الهجوم على القصر الرئاسي بتشاد: الرسائل والسياق والأطراف محتملة التورط

تحاول هذه الورقة تفسير الهجوم الغامض على القصر الرئاسي بتشاد وتحاول نقاش التساؤلات التي تظل عالقة في ظل عدم الكشف عن ملابسات الهجوم، وتبين ما يثيره الهجوم من مخاوف حاضرة ومستقبلية، وما يعكسه ذلك من استحكام إشكال الأمن في تشاد.
القوات الحكومية التشادية تنتشر حول القصر الرئاسي بعد الهجوم عليه (الفرنسية).

مقدمة

فجأة ودون سابق إنذار، سُمع دوي أسلحة ثقيلة في محيط القصر الرئاسي بالعاصمة التشادية، نجامينا، مساء الثامن من يناير/كانون الثاني 2025، أثار الرعب في نفوس السكان؛ إذ لم يألفوا مثل هذه الحوادث، رغم أن البلاد سبق أن شهدت انقلابات عسكرية، وخاضت -ولا تزال- معارك ضارية ضد الجماعات المسلحة، ومجموعات التمرد.

وقد ظل سكان نجامينا يترقبون تفاصيل طبيعة ما يجري في عاصمتهم، إلى أن تحدث وزير الخارجية الناطق باسم الحكومة، عبد الرحمن كلام الله، في مقطع مصور قصير نشره على صفحته في "فيسبوك"، بعد ساعات من الهجوم أعلن فيه أن الوضع تحت السيطرة، وأنه لا داعي للقلق.

ثم ظهر ذات المسؤول في حوار مع التليفزيون الرسمي قدم من خلاله تفاصيل أكثر، وعقد في اليوم الموالي مؤتمرًا صحفيًّا أوضح عبره بعض حيثيات الهجوم المباغت، الذي استهدف قصر "توماي" خلال وجود الرئيس محمد إدريس ديبي إتنو فيه.

ورغم عودة الهدوء إلى شوارع نجامينا ساعات بعد الهجوم، وتوالي تقديم الرسائل المطمئنة إزاء الوضع من عدة مسؤولين في نظام محمد ديبي، إلا أن بعض الأسئلة ظلت عالقة بشأن هوية منفذيه، والرسائل التي أرادوا إيصالها من خلاله، وما إذا كانت لهم امتدادات أو تنسيق مع أطراف أخرى مسلحة داخل البلاد أو خارجها.

لقد وقع الهجوم في ظل سياقات داخلية وإقليمية مختلفة؛ ما يجعل عدة سيناريوهات مرجحة بشأن طبيعة جهة التنفيذ وامتداداتها المحتملة، ولكن السلطات الرسمية التشادية، اكتفت إزاء ذلك بإعلان فتح تحقيق فيما حصل.

كما أن سرد وقائع طبيعة ما جرى مساء ذلك الأربعاء، لم يخل من تضارب، وهو ما يزيد من غموض الهجوم، ويجعل من غير المستبعد تكراره، وربما بشكل أدق وأكثر تنظيمًا، ما لم تتخذ سلطات البلاد إجراءات أكثر حزمًا تجاه مصدر التهديد المجهول. 

لقد كان لنجامينا سابق عهد بالأحداث الدامية، ففي مناسبات عدة نفذت جماعة بوكو حرام هجمات بالعاصمة خلَّفت الكثير من القتلى والجرحى، كما قتلت الشرطة عشرات المتظاهرين الرافضين لحكم الرئيس الحالي، وقتل الجيش في حادثة منفصلة أحد أبرز معارضي نظام الرئيس، بعدما حاصر مقر حزبه بقلب العاصمة. 

لكن يبقى الهجوم على القصر الرئاسي مختلفًا عن كل الهجمات السابقة، ويؤشر على هشاشة تأمين ما يفترض أنه أقوى مكان في البلاد تحصينًا.

من يريد رأس ساكن قصر توماي؟

في بيان صادر عنه، في 9 من يناير/كانون الثاني 2025، عقب لقائه الدبلوماسيين المعتمدين في تشاد، بعد يوم من الهجوم على القصر الرئاسي، أكد وزير الخارجية الناطق باسم الحكومة التشادية، عبد الرحمن كلام الله، أن الهجوم "لا علاقة له بأي منظمة إرهابية معروفة"، وأن المهاجمين "يحملون تمائم يعتقدون أنها تحميهم"، بالإضافة إلى أنهم "كانوا تحت تأثير الكحول"(1) حينما اشتبكوا مع حراس القصر.

وأوضح الوزير الذي تصدَّر وسائل الإعلام المحلية والإقليمية مصدرًا رسميًّا أول حول الهجوم، أن المنفذين يتحدثون اللغة العربية، وأنهم "ينتمون إلى "نفس المجموعة العرقية"(2) دون تحديدها أو الكشف عن تفاصيل إضافية.

وفي نفس اليوم الذي صدر فيه بيان وزير الخارجية التشادي، أصدر كذلك المدعي العام في نجامينا، عمر محمد كديلاي، بيانًا تضمن إعلان فتح تحقيق في الهجوم الذي وصف منفذيه بأنهم "أصحاب نيات سيئة"، مضيفًا أنهم "تظاهروا بتعطل سيارتهم، وانتهزوا الفرصة لمهاجمة الحراس"، موضحًا أن الأفعال التي ارتكبوها تشكل "جرائم قتل واعتداء متعمد، ومحاولة تقويض للنظام الدستوري، والاعتداء على مؤسسات الدولة وأمن الدولة، والتآمر ضد الدولة، والمشاركة في حركة تمردية"(3).

وإذا كانت الحكومة التشادية ترجح فرضية أن الهجوم الذي خلَّف مقتل 18 مسلحًا وأحد حراس القصر الرئاسي، نفذه أشخاص عاديون قادمون من بعض أحياء العاصمة نجامينا، عتادهم عبارة عن أسلحة بيضاء وأخرى خفيفة، فإن رئيس البلاد، محمد إدريس ديبي إتنو، اعتبر الهجوم استهدافًا مباشرًا له، مشيدًا بـ"يقظة وشجاعة" الأمن الرئاسي الذي تصدى للمهاجمين(4).

وكان ديبي قد قال قبل الهجوم بأيام، في خطاب بمناسبة نهاية العام 2024، تعليقًا على قرار بلاده إلغاء اتفاق التعاون العسكري والأمني مع فرنسا: إن تشاد ستحارَب، وإنه أخذ في الاعتبار "التبعات الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية التي قد تترتب على هذا القرار الإستراتيجي"، مشيرًا إلى أنه لا يستبعد إمكانية استغلال المواطنين التشاديين في محاولة زعزعة استقرار البلد(5).

ويثير هذا التصريح عدة احتمالات، فإما أن الرئيس محمد ديبي توقع بالفعل ألا يمر قرار نجامينا إلغاء اتفاق التعاون العسكري مع باريس دون ردة فعل أمنية، أو أنه كان على اطلاع بأن تحركاتٍ ما يجري التحضير لها من طرف جهات أخرى داخل البلاد، وأراد إرسال رسالة مبطنة لها بتلك الإشارة في الخطاب.

وقد يكون الرئيس الذي تمت ترقيته قبل أسابيع قليلة إلى رتبة مشير لأسباب بينها "دوره الكبير في استتباب الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب"(6) أراد أن يحذو حذو رؤساء بعض دول المنطقة الذين تتوالى تحذيراتهم من حين لآخر من أن جهات إقليمية ودولية تسعى إلى زعزعة استقرار بلدانهم.

الأطراف المحتمل أن تكون خلف الهجوم

في ظل عدم صدور نتائج التحقيق الذي أعلنت السلطات التشادية فتحه -مع أن نتائجه في الغالب قد لا تعلن- تثار عدة تخمينات بشأن من يحتمل أن يقف خلف هذا الهجوم، الذي هدد حياة وحكم الرئيس محمد ديبي، بعد أزيد من ثلاث سنوات على مقتل والده، إدريس ديبي إتنو، في معركة ضد متمردين، كما تقول الرواية الرسمية التشادية.

ورغم استبعاد حكومة نجامينا أن يكون الهجوم "إرهابيًّا"، وهو ما يعني ضمنيًّا نفي أن تكون جماعة بوكو حرام هي التي نفذته، إلا أن ضلوع هذه الجماعة في تنفيذه غير مستبعد، لاعتبارات منها أن هجماتها ضد الجيش التشادي لم تعرف التوقف يومًا، وسبق لها في سنوات فارطة أن تبنَّت عدة هجمات في قلب العاصمة، وبالتالي فإن احتمال وصولها القصر الرئاسي قد يكون واردًا.

أما الاحتمال الثاني بشأن من يقف خلف هذا الهجوم، فإنه قد يكون رسالة فرنسية، وذلك أخذًا في الاعتبار السياق الذي جاء فيه، فقد تم تنفيذه في ظل تصعيد لفظي بين تشاد وفرنسا، بعدما قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في خطابه السنوي أمام السفراء الفرنسيين في العالم حول السياسة الخارجية للبلاد في العام 2025: إن بعض الرؤساء الأفارقة "نسوا" أن يشكروا بلاده، رغم أنه لولا نشر القوات الفرنسية لما كانت لبلدانهم "سيادة"، وهو ما أثار استياء عدة بلدان بينها تشاد التي ردَّت عليه في بيان رسمي لوزارة خارجيتها(7).

وبالإضافة إلى هذين الطرفين الخارجيين، فإن ثمة طرفيْن داخليين يحتمل أن يكونا خلف الهجوم، أحدهما المعارض سيكسي ماسرا، الذي عارض نظام محمد ديبي، ثم والاه بناء على وساطة كونغولية بعدما غادر البلاد وعاش في المنفى لبعض الوقت، ونافسه لاحقًا في الانتخابات الرئاسية، وعارضه بعدها، وكان من رافضي المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ودعا التشاديين إلى عدم المشاركة فيها.

وكما ارتبط اسم ماسرا بالمظاهرات الدامية التي شهدتها نجامينا عام 2022، رفضًا لتمديد المرحلة الانتقالية؛ إذ خلَّف قمع الشرطة لها مئات القتلى والجرحى(8) فإنه من غير المستبعد أن يكون بعض أنصاره الآن هم من توجهوا للقصر الرئاسي وحاولوا اقتحامه، رغم أنه لم يدع علنًا في منفاه حاليًّا إلى عصيان مدني.

ويبرز طرف آخر داخلي ربما يكون خلف الهجوم، فإعلان المتحدث باسم الحكومة التشادية عن أن المهاجمين من نفس العرقية، يثير احتمال أن يكون قد تم بدافع انتقامي من طرف بعض مقربي أو داعمي زعيم المعارضة، يحيى ديلو، الذي قُتل في هجوم للجيش التشادي على مقر حزبه "الحزب الاشتراكي بلا حدود"، في نهاية فبراير/شباط 2024، بالعاصمة نجامينا(9).

وبالمقابل، يبدو من المستبعد جدًّا، أن يكون الهجوم من تنفيذ طرفين آخرين أحدهما داخلي وهو الجيش بمعنى أنه لم يكن محاولة انقلابية، والثاني خارجي وهو المجموعات المتمردة، إذ لو كان الهجوم من تنفيذ أحد هذين الطرفين لكان أقوى، وربما لكانت حصيلة الضحايا أكبر من قتيل واحد في صفوف أمن الحرس الرئاسي.

سياقات الهجوم على قصر المشير

وقع الهجوم على قصر "توماي" في ظل سياقات داخلية مختلفة، قد تجعل من الوارد أن يكون أحد الأطراف سالفة الذكر وراءه، وسنقتصر في الآتي على ثلاثة سياقات داخلية لافتة:

عملية "حسكانيت"

في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول 2024، تعرضت قاعدة عسكرية تشادية في منطقة بحيرة تشاد قرب الحدود مع نيجيريا، لهجوم عنيف نفذته جماعة بوكو حرام، وخلَّف مقتل أربعين جنديًّا. وعلى إثر ذلك، أعلنت الرئاسة التشادية في بيان لها توجه الرئيس محمد إدريس ديبي إتنو إلى موقع الهجوم لإطلاق عملية عسكرية أطلق عليها اسم "حسكانيت"، هدفها ملاحقة عناصر جماعة بوكو حرام(10).

وقد أثار هذا الهجوم جدلًا واسعًا؛ ذلك أنه شكَّل استمرارًا للهجمات القوية التي ظلت تنفذها هذه الجماعة المسلحة ضد الجيش التشادي خلال السنوات الأخيرة، كما أنه أكد فشل العملية السابقة التي كان أطلقها الرئيس الراحل، إدريس ديبي إتنو، قبل أزيد من أربع سنوات في نفس المنطقة "بحيرة تشاد"، وسماها عملية "غضب بوما"، ردًّا على قتل بوكو حرام نحو مئة جندي تشادي(11).

ولعل هذا ما يحرج ديبي الابن بشكل كبير؛ إذ أن "حسكانيت" لا يتوقع أن تختلف عن "غضب بوما"، وإن كان الهجوم الأخير قد أثار غضب الرئيس، ولوح بانسحاب تشاد من القوة المشتركة متعددة الجنسيات، التي تشكلت قبل أزيد من عقد بهدف القضاء على جماعة بوكو حرام، فبالنسبة له "هذه القوة التي أنشئت بهدف تجميع الجهود والاستخبارات، في حالة ركود"(12).

وقد أعلن الجيش التشادي في حصيلة قدمها لعملية "حسكانيت" مقتل وجرح أكثر من مئة عنصر من بوكو حرام، واستعادة بعض العتاد العسكري، مقابل مقتل وجرح سبعة وأربعين جنديًّا تشاديًّا(13). وعلى غرار "غضب بوما" التي تم على إثرها ترقية ديبي الأب إلى رتبة "مارشال"، فقد تمت كذلك ترقية ديبي الابن إلى ذات الرتبة العسكرية بعد إطلاقه "حسكانيت".

انتخابات تشريعية غير توافقية

في إطار سعي نظام الرئيس محمد ديبي إلى إنهاء كافة المراحل الانتقالية قبل العام 2025، نظمت تشاد انتخابات تشريعية، في 29 ديسمبر/كانون الأول 2024، اعتبرت الأولى في البلاد منذ أزيد من عقد، وجرت بالتزامن معها انتخابات الممثلين الإقليميين والمحليين. ورغم وصف الرئيس محمد ديبي هذه الانتخابات بـ"التاريخية"، إلا أن نظامه لم ينجح في إقناع القوى المعارضة الفاعلة بالمشاركة في هذا الاقتراع، كما هي حال حزب "المحولون" الذي قاطع الاستحقاقات، وانتقد زعيمه سيكسي ماسرا قلة المراقبين الدوليين، وعدم توفير المناخ السياسي "أي ضمانات للشفافية"(14).

وكما كان متوقعًا، فقد حصل الحزب الحاكم في تشاد منذ عهد إدريس ديبي "حركة الإنقاذ الوطني" على غالبية المقاعد في هذه الانتخابات، فمن أصل 188 مقعدًا برلمانيًّا حصل الحزب على 124. وبدأت المعارضة تتظاهر ضد النتائج، في مؤشر على توجه البلاد نحو أزمة سياسية جديدة، بعدما نجح النظام خلال الفترة القليلة التي سبقت الانتخابات الرئاسية في استقطاب عدد من رموزها.

الانسحاب العسكري الفرنسي

في خطوة فاجأت فرنسا كثيرًا، أعلنت تشاد في بيان لوزارة خارجيتها، صدر في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بعد ساعات من مغادرة وزير الخارجية الفرنسي العاصمة، نجامينا، حين كان في زيارة للبلاد، إلغاء اتفاق التعاون الدفاعي الذي يربطها بالطرف الفرنسي منذ عقود. وتأكيدًا لقرارها الساعي إلى فرض سيادتها المطلقة بعد أزيد من ستة عقود ونصف على استقلالها عن فرنسا، حددت السلطات التشادية 31 يناير/كانون الثاني 2025 آخر موعد لاكتمال انسحاب القوات الفرنسية من أراضيها(15).

وقد سارعت القوات الفرنسية إلى تنفيذ مقتضى إلغاء الاتفاق العسكري الذي كان يربط بين باريس ونجامينا، وبدأت في الانسحاب من القواعد العسكرية وتسليمها للجيش التشادي، وأعلن الطرفان، التشادي والفرنسي، اتفاقهما على آلية الانسحاب. وبهذا الموقف انضمت تشاد رسميًّا إلى البلدان المناهضة للوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، والمتمثلة بالأساس في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وينتظر أن تلتحق بهذا الركب كل من السنغال وساحل العاج؛ إذ من المقرر أن تنسحب منهما القوات الفرنسية خلال العام 2025، وذلك بناء على طلبهما.

ردود الفعل الداخلية والخارجية على الهجوم

خلَّف الهجوم على القصر الرئاسي التشادي ردود فعل داخلية متضامنة مع الرئيس محمد إدريس ديبي إتنو، أو منتقدة ومشكِّكة، وأخرى خارجية بين متضامن مع الرئيس ومتجاهل لما حصل. فعلى الصعيد الداخلي، عبر ثلاثة عشر حزبًا سياسيًّا منضوية تحت لواء الإطار الوطني لتنسيق الأحزاب السياسية عن "الدعم الثابت للرئيس محمد إدريس ديبي إتنو"، وأكدت هذه الأحزاب وقوفها "كرجل واحد حول المشير وحكومته وقوات الأمن"(16).

وبالمقابل، اعتبر حزب اتحاد الديمقراطيين من أجل التنمية والتقدم المعارض، على لسان رئيسه، ماكس كمكوي، أن الهجوم يؤشر على "هشاشة السلطة القائمة"، معتبرًا ما حصل "يثير التساؤل"، داعيًا إلى "فتح تحقيق مستقل عن الحكومة لتسليط الضوء على حقيقة ما حصل يوم 8 من يناير"(17).

أما على الصعيد الخارجي، ففيما التزمت فرنسا الصمت رسميًّا إزاء الهجوم على القصر الرئاسي التشادي، بادرت روسيا في بيان لوزارة خارجيتها إلى إدانته واصفة إياه بـ"الإرهابي"، ومعتبرة أنه "موجه ضد القيادة الشرعية لجمهورية تشاد"(18). وبدورها عبَّرت الصين، التي وقع الهجوم على القصر الرئاسي بعد ساعات من ختام زيارة لوزير خارجيتها، وانغ يي، إلى البلاد، عن تضامنها مع تشاد، وأكدت، في تصريح نقلته وسائل إعلام محلية تشادية عن السفير الصيني في نجامينا، "أهمية تهيئة بيئة سلمية للتنمية"، مشددة على أن هذا الهجوم "لا ينبغي أن يربك هدوء الأمة" التشادية(19).

وعلى الصعيد الإقليمي، أوفد رئيس بوركينا فاسو الانتقالي، النقيب إبراهيم تراوري، الوزير الناطق باسم حكومته مبعوثًا خاصًّا حاملًا رسالة منه إلى الرئيس التشادي، محمد إدريس ديبي، بعد أيام قليلة من وقوع الهجوم، في خطوة عكست تقاربًا بين البلدين، وسط حديث بعض وسائل الإعلام المحلية عن إيفاد الرئيس التشادي كذلك مبعوثًا خاصًّا سريًّا إلى الرئيس الانتقالي المالي، الجنرال عاصيمي غويتا، الذي يرأس دوريًّا تحالف دول الساحل، وهو ما يعتبر مؤشرًا على إمكانية انضمام تشاد رسميًّا للتحالف المناهض لفرنسا، والقريب من روسيا. وفي إطار المواقف التي صدرت إقليميًّا تفاعلًا مع الهجوم على القصر الرئاسي التشادي، رحبت اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بـ"العودة السريعة للهدوء"، معبِّرة عن تضامنها مع "حكومة تشاد وشعبها في مواجهة هذا الهجوم"، كما دعت إلى "إجراء تحقيق سريع ونزيه وشامل، من أجل تسليط الضوء على هذه الأحداث وتحديد المسؤولية"(20).

خاتمة

يثير الهجوم الغامض على القصر الرئاسي بتشاد الكثير من التساؤلات التي تظل عالقة، ما لم يتم الكشف عن ملابساته، كما يثير مخاوف بشأن ما بعده، ويعكس مدى استحكام إشكال الأمن في البلاد؛ إذ ما دام الرئيس غير آمن في قصره، فإن ذلك يعني أن ما دونه سهل الاستهداف، ولا شيء يستطيع حمايته.

إن التحدي الأمني في تشاد يختلف عنه في باقي بلدان المنطقة التي تواجه ذات التحدي، وذلك لكون مصدره عدة أطراف وليس طرفًا واحدًا. فمن جهة، يواجه نظام الرئيس محمد إدريس ديبي خطر المجموعات المتمردة المسلحة، التي لم يفلح في احتواء عدد منها من خلال الحوارات التي نظمها في البلاد وخارجها، وهذا الإخفاق يجعله محل استهداف دائم من طرفها، ويجعل من الممكن في أي وقت أن يواجه ذات المصير الذي واجهه والده من قبل.

ومن جهة ثانية، هناك الخطر الذي تشكله جماعة بوكو حرام، والتي رغم تركز نشاطاتها أساسًا في منطقة بحيرة تشاد، إلا أنها نفذت هجمات في عدة مرات سابقة بالعاصمة نجامينا، ومن الواضح أن خطر هذه الجماعة عابر لقدرات الجيش الوطني التشادي، وأيضًا للقوة المشتركة الإقليمية التي شُكِّلت بشكل خاص لمواجهتها، ومع ذلك لا تزال الجماعة المسلحة قادرة على تنظيم هجمات في كل الدول المشكلة لتلك القوة العسكرية.

وينضاف إلى هذين التحديين اللذين ورثهما المشير الابن من المشير الأب، إشكال آخر لا يقل صعوبة، يتمثل في الصراع على السلطة ليس فقط على مستوى قبيلة "الزغاوة" التي ينتمي إليها الرئيس الراحل، إدريس ديبي، وإنما داخل عائلة ديبي نفسها، وهذا يجعل تهديد حكم الرئيس الحالي يظل قائمًا وباستمرار. ففي آخر فترة حكم ديبي الأب، وبينما كان يستعد للفوز بولاية رئاسية سادسة، استهدفت السلطات الأمنية التشادية ابن أخيه المعارض لنظامه رئيس "الحزب الاشتراكي بلا حدود" يحيى ديلو، وقد أفلت من الموت، بينما قُتلت والدته وأحد أبنائه. 

لكن ذات الشخص قُتِل أواخر شهر فبراير/شباط من العام 2024، في هجوم لقوات الأمن التشادية على مقر حزبه، وكان ينتظر أن يكون أحد منافسي ابن عمه، الرئيس محمد إدريس ديبي، في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت مايو/أيار من نفس السنة. وتم في ذات العملية التي قُتِل وجرح فيها آخرون من قيادات الحزب المعارض، اعتقال الجنرال صالح ديبي عم الرئيس محمد إدريس ديبي. إن هذه التحديات المتداخلة بين الأمني الخارجي والسياسي الأسري الداخلي، تجعل نظام محمد ديبي في استهداف مستمر، وتفسر أن الهجوم على القصر الرئاسي قد لا يكون حدثًا عابرًا، وإنما مجرد حلقة من سلسلة أحداث أخرى قادمة.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1) تفاصيل الهجوم المسلح على الحرس الرئاسي في تشاد، موقع الوحدة، 9 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 13 يناير/كانون الثاني 2025)، https://urls.fr/De8lIt

2) نفس المصدر السابق.

3) انظر الموضوع:

Chad – Après l’attaque du palais présidentiel: Le procureur ouvre une enquête, publié le 09 Janvier 2025, vu le 13 Janvier 2025, https://urls.fr/3m1VUq

4) انظر الموضوع:

Tchad: Déby dénonce l’attaque sanglante contre son palis, des vidéos dévoilées, publié le 09 Janvier 2025, vu le 13 Janvier 2025, https://urls.fr/-HVtaw

5) يمكن متابعة خطاب الرئيس التشادي، محمد ديبي، على الرابط التالي: https://urls.fr/KsZBjM

6) ترقية إلى رتبة مشير: مراسم تسليم الشارات لرئيس الجمهورية المشير محمد إدريس ديبي إتنو، موقع الرئاسة التشادية، 21 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 15 يناير/كانون الثاني 2025)، https://urls.fr/ch3cFX

7) تشاد والسنغال لماكرون: الأفارقة لعبوا دورًا حاسمًا في "تحرير" فرنسا، موقع الأخبار، 7 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 15 يناير/كانون الثاني 2025)، https://urls.fr/3l8qck

8) عشرات القتلى بينهم حوالي عشرة من رجال الأمن خلال مظاهرة في تشاد، موقع أورو نيوز، 20 اكتوبر/تشرين الأول 2022، (تاريخ الدخول: 15 يناير/كانون الثاني 2025)، https://urls.fr/w9cxda

9) مقتل زعيم المعارضة في تشاد بهجوم للجيش على مقر حزبه، موقع الجزيرة نت، 29 فبراير/شباط 2024، (تاريخ الدخول: 15 يناير/كانون الثاني 2025)، https://urls.fr/2qHqfZ

10) تشاد: مقتل أكثر من أربعين جنديًّا في هجوم لبوكو حرام على قاعدة عسكرية، موقع فرانس 24، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024، (تاريخ الدخول: 17 يناير/كانون الثاني 2025)، https://urls.fr/eriT9-

11) يقودها الرئيس التشادي.. عملية عسكرية إقليمية ضد بوكو حرام، موقع الجزيرة نت، 1 أبريل/نيسان 2020، (تاريخ الدخول: 17 يناير/كانون الثاني 2025)، https://urls.fr/XS-saf

21) تشاد تلوح بالانسحاب من القوة الأمنية متعددة الجنسيات في بحيرة تشاد، مركز الصحراء للدراسات والاستشارات، 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، (تاريخ الدخول: 17 يناير/كانون الثاني 2025)، https://urls.fr/6reasp

31) الجيش التشادي يقضي على 96 عنصرًا من بوكو حرام في عملية حسكانيت بمنطقة بحيرة تشاد، موقع وكالة الأنباء المغربية، 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، (تاريخ الدخول: 17 يناير/كانون الثاني 2025)، https://urls.fr/VTAbzm

41) انخفاض المشاركة بانتخابات تشاد بسبب مقاطعة المعارضة، موقع الجزيرة نت، 29 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 17 يناير/كانون الثاني 2025)، https://urls.fr/8iisDE

51) انظر الموضوع:

Tchad: la date de retrait des forces françaises fixée au 31 janvier 2025 «non négociable» (PM), publié le 08 Janvier 2025, vu le 18 Janvier 2025, https://urls.fr/-VkSIL

61) انظر الموضوع:

Au Tchad, les politiques entre soutien et questionnement après l’attaque du palais présidentiel, publié le 11 Janvier 2025, vu le 18 Janvier 2025, https://urls.fr/w6vEYo

71) نفس المصدر السابق.

81) الخارجية الروسية تدين الهجوم الإرهابي على القيادة الشرعية في تشاد، موقع روسيا اليوم، 9 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 18 يناير/كانون الثاني 2025)، https://urls.fr/Un5y-g

91) انظر الموضوع:

Déclaration de la Chine sur l’attaque contre la présidence du Tchad, publié le 12 Janvier 2025, vu le 18 Janvier 2025, https://urls.fr/fdouo6

20) انظر الموضوع:

Communiqué de presse sur l’attaque du palais présidentiel, à N’Djamena, en République du Tchad, publié le 13 Janvier 2025, vu le 18 Janvier 2025, https://urls.fr/CfG2w2