ضربات واشنطن للحوثيين: بين حماية الملاحة الدولية وكبح النفوذ الإيراني

إحدى القطع الحربية التابعة للقيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) التي شاركت أمس في سلسلة العمليات العسكرية ضد أهداف تابعة للحوثيين في أنحاء مختلفة من اليمن. (المصدر: الأناضول)

شهدت ليلة أمس واحدة من أعنف العمليات العسكرية الأميركية ضد الحوثيين في اليمن؛ حيث نفَّذت القوات الأميركية سلسلة من الضربات الدقيقة استهدفت مواقع إستراتيجية في صنعاء وصعدة والبيضاء وحجة وذمار. وأسفرت الهجمات، وفقًا للتقديرات الأولية، عن مقتل 31 شخصًا وإصابة 101 آخرين، معظمهم من المدنيين وفق مصادر حوثية، بينما تحدثت تقارير غربية عن تدمير منشآت عسكرية حيوية، تشمل مستودعات للصواريخ والطائرات المسيَّرة، ومنصات إطلاق متقدمة. هذه العملية، التي أُعلن عنها بقرار مباشر من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، جاءت في إطار ما وصفه بـ"دفاع الولايات المتحدة عن حرية الملاحة الدولية"، وردًّا على التصعيد الحوثي الذي تجسَّد في استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر وبحر العرب، فضلًا عن توجيه ضربات ضد ميناء حيفا والعمق الإسرائيلي باستخدام طائرات مسيَّرة وصواريخ بعيدة المدى.

الهجوم الأميركي يندرج ضمن إستراتيجية أوسع تتبنَّاها إدارة ترامب تجاه الحوثيين وإيران، تنطلق من رؤية تعتبر الحوثيين امتدادًا للنفوذ الإيراني في المنطقة، وليسوا مجرد فاعل محلي يسعى لتحقيق أهداف وطنية. فمنذ توليه الرئاسة، انتهج ترامب سياسة أكثر صرامة تجاه إيران، تستند إلى تقويض قدرتها على توظيف وكلائها الإقليميين لتعزيز نفوذها. وقد تجلَّت هذه الإستراتيجية في التنسيق الوثيق مع إسرائيل، التي كثفت عملياتها العسكرية ضد حزب الله في لبنان، ونفذت ضربات متكررة ضد الوجود العسكري الإيراني في سوريا؛ مما أدى إلى إضعاف القدرات اللوجستية والإستراتيجية للنظام السوري وأسهم في تقويض سلطته. وفي هذا السياق، تأتي الضربات الأميركية ضد الحوثيين في اليمن امتدادًا لهذه السياسة، بهدف تقليص قدرة إيران على استخدامهم أداةَ ضغط إقليمي، وإعادة رسم التوازنات العسكرية في المنطقة. هذه المقاربة تتماهى مع التصورات الإسرائيلية؛ حيث ترى تل أبيب أن أي إضعاف لإيران ووكلائها يعزز أمنها الإستراتيجي، خاصة مع تصاعد التهديدات القادمة من اليمن.

العمليات العسكرية الأخيرة جاءت عقب إعلان الحوثيين استئناف استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر، في خطوة برَّرها الحوثيون بأنها ردٌّ على إخلال إسرائيل بالتزاماتها في الاتفاق الذي أبرمته مع حركة حماس. هذا التصعيد وفَّر لواشنطن مبررًا لتكثيف تدخلها العسكري، ضمن سياق أوسع يرتكز على حماية الممرات البحرية الدولية، وتأمين التجارة العالمية، لاسيما عبر قناة السويس، التي باتت تتأثر بشكل مباشر من الهجمات المتزايدة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

على المستوى الإستراتيجي، تهدف الضربات الأميركية إلى تحجيم القدرات الصاروخية والجوية للحوثيين، وإضعاف بنيتهم العسكرية، بما يقلِّل من قدرتهم على تهديد الملاحة البحرية والمنشآت الحيوية في المنطقة. كما أن هذه العمليات تسعى إلى فرض معادلة جديدة، تربط بين استمرار الحوثيين في التصعيد العسكري واستهدافهم عسكريًّا بشكل مباشر؛ وهو ما يشكِّل تحذيرًا ضمنيًّا لطهران أيضًا.

السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه في ظل هذا التصعيد هو مدى قدرة الحوثيين وإيران على الرد على هذه الضربات، وليس مجرد نواياهم في التصعيد. فالضربات الأميركية الأخيرة لم تكن مجرد رد فعل عسكري محدود، بل استهدفت بشكل ممنهج قدرات الحوثيين العسكرية، بما في ذلك منظومات الدفاع الجوي، ومخازن الأسلحة، ومنصات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيَّرة، مما قد يحدُّ بشكل كبير من قدرتهم على الاستمرار في شنِّ هجمات واسعة النطاق. وعلى الرغم من أن الحوثيين قد يسعون إلى إثبات استمرار قدرتهم على التأثير عبر استهداف محدود لبعض السفن التجارية أو إطلاق ضربات "دعائية" ضد أهداف في المنطقة، فإن الضغوط العسكرية المتزايدة قد تدفعهم إلى إعادة تقييم إستراتيجيتهم بدلًا من تصعيد غير محسوب العواقب.

أما إيران، فمن غير المرجح أن تخاطر بمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة في هذا التوقيت، لكنها قد تلجأ إلى إستراتيجيات غير مباشرة، مثل تكثيف عمليات تهريب الأسلحة للحوثيين لتعويض خسائرهم، أو تفعيل جبهات أخرى في المنطقة، سواء عبر الميليشيات الموالية لها في العراق، أو عبر زيادة الضغط على واشنطن من خلال تهديدات تتعلق بالملف النووي أو أمن الخليج. ومع ذلك، فإن الضربات الأخيرة قد تؤدي إلى تآكل قدرة إيران على توظيف الحوثيين أداةَ ضغط فعالة في المدى القريب؛ مما قد يفرض على طهران إعادة النظر في إستراتيجيتها تجاه اليمن بشكل أكثر حذرًا.

إعادة تصنيف الحوثيين جماعةً إرهابية، وفرض عقوبات اقتصادية أكثر صرامة عليهم، يشكلان جزءًا من الأدوات التي تعتمدها إدارة ترامب لإجبارهم على تعديل سلوكهم السياسي والعسكري. ومع استمرار العمليات العسكرية، يواجه الحوثيون تحديات متزايدة تتعلق بقدرتهم على تعويض خسائرهم العسكرية، واستمرار تلقي الدعم اللوجستي والتسليحي في ظل تكثيف الرقابة الأميركية والدولية على تدفق الأسلحة إليهم.

في ظل هذا المشهد المتصاعد، يبدو أن مستقبل الحوثيين مرهون بمسارين رئيسيين: الأول: استمرار المواجهة العسكرية؛ مما سيؤدي إلى استنزافهم بشكل تدريجي وإضعاف قدرتهم على الاستمرار كقوة مهيمنة في شمال اليمن. أما المسار الثاني، فهو الانخراط في ترتيبات سياسية جديدة، إما من خلال التفاوض ضمن معادلات إقليمية ودولية أوسع، أو البحث عن حلفاء قادرين على دعمهم بشكل أكثر فاعلية لتعويض الخسائر التي يتكبدونها، وهو أمر صعب المنال. في كل الأحوال، فإن العمليات الأميركية الأخيرة تشير إلى مرحلة جديدة من التصعيد، قد تعيد تشكيل خارطة النفوذ الإقليمي، وتفرض واقعًا جديدًا في معادلة الصراع اليمني، وربما يمتد تأثيره إلى ما هو أبعد من حدود اليمن، ليشمل التوازنات الإستراتيجية في المنطقة برمتها.

نبذة عن الكاتب