متناهية لممارسة التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمعات، ولكنها قد تَضِيق على البعض بسبب الحسابات والمصالح السياسية التي تسعى للتَّحَكُّم في الرأي العام العالمي وتوجيهه لفائدتها. ذلك أن شبكات التواصل الاجتماعي تُصْدِر وتَسُنُّ مجموعة من السياسات التي تبدو في ظاهرها محاولات ضرورية للحدِّ من سوء استخدام حرية النشر، ولكنها تُضْمِر ما يمكن استخدامه للتحكم في النشر والكيل بمكيالين، وقد تصل أحيانًا إلى مستوى التمييز و"الفصل العنصري الرقمي"، ومعاداة فئة مستضعفة لصالح فئة أخرى "محظية". وبما أن التواصل عبر هذه الشبكات يتجاوز حدود الرقابة التي يمكنها اتخاذ القرار العادل الصادر عن رقيب بشري، فإنها تلجأ إلى توظيف خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على كلمات مفتاحية قد تتسبب في حجب غير مُتَبَصِّر لمحتوى بعينه مثلما تفعل أدوات الإبادة الجماعية التي تُدمر أفراد الجماعة المستهدفة كليًّا أو جزئيًّا.

تطورت شبكات التواصل الاجتماعي تطورًا كبيرًا باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي حتى كادت تتحكم في المحتوى الذي يروج بين المستخدمين من خلال أولويات وترشيح ما يبرز على صفحاتهم ويتناغم مع اهتمامات المتلقين، انطلاقًا من سيكولوجية التلقي التي تقوم على مبدأ "من يسبق يربح". وهنا، تتجلى أهمية الخوارزميات التي تستخدمها شبكات التواصل الاجتماعي للتحكم في المحتوى الذي سيظهر على الشاشة قبل غيره حتى وإِنْ لم يقم المستخدم بطلبه عبر محركات البحث.

لقد قدَّمت الحرب التي تشنُّها إسرائيل على غزة، بعد هجوم حركة حماس على مستوطنات إسرائيلية بغلاف القطاع، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، نموذجًا صارخًا لتطبيق السياسات التي تَسُنُّها شبكات التواصل الاجتماعي للتأثير في الرأي العام العالمي، وتوجيهه من خلال السماح للسرديات الإسرائيلية بالتداول والانتشار الواسع، مقابل حجب واضح وطمس ممنهج للسرديات ومحو المحتوى الفلسطيني الرقمي ومن يؤيدهما. وتوحي هذه السياسات بتكامل أدوات ووسائل الحرب على غزة لتبدو شبكات التواصل الاجتماعي ذراعًا تواصلية طولى قادرة على توجيه الرأي العام العالمي، وخلق حالة نفسية عامة تدفعه لتقبُّل الحرب حتى وإِنْ اتخذت منحى الإبادة لغزة والشعب الفلسطيني.

1. تأطير منهجي ونظري

إشكالية الدراسة

لقد أدت شبكات التواصل الاجتماعي إلى تثوير مفهوم الرأي العام العالمي من خلال الإتاحة لغالبية سكان العالم فرص التواصل فيما بينهم عبر فضاءات رقمية، بعضها مفتوح وبعضها مغلق، حتى كاد التواصل الاجتماعي، الذي هو من أبرز الخصائص التواصلية للكائن البشري، يُكافِئ التواصل الاجتماعي الرقمي الذي يستأثر بجل الوقت المُستغرَق في استخدام الشاشات (قراءة وكتابة ومشاهدة وتحميلًا وتنزيلًا ومعالجة وتخزينًا ومسحًا وتمريرًا ومشاركة...).

انطلاقًا مما تستطيع شبكات التواصل الاجتماعي أن تفعله تقنيًّا من أجل التحكم في عرض المحتوى على المستخدمين، تبرز إشكالية هذا البحث التي تتمثَّل في تطبيق السياسات المتحكمة في تشكيل الرأي العام العالمي حول قضية رئيسية، مثل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي تجري على الأرض وعبر الفضاءات التواصلية الرقمية. ويمكن صياغة هذه الإشكالية في سؤال مركزي: كيف تقود السياسات التي تتبعها شبكات التواصل الاجتماعي للتحكم في الرأي العالمي إلى إجراءات وممارسات تصل إلى مستوى الإبادة الرقمية للمحتوى الفلسطيني خلال الحرب الإسرائيلية على غزة؟

ولا تنحصر الإشكالية في تطبيق السياسات التي قد تؤثر في تشكيل الرأي العام العالمي، بل تشمل أيضًا الأساليب التي تعتمدها الشبكات الاجتماعية في هذا التطبيق، وهو ما يطرح سؤال الحرية والموضوعية والتوازن والعدالة والشفافية والرحابة التي تسمح للكل بأن يُعبِّر عن رأيه ويُقدِّم رواياته وسردياته دون حجر أو تضييق عليها، مثلما تُقدِّم شبكات التواصل الاجتماعي نفسها للمستخدمين.

يزداد هذا السؤال إلحاحًا عند الحديث عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي اتخذت طابع الإبادة الجماعية بسبب القتل الواسع والانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، والتدمير الممنهج لمظاهر الحياة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لاسيما في ظل الدعم الغربي الذي تحظى به إسرائيل عسكريًّا وماليًّا وسياسيًّا ودبلوماسيًّا وإعلاميًّا، فضلًا عن الخدمات الاتصالية التي تقوم بها شبكات التواصل الاجتماعي لترويج المحتوى الإسرائيلي على حساب المحتوى الفلسطيني الذي تحاول طمسه وتدميره.

ولا يتعلق الأمر هنا -منهجيًّا- بفرضيات وأسئلة تسعى لاستكشاف واقع ممارسات شبكات التواصل الاجتماعي في خضم الحرب الإسرائيلية على غزة، بل يتعلق بتبيان الأساليب الواضحة والخفية التي اتبعتها هذه الشبكات في التحكم بالرأي العام العالمي دعمًا للسرديات الإسرائيلية وسرديات حلفائها، ورصد جهودها في إبراز هذه السياسات وكأنها سياسات عادلة ومتناغمة مع أخلاقيات التواصل الاجتماعي الرقمي.

الإستراتيجية المنهجية

تجاوزت شبكات التواصل الاجتماعي منطق الهيمنة في تعاملها مع المحتوى الرقمي الفلسطيني، عبر التمييز الرقمي أو الفصل العنصري الرقمي، إلى منطق الإبادة الرقمية. من هنا، تنبع نجاعة التحليل النوعي للنظر في كيفية توظيف التكنولوجيا الرقمية والمغالطات المنطقية والقانونية من أجل دعم الجانب الإسرائيلي وصولًا إلى ما يمكن تسميته بـ"أنسنة الإبادة الجماعية" للرسائل التواصلية التي ينتجها الجانب الفلسطيني ومن يناصرونه، سعيًا لكشف الممارسات الإسرائيلية الممنهجة والمعلنة.

يتعزَّز هذا التحليل من خلال الاسترشاد بتقارير المنظمات الدولية التي تُعنى بحرية الرأي والتعبير، وترصد ممارسات شبكات التواصل الاجتماعي وسياساتها في التضييق على المحتوى الفلسطيني، والتمييز الرقمي ضد المؤثرين الذين ينتقدون الرواية الإسرائيلية، ومنع هذا المحتوى من الوصول إلى المستخدمين على نطاق عالمي للحيلولة دون تشكيل رأي عام دولي مُؤيِّد للفلسطينيين ومُندِّد بممارسات الاحتلال الإسرائيلي.

مدخل نظري: شبكات التواصل الاجتماعي والرأي العام العالمي

أولًا: نظرة في التواصل الاجتماعي الرقمي

يُعد التواصل الاجتماعي المتمثِّل في تواصل أفراد المجتمع فيما بينهم من أجل التعبير عن اجتماعهم وربط العلاقات فيما بينهم والحفاظ عليها، من خلال تبادل التحايا والاستفسار عن الحال والأُنس وتمهيد الأجواء لقيام روابط أسرية أو مهنية أو اجتماعية، قديمًا قدم الإنسانية ولا يخلو منه أي مجتمع مهما كان نمط حياته. وعندما اقتحمت الرقمنة مجال التواصل الاجتماعي، عبر ظهور شبكات التواصل الاجتماعي في بدايات هذا القرن، تطور هذا النوع التواصلي (في مقارنة بالتواصل الإعلامي أو التواصل التعليمي أو التواصل المهني أو التواصل الإعلاني-الترويجي) وبات شاملًا لمختلف أنواع التواصل ومُدْمِجًا لها في فضاءاته التي اجتذبت أكبر قدر من سكان المعمورة، حتى أصبحنا أمام ظاهرة غير مسبوقة يمكن أن نطلق عليها تسمية "التواصل الكلي"؛ إذ ينخرط جلُّ سكان العالم في علاقات تواصلية لا تُعيقها الحدود المكانية أو الزمانية أو القانونية.

ويُعرِّف قاموسا "كامبريدج" و"أكسفورد" وسائل التواصل الاجتماعي بـ"مواقع الويب والبرمجيات الحاسوبية التي تسمح للأشخاص بالتواصل ومشاركة المعلومات والآراء والصور ومقاطع الفيديو وما إلى ذلك عبر الإنترنت، وخاصة مواقع شبكات التواصل الاجتماعي"(1)، و"مواقع الويب والبرمجيات التي تُستخدَم في الشبكات الاجتماعية، مثل فيسبوك وإنستغرام"(2)، على التوالي.

ويُعرِّف بعض الباحثين مواقع الويب الخاصة بشبكات التواصل الاجتماعي بـ"الخدمات التي تستند إلى الويب، وتسمح للأفراد (أولًا) بإنشاء ملف تعريف عام أو شبه عام داخل نظام محدد، و(ثانيًا) صياغة قائمة بالمستخدمين الآخرين الذين يُشاركون معهم اتصالًا، و(ثالثًا) عرض قائمة اتصالاتهم وتلك التي أنشأها الآخرون داخل النظام"(3). ولا شك أن الخدمات التي تُقدِّمها شبكات التواصل الاجتماعي لا تقتصر على ملفات التعريف وقوائم المستخدمين وقوائم الاتصالات، بل تجاوزتها كثيرًا لتصبح فضاءات إعلامية تسمح للمستخدمين بممارسة التواصل الإعلامي من خلال توظيف إمكانيات الوسائط المتعددة والقيام بدور الناشرين الإعلاميين.

وتُحدِّد الباحثتان، أليسون هندرسون (Alison Henderson) وراشيل بولي (Rachel Bowley)، وسائل التواصل الاجتماعي في "التطبيقات والتقنيات التعاونية عبر الإنترنت التي تُتيح للمستخدمين المشاركة والاتصال فيما بينهم، وتبادل المحتوى الذي يُنشِئُونه ومشاركة المعلومات والتعاون. وتشمل هذه الوسائل مواقع الشبكات الاجتماعية، والويكي، والمدونات، والبودكاست، ومنصات الفيديو، والتصنيفات الشعبية، والعوالم الافتراضية عبر الإنترنت..."(4).

تتفق التعريفات أعلاه لوسائل التواصل الاجتماعي على ملمح جوهري ودعامة أساسية تتمثَّل في استخدام التقنيات المتاحة عبر الإنترنت. واتباعًا لأيديولوجية الشفافية والمشاركة والتكامل التي تتبنَّاها تقنية الويب 2.0، تسمح العديد من التطبيقات (مواقع الويب، والتطبيقات المحمولة، والأنظمة عبر الإنترنت) بالتكامل البرمجي مع تطبيقات الويب 2.0 الأخرى. ومن الممكن القول: إن تعريف وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن يتضمن المكون التكنولوجي (الإنترنت والتنقل)، والمكون الأيديولوجي (الشفافية والمشاركة والتكامل)، فضلاً عن المكون الوظيفي(5).

وحتى يستوفي التعريف كافة أغراض هذا البحث وغيره من البحوث التي تنظر في الجوانب التواصلية والفلسفية لوسائل التواصل الاجتماعي، مع التركيز على شبكاته، نحتاج إلى تعريف ينظر إلى أبعد من الطابع التقني-الرقمي وصولًا إلى عمق التواصل الاجتماعي باعتباره توجُّهًا تواصليًّا مهيمنًا عالمي النزعة، له القدرة الفائقة على الإحاطة بمختلف الأغراض التواصلية التي يحتاجها الإنسان في الحياة المعاصرة. ومن ثم يمكن تعريف وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها الفضاءات الرقمية التي يمكن الولوج إليها عبر شبكتي الإنترنت والويب، واستخدامها للتواصل الاجتماعي بكيفية تسمح بتمثُّل جلِّ المظاهر والعلاقات الاجتماعية على نطاق عالمي تجاوزًا لحدود المكان والزمان والهوية، فضلًا عن استثمار هذا التواصل في تعزيز أنواع التواصل الأخرى.

ثانيًا: مفهوم الرأي العام

يُفهَم من مصطلح الرأي العام أن رأيًا ما انتشر بين عامة الناس فتبنَّوه حتى أصبح يُعبِّر عنهم؛ ذلك أن العموم هنا يفيد الكثرة والشمول، وليس الارتباط بالدولة أو الحكومة (مثلما هو الشأن مع مصطلح القطاع العام). هكذا تُكسِبه صفة العمومية قوة وسلطة جماهيرية يصعب تجاوزها من طرف المعنيين بالأمر.

لقد تأسَّس مفهوم الرأي العام باعتباره مجموعة تجريبية من الآراء والأفكار والأجندات الفردية بين السكان البالغين. وقد استُخدِم المفهوم لمعالجة مجموع الآراء التي يُدلي بها الأشخاص المختلفون فيما بينهم، وليس بشكل فردي، وكيف يؤثر مجموع هذه الآراء على المجتمع(6). وقد اكتسب المفهوم قبولًا في القرن الثامن عشر مع ظهور المجال العام الذي تركز على التنوير في أوروبا. وقد اشتق المصطلح الإنكليزي (Public opinion) من المصطلح الفرنسي (l’opinion publique) الذي صاغه ميشيل دو مونتين (Michel de Montaigne) في عام 1588(7).

وعلى صعيد التعريف الاصطلاحي، هناك من يرى أن الرأي العام هو مجموع الآراء والمواقف والمعتقدات الفردية حول موضوع معين، والتي يُعبِّر عنها جزء كبير من المجتمع. ويُعامل بعض العلماء هذا المجموع باعتباره توليفة من آراء كل أو جزء معين من المجتمع، ويُحدِّده آخرون بمجموعة من الآراء المختلفة أو المتعارضة(8[A1] ). 

ثالثًا: التواصل الاجتماعي والرأي العام   

ثمة ما يُثير الانتباه في التحولات التي طرأت على شبكات التواصل الاجتماعي؛ إذ انطلقت من فضاءات مجانية تُتيح للمستخدمين عبر العالم إمكانية التعبير عن الذات عبر التواصل مع الآخرين، ثم إمكانية التَّكَسُّب من هذا التواصل من خلال توسيع شبكة الأصدقاء والمتفاعلين والمساهمين في نشر المحتوى عبر التمرير والمشاركة وإعادة التغريد، وصولًا إلى إنتاج المحتوى المنافس لوسائل الإعلام التقليدية، خاصة فيما يتعلق بالغرابة والخروج عن المألوف بفضل عدم التقيُّد بأخلاقيات المهن الإعلامية.

يتجلى تأثير شبكات التواصل الاجتماعي في مجتمع اليوم من خلال إتاحة التفاعل بين المستخدمين في جميع أنحاء العالم، وتبادل الأفكار والآراء ونشرها ومشاركتها. ويؤشر على هذا التأثير أيضًا تناسل عدد منصات التواصل الاجتماعي وزيادة عدد مستخدميها، واتساع نفوذ وسلطة الإعلام الاجتماعي. وتُثير الزيادة المطردة في الاستخدام اهتمامًا خاصًّا، لذلك تحتاج إلى مراقبتها؛ لأن منصات التواصل الاجتماعي تمتلك بالفعل قدرًا هائلًا من القوة. ويمكن رصد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على التغيير السياسي والمجتمعي من خلال فحص شروط الخدمة وعادات وآراء وسلوك مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، جنبًا إلى جنب مع البناء الاجتماعي للمعلومات السياسية وعلاقتها بالتغيير السياسي والمجتمعي(9).

هكذا باتت شبكات التواصل الاجتماعي تهيمن على المجال العام بفضل الملايين من منتجي المحتوى القادرين على استقطاب المستخدمين ليُشكِّلوا معًا ظاهرة تواصلية عالمية غير مسبوقة لا قِبل لوسائل الإعلام التقليدية في مجاراتها ومنافستها. لقد تحوَّلت شبكات التواصل الاجتماعي الرقمي من مجال التواصل الاجتماعي إلى التواصل الإعلامي، فأصبحت تصنع الرأي العام العالمي بطرق أكثر نجاعة مقارنة بوسائل الإعلام التقليدية. ولا تبدو في حاجة إلى نظريات الإعلام الخاصة بتشكيل الرأي العام وهندسته والتحكم فيه؛ لأن في معيتها التكنولوجيات اللازمة لتوظيف الخوارزميات المُعزَّزة بالذكاء الاصطناعي في التحكم في الرأي العام وأتمتته بطرق أكثر فعالية من حيث سعة الانتشار وتنوع الوسائط التواصلية والتأثير اللحظي.

لقد بيَّنت بعض الدراسات أن وسائل التواصل الاجتماعي تقوم بدور فعَّال في تشكيل الرأي العام في مختلف المجالات، من خلال تمكين الأفراد والجماعات من التفاعل مع بعضهم البعض وتبادل المعلومات والمشاركة في المناقشات التي تُشكِّل وجهات نظر جماعية حول القضايا المختلفة. كما يتشكَّل الرأي العام من خلال تبادل المعلومات والآراء المطروحة عبر هذه المنصات، مثل المعلومات والآراء ذات الطابع الاقتصادي(10). أما في المجال السياسي، فهناك من يرى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أثَّرت في مشاعر عامة الناس تجاه القضايا السياسية؛ إذ أصبحت أداة فعَّالة للتأثير في كيفية تفكير الناس في القضايا السياسية؛ لأنها تمكِّنهم من مشاركة الحقائق والأفكار بسرعة وسهولة(11). فقد كانت السرديات التي تُسهِم في تشكيل الرأي العام في الماضي تُهيمن عليها وسائل الإعلام التقليدية، والتي تتعامل مع الضوابط والقيود المفروضة على حقها في حرية التعبير. أما وسائل التواصل الاجتماعي فقد أوجدت منتدى بديلًا للمواطنين لمناقشة السياسة ومشاركة الأخبار والتعبير عن آرائهم. وقد أتاح هذا إمكانية سماع مجموعة متنوعة من وجهات النظر، مما أدى إلى تقويض هيمنة وسائل الإعلام التقليدية وتشجيع محادثة عامة أكثر تنوعًا(12) تُفضي إلى تشكيل آراء عامة. وثمة من يرى أن شبكات التواصل الاجتماعي تستطيع أن تُزوِّدنا بمقاييس للرأي العام على نطاق جغرافي وزمني واسع، وبموضوعية تتجاوز إلى حدٍّ كبير أي شيء يمكننا قياسه بوسائل أخرى(13).

عند النظر في الأهداف التي تنطلق منها شبكات التواصل الاجتماعي في علاقتها بالرأي العام، يمكن تقسيمها إلى هدفين رئيسين: 

1. تغيير حالة غير مرغوب فيها من خلال تعزيز رأي جماعي من شأنه أن يُمكِّن عامة الناس من التجمع معًا للتعبير عن آرائهم حول القضايا الاجتماعية أو السياسية وإطلاق الحركات الاجتماعية.

2. تعزيز تصور متفائل للعلامة التجارية أو العمل في ذهن المستخدمين. لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أكثر تأثيرًا في الرأي العام منذ أن أحدثت الثورة التكنولوجية ثورة في أسلوب حياتنا والطريقة التي نتبادل بها المعرفة(14).

إذن، تمتلك وسائل التواصل الاجتماعي القدرة على التأثير في السلوك العام وتحديده. فانطلاقًا من نموذج ترتيب الأجندة، يمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لتحديد المعلومات التي تتم مناقشتها، ومن ثم يمكنها التأثير في وجهات نظر المستخدمين للموافقة عليها واتباع ما يقوله صانعها(15).

هكذا تحوَّلت شبكات التواصل الاجتماعي إلى أرحب فضاء لِتَشَكُّل الرأي العام العالمي وتشكيله من حيث الكم والتنوع والفعالية المتمثلة في الفورية وتوظيف كافة الوسائط التواصلية في التفاعل. وبما أن شبكات التواصل الاجتماعي لا تعمل بالطرق التي تستخدمها وسائل الإعلام التقليدية في صناعة الرأي العام والتحكم فيه، مثل: حراسة البوابة التي تسمح بنشر المعلومات المنسجمة مع السياسات التحريرية لتلك الوسائل وأجندتها، فإنها تضطر لفرض رقابة متزامنة مع عمليات النشر أو رقابة بعدية تحت مظلة سياسات احترام الخصوصية ومعايير المجتمع وشروط الخدمة، وسياسات المحتوى، واستخدام اللغة الفظَّة.

إن الفلسفة التي بُنِيت عليها شبكات التواصل الاجتماعي، والقائمة على توفير فضاءات صالحة لممارسة حرية التعبير وإتاحتها للجميع، تجعل من الفعل الرقابي المسنود بالقوى النافذة انتكاسة وتناقضًا وتراجعًا عن المكاسب التي تحققت خلال العقدين الأخيرين منذ أن أُنْشِئَت شبكة فيسبوك عام 2004. ولا تقتصر الرقابة على حظر المحتوى الذي ينتهك حقوق الآخرين، بل يتعداه إلى الدخول في المنطقة الضبابية التي تجعل بعض الدول والقوى النافذة تفرض محظوراتها السياسية ضمن لوائح شبكات التواصل الاجتماعي الموجبة لفعل الرقابة.  

2. آليات شبكات التواصل الاجتماعي للتحكم في الرأي العام

تنتهج شبكات التواصل الاجتماعي مجموعة من الإجراءات والأساليب التي تُمكِّنها من التحكم في الرأي العام العالمي وقيادته وتوجيهه نحو أهداف مخصوصة تندرج ضمن سياسات الهيمنة الحديثة. وهنا، لا يقتصر التحكم على الرأي العام الذي يرتبط بالقضايا السياسية والاجتماعية، بل يتعداه إلى القضايا الاقتصادية المتمثلة في تكريس هيمنة شركات تجارية بعينها عبر توظيف بيانات المستخدمين لشبكات التواصل الاجتماعي في تمكين هذه الشركات من الترويج لسلعها وخدماتها، حتى يُصبح المستخدم أسيرًا لهذا الترويج الذكي الذي يسعى لتلبية حاجيات المستخدم/المستهلك حتى قبل أن يُفصح عنها.

وتتجلى إجراءات شبكات التواصل الاجتماعي الخاصة بالتحكم التقني في الرأي العام في استخدام الذكاء الاصطناعي، والتحكم القانوني بوضع اللوائح المتعلقة بالخصوصية، والطرق المثلى لاستخدام الشبكة، وحقوق المستخدم وواجباته.

أولًا: استخدام الذكاء الاصطناعي

تستخدم الشركات المالكة لوسائل التواصل الاجتماعي عددًا من الخوارزميات وأنظمة الذكاء الاصطناعي للتوصية بمحتوى مخصوص لدى المستخدمين، أو تعديل المحتوى على منصاتها، بالإضافة إلى أداء مجموعة متنوعة من الوظائف الأخرى؛ إذ تقوم "أنظمة التوصية الخوارزمية" (Algorithmic Recommendation Systems) بفرز المحتوى الذي يُعد مناسبًا لمستخدمين محددين وتنظيمه ونشره. كما تُسْتخدَم "أنظمة تعديل المحتوى الخوارزمية" (Algorithmic Content Moderation Systems)، جنبًا إلى جنب المشرفين البشريين، في تحديد وتقييد المواد والمحتوى غير القانوني الذي ينتهك سياسات الشركة وشروط الاستخدام والخدمة. وقد تستخدم شركات وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا الخوارزميات لأغراض أخرى، مثل استهداف وتقديم الإعلانات الرقمية، أو توفير خدمات البحث داخل شبكة التواصل المعنية(16).

ولعل شبكات التواصل الاجتماعي من أكثر الكيانات الرقمية توظيفًا للذكاء الاصطناعي في إدارة عملياتها التي يُنفذها ملايين المشتركين، والتي يستحيل مراقبتها بالطرق التقليدية من قِبَل مراقبين بشريين. وتكمن صعوبة التحكم في المحتوى بشكل فعَّال، من خلال منصات التواصل الاجتماعي، في نشوء العديد من القضايا نتيجة لحجم المعلومات، والطبيعة الثقافية والسياقية لتلك المعلومات، والفروق الدقيقة في التواصل البشري(17). وهنا، يبرز دور الرقابة الخوارزمية التي عرَّفتها الباحثة رافالي محيى الدين تعريفًا موسعًا، وتشير إلى "استخدام المنصات والسلطات عبر الإنترنت للعمليات والخوارزميات الآلية للتحكم في أو تصفية أو تقييد نشر المعلومات عبر الإنترنت. وهي تنطوي على استخدام أساليب حسابية لتنظيم تدفق المعلومات على المنصات عبر الإنترنت. وتمتد إلى ما هو أبعد من أشكال الرقابة التقليدية، وتتضمن أنظمة صنع القرار الآلية التي يمكن أن تؤثر في رؤية المحتوى. وقد تمَّ تصميم هذه الخوارزميات لتحديد وتعزيز أو قمع محتوى معين بناءً على معايير محددة مسبقًا. ويمكن أن تؤثر الرقابة الخوارزمية في أشكال مختلفة من المحتوى عبر الإنترنت، بما في ذلك المقالات الإخبارية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي ومقاطع الفيديو..."(18).

لقد استعارت الأكاديمية جينيفر كوبي (Jennifer Cobbe)، أستاذة القانون والتكنولوجيا في جامعة كامبريدج، مصطلح "التحكم" (Governmentality) من الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو (Michel Foucault) لتسقطه على الرقابة الخوارزمية ليصبح لدينا ما يمكن تسميته بـ"التحكم الخوارزمي" القائم على العقلانية والقوة التكنولوجية؛ الأمر الذي ينتج عنه رقابة واسعة النطاق على المحتوى. وتتضمن هذه الرقابة: التتبُّع الشامل، وتحليل البيانات الوصفية، التي تصف سلوك المستخدمين فيما يتعلق بالمحتوى، والمستخدمين الآخرين، والمنصة نفسها، وذلك من أجل استخدام معرفة هذا السلوك لمحاولة تعديله(19). 

ويمكن التمييز بين شكلين رئيسين للتعديل الخوارزمي للمحتوى المنشور عبر شبكات التواصل الاجتماعي: مطابقة المزج (Hash-matching)، ومصنفات الذكاء الاصطناعي. وتُعد مطابقة المزج أداة تشفير تُستخدم لإزالة نسخ دقيقة أو شبه دقيقة من المحتوى الذي تمَّ تحديده مسبقًا بواسطة المشرفين. وتعمل عن طريق إنشاء "رمز تجزئة" خاص بملف معين، عادةً ما يكون صورة أو مقطع فيديو. ولاحقًا، تُنتج النسخ المتطابقة (أو شبه المتطابقة) الرمز نفسه؛ إذ يمكن مطابقتها بكفاءة مع قواعد بيانات المحتوى الذي أُزِيل سابقًا. ويتم استخدام أدوات مطابقة المزج بشكل بارز لمعالجة مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال والمحتوى المتعلق بالإرهاب. وفي كلتا الحالتين، تتمتع المنصات بحوافز تجارية وتنظيمية للتعاون لمراقبة مثل هذا المحتوى بشكل فعَّال(20). لكن بيَّنت إحدى الدراسات أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي تُعد أقل إنصافًا من البشر فيما يتعلق باتخاذ قرارات تعديل المحتوى أو حذفه(21).

قد يرى البعض أن أبرز إيجابيات استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي في مراقبة محتوى شبكات التواصل الاجتماعي تكمن في القضاء على كميات كبيرة من المحتوى غير اللائق، قبل أن يصل إلى مشرف بشري لمزيد من المراجعة. وهذا يحمي الموظفين من التعرض المستمر للعنف المزعج ونظريات المؤامرة، أي إن هذه الخوارزميات تعمل على تقليل الاعتماد على المشرفين البشريين وزيادة سرعة ونطاق تعديل المحتوى الفعال. أما أبرز سلبياتها، فتتمثَّل في أن هذه الخوارزميات قد تتوصل إلى استنتاجات غير صحيحة بسبب صعوبة معرفة النوايا والسياقات الكامنة وراء محتوى وسائل التواصل الاجتماعي. ولهذا السبب لا تزال هناك حاجة إلى نهج بشري لضمان دقة إزالة المحتوى(22).

هناك جانب آخر في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لخوارزميات الذكاء الاصطناعي في تشكيل الرأي العام وتوجيهه، يتمثَّل فيما يسمى بـ"خوارزميات اقتراح المحتوى" (Algorithmic Content Suggestions)، التي تُساعد وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز شعور المستخدمين -شبه الإحصائي- بآرائهم الخاصة التي تعكس آراء الأغلبية، وتقليل الخوف من العزلة، وزيادة الرغبة في التحدث علنًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا يعني أن تعاظم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يحقق عددًا من الأهداف والغايات: (أ) يجعل المستخدمين يدركون بشكل متزايد أن آراءهم الخاصة تمثِّل آراء الأغلبية، (ب) ينخفض ​​الخوف من العزلة؛ (ج) تزداد الرغبة في التحدث علنًا عن القضايا العامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي(23)، وهو ما يُسمِّيه بعض الباحثين بـ"دوامة التعبير" في البيئة الرقمية التي تُعزِّز من إقبال المستخدمين على التعبير عن آرائهم وأفكارهم ومشاعرهم، وهي تبدو نقيضًا لأطروحة "دوامة الصمت"، لاسيما في سياق التحولات الاجتماعية والسياسية الكبرى؛ إذ يصبح الجميع معنيًّا بإبداء الرأي والمشاركة السياسية. 

وقريب من خوارزميات اقتراح المحتوى، هناك "خوارزميات التوصية" (Recommendation Algorithms)، والتي تنقسم إلى ثلاث فئات رئيسة وفقًا لطريقة التصفية التي تستخدمها. أولًا: يمكنها استخدام التصفية التعاونية، التي تحدد تفضيلات مجموعة كبيرة من المستخدمين ثم توصي بالمحتوى بناءً على هذا المنطق: "إذا كان لدى المُسْتَخْدِمَيْن (أ) و(ب) تفضيل مماثل في منتج ما، فمن المرجح أن يكون لدى (أ) و(ب) تفضيل مماثل في منتجات أخرى أيضًا". ثانيًا: يمكن لخوارزميات التوصية استخدام التصفية القائمة على المحتوى. وتُركز هذه الخوارزميات بشكل أكثر تحديدًا على تفضيلات وتاريخ المستخدم الفردي المستهدف، وتُوصي بالمحتوى الذي أظهر اهتمامًا به في السابق. ثالثًا: يمكن لخوارزميات التوصية استخدام أنظمة هجينة، والتي تَستخدِم عناصر التصفية التعاونية القائمة على المحتوى، إما عن طريق توفير المدخلات لخوارزميات متعددة بالتوازي والجمع بين النتائج أو عن طريق توفير المدخلات لخوارزمية واحدة قبل تمرير الناتج إلى أنظمة أخرى بالتتابع. هذه التقنيات التي تكمن وراء أنشطة شبكات التواصل الاجتماعي، دفعت بعض رجال القانون للمطالبة بالحق في معرفة خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي طالما تؤثر في قدرة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي على المشاركة في العملية الديمقراطية، وعلى السلامة العامة والمساواة الاجتماعية(24).

ثانيًا: التحكم عبر اللوائح القانونية

درجت الشركات المالكة لشبكات التواصل الاجتماعي على وضع وسنِّ تشريعات ولوائح تُحدِّد لمستخدميها شروط التسجيل والاستخدام، وتتضمن واجبات المستخدم وحقوقه، أخذًا في الاعتبار القوانين والمواثيق الدولية التي يستدعيها الطابع العولمي لنطاق عمل هذه الشبكات. وتستفيد هذه الشركات من الثغرات التي لا تخلو منها التشريعات واللوائح في مستوى التطبيق، فتُمرِّر عبرها أجندة وسياسات خفية خاصة بها تُمكِّنها من تحقيق أرباح طائلة، حتى وإن كانت الخدمات التواصلية التي تُقدِّمها للمستخدمين تبدو -ظاهريًّا- مجانية. كما تُمكِّنها من التحكم في المعلومات التي ينشرها المستخدمون، والآراء التي يُعبِّرون عنها، والمواقف والاتجاهات التي يتخذونها؛ الأمر الذي يُشكِّل في مجموعه صناعة الرأي العام التي تجد لها رواجًا لدى جهات دولية وإقليمية ووطنية قادرة على التأثير في شركات شبكات التواصل الاجتماعي.

فعلى سبيل المثال، تُقدِّم شركة "ميتا" المالكة لشبكتي فيسبوك وإنستغرام -وهما من أبرز شبكات التواصل الاجتماعي- لوائح مفصلة خاصة بشبكة فيسبوك تتضمن: شروط الخدمة، وعناصر التحكم في الإعلانات، ومركز الخصوصية، وسياسة ملفات تعريف الارتباط، وسياسة الخصوصية، ومركز الشفافية.

ففي مقدمة شروط الخدمة، تورد "فيسبوك" هذا النص: "تحكم هذه الشروط استخدامك لفيسبوك وماسنجر والمنتجات والميزات والتطبيقات والخدمات والتقنيات والبرامج الأخرى التي نوفرها (منتجات ميتا أو المنتجات)، ما لم نوضح صراحةً أنه يتم تطبيق شروط أخرى مستقلة (خلاف هذه الشروط)"(25).

هكذا تذكر "ميتا" عبارة: "ما لم نوضح صراحةً أنه يتم تطبيق شروط أخرى مستقلة (خلاف هذه الشروط)"، وهو يترك الباب مواربًا حتى تمرَّ شروط أخرى في غفلة من المستخدمين.

وتضيف بتفصيل فيما يخص مصادر دخلها واستخدامها لبيانات المستخدمين: "لا نُحصِّل أي رسوم منك مقابل استخدام فيسبوك أو المنتجات والخدمات الأخرى التي تغطيها هذه الشروط، ما لم نذكر خلاف ذلك. وبدلًا من ذلك، تدفع لنا الأنشطة التجارية والمؤسسات وغيرها من الأشخاص رسومًا نظير عرض إعلانات منتجاتها وخدماتها عليك. باستخدامك لمنتجاتنا، فإنك توافق على أنه يمكننا أن نعرض عليك إعلانات نرى أنها قد تكون ملاءمة لك ولاهتماماتك. نحن نستخدم بياناتك الشخصية لمساعدتنا في تحديد الإعلانات ذات الطابع الشخصي التي نعرضها عليك"(26).  

إذن، يوضح النص أعلاه المفارقة بين عدم تحصيل رسوم من المستخدم -لأنها تحصل عليها من المعلنين- والإقرار باستخدام البيانات الشخصية للمستخدم في تحديد الإعلانات التي ستُعرض عليه، والتصريح بأنها لا تبيع البيانات الشخصية للمعلنين! كما ورد في هذا النص: "لا نبيع بياناتك الشخصية للمعلنين، ولا نُشارك المعلومات التي تُحدِّد هويتك مباشرة (مثل اسمك أو عنوان بريدك الإلكتروني أو معلومات الاتصال الأخرى) مع المعلنين ما لم تمنحنا إذنًا محددًا بذلك. بدلًا من ذلك، يمكن للمعلنين إخبارنا بأشياء مثل نوع الجمهور الذي يرغبون في عرض إعلاناتهم عليه، ونقوم نحن بعرض هذه الإعلانات على أشخاص قد يكونون مهتمين. نوفر للمعلنين تقارير حول أداء إعلاناتهم لمساعدتهم على فهم كيفية تفاعل الأشخاص مع المحتوى الذي ينشرونه"(27).

وهنا، تتغافل شركة "ميتا" عن حقيقة أن النتيجة النهائية لبيع بيانات المستخدم للمعلنين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، واحدة، وتُفهم في إطار التعهيد باعتبار أن "ميتا" ستتقن هذا العمل أكثر من المعلن وإِنْ حصل على البيانات الشخصية للمستخدم. وطبعًا لا تتناول الشركة الاستخدامات المحتملة الأخرى لبيانات المستخدمين، والتي قد تشمل الاستخدامات السياسية والأمنية والإجرامية (من طرف المجرمين).

أما شبكة "إنستغرام" فتمنح نفسها كامل الحقوق في استخدام المحتوى الذي يُنْشِئُه المستخدم وينشره؛ الأمر الذي يُمهِّد لها مختلف الطرق للتحكم في المستخدمين، ولاسيما المحتوى بالميول والتوجهات والآراء التي تتجاوز تحقيق المداخيل عبر الإعلانات. وتورد الشبكة في سياساتها -تحت عنوان: "شروط الاستخدام: التزاماتك"- تفاصيل مهمة تُبيِّن حجم هذا التحكم: "لا ندَّعي ملكيتنا للمحتوى الذي تُقدِّمه، وإنما تمنحنا إذنًا لاستخدامه. لا يتغير أي شيء فيما يتعلق بحقوقك المرتبطة بالمحتوى الذي تُقدِّمه. نحن لا ندَّعي ملكية المحتوى الذي تنشره على أو من خلال الخدمة، ولك مطلق الحرية في مشاركة المحتوى الخاص بك مع أي شخص آخر، في أي مكان تريده. مع هذا، فإننا نحتاج إلى الحصول منك على أذونات قانونية معينة (تعرف باسم "ترخيص") لتوفير الخدمة". وعلى الرغم من هذه الحرية التي يمتلكها المستخدم في التصرف إزاء المحتوى الذي يُنْشِئُه، فإن شبكة "إنستغرام" تحتفظ بحق التصرف فيه: "عندما تقوم بمشاركة محتوى يخضع لحقوق الملكية الفكرية (مثل الصور أو مقاطع الفيديو) أو نشره أو تحميله على أو في خدمتنا أو بأي طريقة ذات صلة بخدمتنا، فإنك تمنحنا بموجب هذه الشروط ترخيصًا دوليًّا غير حصري، وغير خاضع لأي رسوم امتياز، وقابلًا للنقل، وقابلًا للترخيص من الباطن لاستضافة المحتوى واستخدامه وتوزيعه وتعديله وتشغيله ونسخه وتقديمه أو عرضه على العامة وترجمته وإنشاء أعمال مشتقة منه (بما يتوافق مع إعدادات الخصوصية والتطبيق التي تقوم بتعيينها). وتنتهي صلاحية هذا الترخيص عندما يتم حذف المحتوى الخاص بك من أنظمتنا"(28).

وفي الجانب الآخر، نجد عملاق الويب والتواصل الاجتماعي شركة "غوغل"، التي تهيمن على عمليات البحث عن المعلومات عبر محركها، ومقاطع الفيديو عبر شبكة "يوتيوب"، تضع شروطًا قانونية تجعل منها بيئة حيوية لا يستطيع المستخدم الخروج منها، وإلا فَقَدَ ميزة التواصل الفعَّال عبر شبكة الويب.

لقد أوردت "غوغل"، ضمن شروط الخدمة في المادة (11) التي ترتبط بـ"محتويات الترخيص" للمستخدم، وتحديدًا في البنود الثلاثة الأولى، ما يلي:

1. إنك تحتفظ بحق التأليف وأية حقوق أخرى تملكها مسبقًا في المحتويات التي تُسلِّمها أو تنشرها أو تعرضها في أو من خلال الخدمات. وتمنح غوغل، من خلال تسليم أو نشر أو عرض المحتويات، ترخيصًا دائمًا وغير قابل للنقض وفي كل أنحاء العالم وبدون رسوم وغير حصري بإعادة إنتاج وتكييف وتعديل وترجمة ونشر وتوزيع أي من المحتويات التي تسلمها أو تنشرها أو تعرضها في أو من خلال الخدمات. وهذا الترخيص هو فقط لغرض تمكين غوغل من عرض وتوزيع وترويج الخدمات ويمكن سحبه بالنسبة لخدمات معينة كما هو محدد ضمن الشروط الإضافية لتلك الخدمات.

2. إنك توافق على أن هذا الترخيص يشمل الحق لشركة غوغل في توفير تلك المحتويات للشركات والمؤسسات والأشخاص الآخرين الذين لشركة غوغل علاقة بهم لتوفير خدمات مشتركة واستعمال تلك المحتويات فيما يتعلق بتوفير تلك الخدمات.

3.  إنك تدرك أنه يمكن لشركة غوغل أثناء تأديتها للخطوات التقنية المطلوبة لتوفير الخدمات لمستخدميها: (أ) أن تُرسل أو تُوزع المحتويات الخاصة بك من خلال شبكات عامة متعددة وبمختلف الوسائط، (ب) تُجري التعديلات على المحتويات الخاصة بك اللازمة لجعلها تتوافق وتتكيف مع الاحتياجات التقنية لربط الشبكات والأجهزة والخدمات أو الوسائط. وإنك توافق على أن هذا الترخيص يمنح غوغل الحق في اتخاذ هذه الإجراءات(29).

وخلاصة هذه البنود الثلاثة أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تطورها شركة غوغل تستغل المستخدم في حالة كونه مرسلًا أو متلقيًا للرسائل التواصلية، وهذا الاستغلال قد يكون شاملًا وعميقًا يمس مختلف جوانب حياة المستخدم.

3. تعامل الشبكات الاجتماعية مع المحتوى الفلسطيني أثناء الحرب

لا تنفك الحرب عن الخطاب المُؤَسِّس لها والمُسَعِّر لنيرانها. وما ورد عن نصر بن سيار، الأمير الأموي والقائد العسكري والسياسي ورجل الدولة، "أن الحرب مبدؤها كلام"، يُعزِّز علاقة الحرب بالخطاب، ويُفسِّر التطورات التي شهدتها الحرب في وقتنا الحالي حتى أصبحت -بفضل التكنولوجيا- مجموعة من الحروب المتكاملة: حرب تقتل وتُدمِّر، وحرب تُضَلِّل وتُبرِّر، وحرب تحجب الحقيقة أو تُزيِّفُها، وأخرى تُخْرِس الألسن وتَحُدُّ من حرية التعبير.

من ناحية تقنية تستخدم الحروب، التي تخوضها أطراف الصراع عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مجموعة من الأسلحة الرقمية، أبرزها ستة: روبوت التواصل الاجتماعي (Bot)، وشبكة روبوتات التواصل الاجتماعي (Botnet)، والمتصيدون (Troll)، والتلاعب بالأشخاص والأحداث الحقيقية، والحساب شبه الروبوتي الذي يجمع بين الأتمتة والتحكم اليدوي (Cyborg)، والاختراق أو السرقة(30).

إن الحرب التي شنَّتها إسرائيل على قطاع غزة عقب عملية "طوفان الأقصى"، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لا تخرج عن توصيف الحرب في علاقتها بالخطاب بما فيه من سرديات وسباق نحو كسب المعارك التواصلية عبر مختلف الوسائل وباستخدام كافة الوسائط، وعلى رأسها وسائل التواصل الاجتماعي، وهي الأكثر والأقدر على نشر المعلومات على نطاق عالمي.

لقد اهتمت بعض المؤسسات الدولية برصد الانتهاكات التي تعرَّض لها الفلسطينيون خلال الحرب على غزة عبر منصات التواصل الاجتماعي، سواء تعلق الأمر بتقييد النشر أو محاصرته وطمسه الآثار الرقمية للمستخدمين أو الحرمان من النشر أو السماح بنشر خطاب الكراهية الموجَّه نحو الفلسطينيين. ومن أبرز هذه المؤسسات منظمة "هيومن رايتس ووتش"، التي وثَّقت -في تقرير بعنوان: "نكث الوعود: سياسات ميتا والرقابة على المحتوى المتعلق بفلسطين على إنستغرام وفيسبوك"- أكثر من 1050 حالة إزالة وقمع للمحتوى على "إنستغرام" و"فيسبوك" نشره فلسطينيون ومناصروهم، بما في ذلك محتوى عن انتهاكات حقوق الإنسان، بين أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2023. ومن بين الحالات التي تمت مراجعتها في هذا التقرير، كانت هناك 1049 حالة تتعلق بمحتوى سلمي لدعم فلسطين تم حظره أو حجبه بشكل غیر مبرر، بينما تضمنت حالة واحدة إزالة محتوى داعم لإسرائيل(31).

ويُلاحظ الباحث أن أبرز ما تضمنه تقرير "هيومن رايتس ووتش" هو الطابع المُؤَسَّسِي المُمَنْهَج في التضييق على المحتوى الفلسطيني؛ إذ يتسم هذا التضييق بالشمولية والعمق. وفي هذا السياق، حددت المنظمة "ستة أنماط رئيسة للرقابة غير المبرَّرة، يتكرر كل منها 100 مرة على الأقل، بما في ذلك 1- إزالة المنشورات والقصص والتعليقات، 2- تعليق الحسابات أو تعطيلها بشكل دائم، 3- القيود المفروضة على القدرة في التعامل مع المحتوى، مثل الإعجاب والتعليق والمشاركة وإعادة النشر على القصص، لفترة محددة تتراوح من 24 ساعة إلى ثلاثة أشهر، 4- القيود المفروضة على القدرة في متابعة أو وضع علامات على حسابات أخرى، 5- القيود المفروضة على استخدام ميزات معينة، مثل البث المباشر عبر فيسبوك وإنستغرام، وتحقيق الدخل، والتوصية بالحسابات لغير المتابعين، 6- الحظر الموارب (shadow banning)، وهو الانخفاض الكبير في ظهور منشورات الفرد أو قصصه أو حسابه دون إشعار بسبب انخفاض توزيع المحتوى أو وصوله أو تعطيل عمليات البحث عن الحسابات"(32).

ما ذكره تقرير "هيومن رايتس ووتش" يُعزِّزه المنشور الذي أوردته شركة "ميتا" في موقعها عبر الويب بعنوان: "جهود ميتا المستمرة فيما يتعلق بالحرب بين إسرائيل وحماس" باللغات الإنكليزية والعبرية والعربية، بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتضمن مجموعة من الإجراءات التي اتخذتها الشركة بُعَيد اندلاع الحرب(33):

- سرعان ما أنشأنا مركزًا للعمليات الخاصة يعمل به خبراء، بمن فيهم أشخاص لغتهم الأصلية العبرية والعربية، وذلك لمراقبة تلك الأوضاع سريعة التطور والاستجابة لها عن كثب في الوقت الفعلي. ويسمح لنا ذلك بإزالة المحتوى الذي ينتهك معايير أو إرشادات مجتمعنا بشكل أسرع، والعمل خط دفاع آخر في مكافحة المعلومات المُضَلِّلَة.

- نواصل فرض سياساتنا بشأن المنظمات الخطرة والأفراد الخطرين، والمحتوى العنيف والصادم، والخطاب الذي يحض على الكراهية، والعنف والتحريض، والمضايقة والإساءة، وتنسيق أنشطة ضارة.

- في الأيام الثلاثة التي تلت يوم 7 أكتوبر، قمنا بإزالة أكثر من 795 ألف من عناصر المحتوى أو تمييزها بأنها مزعجة بسبب انتهاك هذه السياسات باللغتين العبرية والعربية.

- بالمقارنة مع الشهرين السابقين، وفي الأيام الثلاثة التي أعقبت السابع من أكتوبر، قمنا بإزالة سبعة أضعاف من عناصر المحتوى يوميًّا بسبب انتهاكها سياسة المنظمات والأفراد الخطرين باللغتين العبرية والعربية فقط.

- تمَّ تصنيف حماس من قِبَل حكومة الولايات المتحدة منظمة إرهابية أجنبية وإرهابيين عالميين مصنفين تصنيفًا خاصًّا. كما تمَّ تصنيفها بموجب سياسة ميتا للمنظمات والأفراد الخطرين. وهذا يعني أن حماس محظورة على منصاتنا، ونقوم بإزالة محتوى الثناء والدعم الأساسي لها عندما نقوم باكتشاف ذلك، مع الاستمرار في السماح بالخطاب الاجتماعي والسياسي، مثل التقارير الإخبارية، والقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، أو النقاش الأكاديمي والمحايد والمُدِين.

- نؤكد أن سياساتنا وُضِعت لمنح الجميع حرية التعبير عن الرأي مع الحفاظ على أمان الأشخاص على تطبيقاتنا. ونُطبِّق هذه السياسات بغض النظر عمن ينشر أو معتقداته الشخصية، وليس في نيتنا مطلقًا قمع مجتمع أو وجهة نظر معينة.

- خطوات أقوى لتجنب التوصية بالمحتوى الذي يُحتمل انتهاكه للسياسات... كما نتخذ خطوات للحد من ظهور التعليقات التي يُحتمل أن تكون مسيئة ضمن المنشورات على فيسبوك وإنستغرام.

- العنف والتحريض: من أجل إعطاء الأولوية لسلامة الإسرائيليين المختطفين من قِبَل حماس، قمنا مؤقتًا بتوسيع نطاق سياسة العنف والتحريض وإزالة المحتوى الذي يُشير بوضوح إلى الرهائن عندما نتمكن من اكتشاف ذلك، حتى لو تمَّ نشره لإدانة وضعهم أو رفع الوعي به.

- حظر الهاشتاج: تماشيًا مع قواعدنا قمنا بتقييد بعض علامات الهاشتاج على إنستغرام بعد أن قيَّم فريقنا أن المحتوى المرتبط بها ينتهك إرشادات مجتمعنا باستمرار...

- فيسبوك لايف وإنستغرام لايف: ندرك أن فورية البث المباشر تجلب تحديات فريدة، لذلك لدينا قيود مطبقة على استخدام البث المباشر للأشخاص الذين انتهكوا سياسات معينة من قبل.

ومن المؤسسات المحلية التي اهتمت أيضًا بتتبُّع ورصد الانتهاكات الرقمية التي يتعرض لها المحتوى الفلسطيني، نجد مركز "حملة" (المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي) الذي رصد انتهاكات الحقوق الرقمية للفلسطينيين منذ اندلاع حرب أكتوبر/تشرين الأول 2023 عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي. وأشار في تقريره، الذي حمل عنوان: "إحاطة بشأن واقع الحقوق الرقمية الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023"، إلى ما أسماها بـ"التوجهات المثيرة" التي تمت ملاحظاتها على المنصات الرقمية فيما يخص الارتفاع غير المسبوق في خطاب الكراهية والتحريض لإسكات الأصوات المناصرة للقضية الفلسطينية. و"رصد مؤشر العنف، وهو نموذج لغوي مدعم بتقنيات الذكاء الاصطناعي طوَّره مركز حملة، أكثر من 590 ألف محتوى عنف وكراهية وتحريض، خاصة باللغة العبرية، وتركزت معظم هذه الحالات على منصة إكس"(34). وبلغ هذا الرقم باللغة العبرية 12241764، و724189 باللغة العربية، بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول 2024(35)، الأمر الذي يوحي بتزايد الانتهاكات.

هناك من يرى في العنف الموجَّه نحو الفلسطينيين عبر شبكات التواصل الاجتماعي مؤشرًا على تنامي العنصرية المعادية للفلسطينيين لدى الأميركيين بصفة خاصة، والغربيين بصفة عامة، بسبب الخلط بين معاداة السامية والنقد المشروع للجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين؛ الأمر الذي يؤدي إلى محاولة إسكات الأصوات الفلسطينية. وهناك بالفعل تقارير عن إزالة وحظر الخطاب الفلسطيني عبر منصات التواصل الاجتماعي، بينما يُسمح في الوقت نفسه باستخدام الخطاب العدائي والتحريضي ضد الشعب الفلسطيني من قِبَل المستخدمين الإسرائيليين (نزع الإنسانية عن الذات الفلسطينية، الدعوة إلى محو غزة وإبادة الفلسطينيين وتهجيرهم من أرضهم...). هكذا يبدو خطاب الكراهية والتحريض ضد الفلسطينيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي العبرية أكثر وضوحًا وانتشارًا، لاسيما في ظل غياب قيود من قِبَل شركات وسائل التواصل الاجتماعي(36) تضع حدًّا لهذه التجاوزات والانتهاكات.

إن العنف الموجَّه نحو الفلسطينيين عبر شبكات التواصل الاجتماعي ليس وليد الحرب الراهنة؛ إذ قامت منصة "فيسبوك" منذ فترة طويلة بدور بارز في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. فقد استخدم الإسرائيليون هذه المنصة، خلال الحرب على غزة في العام 2014، للتحريض على العنف. وعندما تجدَّد الصراع بين إسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية، في مايو/أيار 2021، واجهت "فيسبوك" ردود فعل عنيفة من منظمات حقوق الإنسان لإزالة المنشورات وحظر الهاشتاغات أثناء الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، في الوقت الذي أظهرت فيه وثائق داخلية أن المحتوى تمت إزالته بشكل خاطئ؛ لأن المسجد يشترك في الاسم مع منظمة خاضعة لعقوبات من قِبَل الحكومة الأميركية. كما واجهت منصة تويتر (إكس حاليًّا) انتقادات لتعليق الحسابات التي تنشر أخبارًا عن مداهمات المسجد، وقالت الشركة: إن التعليق تمَّ بشكل خاطئ بواسطة مرشح البريد العشوائي الآلي(37). 

وفي مجال انتهاك شبكات التواصل الاجتماعي للحقوق الرقمية للفلسطينيين، سواء تعلق الأمر بتصنيف المحتوى الفلسطيني باعتباره محتوى ضارًّا، أو تعرُّضه للإزالة أو التقييد، فقد رصد "مرصد الحقوق الرقمية الفلسطينية" منذ اندلاع الحرب على غزة (في الفترة ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 28 سبتمبر/أيلول 2024) 3936 انتهاكًا (انظر الرسم رقم 1). وشملت هذه الانتهاكات مختلف الفاعلين التواصليين، بينهم صحافيون ومدافعون عن حقوق الإنسان وناشطون وسياسيون ومؤثرون.

شكل 1: توزيع حالات انتهاك الحقوق الرقمية الفلسطينية عبر الشبكات الاجتماعية خلال الحرب على غزة (7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 – 28 سبتمبر/أيلول 2024)

1
مصدر البيانات: مرصد انتهاكات الحقوق الرقمية (حُر) https://7or.7amleh.org/charts

وقد تفوقت شبكتا "إكس" و"فيسبوك" على غيرهما في عدد الانتهاكات؛ إذ بلغت نسبة انتهاكات المنصة الأولى: 45.7%، والثانية: 36.7%، وهما المنصتان الأكثر تفضيلًا من قِبَل المستخدمين المهتمين بالمحتوى السياسي، وأيضًا الأكثر شبهًا بالفضاءات الإعلامية.

4. من الهيمنة إلى الإبادة الرقمية للمحتوى الفلسطيني

تؤكد البيانات والمعلومات والآراء والأفكار التي وردت في المحاور السابقة قدرة وسائل التواصل الاجتماعي وشبكاته على تشكيل الرأي العام العالمي وإدارته والتحكم فيه، عندما يتعلق الأمر بالجهات المهيمنة التي تمتلك قدرة التأثير في هذه الوسائل. ويكفي -على سبيل المثال- أن تُصنِّف الولايات المتحدة الأميركية حركة حماس منظمة "إرهابية" حتى تستجيب كبرى شبكات التواصل الاجتماعي لهذا التصنيف الذي يكاد يحيط بالمحتوى المتعلق بالحركة، فيُضَيَّق عليه الخناق سعيًا وراء إبطال السرديات المؤيِّدة والمتعاطِفة.

وهناك مثال آخر على الهيمنة والتأثير الذي يبدو من خلال التعاون الاستخباري الرقمي بين هذه الشبكات وإسرائيل؛ إذ تعمل منصات التواصل الاجتماعي مع "وحدة السايبر الإسرائيلية"، وهي مكتب حكومي أُنْشِئ لإصدار الطلبات للمنصات لإزالة المحتوى الذي يُعتبر تحريضًا على العنف والإرهاب، فضلاً عن أي ترويج لمجموعات تُصنَّف على نطاق واسع "إرهابية". فقد أرسلت هذه الوحدة، بين السابع من أكتوبر/تشرين الأول والرابع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ما مجموعه 9500 طلب إزالة إلى منصات التواصل الاجتماعي، 60% منها إلى شركة "ميتا" بمعدل استجابة بلغ 94%. ولطالما تفاخرت وحدة السايبر بأن طلبات الإزالة الخاصة بها تؤدي إلى معدلات امتثال عالية تصل إلى 90% عبر جميع منصات التواصل الاجتماعي(38).

إن التضييق الذي تقوم به شبكات التواصل الاجتماعي، التي تتسلح بالتكنولوجيات الرقمية الرفيعة وعلى رأسها خوارزميات الذكاء الاصطناعي، تنطلق من قاعدة أن "الشر يعم والخير يخص". فالتضييق على حماس يشمل كل ما يتعلق بفلسطين والفلسطينيين. فعلى سبيل المثال، رصد مركز "حملة" مجموعة من الممارسات التي قامت بها شركة "ميتا" مستهدفة المحتوى الفلسطيني عقب اندلاع الحرب على غزة؛ إذ لم يقتصر التضييق على المحتوى المكتوب، بل شمل الأيقونات التي ترمز إلى فلسطين، ومن بين تلك الممارسات:

- انخفاض عدد المشاهدات لقصص المؤثرين/ات؛ إذ يتم تأجيل عرضها تلقائيًّا وتفضيل قصص أخرى عليها؛ لأنها تحتوي على أخبار من صفحات أخرى.

- غيَّرت شركة "ميتا" إعدادات الظهور الافتراضية لجميع مستخدميها في المنطقة من "عام" إلى "الأصدقاء فقط"، وذلك للحد من عدد الأشخاص الذين يمكنهم قراءة المنشورات العامة والتعليق عليها.

- تغيير إعدادات التعليقات بالحد ممن يُمكنهم التعليق وحصرهم في دائرة الأصدقاء أو متابعي الصفحة لأكثر من 24 ساعة.

- حجب القدرة على التعليق بذريعة منع أنشطة غير محددة لحماية معايير مجتمع المنصة.

- ترجمة مفردة "فلسطيني" تلقائيًّا إلى "فلسطيني إرهابي"؛ الأمر الذي زعمت الشركة إصلاحه دون أي توضيح.

- اعتبار أيقونة العلم الفلسطيني رمزًا سلبيًّا/ضارًّا وإخفاؤه تلقائيًّا ضمن المنشورات "دون حذفه".

- التضييق المفرط على المحتوى العربي باعتباره منتهكًا لسياسات "ميتا"، بينما يُفْسَح في المجال للمضامين ذاتها إذا تمَّ التعبير عنها باللغة الإنكليزية.

- الإبقاء على وسوم عبرية تدعو لـ"محو غزة" (#למחוקאתעזה( دون رقيب أو حسيب رغم ما تتضمنه من تحريض سافر على العنف.

- في المقابل، سارعت شركة "ميتا "إلى إعمال مقصها الرقابي على وسم (#طوفان_الأقصى) باللغة العربية منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب؛ الأمر الذي لم تُقْدِم عليه بالنسبة للوسم الموازي في العبرية ( #חרבות_ברזל ((السيوف الحديدية)؛ إذ لم تر فيه انتهاكًا لسياساتها(39).

إن الهيمنة الرقمية لوسائل التواصل الاجتماعي على المحتوى الفلسطيني، والتي تجلت من خلال توظيف خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تتصيَّد المحتوى، والتشريعات القانونية التي تُبرِّر عمل تلك الخوارزميات، فضلًا عن السياسات والأجندة التي تضعها الشركات المالكة لوسائل التواصل الاجتماعي تحت تأثير الجهات المهيمنة، كل ذلك يجعل هذه الوسائل والمنصات تتجاوز مفهوم الهيمنة والسيطرة على المحتوى الفلسطيني، والتمييز أو الفصل العنصري الرقمي ضد ما يُنتِجه المستخدمون الفلسطينيون والمناصرون للرواية الفلسطينية، وتُمارس ما أصبح يُسمَّى بـ"الإبادة الرقمية"، التي تُعد شكلًا من إبادة المحتوى ضمن البيئة الرقمية التي عُرِفت بخصوصيتها الوجودية.

أولًا: مفهوم الإبادة

يعود مفهوم الإبادة إلى عصور قديمة شهدت حروبًا شرسة وصراعات دامية نتجت عنها انتهاكات جسيمة وتقتيل وإفناء ممنهج لجماعة إثنية أو قومية أو عنصرية أو دينية، ولكن يُنسب المصطلح الذي أَسَّس لدراسة هذه الممارسة إلى المحامي البولندي وأستاذ القانون الأميركي، رفائيل ليمكن (Raphael Lemkin)، الذي سَكَّ مصطلح "الإبادة الجماعية" عام 1944 من مفردتين الأولى يونانية (genos) وتعني العرق أو القبيلة، والثانية لاتينية (cide) وتعني تقتيل، وقصد بها "تدمير أمة أو مجموعة عرقية"(40).

لم يَقْصُر ليمكن مصطلح الإبادة الجماعية على التدمير المباشر والفوري للأمة، اللهم إلا إذا تعلق الأمر بقتل كافة أفرادها، بل ربطه بخطة منسقة تتضمن مجموعة من الأفعال التي تهدف إلى تدمير الأسس الرئيسة لحياة المجموعات الوطنية؛ الأمر الذي يقود إلى إبادتها، وذلك عبر تفكيك المؤسسات السياسية والاجتماعية المهتمة بالثقافة واللغة والمشاعر الوطنية والدين والوجود الاقتصادي، فضلًا عن تدمير الأمان الفردي والحرية والصحة والكرامة وصولًا إلى تدمير حياة الفرد الذي ينتمي للجماعة المستهدفة(41).

ويرى ليمكن أن فلسفة الإبادة تستند إلى إعلان الفيلسوف النازي الرسمي، ألفريد روزنبرج (Alfred Rosenberg)، أن "التاريخ ومهمة المستقبل لم يعد يعني صراع الطبقة ضد الطبقة، وصراع عقيدة الكنيسة ضد العقيدة، بل صراع الدم والدم، والعرق والعرق، والشعب والشعب"(42).

واستنادًا إلى السياسات والتدابير التي طبَّقها الاحتلال النازي أثناء الحرب العالمية الثانية، صنَّف الفقيه القانوني رافائيل ليمكن مجالات الإبادة الجماعية إلى ثمانية أنواع: سياسية، واجتماعية، وثقافية، واقتصادية، وبيولوجية، وجسدية، ودينية، وأخلاقية(43). ويفيد هذا التوسيع لمفهوم الإبادة الجماعية (جريمة الجرائم) عند ليمكن في رصد التمظهرات الجديدة للإبادة وصولًا إلى الإبادة الرقمية التي قد تتقاطع مع الأنواع الثمانية التي ذكرها المحامي والحقوقي البولندي عند الانتقال من الفضاءات التناظرية إلى الفضاءات الرقمية التي تسود في عصرنا الحالي.

هكذا، تبرز الحاجة إلى النظر في مصطلح "الإبادة الرقمية"، الذي بدأ في الانتشار ليشير إلى مفاهيم متباينة كالتوثيق الرقمي للإبادة (حرب الإبادة الرواندية، مثالًا)(44)، أو مجمل الانتهاكات والتجاوزات التي يتعرض لها المحتوى الرقمي الفلسطيني(45)، ومحاولة تعريفه تعريفًا يُسهِم في تمييزه عن المصطلحات التي قد تتداخل معه مفاهيميًّا، ويُساعد في دراسته دراسة منتظمة. 

ثانيًا: مفهوم الإبادة الرقمية

انطلاقًا من المفهوم الشامل للإبادة الجماعية الذي أرساه ليمكن وأَصَّله، وهو يشمل مختلف تجليات حياة الجماعة التي تتعرض للتدمير الممنهج كليًّا أو جزئيًّا، أو تدابير تُلحق الأذى الجسدي والروحي بأفراد هذه الجماعة، يمكن تعريف مصطلح الإبادة الرقمية تعريفًا يستوفي أغراض الدراسة الحالية وتعميمه على الحالات المشابهة. ويشير مفهوم الإبادة الرقمية ضمن سياق هذا البحث إلى استخدام الخوارزميات المُعَزَّزة بوكلاء البرمجيات في رصد المحتوى المنشور عبر الويب والتحكم فيه والتضييق عليه ومحاصرته، أو طمس آثاره الرقمية ومحاربته وإزالته، انطلاقًا من كلمات مفتاحية مخصوصة ترتبط بسياق وبناء فكري مخصوص، فضلًا عن تعزيز هذه الخوارزميات بمراقبين بشريين قصد اصطياد ما أفلت من الرقابة الآلية استيفاءً لمفهوم الإبادة وتدمير هذا المحتوى كليًّا أو جزئيًّا.

تتجلى الإبادة الرقمية لدى شبكات التواصل الاجتماعي عند الغوص في تنوع الأساليب التي تنتهجها في تتبُّع المحتوى، انطلاقًا من التطابق مع الكلمات المفتاحية المحددة سلفًا، ومرورًا بالكلمات والعبارات ذات الدلالات الدينية والتي يمكن ربطها بفئة أو جماعة ما، وصولًا إلى تأويل ما يمكن اعتباره تضامنًا أو تأييدًا أو تعاطفًا.

وتشمل هذه الإبادة محاصرة بنية الخطاب والمحتوى والشكل جميعًا. فعلى مستوى بنية الخطاب، يبدأ التتبُّع من الكلمة مرورًا بالعبارة والجملة والفقرة وصولًا إلى كامل النص. وعلى مستوى المحتوى، يتم تتبُّع الدلالات المختلفة للكلمة، وتأويلاتها، ومرادفاتها، دون استثناء للسياق، أو الموضوعات التي ترد فيها الكلمات والعبارات والجمل. أما فيما يخص الشكل، فقد يصل التتبُّع -بغرض الإبادة- إلى الألوان التي ترمز إلى هوية ما، والأيقونات، والوسائط التواصلية غير النصية الأخرى، مثل الصور والأصوات والجداول والرسوم البيانية والحركة، وغيرها.

ثمة تساؤل مشروع قد يطرح نفسه: أيمكن -فعليًّا- تحقيق الإبادة الرقمية للرسائل التواصلية بحيث لا يبقى لها أي أثر؟

إذا انطلقنا من طبيعة الوجود الرقمي، فيمكن القول باستحالة تحقيق الإبادة الرقمية الكاملة؛ ذلك أن الرقمنة تسمح بتعدُّد تمظهرات المحتوى التواصلي عبر وسيط بعينه أو عبر وسائط متعددة، وتسمح بتحدي البلاء والاندثار، كما تسمح بتعدد أشكال التخزين وأماكنه وطرق الاسترجاع، والاحتفاظ بالهوية الأصلية للمحتوى، مثل تاريخ النشر وتواريخ التعديلات، فضلًا عن التحوُّل من صيغة إلى أخرى وعدم التأثر بالانتقال من مكان إلى مكان وكأن هذا المحتوى موجود في اللامكان.

لكن تتحقق الإبادة الرقمية من خلال الإجراءات التي يتَّبعها مرتكب الفعل الإبادي الرقمي؛ إذ تهدف إلى إفقاد المتواصل، المُنْشِئ للرسالة التواصلية والساعي إلى نشرها، ميزة العالمية التي تكفلها شبكة الويب؛ حيث يصبح كل ما يُنشر عبرها قابلًا للتلقي الفوري على نطاق عالمي؛ الأمر الذي قد يحول دون تشكيل رأي عام عالمي ضمن بُعد الزمكان الملائم. فعلى الرغم من أن الرقمنة تسمح بالإفلات من حدود الفضاءات المهيمنة (مثل فضاءات شبكات التواصل الاجتماعي الكبرى) إلى فضاءات أخرى أقل هيمنة، مثل مواقع الويب الأخرى الخارجة عن سيطرة مرتكبي الإبادة الرقمية، إلا أن الانتشار سيكون محدودًا وفاقدًا للفعالية المرجوة.

ويُلاحَظ من خلال تقارير المنظمات الدولية والجهات المعنية برصد الانتهاكات التي يتعرض لها المحتوى الفلسطيني في وسائل التواصل الاجتماعي كيف أن هذه الانتهاكات ذات طابع ممنهج -كما ذُكِر آنفًا- تهدف إلى إسكات الصوت الفلسطيني والأصوات التي تُبدي تعاطفًا معه. وعندما يتم وضع محتوى ما تحت رحمة خوارزميات الذكاء الاصطناعي القادرة على تتبُّع كل ما يُنشر فلا يكون القصد سوى تحقيق الإبادة الرقمية دون اعتبار للحق في حرية التعبير، والحق في التعبير عن الرأي الآخر.

ثالثًا: نموذج تفسيري للإبادة الرقمية

إن النظر والتأمل في مختلف تجليات ومظاهر عملية الإبادة الرقمية التي تُنفِّذها وسائل التواصل الاجتماعي بكيفية كلية أو جزئية ضد المحتوى الفلسطيني، والتي بلغت ذروتها خلال الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، يقود الباحث إلى محاولة وضع نموذج تفسيري/معياري يمكن الاستناد إليه في دراسة الإجراءات والتدابير والسياسات والأنشطة الرقمية التي قد ترقى إلى درجة الإبادة الرقمية. وينطلق هذا النموذج التفسيري من رؤية شاملة للإبادة الرقمية يتضافر فيها البعد السياسي والقانوني والبشري والتقني، من أجل الإحاطة بالمحتوى الرقمي حتى تُبْطِل غاياته، وإِنْ لم يَفْنَ فناء تامًّا، وتتلاشى فعاليته في عالم تزداد فيه الحاجة إلى الفعالية التواصلية.

شكل 2: نموذج الإبادة الرقمية للمحتوى بكافة وسائطه التواصلية

2

يوضح هذا النموذج كيف أن أدوات الإبادة الرقمية تُحيط بالمحتوى الرقمي بكافة وسائطه التواصلية (النصية والصورية والصوتية والحركية واللونية) إحاطة تامة (طبقة فوق طبقة) حتى كأنها تُدْخِلُه في ثقب أسود. ولا تكتفي هذه الأدوات بالتكامل فيما بينها، بل تتناغم لدرجة إذابة الحدود فيما بينها؛ الأمر الذي يُبيِّن مدى خطورتها وتأثيرها في فعالية المحتوى الرقمي.

وتتجلى إبادة المحتوى الرقمي في طبقة خارجية تضم أربعة مكونات: (أ) المرجعية المفاهيمية والمصطلحية، (ب) المرجعية السياسية، (ج) السرديات المضادة لسرديات المحتوى الذي يتعرض للإبادة، (د) الأرضية القانونية والتشريعية التي يتم الاستناد إليها. أما الطبقة الداخلية التي تُطْبِق على المحتوى الرقمي، فتشتمل على خوارزميات الذكاء الاصطناعي الخاصة بتتبُّع المحتوى الرقمي المستهدف، والتي تضطلع بالدور الأكبر، بالإضافة إلى الرقابة البشرية المباشرة التي تصطاد ما تبقى من المحتوى الذي قد يفلت من قبضة الخوارزميات. وفيما يلي توضيح لمكونات نموذج الإبادة الرقمية:

1. المرجعية المفاهيمية والمصطلحية

تُشير المرجعية المفاهيمية والمصطلحية إلى الفهم الذي يترسَّخ تجاه المحتوى المنسوب لجهة ما، مثل المحتوى الفلسطيني أو المحتوى الذي يتعاطف ويدعم الرواية الفلسطينية، انطلاقًا من توجهات وصور ذهنية سالبة؛ إذ يقود هذا الفهم إلى استخدام مصطلحات تُجيز لمرتكب الإبادة الرقمية إفناء المحتوى المعني وتدميره كليًّا أو جزئيًّا. فعلى سبيل المثال، تعمل هذه الشبكات على خلق سيولة مفاهيمية تجعل المحتوى الذي يتعرض للإبادة الرقمية يُصنَّف أو يندرج ضمن مفهوم الإرهاب، أو العداء للسامية، أو العنف اللفظي، أو تهديد الأمن والسلم الدوليين، فضلًا عن التطبيق الجلي لازدواجية المعايير؛ إذ تصبح مقاومة الاحتلال والدفاع عن النفس اعتداء، والاعتداء والإبادة دفاعًا عن النفس. وهكذا تعمل الآلة الإعلامية على الترويج والترسيخ حتى يتحوَّل الأمر إلى صور ذهنية يتم تعزيزها بالخوارزميات. 

2. المرجعية السياسية

ويقصد النموذج بالمرجعية السياسية تأثيرات الدول والجماعات السياسية، مثل جماعات الضغط والمصالح والقوى المهيمنة، على شبكة التواصل الاجتماعي من حيث الملكية أو من حيث الخضوع لسيادة الدولة (والغالب هنا أن تكون الولايات المتحدة الأميركية والقوى الغربية عمومًا، فضلًا عن الاحتلال الإسرائيلي) وقدرة هذه الكيانات على التأثير في بنية شبكة التواصل الاجتماعي من خلال تفكيكها استنادًا إلى تهمة الاحتكار، أو من حيث متانة العلاقات الخارجية (مثل علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل).

3. السرديات المضادة

لا شك أن المحتوى الرقمي الذي يتعرض للإبادة الرقمي، مثل المحتوى الرقمي الفلسطيني، يتضمن سرديات خاصة تُواجَه بالتضييق والحصار والرفض من قِبَل شبكة التواصل الاجتماعي المعنية، ولا تكتفي هذه المنصات بإبادة تلك السرديات، بل تسمح للسرديات المضادة لها بالانتشار؛ الأمر الذي يعتبر انحيازًا فاضحًا يؤثر في تشكيل الرأي العام العالمي في غياب التوازن بين نشر الرأي والرأي الآخر.

4. الأرضية القانونية والتشريعية

تتشكَّل الأرضية القانونية والتشريعية من اللوائح المانعة التي تُصدرها شبكة التواصل الاجتماعي تحت مسمى "شروط الاستخدام"، وتجريم المحتوى استنادًا إلى المرجعية المفاهيمية والمصطلحية التي قد تُصنِّف صانع المحتوى بـ"الإرهابي" أو "المتعاطف مع الإرهابي أو الداعم له"، أو تُصنِّف المحتوى ضمن بند "نشر العنف والكراهية"، فضلًا عن مواءمة كل ذلك مع التشريعات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. ولعل أبرز مثال على هذه المواءمة القانونية يتمثَّل في التحديث الذي قامت به شركة "ميتا"، في 9 يوليو/تموز 2024، عندما اعتبرت إيراد كلمة "صهيوني" ضمن أي محتوى شكلًا من أشكال الخطاب الذي يحض على الكراهية: "لقد أعدنا النظر في مسألة الخطاب الذي يستخدم كلمة "الصهاينة" في أوقات مختلفة خلال السنوات الأخيرة، وقمنا، في مارس/آذار 2024، بدراستها من خلال منتدى السياسة الخاص بنا. وبعد الاستماع إلى الآراء والنظر في الأبحاث من وجهات نظر مختلفة، قررنا اعتبارًا من الآن إزالة الخطاب الذي يستهدف "الصهاينة"... أظهرت عملية البحث التي أجريناها وجود ميل لاستخدام هذا الخطاب في الإشارة إلى اليهود والإسرائيليين بمقارنات ازدرائية، أو دعوات لإلحاق الضرر، أو إنكار الوجود"(46).

5. خوارزميات الذكاء الاصطناعي

تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بالدور الأكبر في تنفيذ الإبادة الرقمية استنادًا إلى الكلمات المفتاحية وتمظهراتها المختلفة -باعتماد الجبر البوليني المنسوب إلى عالم الرياضيات جورج بول (George Boole)- وشمول البحث والمراقبة لكافة أنواع الوسائط التواصلية، فضلًا عن إمكانية التدرج في التعاطي مع المحتوى من التنبيه والتحذير، وتقليص الإمكانيات التفاعلية، وتحجيم الظهور مرورًا بالحجب والإزالة والحظر المؤقت لحساب المستخدم، وصولًا إلى إغلاقه والسعي لحرمانه من فتح حساب جديد.

إن التقدم المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي والاستثمار الكبير لشركات وسائل التواصل الاجتماعي في البحوث والتجارب الخاصة به، يُنبئ بمزيد من سطوة خوارزميات الذكاء الاصطناعي في مجال تنفيذ الإبادة الرقمية، خاصة لمن يفتقر للبدائل الموازية التي تسمح بالنشر.

6. الرقابة البشرية المباشرة

لا تكتفي شبكات التواصل الاجتماعي بالرقابة الخوارزمية، بل تلجأ إلى توظيف الآلاف من المراقبين الذين توكل إليهم مهمة تنفيذ الإبادة للمحتوى الذي تمكَّن من الإفلات من حصار الخوارزميات، ووردت حوله شكاوى من جهات معادية، أو تطلب الأمر قراءة ما بين السطور، أو تطلب استثناءات. وتكمن خطورة الرقابة البشرية في حجم الضرر الذي تُلحِقه بالمحتوى وبالمستخدمين؛ إذ قد تكون أكثر تطرفًا وإبادة من رقابة الخوارزميات عندما تتلقى تعليمات مباشرة بتشديد الرقابة التي قد لا تكتفي بحجب المحتوى، بل تلجأ في بعض الأحيان إلى تحويره.

وقد يصل الأمر بالرقابة البشرية المباشرة إلى حدِّ تصنيف المحتوى دون وجه حق حتى يتسنَّى حظره. فعلى سبيل المثال، كشف فيديو وثائقي بعنوان: "خبايا نفوذ إسرائيل في ميتا وتقييد الشركة للمحتوى الفلسطيني" أنتجته "الجزيرة بلس" كيف أن صورًا التقطها المصور الفلسطيني، معتز عزايزة، وهي تُبرز الفظائع التي تعرض لها أطفال غزة جرَّاء الحرب من قتل وجروح، صنَّفتها الشركة باعتبارها صورًا إباحية(47).

خلاصات

تُبيِّن الدراسة الكيفية للتواصل الإنساني -منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا- مدى التشابه في المواقف والأفعال عندما يتعلق الأمر بالهيمنة وفرض الرأي على حساب الآراء الأخرى، واستخدام الخطاب سلاحًا يُشْهَر في وجه الآخر، فضلًا عن استخدام التكنولوجيا المتوافرة استخدامًا واستغلالًا لا يرحم لمصالح القوى الدولية والشركات الكبرى. هكذا تبدو النتيجة عندما ننظر الآن في حال المحتوى الفلسطيني، بموازاة مع الفلسطيني في غزة وهو يناضل نضالًا وجوديًّا من أجل إسماع الصوت الفلسطيني، والسماح لسردياته أن تصل إلى مدارك العالمين عسى أن تخاطب ضمائرهم وتُشكِّل آراءهم.

لقد تناولت الدراسة السياسات التي تتبعها شبكات التواصل الاجتماعي في مواجهة المحتوى الرقمي الفلسطيني حتى تحول بينه وتشكيل الرأي العام العالمي تجاه الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في الحرب على غزة، وفي الوقت ذاته تُمهِّد الطريق للمحتوى المضاد فيخلو له وجه المستخدم، ولا يتلقى إلا السرديات المضادة لفلسطين والفلسطينيين، وكأن المحتوى الفلسطيني أصبح في عداد العدم. وتخلص الدراسة من خلال ذلك إلى مجموعة من النتائج:

- تُقدِّم شبكات التواصل الاجتماعي نموذجًا صريحًا لكيفية تغليف الهيمنة وتقديمها في رداء الموضوعية وحرية التعبير واحترام حقوق الإنسان وحماية الفضاء العام من مخاطر التطرف والإرهاب وخطاب الكراهية.

- تقوم صناعة الرأي العام العالمي عبر شبكات التواصل الاجتماعي على الكم وليس الكيف؛ إذ لا تتَّبع هذه المنصات نظرية انتقال المعلومات عبر خطوتين التي قدَّمها بول لازارسفيلد (Paul Lazarsfeld) وزملاؤه عام 1944(48)، وتُشير إلى أن تشكيل الرأي العام يتم عبر الرسائل التواصلية التي تُلقيها النخبة (لا تتجاوز نسبتها 5% من الجمهور) لتؤثر في غالبية الجمهور (95%)، وهو الأمر الذي كان يحدث عبر وسائل الإعلام التقليدية التي تسمح لسرديات مخصوصة بالانتشار؛ إذ يتلقَّفها المتلقي حتى وإِنْ كانت سرديات كاذبة فيتشكَّل الرأي العام بطريقة كرة الثلج المتدحرجة.

- تسير المستحدثات في مجال تقنيات الذكاء الاصطناعي في طريق يجعل المستخدمين أقرب للآلات من حيث افتقارهم للحس النقدي وإعمال الضمير والتفكير المغاير (خارج الصندوق)؛ إذ يمضي الذكاء الاصطناعي في اتجاه قراءة الأفكار، بل إراحة المستخدم من تعب التفكير، وتقديم الاستشارة، والتعريض القسري للمنبهات التي تقذف بها الإعلانات. وكل ذلك، يخلق تحديًا لمفتقري النفوذ الطالبين لحقهم في التعبير عبر فضاءات التواصل الاجتماعي التي ادَّعت تطبيقها لشعارات المساواة والعدالة التواصلية.

- ما حدث ويحدث للمحتوى الرقمي الفلسطيني عبر شبكات التواصل الاجتماعي يجعله مستهدفًا بالإبادة الرقمية، التي وإِنْ أبقت على بعض يسير من هذا المحتوى فهو دون عتبة الفعالية التي تسمح له بتشكيل الرأي العام العالمي. وفي ذلك خسارة يصعب تعويضها في ظل "الذاكرة السمكية" للمستخدمين التي تجعلهم يتعاطون ويتفاعلون مع الآني المتاح، وقد أدمنوا على تلقى المئات وربما الآلاف من الرسائل التواصلية القصيرة التي لا تترك مجالًا للتأمل والحفظ في الذاكرة متوسطة وطويلة المدى، أو ربط الآني بالماضي الذي تشكَّلت عبره القضايا الكبرى، مثل القضية الفلسطينية.

- يُضاف مفهوم الإبادة الرقمية إلى مفهوم الإبادة الإعلامية؛ حيث تستهدف إسرائيل الإعلاميين الفلسطينيين استهدافًا وجوديًّا(49)، ليُشكِّلا معًا أساسًا للإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة.

- إن وضع نموذج عملي للإبادة الرقمية -استنادًا إلى دراسة حالة المحتوى الرقمي الفلسطيني في سياق الحرب على غزة- يُسهِم في تحديد مكوناتها وآليات اشتغالها، ويُفيد في قراءة واقع شبكات التواصل الاجتماعي ومستقبلها، ومآلات التواصل الإنساني عبر فضاءاتها. كما يفيد هذا النموذج في معرفة القوى الكامنة في خوارزميات الذكاء الاصطناعي وما يمكن أن تفعله في المستقبل، وهي أداة بالغة الخطورة في أيادي الجهات المهيمنة التي تأبى إلا أن تزداد هيمنتها فتفوق كل ما عرفه تاريخ البشرية من أشكال هيمنة خشنة وناعمة.

نشرت هذه الدراسة في العدد الخامس من مجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) "Social media," Cambridge Dictionary, September 23, 2024, "accessed September 23, 2024". https://tinyurl.com/mptf4xkk.

(2) "Social media," Oxford Learner's Dictionaries, September 23, 2024, "accessed September 23, 2024". https://tinyurl.com/3axps8dk.

(3) Yili Liu, Xiangxiang Ying, "A Review of Social Network Sites: Definition, Experience and Applications," The Conference on Web Based Business Management, (2010): 749.

(4) Dwi Agus Riyanto, Priyanto, I Wayan Midhio, "The Role of Social Media in Building Public Opinion on the Covid-19 Pandemic and Its Impact on National Defence," European Journal of Humanities and Social Sciences, Vol. 3, Issue. 3, (June 2023): 137.

(5) Marco Toledo BasTos, "Public Opinion Revisited: The Propagation of Opinions in Digital Networks," Journal of Arab & Muslim Media Research, Vol. 4, No. 2, 3, (2011): 186.

(6) Alison Henderson, Rachel Bowley, "Authentic dialogue? The role of "Friendship" in a Social Media Recruitment Campaign," Journal of Communication Management, Vol. 14, No. 3, (2010): 239.

(7) Maxim Wolf et al., "Social Media? What Social Media?," UK Academy for Information Systems Conference Proceedings, (2018): 5.

(8) Phillips Davison, "Public Opinion," Britannica.com, October 24, 2024, "accessed October 24, 2024". https://tinyurl.com/39ena2cj.  

(9) Cody Miller, "The Role of Social Media and Its Influence on Public Opinion and Political and Social Change," A Research Paper submitted to the Department of Engineering and Society, (Virginia: University of Virginia, Spring, 2021), 16.

(10) Abu Muna Almaududi Ausat, "Technology and Society Perspectives," TACIT, Vol. 1, No. 1, (March 2023): 7.

(11) Khawla Mohamed AlTayer et al., "The Impact of Social Media Networks on Public Opinion in the United Arab Emirates," International Journal of Academic Research in Business and Social Sciences, Vol. 13, No. 9, (2023): 1039.

(12) Jaweria Ishrat, "Changing Public Opinion and Politics in the Social Media Era," Global Multimedia Review, Vol. 8, No. 1, (2023): 51.

(13) Marko Klaˇsnja et al., "Measuring Public Opinion with Social Media Data," in The Oxford Handbook of Polling and Polling Methods, (Oxford University Press, 2015), 19.

(14) Al Tayer et al., "The Impact of Social Media Networks on Public Opinion in the United Arab Emirates,": 1040.

(15) BasTos, "Public Opinion Revisited,": 186.

(16) Kristen E. Busch, "Social Media Algorithms: Content Recommendation, Moderation, and Congressional Considerations," Congressional Research Service, (July 27, 2023): 1.

(17) Jennifer Cobbe, "Algorithmic Censorship by Social Platforms: Power and Resistance," Philosophy & Technology, Vol. 34, (2021): 739.

(18) Ravale Mohydin, "Algorithmic Censorship and Israel's War on Gaza," TRT World Research Centre, December 20, 2023, "accessed September 23, 2024". https://tinyurl.com/3tck8vkt.

(19) Cobbe, "Algorithmic Censorship by Social Platforms,": 746.

(20) Rachel Griffin, "The Politics of Algorithmic Censorship: Automated Moderation and its Regulation" in Music and the Politics of Censorship: From the Fascist Era to the Digital Age, ed. James Garratt, (Cambridge University Press, 2019), "accessed September 23, 2024". https://tinyurl.com/46bvvhp2.

(21) João Gonçalves et al., Common Sense or Censorship: How Algorithmic Moderators and Message Type Influence Perceptions of Online Content Deletion," New Media & Society, Vol. 25, Issue. 10, (2023): 2610.

(22) Danielle Draper, Sabine Neschke, "The Pros and Cons of Social Media Algorithms," Bipartisan Policy Center, (October 2023): 6.

(23) Hyuk Jun Cheong et al., "Spiral of Silence in an Algorithm-Driven Social Media Content Environment: Conceptual Framework and Research Propositions," An International Journal of Pure Communication Inquiry, Vol. 10 Issue. 1, (2022): 40.

(24) Haochen Sun, "The Right to Know Social Media Algorithms”, Harvard Law & Policy Review, Vol. 18, (December 1, 2023): 22-32.

(25) "شروط الخدمة"، فيسبوك، 26 يوليو/تموز 2022، (تاريخ الدخول: 27 سبتمبر/أيلول 2024)، https://ar-ar.facebook.com/legal/terms.

(26) المرجع السابق.

(27) المرجع السابق.

(28) "شروط الخدمة"، إنستغرام، 26 يوليو/تموز 2022، (تاريخ الدخول: 27 سبتمبر/أيلول 2024)، https://shorturl.at/bmM47.  

(29) "شروط الخدمة لدى غوغل"، غوغل، 16 أبريل/نيسان 2007، (تاريخ الدخول: 27 سبتمبر/أيلول 2024)، https://tinyurl.com/4nmsey6t.

(30) Long Chen et., "Social Network Behavior and Public Opinion Manipulation," Journal of Information Security and Applications, Vol. 64, (February 2022): 1-6.

(31) "Meta’s Broken Promises: Systemic Censorship of Palestine Content on Instagram and Facebook," Human Rights Watch, December 21, 2023, "accessed September 27, 2024". https://tinyurl.com/3e8ns8kv.

(32) Ibid.

(33) "Meta’s Ongoing Efforts Regarding the Israel-Hamas War," Facebook, October 13, 2023, "accessed September 27, 2024". https://tinyurl.com/4d3j7pez.

(34) "إحاطة بشأن واقع الحقوق الرقمية الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023"، المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، (تاريخ الدخول: 27 سبتمبر/أيلول 2024)، https://tinyurl.com/y658xjyk.

(35) "مؤشر العنف، عدد حالات العنف باللغتين العبرية والعربية"، مرصد انتهاكات الحقوق الرقمية الفلسطينية (حر)، (ب.ت) (تاريخ الدخول: 28 سبتمبر/أيلول 2024)، https://tinyurl.com/yc4v8626.

(36) Tamara Kharroub, "Disinformation and Hate Speech on Social Media Contribute to Inciting War Crimes Against Gaza," Arab Center Washington DC, October 13, 2023, "accessed September 28, 2024". https://tinyurl.com/mr3uc5ah.

(37) Emerson Brooking et al., "Distortion by Design: How Social Media Platforms Shaped Our Initial Understanding of the Israel-Hamas Conflict," Atlantic Council, December 21, 2023, "accessed September 28, 2024". https://tinyurl.com/532288bk.

(38) Paige Collings, Jillian York, "Digital Apartheid in Gaza: Unjust Content Moderation at the Request of Israel’s Cyber Unit," Electronic Frontier Foundation, July 26, 2024, "accessed September 28, 2024". https://tinyurl.com/44zrss2b.

(39) "إحاطة بشأن واقع الحقوق الرقمية الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023"، مرجع سابق.

(40) Raphael Lemkin, Axis Rule in Occupied Europe: Laws of Occupation- Analysis of Government - Proposals for Redress, (Washington, D.C.: Carnegie Endowment for International Peace, 1944): 79.

(41) Ibid.

(42) Raphael Lemkin, "Genocide: A Modern Crime," Free World, Vol. 4 (April 1945): 39- 43.

(43) Raphael Lemkin, Axis Rule in Occupied Europe, 82-90.

(44) للاستزادة، انظر:

- Paul Rukesha, "Digitizing Genocide: The Work of the Genocide Archive of Rwanda," in Media and mass atrocity: The Rwanda Genocide and Beyond, ed. Allan Thompson, (Waterloo: Centre for International Governance Innovation, 2019).

- Giacomo Buoncompagni, "Apparently Forgotten Wars: (Digital) Genocide, Information and the Construction of the Other in Postmodern Conflicts," Geopolitical, Social Security and Freedom Journal, Vol. 5, Issue. 1, (2022): 67-79.

(45) "عام من الإبادة الرقمية للفلسطينيين: تقرير مركز صدى سوشال لاستنساخ أدوات الإبادة على الفلسطينيين رقميًّا"، صدى سوشال، 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024، (تاريخ الدخول: 27 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://l1nq.com/aMwms.

(46) "تحديث من منتدى السياسة بشأن نهجنا في التعامل مع كلمة "صهيوني" كأحد أشكال الخطاب الذي يحض على الكراهية"، ميتا، 9 يوليو/تموز 2024، (تاريخ الدخول: 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://shorturl.at/uN4Yi.

(47) "خبايا نفوذ إسرائيل في ميتا وتقييد الشركة للمحتوى الفلسطيني"، الجزيرة بلس، 15 أكتوبر/تشرين الأول 2024، (تاريخ الدخول: 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://n9.cl/ywi9o.

(48) Paul Lazarsfeld et al., The People’s Choice: How the Voter Makes up his Mind in a Presidential Campaign, )New York: Columbia University Press, 1944(.

(49) محمد الراجي، " الحرب على غزة وهندسة الإبادة الإعلامية للجماعة الصحفية الفلسطينية (2023-2024)"، الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام (مركز الجزيرة للدراسات، قطر، العدد 4، (يوليو/تموز 2024): 15-70.