
تعتبر الحرب من الأمور شديدة التأثير على أساسيات اقتصاد أي دولة خاصة في العالم الثالث؛ حيث يترتب على أي حرب، مهما كان حجمها، آثار اقتصادية واجتماعية شديدة الخطورة على شعب الدولة ومؤسساتها وبنيتها التحتية؛ إذ من المتوقع أن يقع آلاف أو ملايين الأشخاص تحت خط الفقر، كما أن مستويات الاستهلاك ستستمر في الانخفاض عن مستواها قبل الصراع، وهو الأمر الذي يدل على أن شعب الدولة سيُعاني من تأثيرات الحرب لفترة ليست بالقليلة، خاصة الآثار الاجتماعية والنفسية بجانب التدمير الذي يحدث في البنية التحتية، والذي يصعب على أي اقتصاد تداركه بشكل سريع.
الاقتصاد السياسي لحرب أبريل/نيسان 2023
هناك سمات أساسية لاقتصادات الحرب، خاصة الحروب ذات الطابع الأهلي التي تتقاتل فيها السلطة مع المجموعات المتمردة، من أبرز هذه السمات(1):
أولًا: تنطوي الحرب على تدمير الاقتصاد الرسمي، أو التحايل عليه، وعلى نمو الأسواق غير الرسمية والسوداء، مما يؤدي إلى طمس الخطوط بين القطاعات والأنشطة الرسمية وغير الرسمية، وحتى تلك الإجرامية.
ثانيًا: يسود في مثل هذه الحروب النهب والابتزاز والعنف المتعمد ضد المدنيين، وذلك من أجل سيطرة المقاتلين على الأصول المُربحة، وعلى الشبكات التجارية وتحويلات المغتربين.
ثالثًا: يتسم اقتصاد الحرب بعدم المركزية والسيطرة على وسائل الإنتاج والتبادل، وينمو فيه الاستغلال المشروع أو غير المشروع للموارد الطبيعية المربحة.
رابعًا: في اقتصاد الحرب تزدهر شبكات الجماعات المسلحة، وتتنامى عمليات التهريب وشبكات التجارة العابرة للحدود، فتصب هذه العمليات في صالح المرتزقة وتجار الأسلحة، والذين قد يكون لكل منهم مصلحة راسخة في استمرار النزاع وعدم الاستقرار.
ينطوي اقتصاد الحرب كذلك على ظواهر التهميش وانعدام الأمن، خاصةً لدى الفئات الأضعف كالنساء والأطفال، والتي تتأثر على نحو غير متكافئ بالتداعيات السلبية للنزاع واقتصاديات الحرب. فتُعاني النساء مثلًا، لاسيما في خلال فترة النزاع العنيف، من عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية، وتكون فيها أيضًا عرضة للاستغلال أو العنف الجسدي. بجانب ازدياد عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية، أثناء الحرب وما بعدها، وتوسع الهوة بين من يملك –أي النخب القائمة– ومن لا يملك –أي العمال والطبقات الأكثر تهميشًا- ومن ثم يترتب على ازدياد عدم المساواة تقويض لفرص المعافاة وبناء السلام(2).
تقتضي أي مناقشة لرؤية متماسكة للحرب في السودان من منظور الاقتصاد السياسي التنقيب في الروابط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين الحرب الحالية والتاريخ الطويل للسودان في الحروب والنزاعات المسلحة؛ حيث يبدو عامل الاقتصاد السياسي في حرب السودان الحالية حاضرًا بوضوح؛ حيث تعرَّض اقتصاد البلاد لصدمة كبيرة في جميع قطاعاته؛ فالحرب الحالية هي الأكثر تدميرًا من الحروب التي اندلعت في السودان من قبل، وكانت محركًا هائلًا للتغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في السودان، وأثَّرت الحرب في اقتصاد السودان المتداعي ومجتمعه بطرق مختلفة وعلى مستويات عدة؛ حيث يقدِّر اقتصاديون قيمة خسائر الاقتصاد السوداني بـ600 مليار دولار منذ اندلاع الحرب(3).
تشير تقديرات المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية إلى فقدان السودان نحو 15 مليار دولار بحلول نهاية العام 2023، أي ما يعادل 48% من الناتج الإجمالي القومي بسبب الحرب. ما يعني تقلص مساهمة قطاعات الصناعة والخدمات والزراعة في الناتج الإجمالي القومي بما يعادل 70% و49% و21% على التوالي. بالإضافة إلى فقدان نصف القوى العاملة بالبلاد (5.2 ملايين) وظائفهم؛ حيث يتوزع فقدان الوظائف بين قطاعات الخدمات والصناعة والزراعة بمعدل 2.700 مليون، و2 مليون و400 ألف على التوالي. بالإضافة إلى ذلك سيصل انخفاض دخل الأسر الحضرية إلى 51%، بينما سينخفض دخل الأسر الريفية بنسبة 44%. وسينخفض الدخل بشكل عام بنسبة 48.3% بالمقارنة مع عام 2021. كما سيرتفع معدل الفقر من 61.1% في العام 2021، أي ما يعادل 26.4 مليون، إلى 65.6% في نهاية 2023، ما يعني دخول مليوني شخص إلى دائرة الفقر وارتفاع العدد الكلي إلى 28.4 مليونًا(4).
من أبرز تمظهرات الاقتصاد السياسي لحرب السودان ظهور دور الجهات الداعمة لقوات الدعم السريع، والتي تُشكِّل مسألة الأمن الغذائي والمياه واحدة من أكبر اهتماماتها ومشاغلها، لذا جاء استيلاء الدعم السريع على مشروع الجزيرة لما يتميز به من خصوبة أراضيه وسهولة زراعته وانخفاض تكلفة تشغيله النسبية، وانتهاج قوات الدعم السريع لمنهج التهجير القسري لسكان ولاية الجزيرة للاستيلاء على أراضي المواطنين الأصليين، وبروز ظاهرة المستوطنين الجدد، الذين استقروا في المساكن الأصلية للمدنيين النازحين واحتلوها، وهو ما يشابه ما وصفت به جورجيت غاغنون، نائبة مدير قسم إفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش في عام 2004 منهج مليشيات الجنجويد (التمظهر السابق لقوات الدعم السريع الحالية) بالقول: "إن الميليشيات لا تزهق أرواح الأفراد فحسب، بل تدمر سبل رزق عشرات الآلاف من العائلات؛ والمستهدفون من هذا هم المزارعون في المنطقة"، وأشارت هيومان رايتس ووتش في نفس التقرير الصادر عن المنظمة بعنوان (السودان: فظائع واسعة النطاق في دارفور)، في 2 أبريل/نيسان 2004، إلى أن الميليشيات الجنجويدية المتحالفة تعتمد على "إستراتيجية التهجير القسري" التي تتضمن "تدمير القرى بشكل ممنهج" و"القتل والاغتصاب والسلب والنهب على أيدي الميليشيات" و"حرق وتدمير المزارع والأراضي". وبالإضافة إلى ذلك، أورد التقرير "قتلت القوات الحكومية والميليشيات الموالية لها بضعة آلاف من المدنيين من أبناء جماعات الفور، والزغاوة، والمساليت، ودرجت على اغتصاب النساء والفتيات، واختطاف الأطفال، ونهب عشرات الآلاف من رؤوس الماشية، وغيرها من الممتلكات. وفي العديد من أنحاء دارفور، تعمدت هذه الميليشيات حرق المئات من القرى، وتدمير موارد المياه، وغيرها من منشآت البنية التحتية؛ مما يزيد من صعوبة عودة السكان السابقين". وهذه هي نفس الممارسات التي شاهدنا تكرارها اليوم من قبل قوات الدعم السريع في قرى الجزيرة ودارفور وفي ولاية الخرطوم وغيرها من المناطق التي تصل إليها(5).
تداعيات الحرب على اقتصاديات غذاء السودانيين
تسببت الحرب التي تدور في السودان، منذ الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023، في تشوهات كبيرة في البنية الإنتاجية لقطاع الزراعة بشقيه، النباتي والحيواني، خاصة في مناطق احتدام الصراع في ولاية الخرطوم والجزيرة وسنار، وأصيب القطاع الإنتاجي في كثير من مناطق البلاد بالشلل، وأدى انقطاع سلاسل الإمداد لتحطيم كامل لمنظومات إنتاج الدواجن والتي تتركز حول الخرطوم وكذلك إنتاج الخضر والفاكهة. وحال تعثر النقل ووقوف وخراب الأسواق وغياب المال والتمويل والمعينات دون إكمال عمليات الحصاد وعمليات التبادل التجاري المعهودة والتي تتم دائمًا بعد حصاد العروة الشتوية في مارس/آذار وأبريل/نيسان من كل عام، والتي من محاصيلها الحبوب والبقوليات الشتوية والأعلاف، وهو ما ترتب عليه آثار كارثية للأمن الغذائي لأهل السودان خاصة والإقليم عامة خاصة العروة الصيفية، مع انقطاع سلاسل الإمداد وصعوبة وصول المدخلات حتى في حدها الأدنى وهو ما ينذر بفشل الموسم الزراعي والذي ينتج الحبوب خاصة الذرة والدخن والحبوب الزيتية والبقوليات الصيفية والمحاصيل النقدية التي تؤمِّن الغذاء وسبل العيش لكثير من أهل السودان(6).
تعمل نحو 80% من القوة العاملة في السودان في قطاع الزراعة بشقيه، النباتي والحيواني، الذي يُسهم بنسبة 32.7% من إجمالي الناتج المحلي الذي بلغ 34.3 مليار دولار في نهاية 2021، وفق البنك الدولي. وتراجعت مساحة الأراضي القابلة للزراعة بعد انفصال جنوب السودان إلى 170 مليون فدان، بعد أن كانت في حدود 200 مليون فدان، ولدى السودان 5 مشاريع زراعية مروية (من مياه النيل أو الآبار) يعتمد عليها في تكوين المخزون الإستراتيجي من الحبوب الغذائية مثل الذرة والدخن، بجانب المداخيل النقدية للصادر من القطن والفول السوداني والسمسم، وتأمين جزء من احتياجات البلاد من القمح، وأكبر هذه المشاريع هو مشروع الجزيرة الذي يوجد في ولاية الجزيرة وسط السودان، والذي يعد أيضًا أكبر مشروع بإفريقيا يُروى انسيابيًّا (بالغمر) من النيل الأزرق، بجانب مشروعات السوكي، وحلفا الجديدة، والرهد، ودلتا طوكر شرقي البلاد(7).
أظهر تقرير للبنك الزراعي السوداني المختص بتمويل النشاط الزراعي، تراجع الإنتاج الزراعي بالبلاد نتيجة للحرب؛ حيث بلغ إنتاج الموسم الزراعي الصيفي الماضي من الذرة نحو 3 ملايين طن مقارنة بـ5 ملايين طن في الموسم السابق عليه قبل اندلاع الحرب، و633 ألف طن من الدخن مقارنة بأكثر من مليوني طن في الموسم السابق عليه، كما تراجع القمح من 476 ألف طن إلى 377 ألف طن، وعزا التقرير تراجع الإنتاج إلى انخفاض المساحات، التي تمت زراعتها من أكثر من 46 مليون فدان حسب المخطط إلى نحو 35 مليون فدان، بسبب تأثر ولايات الجزيرة وكردفان ودارفور بتدهور الوضع الأمني، وصعوبة نقل مدخلات الإنتاج من التقاوي والأسمدة والوقود وارتفاع أسعارها، وضعف التمويل المصرفي، وعدم حصاد حوالي 7 ملايين فدان بسبب الأوضاع الأمنية، وبلغت صادرات البلاد من الحبوب في الموسم الماضي حوالي 1.6 مليون طن في مقابل استيراد 2.3 مليون طن من السلع الغذائية(8).
تؤكد منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو) أن الحرب في السودان تركت أثرًا كبيرًا على إنتاج الحبوب فيه، ويُقدر إنتاج الذرة الرفيعة والدُخن والقمح لسنة 2023 بنحو 4.1 ملايين طن، أي بتراجع قدره 46% عن الناتج المحقق في السنة السابقة، وبانخفاض نسبته 40% مقارنةً بالمتوسط للسنوات الخمس الماضية، نتيجة آثار الاشتباكات والنزاعات وأعمال العنف على إنتاج الأغذية. وبعد مرور أكثر من عام على الحرب، يعاني نحو 18 مليون شخص في السودان من تدهور الأمن الغذائي الحاد، ويتركز العدد الأكبر من أشد السكان تضررًا في المناطق التي يحتدم فيها النزاع، والتي تشمل إقليمي دارفور الكبرى وكردفان الكبرى وولاية الخرطوم(9).
في ديسمبر/كانون الأول 2024، سيطرت قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة وسط البلاد التي تضم مشروع الجزيرة الذي يسهم بنسبة 65% من إنتاج البلاد من الذرة والقمح والقطن؛ مما أدى لخروج المشروع من الدورة الزراعية لأول مرة في تاريخه بسبب الحرب الجارية؛ مما ضاعف من حجم المعاناة الإنسانية في البلاد، بجانب توسع عمليات القتال في أجزاء واسعة من ولاية سنار، وأصبحت تهدد ولاية القضارف التي تضم مساحات واسعة من مشاريع إنتاج الدخن والذرة والسمسم، كما واجه الموسم الزراعي الصيفي خلال هذا العام في كردفان ودارفور تحديات أدت لتراجع المساحات بصورة أكبر؛ بسبب الأوضاع الأمنية وغياب دور الدولة، وتخوف المزارعين الاعتداءات ونهب أو تلف محاصيلهم من قبل الرعاة، إضافة للظروف المعيشية القاسية التي يمر بها إنسان المنطقة من فقر ونزوح بعد أن عطَّلت الحرب سبل كسب عيشهم، واستهلاك مدخراتهم بسبب تطاول أمد الحرب.
هل ثمة ملامح للمجاعة في السودان؟
يُصور الباحثون المجاعات المعاصرة -المعروفة باسم "المجاعات الجديدة"- باعتبارها إخفاقات منهجية، أو نتيجة لجرائم تُرتكب أثناء النزاعات المسلحة. هذا النهج النظري لا يُعرِّف المجاعة على أنها نقص في الغذاء المتاح أو صعوبة الحصول على الغذاء فحسب، بل على أنها إخفاقات في المساءلة والاستجابة. ومن خلال تسليط الضوء على المساءلة، تركز النظرية الجديدة للمجاعة الاهتمام على الجهات الفاعلة والنظم التي تتسبب في حالات المجاعة(10).
وفقًا لأحدث وثيقة لنظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الذي تم تطويره عام 2004 من قبل وحدة تحليل الأمن الغذائي والتغذية التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، يواجه حوالي 25.6 مليون شخص -أكثر من نصف سكان السودان- في مرحلة الأزمة أو أسوأ من ذلك من انعدام الأمن الغذائي، ومن بين هؤلاء يعاني 8.5 ملايين شخص من مستويات طوارئ من الجوع، بينما وصلت حالة أكثر من 755 ألف شخص في السودان إلى المستوى الخامس، وهي حالة المجاعة الكارثية، أي أقصى معدلات تصنيف المجاعة في عشر ولايات بما في ذلك دارفور الكبرى (جميع ولايات دارفور الخمس)، وولايات جنوب وشمال كردفان، والنيل الأزرق، والجزيرة، والخرطوم. وتُظهر تقارير أخرى أن خطر المجاعة مرتفع في 14 منطقة في ولايات دارفور الكبرى وكردفان الكبرى والجزيرة وبعض النقاط الساخنة في الخرطوم إزاء تصاعد النزاع وتقييد وصول المساعدات الإنسانية وعدم قدرة الأسر على الانخراط في الزراعة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية. وقد تفاقم الوضع بسبب الخلل الشديد في خدمات الرعاية الصحية وتلوث المياه وسوء حالة الصرف الصحي والنظافة الصحية التي تؤدي إلى مزيج قاتل من الجوع وسوء التغذية والمرض(11).
أظهر تقرير حكومي حول تقييم الموسم الزراعي الماضي، تراجع إنتاج الموسم الزراعي الماضي من الذرة والقمح بنسب مقدرة، وتراجع الدخن إلى (633) ألف طن مقارنة بأكثر من مليوني طن في الموسم السابق عليه. وعزا التقرير تراجع الإنتاج إلى انخفاض المساحات، التي زُرِعَت من 46 مليون فدان حسب المخطط إلى نحو 35 مليون فدان، بسبب تأثر ولايات الجزيرة وكردفان ودارفور بتدهور الوضع الأمني، التي تسببت في صعوبة نقل مدخلات الإنتاج من التقاوي والأسمدة والوقود وارتفاع أسعارها، بجانب ضعف التمويل المصرفي، وتعرض نحو (7) ملايين فدان للتلف بسبب الأوضاع الأمنية. غير أن الوضع بالنسبة لمزارعي القطاع المطري في إقليمي دارفور وكردفان غربي السودان يبدو أحسن حالًا من واقع القطاع المروي؛ إذ يعتمد غالبيتهم على أموالهم الخاصة في عمليات الزراعة، والتي تتم بشكل يدوي تقليدي لسد الاحتياجات المحلية، لكن مساهمة هذا القطاع في الإنتاج الكلي تظل محدودة مقارنة بالقطاع المطري الكبير.
يسود تخوف وسط قطاع واسع من سكان إقليم دارفور وكردفان حيال توقف وصول الذرة والدخن التي تأتيهم من ولايات وسط البلاد؛ بسبب سيطرة قوات الدعم السريع على هذه الولايات الإنتاجية، وتعرض المشاريع والآليات الزراعية ووسائل النقل والتقاوي والأسمدة للنهب. وبالرغم من التحديات الأمنية، فإن توقعات حدوث فجوة غذائية جعلت صغار المزارعين يواجهون التحديات الأمنية، ويخرجون بأعداد كبيرة لفلاحة مزارعهم خاصة في محليات ولايات شرق، وجنوب، وغرب دارفور.
وفي ولاية شرق دارفور استشعر السكان خطر المجاعة في ظل شح المساعدات الانسانية التي لا تغطي إلا نسبة 1% من حاجة المدنيين في الولاية، بحسب تقديرات مفوضية العون الإنساني بالولاية، بعد تمدد الحرب إلى الولايات الإنتاجية في البلاد مما جعل المزارعين يتوجهون بجهدهم الذاتي لزراعة الدخن والذرة. ورغم التحديات الأمنية التي تواجه سكان الولاية، تمكنوا من زراعة مساحات واسعة لأول مرة من الدخن والذرة في شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيين، لارتفاع أسعار المحصولين القادمة من شرق وشمال البلاد؛ مما حفز المزارعين على زراعتها بدلًا من المحاصيل الأخرى، مثل الفول السوداني للتصدير نتيجة ارتفاع تكاليف النقل وإحجام المصدِّرين عن شراء إنتاج الموسم السابق، بسبب غلق الطرق من قبل قوات الدعم السريع، والرسوم التي تفرضها ميليشيات أهلية مسلحة على الشاحنات، ويرى مزارعون أن التهديد الحقيقي للزراعة يأتي من قبل الرعاة الذين يحملون السلاح ويرتدون الزي العسكري، ولا يخضعون إلى أي جهة، ويخططون لمنع المزارعين من زراعة مساحات واسعة، حتى تصبح المزارع مراعي لماشيتهم(12).
الجوع في السودان: مجاعة أم تجويع؟
توقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة كبيرة بسبب الحرب واستمرارها دون أفق واضح لحل سريع؛ حيث دمرت الحرب القاعدة الصناعية والإنتاجية والخدمية في البلاد، وأخرجت مساحات زراعية واسعة من الإنتاج، وأوقفت النشاط الاقتصادي بما في ذلك الخدمات التجارية والمالية وتآكلت مقدرات الدولة في مختلف المجالات.
كما جعل تواصل الحرب الموسم الزراعي مهددًا بسبب تمدد الحرب من إقليم دارفور غربًا حتى ولايتي الخرطوم والجزيرة وسط البلاد، وصولًا إلى ولاية سنار جنوبي شرقي البلاد، والتي سبقتها خيبة آمال المزارعين جرَّاء الموسم السابق الذي شهد تدنيًا في الإنتاج وانخفاضًا في الأسعار وما أعقبهما من كساد أدى إلى تعثر المزارعين في سداد التزاماتهم تجاه المصارف بعد حصولهم على تمويل. وبالتالي، توقف نشاط كبار مزارعي القطاع المطري، وتقلصت الرقعة المزروعة لتقليل الصرف على مدخلات الإنتاج، والاتجاه لزراعة تقليدية في مساحات محدودة تسد حاجة المزارع ومواشيه فقط، نتيجة التهديدات الأمنية التي تستهدف المعدات والآليات، بالإضافة إلى ضعف التسويق والصادرات.
يرى مراقبون أن ما يحدث في السودان هو تجويع وليس مجاعة، وتخاذل، بل تواطؤ المجتمع الدولي مع تحويل التعامل مع الكارثة السودانية إلى مجرد شعارات كلامية، عبر تناول هذه المعاناة الإنسانية المتزايدة وكأنها مسألة نظرية تتراوح فيها وجهات النظر. وتبرير الكارثة والمعاناة الإنسانية بأنها نتاج حرب 15 أبريل/نيسان 2023 وحدها، هو تحليل قاصر، فالحرب في العصر الحاضر لها قوانينها وقواعدها التي تحكم سلوك الأطراف المتقاتلة لتحد من تأثير القتال على المواطنين المدنيين، لكن قوات الدعم السريع، منذ اندلاع حربها مع الجيش السوداني، اتبعت إستراتيجية حصار التجويع التي استهدفت الضغط على المواطنين لإخضاعهم أو إجبارهم على الانضمام إليها؛ حيث حاصرت قوات الدعم السريع في بداية الحرب مناطق مكتظة بمئات الآلاف من السكان مثل جزيرة توتي، وأحياء مثل بانت والعباسية والفتيحاب والمهندسين في ولاية الخرطوم إبان سيطرتها على مدينة أم درمان، ومنعت خروج المواطنين منها ومنعت عنهم دخول الطعام والمؤونة، وهو ما أدى إلى تسجيل عدد من الوفيات بين المواطنين بسبب الجوع والعطش في تلك المناطق، وضربت الميليشيا حصارًا مماثلًا على المناطق التي سيطرت عليها في ولاية الجزيرة، وتم استخدام الطعام والمؤن الغذائية سلاحًا لإجبار الشباب على التجنيد والانتماء إلى صفوفها(13).
كما تم توثيق تقارير إخبارية تضمنت استقصاءً مع ما لا يقل عن 750 شخصًا بينهم على الأقل 65 من الأطفال تحت سن الثامنة عشرة، تم إجبارهم على الانضمام والتجنيد في صفوف "الدعم السريع" باستخدام التجويع والتهديدات بقطع المؤن الغذائية عن مناطقهم في ولاية الجزيرة في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار 2024. وفي 14 يوليو/تموز 2024، هاجمت "قوات الدعم السريع" قافلة لتجار محليين متجهين من قريتي فنقوقا الغربية وأم هجليجة للحصول على إمدادات من السوق الأسبوعية في أم صميمة، الواقعة على بعد 75 كيلومترًا شمال مدينة أم روابة في شمال كردفان، وأطلق أفراد قوات الدعم السريع النار عشوائيًّا على موكب التجار بغرض منعهم من الاستمرار في طريقهم؛ مما أسفر عن مقتل 23 شخصًا على الفور وإصابة العشرات، وتعطيل قوافل الإمداد.
وقد ظهر نمط ثابت مع استمرار الحرب، عندما يسيطر مقاتلو "قوات الدعم السريع" على أي منطقة مدنية، يقومون بمصادرة الطعام ويمنعونه عن المدنيين بشكل منهجي، ولم تتوقف إستراتيجية حصار التجويع عند ذلك، ولكنها امتدت إلى النهب المباشر للمعونات الغذائية. فقد درجت "قوات الدعم السريع" منذ الأيام الأولى للحرب على مهاجمة مخازن ومستودعات برنامج الأغذية العالمي (WFP) ونهبها، وفي اليوم الثاني لاندلاع الحرب، في 16 أبريل/نيسان 2023، تم نهب مستودعات البرنامج في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، مما أدى إلى فقدان ما يصل إلى 4000 طن متري من المواد الغذائية. وفي غضون شهرين، بين اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023 ويونيو/حزيران 2023، تم نهب ما لا يقل عن 162 شاحنة مساعدات و61 مكتبًا و57 مستودعًا في دارفور وحدها. وفي يونيو/حزيران 2023، قامت الميليشيا بنهب برنامج الأغذية العالمي في الأبيض، عاصمة شمال كردفان، والذي يحتوي على المساعدات الغذائية المخصصة لـ4.4 ملايين مدني في ولايات شمال وغرب وجنوب كردفان بالإضافة إلى ولايات دارفور المتاخمة. وقدرت الخسائر المسجلة لبرنامج الأغذية العالمي وحده بأكثر من 60 مليون دولار أميركي بحلول تاريخ ذلك الهجوم(14).
وفي بيان بتاريخ 28 ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلن برنامج الأغذية العالمي أن "قوات الدعم السريع" نهبت مستودعاته في ولاية الجزيرة أثناء غزوها لود مدني. وكشفت تقارير الحادث أن هذا النهب حدث على الرغم من تزويد "قوات الدعم السريع" بإحداثيات دقيقة لموقع المستودعات، وتلقي برنامج الأغذية العالمي تطمينات بأنه لن يتم نهبه. وقد نهبت "قوات الدعم السريع" في تلك الهجمة أكثر من 2500 طن متري من المساعدات الغذائية شملت مخزونًا من البقول والذرة الرفيعة والزيوت النباتية والمكملات الغذائية، كانت كافية لتغطية الاحتياجات الغذائية لـ1.5 مليون سوداني لمدة شهر إلى جانب الأطعمة المغذية المتخصصة المصممة لمنع وعلاج سوء التغذية لدى أكثر من 20 ألف طفل وامرأة حامل ومُرضع. وشملت أعمال النهب الموثقة التي قامت بها "قوات الدعم السريع" شاحنات الإغاثة والمركبات التي تنقل الإمدادات الإنسانية إلى السكان السودانيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها. ومؤخرًا، ورد في تقرير داخلي للأمم المتحدة أن قوات الدعم السريع قد نهبت أكثر من 4100 لتر من الوقود من شاحنات الإغاثة والمركبات التابعة للمنظمات الإنسانية، ذلك غير الإتاوات والرسوم التي تفرضها على المواطنين والمنظمات الإنسانية للمرور عبر خطوط مناطق سيطرتها. وبالإضافة إلى ذلك، لم تتورع "قوات الدعم السريع" عن نهب ووقف شاحنات المساعدات، حتى في المناطق التي نجت حينها من القتال الدائر، مثل شمال دارفور، حيث أفادت التقارير، في مارس/آذار 2024، بأن "قوات الدعم السريع" قامت بنهب شاحنات الإغاثة التي تحمل مساعدات منقذة لحياة الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في ولاية شمال دارفور(15).
وعلى مستوى أكثر حدة، أدت الهجمات والأعمال الحربية التي تقوم بها قوات الدعم السريع إلى تعطيل النشاط الزراعي في البلاد بشكل كبير؛ حيث أدى اجتياحها لولاية الجزيرة، في ديسمبر/كانون الأول 2023، إلى إعطاب زراعة أكثر من مليونين وأربعمئة ألف فدان من الأراضي الزراعية الخصبة والتي كان يمكن أن تسهم في معالجة الأزمة الغذائية في البلاد بشكل كبير، وأشارت دراسة مشتركة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء إلى أن نحو 60 في المئة من الأنشطة الزراعية في ولايات سنار وغرب كردفان توقفت، في حين بلغ حجم خسائر الأراضي الزراعية في ولاية الخرطوم ما نسبته 68% من الأراضي الصالحة للزراعة. ونتيجة لهذا، فإن 59% من الأسر الريفية تواجه حاليًّا في السودان مستويات انعدام الأمن الغذائي بدرجة متوسطة أو شديدة.
الحكومة والتعامل مع مؤشرات المجاعة
تعاملت الحكومة السودانية مع مؤشرات تفشي الجوع بالبلاد نتيجة تواصل توسع رقعة الحرب، بمحاولة السيطرة على التداعيات الناتجة جرَّاء استمرار الحرب الصعبة؛ فأنشأت لجنة طارئة لإنقاذ الموسم الزراعي برئاسة عضو مجلس السيادة الانتقالي مساعد القائد العام للجيش، الفريق بحري، مهندس إبراهيم جابر، وقامت هذه اللجنة بإجراء ترتيبات بالتنسيق بين كافة الوزارات المعنية بأمر الإنتاج الزراعي في البلاد لإنجاح الموسم الزراعي في مشاريع الجزيرة والنيل الأبيض والنيل الأزرق والقضارف ونهر النيل ودارفور وكردفان. وكشف جابر في تصريحات صحفية نجاح الموسم الصيفي لهذا العام 2024 الذي شهد زراعة 39 مليون فدان، منها 19 مليون فدان مخصصة للذرة، في ظروف حرجة وصعبة واجهها المزارعون بسبب تداعيات استمرار الحرب، مشيرًا إلى أن العروة الصيفية تركزت هذا العام في إنتاج غذاء غالب أهل السودان من الذرة والدخن والمحاصيل ذات القيمة العالية مثل الفول السوداني والسمسم والمحاصيل البستانية من الخضر والفاكهة، وأكد أن هذا المجهود كان نتاج تنسيق الجهود بين المزارعين ووزارة الزراعة ووزارة الري والبنك الزراعي، وطمأن المواطنين بأن المخزون الإستراتيجي للبلاد يكفي الحاجات الأساسية للسكان.
كما نفذ برنامج الأغذية العالمي بتمويل من البنك الإفريقي للتنمية تجربة حققت نجاحًا في زراعة القمح بالموسم الماضي أدت إلى زيادة إنتاج القمح بنسبة 70% في مواقع المشروع المستهدفة في خمس ولايات، هي: الجزيرة، وكسلا، ونهر النيل، والنيل الأبيض، والشمالية. وأكدت تقارير حكومية أنه لا توجد فجوة غذائية في السودان؛ إذ إن إنتاج الذرة والقمح يبلغ أكثر من 3.3 ملايين طن، مع وجود أكثر من 2.5 مليون طن من المخزون الإستراتيجي، وقام المركز الدولي لتحسين الذرة والقمح (CIMMYT)، بزراعة (50) ألف فدان كمنحة للمزارعين بمشروع حلفا الزراعي، وقام بعمليات تحضير الأرض وتوفير التقاوي وزراعتها، بجانب توفير الأسمدة ومبيدات الحشائش، بتمويل من المعونة الأميركية (USAID)، وهذا المشروع هدفه توفير الأمن الغذائي في ظل ظروف الحرب التي يعيشها السودان(16).
وقامت الحكومة بمجهودات أخرى في ظل ظروف الحرب لتلافي نذر مجاعة محتملة أو أي نقص في الغذاء بمواصلة الجهود لتأمين الغذاء والإنتاج الزراعي في كافة المناطق الآمنة بالبلاد، واتخاذ كافة التدابير الجيدة التي تمكِّن من تجاوز الصعوبات والتحديات. ونفي وزير الزراعة السوداني، أبو بكر البشري، وجود مجاعة في السودان، وشكَّك في دقة بيانات الأمم المتحدة التي تشير إلى أن 755 ألف شخص يعانون من جوع كارثي، وقال: إن عدد المتضررين من الجوع فى السودان ليس كبيرًا مقارنة بعدد السكان الكلي الذي يبلغ حوالي 50 مليون نسمة، معتبرًا أن الحديث عن مجاعة غير دقيق، وأشار إلى أن المنظمات الإغاثية الدولية تطالب بتجاوز القيود الحدودية المفروضة من قبل الجيش لتوصيل المساعدات، وهو ما ترفضه الحكومة السودانية، مشككًا في قدرة الخبراء على جمع البيانات من المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وقال: "يمكن إعلان المجاعة رسميًّا إذا تعرض 20% من سكان منطقة معينة لأوضاع جوع كارثية؛ ما يستدعي تدخل المجتمع الدولي، ومعايير سوء التغذية في السودان لم تحدد بعد بدقة"(17).
ولفت وزير الزراعة إلى أن تقرير منظمة الأغذية والزراعة العالمية قبل أشهر ذكر أن السودان أنتج أكثر من 3.1 ملايين طن من الذرة تكفيه حتى الموسم المقبل، وبه مخزون إستراتيجي من الموسم الشتوي الماضي، وأكدت لجنة حصر إنتاجية القمح أن هناك 761 ألفًا و300 طن أُنتجت رغم الحرب وخروج نصف ولاية الجزيرة من دائرة الإنتاج، وأكد الوزير أن "السودان لن يجوع، وما يتردد من مجاعة هو محض حديث لإشاعة الإحباط"، متسائلًا عن كيفية إجراء المسوحات التي تتحدث عن معاناة أكثر من 25 مليون نسمة من نقص غذائي حاد في ظل سيطرة قوات الدعم السريع، وقال: "مشكلتنا ليست المنتج، كما تقول تقارير الأمم المتحدة، بل هي في كيفية إيصال هذا الغذاء للمواطنين المستحقين في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع".
ونفت مفوضية العمل الإنساني السودانية في بيان لها ما ورد من شبكة الإنذار المبكر للمجاعة، في الأول من أغسطس/آب 2024، حول الأوضاع الإنسانية بمعسكر زمزم للنازحين بالفاشر، وأن تقرير مفوضية العون الإنساني بشمال دارفور، في 3 أغسطس/آب 2024، قد أفاد بأن زيارة مشتركة للجهات الحكومية المعنية وبعض المنظمات العالمية تمت، في 23 يونيو/حزيران 2024، لمعسكر زمزم كشفت عن استقرار الوضع الإنساني، وأن المنظمات تقوم بتقديم المساعدات في قطاع الصحة والتغذية والرعاية الصحية الأولية والصحة الإنجابية، وهذه المنظمات هي أطباء بلا حدود الفرنسية والتضامن العالمية ومنظمة الإغاثة الدولية(18).
وخلال جلسة خاصة عقدها مجلس الأمن للأمم المتحدة، في بداية شهر يناير/كانون الثاني 2025، أصر مندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة "الحارث إدريس" على نفي بلاده للإحاطة الأممية الصادرة، بتاريخ 24 ديسمبر/كانون الأول 2024، بما وصفه بمزاعم انتشار المجاعة في خمس ولايات في البلاد، مشيرًا إلى أن "المجاعة في السودان مفتعلة"، وأن حكومة بلاده ترفض تقرير التصنيف المرحلي "لافتقاره إلى الدقة والشفافية". كما رفض مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، التدخل في الشؤون الداخلية للسودان، مشيرًا إلى أن هناك جهات تعمد إلى "تسييس واستغلال موضوع المجاعة"، وتحرص على وقوعها بشكل حقيقي في السودان، من أجل الضغط على الحكومة السودانية. ونوَّه المندوب الروسي إلى ضرورة تركيز الجهود لدعم الحكومة، و"تجنب القيام بأعمال تخريبية بذريعة المساعدات الإنسانية"(19).
وكانت مديرة قسم العمليات في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة "أوتشا"، إيديم ووسورنو، قد أكدت أن السودان هو البلد الوحيد في العالم الذي "تم تأكيد المجاعة فيه حاليًّا"، وقالت: إن الجوع والمجاعة ينتشران بسبب القرارات التي تُتخذ كل يوم لمواصلة هذه الحرب، وإن خطة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2025 ستتطلب مبلغًا قياسيًّا قدره 4.2 مليارات دولار لدعم ما يقرب من 21 مليون شخص داخل السودان، مضيفة أن هناك حاجة إلى 1.8 مليار دولار إضافية لدعم خمسة ملايين شخص -معظمهم من اللاجئين- في سبع دول مجاورة. وقالت: "إن حجم الاحتياجات غير المسبوق في السودان يتطلب تعبئة غير مسبوقة للدعم الدولي"(20).
الحرب وسيناريوهات المجاعة في السودان
يتضح من فحص جوانب من الاقتصاد السياسي لحرب أبريل/نيسان 2023 التي ما زالت رحاها تدور في السودان، يمكن القول: إن مؤشرات انزلاق البلاد إلى مجاعة ما زالت ماثلة نتيجة المترتبات القاسية لهذه الحرب على اقتصاد السودان والزراعة تحديدًا التي تمثل عماد هذا الاقتصاد، وهناك مجموعة سيناريوهات ترتسم ملامحها في الأفق حول المجاعة المتوقعة حال استمرار الحرب أو توقفها، وهي كالآتي:
- سيناريو فشل جهود إيقاف الحرب، وإيقاف تمدد قوات الدعم السريع في الولايات الزراعية المنتجة؛ مما يعني بروز مؤشرات نقص الغذاء نتيجة تداعيات الحرب وتقلص مساحات الأمان، وبالتالي تحقق ظهور المجاعة في ظل عجز الحكومة والمنظمات الوطنية والدولية عن إيصال الغذاء للمتضررين في مناطق سيطرة الدعم السريع.
- سيناريو التعافي البطيء من مؤشرات انهيار الاقتصاد وتفشي الجوع؛ حيث إن التدمير الذي حدث في البنية التحتية للسودان ليس بالسهل على الاقتصاد أن يتداركه بشكل سريع، وسيترتب عليه آثار اجتماعية شديدة الخطورة على السودان؛ إذ من المتوقع أن يقع ملايين السودانيين تحت خط الفقر.
- سيناريو فلاح السياسات والأنشطة الحكومية في تلافي المجاعة بتشديد تدابير إنجاح المواسم الزراعية وزيادة رقعة المساحات المزروعة، وزيادة مساحات الأمان التي تسمح بالنشاط الزراعي وحصاد المحصولات وتسويقها؛ مما يعني توافر الغذاء بأسعار مناسبة لغالب المواطنين، والحيلولة دون ظهور مجاعة في المدى المنظور حال استمرار الحرب.
(1) فتحي علي، الأجندة الاقتصادية للعنف ودورها في استمرار الصراعات والحروب الأهلية: دراسة للحالة الليبية، مركز منافع لحقوق الإنسان، 6 يوليو/تموز 2021، (تاريخ الدخول: 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://defendercenter.org/ar/5504#_ftn2
(2) المؤتمر الخامس: اقتصاد الحرب: النزاع وعسكرة الاقتصاد، شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، 5 أكتوبر/تشرين الأول 2020، (تاريخ الدخول: 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://shorturl.at/H95Xt
(3) منى عبد الفتاح، كيف غيرت الحرب واقع السودانيين الاقتصادي؟، إندبندنت عربية، 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، (تاريخ الدخول: 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)،https://shorturl.at/Ixjp6
(4) Siddig, Khalid & Raouf, Mariam & Ahmed, Mosab O. M., 2023. "The economy-wide impact of Sudan’s ongoing conflict: Implications on economic activity, agrifood system and poverty, International Food Policy Research Institute (IFPRI), In: https://ideas.repec.org/p/fpr/ssspwp/12a.html .
(5) أمجد فريد الطيب، أجندة الاقتصاد السياسي للحرب في السودان.. ما الذي تريده قوات الدعم السريع من ولاية الجزيرة؟، موقع فكرة للدراسات والتنمية، (تم الدخول في 1 فبراير 2025) https://www.fikrasd.com/home-publication/139
(6) النور أحمد النور، هل يجنب الموسم الزراعي الجديد السودان الجوع والعجز الاقتصادي؟، الجزيرة نت، 2 يوليو/تموز 2024، (تم الدخول في 1 فبراير 2025) https://shorturl.at/ZtMQC
(7) المرجع السابق.
(8) جوع متفاقم في السودان: تأثير الحرب على الإنتاج الزراعي، سودان ليكس، 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، (تاريخ الدخول: 7 فبراير/شباط 2025)، https://shorturl.at/aSZY0
(9) Sudan: Cereal production down by over 40 percent, likely exacerbating hunger, 16-4-2024, In: https://www.fao.org/newsroom/detail/sudan--cereal-production-down-by-over-40-percent--likely-exacerbating-hunger/en .
(10) Maia Baldauf, Reframing Famine: New Approaches and Food System Accountability in Yemen ,October 16, 2021, In: https://sanaacenter.org/publications/main-publications/15312
(11) Sudan: Acute Food Insecurity Situation for April - May 2024 and Projections for June - September 2024 and October 2024 - February 2025, visit : 1-10-2024, in: https://www.ipcinfo.org/ipc-country-analysis/details-map/en/c/1157066/?iso3=SDN
(12) "معارك في الحقول".. السودانيون وتحدي الجوع، شبكة عاين، 18 يوليو/تموز 2024، (تم الدخول في 4 فبراير 2025) https://3ayin.com/agriculture-5/
(13) المرجع السابق.
(14) أمجد فريد الطيب، المجاعة في السودان... مأساة بفعل فاعل، مجلة المجلة، 31 يوليو/تموز 2024، (تاريخ الدخول: 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://shorturl.at/Vctw4
(15) المرجع السابق.
(16) إسراء أحمد فؤاد، وزير الزراعة السوداني يوضح حقيقة المجاعة، اليوم السابع، 26 يوليو/تموز 2024. (تم الدخول في 3 فبراير 2025)
(17) إبراهيم شقلاوي، هل أفلح السودان في تجاوز المجاعة المحتملة؟، المقرن الإخبارية، 14 سبتمبر/أيلول 2024، (تم الدخول في 1 فبراير 2025) https://almuqrin.org/?p=1404
(18) عادل الباز، طبول الصفيح (5-5)، تسامح نيوز، 11 أغسطس/آب 2024، (تاريخ الدخول: 18 نوفمبر/تشرين الثاني)، https://shorturl.at/Wvc5W
(19) الحكومة السودانية تندد بـ"مجاعة مفتعلة" في مجلس الأمن.. في ظل تدهور الوضع الأمني، إذاعة مونت كارلو، 7 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 7 فبراير/شباط 2025)، https://shorturl.at/PoBYA
(20) UN sounds alarm over situation in Sudan “in grip of famine and crisis of staggering proportions”, Europe and Arabs , 7 January 2025,in: https://europe-arabs.com/en/news/5814