الاعتراف الأميركي بالنظام الجديد في سوريا: السياق والدلالات

15 مايو 2025
لقاء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع الرئيس السوري، أحمد الشرع، يؤكد أن واشنطن قد حسمت أمرها واختارت نهج التعاون مع الحكم الجديد في سوريا (الأناضول).

مقدمة

عُقد اجتماع بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في العاصمة السعودية الرياض، في لقاء هو الأول من نوعه بين رئيسي الدولتين منذ 25 عامًا. واستمر الاجتماع، الذي انعقد على هامش القمة الخليجية-الأميركية، في 14 مايو/أيار 2025، لأكثر من نصف ساعة. وقد شهد اللقاء حضور ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ومشاركة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عبر "الفيديو" عن بعد، كما حضره أيضًا وزير الخارجية الأميركي، مارك روبيو، ونظيره السوري، أسعد الشيباني.

وكان الرئيس ترامب قد أكد في كلمته خلال انعقاد القمة الخليجية-الأميركية أن "الولايات المتحدة ستبحث تطبيع العلاقات مع سوريا بعد اللقاء بالشرع"، مشددًا على أن قراره رفع العقوبات عن سوريا جاء لمنح البلاد فرصة جديدة. ومن المتوقع أن ينعكس هذا التطور تحسنًا اقتصاديًّا نسبيًّا وسريعًا في سوريا، لاسيما أن بعض هذه العقوبات بيد الرئيس الأميركي ويستطيع إلغاءها فورًا، وسيشجع هذا القرار بقية الدول على التطبيع السياسي والاقتصادي مع دمشق، وعلى الاستثمار فيها.

يتناول هذا التعليق الموقف الأميركي المستجد من سوريا، والعزم على رفع العقوبات عنها والاعتراف بالنظام الجديد، ودلالة ذلك وأهم تداعياته على سوريا وعلى مستقبل المنطقة ونظامها الإقليمي والعربي.

السياق والدلالات

أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 13 مايو/أيار 2025، نيته رفع العقوبات عن سوريا، ويأتي ذلك تتويجًا لسعي سوري قادته الحكومة الجديدة، التي وضعت الاستقرار والإعمار أولوية مطلقة لها. كما يأتي في سياق جهد عربي، وخليجي تحديدًا، وتركي لاستعادة الاستقرار في سوريا والمنطقة عمومًا، ولتفتح الباب أمام دور سوري جديد في الإقليم بمعايير مختلفة عن السابق. ومن الواضح أن واشنطن قد حسمت أمرها واختارت نهج التعاون مع الحكم الجديد في سوريا لتعطيه "فرصة للنمو"، وفق تعبير ترامب. وهذا التطور يحمل دلالات عدة، من أبرزها:

أولًا: سيعزز هذا التطور شرعية النظام الجديد في دمشق، وسيجعل التوجهات الحالية للقيادة السورية تستمر إلى ما بعد المرحلة الانتقالية. وسيسهم هذا الدعم الإقليمي والدولي في تثبيت الاستقرار، لاسيما في مواجهة الصعوبات الداخلية، التي يتعلق بعضها بالعلاقة مع الأقليات وبعضها بإرث النظام السابق وما خلَّفه من انقسام وهشاشة في بنية المجتمع والدولة. وبعضها الآخر بالوضع الاقتصادي وما تشهده سوريا من انهيار في كل مرافقها، خاصة بعد أن تخلى عنها عمقها العربي وأغلب محيطها الإقليمي والدولي.

ثانيًا: جاء الاعتراف الأميركي بالحكم الجديد في دمشق وإعلان رفع العقوبات، دون فرض شروط صعبة، خاصة فيما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل. واكتفى الرئيس الأميركي بدعوة الشرع للانضمام إلى "اتفاقيات أبراهام"، دون أن يكون ذلك شرطًا للاعتراف بنظامه أو تحسين العلاقات معه. ومما ساعد على ذلك، أن المملكة العربية السعودية استطاعت أن تجدد علاقتها "الذهبية" مع واشنطن، بعيدًا عن المسار الذي كانت تدفع إليه إسرائيل. ولا يبدو أن لدى الرئيس الشرع مانعًا من العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل لعام 1974، بل إنه دعا إلى ضرورة العودة إلى هذه الاتفاقية وأن تشمل أيضًا انسحاب إسرائيل من الأراضي الجديدة التي احتلتها.

ثالثًا: سيعزز هذا التطور من الالتفاف العربي والتركي حول سوريا، وسيخلق فضاء سياسيًّا واقتصاديًّا مشتركًا لن يكون بعيدًا عن واشنطن، وتقع دمشق في قلبه. كما سيخلق دينامية إقليمية جديدة ستؤثر على عموم المنطقة، وبوجه خاص، المشرق العربي، حيث تركزت المطالب العربية على الحد من دور إيران وحلفائها سواء من الدول أو من التنظيمات المسلحة في المنطقة. وسيكون بإمكان سوريا الموحدة والمستقرة أن تلعب في المستقبل دورًا موازنًا لإيران في الإقليم، الذي اختل توازنه منذ سقوط بغداد وانهيار حكم الرئيس صدام حسين، عام 2003، وذلك بقطع النظر عن طبيعة العلاقة التي ستنشأ بين دمشق وطهران.

رابعًا: لن يرضي هذا التطور إسرائيل، التي لم تتأخر عن إعلان انزعاجها من إمكانية تحول الوضع الجديد في سوريا لغير مصلحتها. فقد عبَّرت عن خشيتها مما يمكن أن يؤول إليه هذا الوضع بسبب الخلفية الإسلامية للقيادة الجديدة، وأن تغيير النظام الذي أسهم في إنهاء تمدد إيران في المنطقة، قد يتحول في المستقبل إلى تهديد لإسرائيل. ولا شك أن استقرار سوريا وازدهارها وتنامي دورها العربي والإقليمي، سيحد من قدرة إسرائيل على التوسع في محيطها أو التحكم في توجهات النظام الجديد وفرض شروطها عليه. وكانت إسرائيل قد بادرت، مباشرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، إلى التوغل في الأراضي السورية بمئات الكيلومترات بذريعة حماية حدودها، وحرضت الأقليات على "التمرد" ضد الإدارة الجديدة، وادعت أن توسعها العسكري كان من أجل "حماية الدروز".

خامسًا: إن الإجماع العربي، وخاصة الخليجي، واحتضانه لدمشق، قد يشكل نقطة البداية لإعادة بناء نظام إقليمي عربي جديد، بعد أن شهدت المنطقة خلافات عربية وانقسامات حادة، خاصة منذ عام 2011 الذي شهد بداية ثورات "الربيع العربي". وكان الموقف من النظام السوري السابق محورًا أساسيًّا لتلك الخلافات التي لم تُحسم إلا بعد سقوطه. وهذه السبيل لن تكون سهلة، لأن إسرائيل كانت -ولا تزال- تطمح إلى بناء نظام إقليمي جديد على أنقاض غزة، يكون التطبيع محوره الأساس وليس أحد مفرداته فقط، وتكون إسرائيل وقيادتها للمنطقة في المركز منه.

خاتمة

لن يتردد الحكم الجديد في دمشق في القول إنه سجل "انتصارًا ثانيًا" بحصوله على اعتراف من واشنطن وبرفع العقوبات عن سوريا، لأن من شأن ذلك أن يضفي شرعية كاملة على العهد الجديد ويفتح بالتالي مرحلة جديدة في سوريا تستعيد فيها دورها المحوري في المنطقة. لكن ذلك سيلقي على كاهلها، إضافة إلى مسؤولياتها المباشرة في حفظ الأمن والاستقرار وتقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها، متطلبات أخرى تحظى بالأولوية لدى واشنطن وباقي الأصدقاء والحلفاء الجدد، منها محاربة "تنظيم الدولة" والحرص على عدم عودته، وترحيل من وصفهم ترامب بـ"الإرهابيين الفلسطينيين"، والطلب من "المقاتلين الأجانب مغادرة سوريا"، وأن لا تشكل سوريا تهديدًا لدول الجوار، وخاصة إسرائيل. ستتحمل القيادة الحالية كل ذلك في وقت لا يزال الحكم الجديد في طور التأسيس، وتنتظره تحديات داخلية في مجتمع منقسم وهَشٍّ سياسيًّا واقتصاديًّا. ولا تزال لبعض الدول المجاورة تحفظات عليه، مثل إيران والعراق نسبيًّا، فضلًا عن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وتهديداتها المتكررة.

نبذة عن الكاتب