الصومال بين جمود سياسي ومعارضة مفككة: سباق نحو استحقاق انتخابي غير محسوم

يشهد الصومال انسدادًا سياسيًّا متصاعدًا نتيجة التعديلات الدستورية، وتباين الرؤى بين الحكومة الفيدرالية والمعارضة المنقسمة، ومع تداخل الأزمات الأمنية مع الخلافات بين المركز والولايات بات مستقبل الانتخابات المقبلة مرتبطًا بجهود المصالحة والتسويات السياسية الشاملة.
بات مستقبل الانتخابات الصومالية المقبلة مرتبطًا بجهود المصالحة والتسويات السياسية الشاملة (الفرنسية).

مقدمة

يشهد الصومال منذ عام 2024 حالة جمود سياسية تتفاقم أكثر كلما اقتربنا من فترة انتهاء ولاية الرئيس الحالي حسن شيخ محمود التي من المقرر أن تنتهي في 15 من مايو/أيار القادم(2026)، وتنتظرها قيادات المعارضة المتمثلة في الرئيس الصومالي الأسبق، شريف شيخ أحمد، ورئيسَي حكومة سابقين، وهما: حسن علي خيري ومحمد حسين روبلي، بفارغ الصبر، لممارسة أقصى الضغوط السياسية على الحكومة الفيدرالية، لثنيها عن مشروع تنظيم انتخابات مباشرة، وتتخوف المعارضة تطبيق نموذج انتخابي مباشر لا يمنح فرصًا متكافئة للمرشحين في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. ويكمن جوهر انسداد الأفق السياسي راهنًا في الصومال في غياب الحوار وانعدام الثقة بين المركز والأطراف. وتعد التعديلات الدستورية التي أقرَّها البرلمان في أبريل/نيسان عام 2022، مكمن الخلاف الرئيس، وما تَرافق بعد ذلك من تبني مشروع الانتخابات المباشرة وقانون الأحزاب السياسية واللجنة الانتخابية المستقلة، هي جملة من القضايا المثيرة للجدل والشائكة أيضًا في آن واحد.

تستكشف هذه الورقة أسباب انسداد الأفق السياسي في الصومال، وخيارات المعارضة السياسية لموازنة المشهد السياسي، في ظل وجود نظام متأزم يواجه أزمات أمنية وسياسية، إلى جانب استشراف مآلات المستقبل وجهود التسوية لإنهاء النزاعات السياسية المتعلقة بالانتخابات القادمة.

أولًا: الجمود السياسي: أزمة بنيوية أم انتخابية؟

منذ نهاية فترة الحكومات الانتقالية وولادة حكومة معترف بها دوليًّا، عام 2013، تتناسل الخلافات بين الأطراف الصومالية خاصة بين الحكومة المركزية في مقديشو والولايات الفيدرالية. ويكمن جوهر الخلافات حول الصراع على هندسة المشهد السياسي وتوزيع الثروات وتنظيم الحياة السياسية، هذا فضلًا عن بروز قوى وكتل معارضة داخل المجالس التشريعية والحكومة الصومالية نفسها انسياقًا لمطامع شخصية أو عشائرية، وما يعقِّد الأوضاع أكثر ويزيد قتامتها هو دبيب الخلاف بين رئيس البلاد ورئيس حكومته. وعانت الحكومات الصومالية المتعاقبة نمط هذه الخلافات المتكررة منذ نحو عقدين، والتي أدخلت البلاد في حالة من الجمود السياسي، وأورثت الحكومات المتعاقبة حالة من "العقم السياسي" لعدم قدرتها على تجاوز الخلافات وحل النزاعات والمراوحة في فَلَك أزمات سياسية أصبحت بمنزلة سمة بارزة في البلاد(1)، كلما تنقضي دورة انتخابية؛ ما يضع علامات استفهام مثيرة تحتاج إلى تفكيك متأنٍّ، مفاده: هل الأزمات السياسية المتكررة هي معضلة انتخابية أم أزمة بنيوية تتعلق بكيفية بناء هذه التوليفة من النظام الفيدرالي الهش القابل للتصدعات من الداخل والخارج؟

يمكن تلخيص جوهر حالة الانسداد السياسي بين الحكومة الصومالية من جهة وأقطاب المعارضة من جهة ثانية في البنود التالية:

التعديلات الدستورية: مثَّلت خطوة البرلمان الصومالي بمجلسيه، الشعب والشيوخ، في أبريل/نيسان الماضي عام 2024، لتمرير مشروع التعديلات الدستورية التي تضمنت الانتقال إلى انتخابات مباشرة بدلًا من الانتخابات التقليدية ذات الطابع العشائري، وحصر التعددية الحزبية بثلاثة أحزاب فقط، وتشكيل لجنة انتخابات مثيرة للجدل(2)، مثَّلت رصاصة الرحمة التي اخترقت جدار الثقة بين الحكومة الصومالية والولايات الفيدرالية، وأثارت جدلًا واسعًا حول آلية التوصل إلى توافق وتفاهمات جديدة بين الحكومة والمعارضة، في ظل غياب بيئة مهيأة للحوار بين الأطراف الفاعلة. وأجهضت هذه الخطوة أيضًا فاعلية عمل ما سُمي بـ"المنتدى التشاوري الوطني" الذي كان يضم الرئيس الصومالي ورئيس حكومته ورؤساء الولايات الفيدرالية الخمس، هذا إلى جانب كتلة من المعارضين السياسيين البارزين الذين وصفوا هذه الخطوة بأنها تخدم فقط أجندات الرئيس الحالي، حسن شيخ محمود، إلا أن تلك الانتقادات تحولت لاحقًا إلى إجراءات تقوض العمل بالنظام الفيدرالي في بعض الولايات، سيما ولاية بونتلاند، التي أوقفت تعاونها مع مقديشو، عام 2023(3)، احتجاجًا على ما تعده "استحواذًا مفرطًا على السلطة" من قبل الحكومة المركزية. هذا إلى جانب تفاقم الخلافات مع ولاية جوبالاند، بعد فشل جولة الرئيس الصومالي، حسن شيخ، في إجراء تفاهمات مع رئيس الولاية، أحمد إسلام مدوبي، بعد رفضه القبول بمقترح الرئيس الصومالي بإجراء انتخابات مباشرة في الولاية دون الاعتراف بشرعية انتخابه رئيسًا عام 2024 من قبل الحكومة الفيدرالية، وهو ما يعقِّد الوضع السياسي في البلاد، ويثير مخاوف تهدد منجزات الحكومة المركزية في ملف المصالحة ومكافحة الإرهاب(4).

نموذج الانتخابات المباشرة: منذ أن بدأت اللجنة الوطنية للانتخابات المستقلة والحدود تسجيل الناخبين، في أبريل/نيسان المنصرم، في العاصمة، مقديشو، شككت قوى المعارضة في نزاهة عمل هذه اللجنة، ووصفت تلك الجهود بأنها مجرد ذر الرماد في العيون، وأن تسجيل الناخبين تسبقه خطوات جادة لإيجاد توافق مشترك بين الحكومة الصومالية والشركاء السياسيين. وأعلنت اللجنة مؤخرًا عن تسجيل نحو مليون ناخب في مقديشو وحدها مستعدين للتصويت في انتخابات البلدية ولأول مرة منذ نحو 56 عامًا، نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2025(5). وتتفاقم الخلافات بين النخبة السياسية حول نموذج الانتخابات المقررة في 2026؛ ما يثير مخاوف من تكرار أزمة 2021، حين حاول الرئيس السابق، محمد عبد الله فرماجو، تمديد ولايته بالقوة لمدة عامين؛ ما أدى إلى اشتباكات وعصيان عسكري لأفراد من الشرطة والجيش؛ ما دفعه لاحقًا إلى إبطال قرار التمديد.

عقل الدولة وعقل الفيدرالية: يتصارع في الصومال نهجان للحكم، أحدهما يتركز على الإدارة المركزية للحكم، والآخر يتبنى نظامًا فيدراليًّا غير محدد المعالم منذ عام 2004 الذي تمخض بعد مؤتمر مصالحة عقد في كينيا، عام 2004، بتنظيم من الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)(6). وأسفر هذا المؤتمر عن تعديل التسوية السياسية واعتماد الميثاق الاتحادي الانتقالي، وانبثق منه نظام فيدرالي يعتمد على أربع ركائز، تتمثل في تبني الحكم الديمقراطي عبر انتخابات دورية، وتقاسم السلطة بين القبائل وفق صيغة 4.5، والنظام البرلماني، والحكم الذاتي الإقليمي. إلا أن هذا النظام لم يعالج القضايا الجوهرية ولم يؤسس قاعدة صلبة للحكم في ظل وجود دستور مؤقت فشلت الحكومات المتعاقبة لمدة نحو عقدين في لملمته ووضع دستور بديل قابل للاستفتاء أو إجراء تعديلات دستورية تحظى بالإجماع. ولهذا، فإن الصراع القائم بين اتباع نظام فيدرالي أكثر شمولية وآخر مركَّز سلطوي يضع المطبات أمام جهود الحلول والتسويات السياسية ويفشل تطبيق النموذج الانتخابي الراهن في البلاد. وفي حال فشلت هذه المقاربات والتسويات، فإن الوضع السياسي يمكن أن يُختَزَل باختصار وفق نظرية توماس هوبز (1588–1679) "الكل ضد الكل"؛ ما يعني مزيدًا من الفوضى السياسية والشقوق للنظام الحالي ما يقود إلى الانحدار نحو مزالق الفوضى الأمنية والسياسية(8).

ثانيًا: المعارضة الصومالية: الانقسامات والتباينات

توصف المعارضة السياسية في المشهد الصومالي منذ العقد الأخير بـ"الطيف السياسي" العابر مع مرور الزمن، يتشكل مع نهاية كل فترة انتخابية ويتلاشى تدريجيًّا مع بداية كل فصل رئاسي انتخابي. لكن هذا المزيج من التكتلات المعارضة تتشابه في مشتركات كثيرة بين غياب الرؤية التي تتجاوز معارضة "الرئيس الحاكم" أو الحكومة الفيدرالية، إلى جانب التفكك الداخلي وغياب الانسجام والتناغم في خلق معارضة سياسية حقيقية تحمل رؤى وبرامج سياسية تخدم الأجندة العامة ولا تنحصر فقط عند حدود المصالح الشخصية الضيقة؛ ما يعرِّض أجنحة المعارضة دومًا للتفكك والذوبان في الحكومة؛ ما يجعل تكتلات المعارضة تتكاثر كالفطر وقابلة للانقسام. وتتألف هذه الكتل حاليًّا من ثلاثة تيارات، وهي:

منصة الإنقاذ الصومالية: تضم هذه المنصة كلًّا من الرئيس الصومالي الأسبق، شريف شيخ أحمد، ورئيسَي الحكومة الصومالية السابقين، حسن علي خيري ومحمد حسين روبلي، إلى جانب السياسي المعارض، عبد الرحمن عبد الشكور، وعددًا من نواب البرلمان الفيدرالي، وهم أبرز وجوه هذه المنصة التي تأسست في 31 مايو/أيار 2025(9). ودعت هذه الكتلة في بيانها التأسيسي الرئاسة الصومالية إلى عدم تهميش وإقصاء أطراف من الشركاء السياسيين، خاصة ولايتي بونتلاند وجوبالاند، وعقد مؤتمر تشاوري لتوحيد الجهود لمكافحة الإرهاب وحل الخلافات المتعلقة بالتعديلات الدستورية، وإجراء انتخابات نزيهة وشفافة. واستجاب الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، وعقد خمس جولات من المحادثات إلا أنها فشلت ولم تحقق نتائج ملموسة(10) لكنها حملت رياح التقسيم داخل هذه المنصة التي انشق عنها أعضاء بارزون من بينهم السفير، طاهر محمود جيلي، ورئيس الوزراء الأسبق، عمر عبد الرشيد، ورئيس البرلمان السابق، محمد عثمان مرسل، ورئيس ولاية جنوب غربي الصومال السابق، شريف حسن شيخ آدم؛ ما يكشف غياب توافق داخل هذه الكتلة لطرح خيارات بديلة مستقبلية بعيدًا عن المعارضة وتوجيه اللوم والشكوى والانتقادات الحادة تجاه الحكومة الفيدرالية(11).

مجلس المستقبل الصومالي: يضم هذا المجلس، الذي تأسس في نيروبي الكينية، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كلًّا من رئيسَي ولاية جوبالاند، أحمد إسلام مدوبي، وولاية بونتلاند، سعيد عبد الله دني، واثنين من رؤساء الحكومة الفيدرالية السابقين، وهما: حسن علي خيري (2018) وعبدي فارح شردون (2012)، والسياسي المعارض، عبد الرحمن عبد الشكور. والهدف من هذا المجلس -وفق البيان التأسيسي- أن يكون إطارًا جامعًا للسياسيين المعارضين، ويضم ممثلين عن منصة الإنقاذ الوطني وحكومتي جوبالاند وبونتلاند، بهدف تنسيق الرؤى السياسية، وكذلك الدعوة إلى عقد اجتماع وطني شامل داخل الصومال في أقرب وقت ممكن، لمناقشة المرحلة الانتقالية والوصول إلى توافق وطني شامل بشأن مستقبل البلاد السياسي(12). إلا أن المفارقة تكمن في أن هذا المجلس يضم أعضاء يشكلون أيضًا جزءًا من منصة الإنقاذ الصومالية؛ ما يثبت وجود ضبابية داخل كتلة المعارضة، وغياب شخصية محورية تتمتع بـ"الكاريزما" في توحيد أقطاب المعارضة، ولهذا فإن الانقسامات تبعثر جهود المعارضة راهنًا، وتعكس عدم وجود رؤية سياسية واضحة للمعارضة(13).

كتلة الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو: يتحرك الرئيس الصومالي السابق، محمد عبد الله فرماجو، وحده خارج إطار المعارضة الموجودة، ويختلف حضوره السياسي راهنًا عما كان عليه سابقًا من لافت وبارز في المشهد إلى مغيَّب تقريبًا، إلا أنه ما زال يتمتع بشعبية في المجتمع المحلي، كما أنه يصدر بياناته منفردًا وبعيدًا عن خطاب المعارضة الأخرى.

ويطرح الجدول التالي مقاربة موضوعية حول أوجه المزايا والعيوب بين المعارضة الصومالية والرئاسة الحالية المتمثلة في الرئيس حسن شيخ محمود (2022-2026).

المحور الحكومة الصومالية (الرئيس الصومالي) قوى المعارضة    
المزايا  1.    شرعية دستورية وشعبية نسبية: انتُخب عبر البرلمان في انتخابات توافقية؛ ما يمنحه اعترافًا داخليًّا ودوليًّا.
2.    علاقات قوية خارجيًّا: نجح في استعادة حضور الصومال على الساحة الدولية، خاصة انضمام الصومال إلى مجموعة دول شرق إفريقيا الاقتصادية، وعضوية الصومال في مجلس الأمن الدولي.
مشروع أمني معلن: يقود عملية وطنية ودولية ضد حركة الشباب، وحقق تقدمًا أمنيًّا في هذا الملف منذ عام 2023؛ ما يمنحه ميزة على معارضيه الذين يفتقرون لبرنامج أمني.
1.    تمثل تنوعًا سياسيًّا وولائيًّا يضم رؤساء ولايات مؤثرة (جوبالاند وبونتلاند) وشخصيات ذات خبرة في إدارة الدولة؛ مما يمنحهم ثقلًا سياسيًّا وشرعية على الأرض.
2.    كسر احتكار السلطة من المركز: يرفعون شعار تقاسم السلطة وتوسيع المشاركة، وهو مطلب قديم للولايات التي تشعر بالتهميش.
خطاب وحدوي (نظريًّا): بياناتهم تؤكد على السلم الأهلي والاستقرار والانتقال السياسي؛ ما يمنحهم قبولًا شعبيًّا المعارضين للحكومة.
 
العيوب 1.    فشل في المصالحة الداخلية: لم يتمكن من بناء الثقة مع ولايات رئيسية كجوبالاند وبونتلاند؛ ما عمَّق الانقسام.
2.    .اتهامات بالانفراد بالسلطة: تُتهم الرئاسة بتركيز السلطة على حساب النظام الفيدرالي، وتعميق الانقسام الداخلي وانتهاك الدستور. 
تراجع الأداء الاقتصادي واندلاع أزمة إنسانية: رغم التحسن المالي النسبي، لم ينعكس إيجابًا على معيشة المواطنين وتواجه البلاد أزمة إنسانية حادة، وأعلنت ولاية جنوب غربي الصومال أنها تواجه أزمة إنسانية وشيكة مع حلول عام 2026.
1.    تعدد المصالح الشخصية: يضم التكتل شخصيات متنافسة داخليًّا؛ مما يضعف تماسكهم كجبهة موحدة، كما أن ميولهم السياسية متباينة ولا تجمعهم فلسفة سياسية موحدة.
2.    غياب مشروع وطني شامل: لا يملكون برنامجًا واضحًا يتجاوز مواجهة الرئيس الحالي؛ ما يجعلهم أقرب لأداة مساومة.
الارتهان للعوامل الخارجية: عقد الاجتماعات في نيروبي يثير تساؤلات حول النفوذ الكيني وتقويض المصداقية الداخلية، كما أن ارتباط ولايتي بونتلاند وجوبالاند بدولة خليجية يضعف الأجندة الوطنية في مقابل تعاظم حسابات الخارج.

 

في المجمل، يمكن تلخيص حالة المعارضة بأنها قد تشكل فرصة حقيقية للتغيير إذا جاءت ببرامج سياسية تنطلق من الرؤى المحلية والوطنية وتتجاوز فكرة معارضة الرئيس، حسن شيخ محمود، والانتخابات الرئاسية القادمة، وتركز على هندسة خارطة طريق وطنية مشتركة في إطار يجمع أطياف المعارضة في الداخل والخارج، لكن التمظهر الحالي يعكس فقط أنها جبهة ضغط ظرفية لا تمثل بديلًا حقيقيًّا مستقبلًا. وفي السياق، يظل الرئيس الصومالي، شيخ محمود، يحظى بشرعية دولية ومحلية لأن فترة ولايته لم تنته بعد، ويرتبط نجاحه هو الآخر على المستوى الأمني والسياسي بمدى انفتاحه على جميع الأقطاب السياسيين ومع شرائح المجتمع المدني ودفع البلاد نحو مصالحة شاملة تضم المعارضة والولايات الفيدرالية، تحقيقًا لمبدأ حملته الانتخابية "صومال متصالح ومتصالح مع العالم".

ثالثًا: تداعيات الانسداد السياسي في ظل حكومة متأزمة

التحديات الأمنية (حركة الشباب وتنظيم داعش): مع حلول شهر فبراير/شباط الماضي، شنَّت حركة الشباب حملة عسكرية مضادة لاستعادة المناطق التي حررها الجيش الصومالي عام 2023، وتمكنت الحركة من الانتشار في قرى وبلدات شاسعة، واستطاعت السيطرة على مدينة "محاس" بإقليم هيران(14). جاء ذلك بعد انسحاب القوات الإثيوبية العاملة ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي التي كانت تتمركز فيها منذ 11 عامًا؛ حيث انسحبت القوات الإثيوبية بناءً على خطة انسحاب للقوات الإفريقية لتسليم المهام الأمنية للقوات الصومالية(15)، كما استولت الحركة على مدينة أدن يبال بإقليم شبيلي الوسطى(16)، بينما استطاع الجيش الصومالي صد عشرات الهجمات العنيفة للحركة ضد مدن إستراتيجية من بينها مدينة عيل طير بإقليم جلجدود(17). وتواجه الحكومة الصومالية تحديًا كبيرًا في تثبيت الأمن والاستقرار والحفاظ على مكتسباتها الأمنية. كما أن الحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة في إقليم بونتلاند شمال شرق الصومال تمثل أيضًا تحديًا آخر تواجهه البلاد؛ فمنذ نحو عام ما زال التنظيم يصمد أمام الضربات الجوية والبرية ويحافظ على تماسكه الداخلي، برغم إعلان ولاية بونتلاند دحر التنظيم في جبال علمسكاد بإقليم بري شمال شرق البلاد(18). وفي ظل تلك التحديات الأمنية يخشى مراقبون أن تنخرط قيادات المنظومة العسكرية (الشرطة والجيش) في معمعة السياسة، كما حصل عام 2021، عندما تعرض الجيش لهزات عنيفة وانقسامات عريضة نتيجة ولاءات قبلية رفضًا لتمديد فترة الرئاسة والبرلمان لمدة عامين.

تفاقم معضلة صوماليلاند وإقليم شمال الشرق (خاتمو): منذ توقيع مذكرة التفاهم بين صوماليلاند وإثيوبيا كانت علاقات مقديشو بهرجيسا تسير من سيء إلى أسوأ، لكن أحدث فصولها حدث عندما انتهجت الحكومة الصومالية سياسة لتفكيك إقليم صوماليلاند لبسط النظام الفيدرالي في مناطق تزعم هرجيسا أنها جزء من كيانها الانفصالي، وذلك بعد اعتراف الحكومة الفيدرالية بولاية خاتمو التي أعلنت انفصالها عن صوماليلاند بعد معارك عنيفة شهدتها مناطق هذا الإقليم وتحديدًا العاصمة الإدارية للولاية الجديدة (لاسعانود)، أغسطس/آب 2023؛ حيث عكفت وزارة الداخلية الصومالية على مهمة الإشراف على إنشاء هذه الولاية حجرًا حجرًا، وشهدت انتخاب رئيس برلمان ورئيس للولاية، لتكون الولاية السادسة ضمن النظام الفيدرالي(19). إلا أن تلك الخطوة أغضبت إدارة أرض الصومال، وأعلنت انهيار المفاوضات مع حكومة مقديشو، كما أنها أثارت استياء ولاية بونتلاند؛ ما دفع الولايتين إلى التنسيق الأمني وتوقيع اتفاقية أمنية في نيروبي(20)، في صراع ذي طابع عشائري بين بونتلاند وأرض الصومال، رفضًا لإنشاء ولاية تفصل بينهما جغرافيًّا لعشيرة طولبهنتي التي كانت مناطقها مبعثرة سابقًا إداريًّا بين صوماليلاند وبونتلاند، لكن اعتراف الحكومة الفيدرالية بشرعيتها يضعها في قلب النظام الفيدرالي، وربما ستكون ورقة ضغط سياسية مزدوجة تستخدمها الحكومة الفيدرالية لمواجهة نظامي بونتلاند وأرض الصومال. ويبدو ذلك تصعيدًا سياسيًّا يفاقم الوضع السياسي برمته ويدفع إلى مزيد من الاحتراب الداخلي في البلاد.

تصدعات النظام الفيدرالي والنزاعات الانفصالية: لا شك أن عملية إنشاء ولاية فيدرالية سادسة في الصومال تثير المخاوف المتعلقة بتفكيك النموذج الفيدرالي الهش في البلاد؛ خطوة ربما قد تشجع الحكومة الفيدرالية على إنشاء ولايات جديدة، خاصة في الجنوب الصومالي في حال تفاقمت الخلافات والأزمات السياسية بين الحكومة الفيدرالية وولاية جوبالاند. كما أن استمرار الخلافات بين المركز والأطراف يقود بعض الولايات إلى اتباع نهج ولايتي بونتلاند وجوبالاند اللتين أوقفتا التعاون مع الحكومة الصومالية؛ ما يعني مزيدًا من الشقوق في جدار النظام الفيدرالي، وربما قد تضطر الحكومة الفيدرالية إلى اللجوء إلى خيار عسكرة المشهد واستخدام القوة لإخضاع تلك الولايات مجددًا، لكن لا يمكن التكهن بمآلات هذا الخيار ومدى تأثيره على وحدة التماسك للنظام الفيدرالي في البلاد.

رابعًا: مآلات التسوية وسيناريوهات الوضع السياسي

غالبًا ما تنتهي الخلافات السياسية المتعلقة بالانتقال الديمقراطي السلس إلى تسويات مؤقتة ومبرمجة انتخابيًّا، وأبدى الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، مرونة بهذا الملف؛ حيث وافق على إجراء الانتخابات الرئاسية عبر البرلمان(21)، لكنه يصر على إجراء انتخابات أعضاء البرلمان الفيدرالي بغرفتيه ورؤساء الولايات الفيدرالية بالنموذج الانتخابي المباشر؛ ما يعني تحقيق تقدم في ملف المشاركة الشعبية للاستحقاقات الانتخابية القادمة، تمهيدًا لإجراء انتخابات رئاسية مباشرة عام 2030. المرونة التي أبداها الرئيس الصومالي بهذا الاتجاه تعكس مدى انفتاحه على قبول تعديلات للقرارات التي اتخذها والمتعلقة بنموذج الانتخابات واللجان الانتخابية، تمهيدًا لوضعية سياسية تنال رضا جميع الأطياف السياسية.

ويمكن حصر مآلات الوضع السياسي الهش في البلاد في السيناريوهات المستقبلية التالية:

تسوية سياسية حول ملف الانتخابات المباشرة: يتحقق هذا السيناريو في حال وافقت المعارضة والحكومة الصومالية على تجديد الاجتماعات واللقاءات المتعلقة بحسم ملف الانتخابات الرئاسية، وتحديد الرؤى والنقاط الخلافية العالقة، وتحلي كل طرف من أطراف الصراع بالمسؤولية تفاديًا لانهيار الوضع السياسي. وتعد مسؤولية جمع تكتلات المعارضة وإقناعها بدخول حوار جاد مع الحكومة الفيدرالية ملقاة على عاتق القيادات الصومالية، هذا إلى جانب أهمية نضوج دور شيوخ العشائر وأعضاء المجتمع المدني لجسر الهوة بين الحكومة الفيدرالية والمعارضة، والذهاب إلى انتخابات برلمانية ورئاسية متفق عليها. كما أن محاولة الرئاسة الصومالية والبرلمان الفيدرالي تمديد فترتيهما لعامين إضافيين ستكون بمنزلة فتح "صندوق بندورا"؛ ما يفتح المجال لأسوأ السيناريوهات وهو تشكيل حكومة موازية وائتلافات معارضة مسلحة تواجه الحكومة الفيدرالية، وتحدث انقسامًا كبيرًا في النسق الاجتماعي والعسكري في البلاد؛ ما يدفع الحكومة لاحقًا إلى العودة إلى الوضع السياسي التقليدي وعدم المجازفة بمزيد من القرارات التي قد تصب الزيت على النار فقط(21).

التدخل الخارجي لحل الأزمة: عادةً تفسح الخلافات السياسية بين الأطراف السياسية في الصومال المجال لتدخلات إقليمية وخارجية، لممارسة الضغط على الحكومة الفيدرالية لإبداء مرونة أو الانصياع لشروط قد توازن المعادلة السياسية في البلاد لإنقاذ النظام السياسي من الانهيار. والرهان الحالي لقوى المعارضة السياسية يتمثل في المجتمع الدولي للضغط على الحكومة لتنظيم نموذج انتخابي يحظى بموافقة جميع الشركاء السياسيين، وقطع المساعدات والدعم السياسي عنها في حال عدم الاستجابة لتلك الضغوط. لكن الحكومة الفيدرالية تبرر نموذجها الانتخابي المباشر بأنه الأفضل ويخدم أجندات الأسرة الدولية لتجاوز الانتخابات التقليدية ذات الطابع العشائري والتي لا تمنح المواطنين حق التصويت لانتخاب من يمثل الشعب بناءً على رغبة المواطنين لا السياسيين ولا العشائريين. وحذَّر رئيس الحكومة الفيدرالية، حمزة عبدي بري، في تصريح له من أن دولًا إقليمية تحاول فرض إملاءاتها على الصومال، من خلال دعمها لجماعات وأطراف معارضة لإثارة البلبلة الأمنية والسياسية(22). لكن يبدو أن الرهان على التأثير الخارجي ضد الحكومة الصومالية وإجبارها على الرضوخ لمطالب المعارضة لم يعد صلبًا كما كان سابقًا، وكشف الرئيس الصومالي، شيخ محمود، في خطاب له أن بلاده لم تعد تحت رهن إشارة قوى خارجية أو ترزح تحت إملاءات إقليمية بحكم أن بلاده باتت عضوًا في مجلس الأمن الدولي ويتخذ قرارات حاسمة في تحديد مصيره السياسي ويشكِّل لوبيات وجماعات ضغط في الأمم المتحدة؛ ما يمكِّنها من مواجهة الضغوط ومواءمتها حسب مصالح الحكومة الفيدرالية لا العكس.

خاتمة

علَّق كثيرون آمالًا عريضة على عودة الرئيس الصومال،ي حسن شيخ محمود، إلى الحكم لولاية ثانية، باكتسابه خبرة سياسية سابقة في كيفية إدارة المشهد السياسي، لكن سرعان ما تبخرت تلك الآمال مع قراراته وسياساته المحلية والإقليمية التي تنطلق من رؤية "الرئيس يقرر كل شيء"، وأصبحت على النقيض لشعاره الموسوم بـ"صومال متصالح ومتصالح مع العالم" داخليًّا وخارجيًّا. فأصبحت الخلافات بين المركز والأطراف نمطًا متكررًا منذ نحو عقدين، فضلًا عن حالة السخط العامة نتيجة الإخلاء القسري للسكان في مقديشو تحت تبرير مكافحة العشوائيات في العاصمة، دون وجود سياسة تأهيل أو توفير تعويضات مالية لمن شُرِّدوا عنوة للانتقال إلى أماكن أخرى. كما أن سياسة عدم المبالاة التي تعاطت بها القيادات الصومالية مع هذا الملف ستتيح لأقطاب المعارضة فرصة لتجييش الشارع ضد الحكومة الفيدرالية. كما أن الضرائب المفروضة على التجار والتي تزداد شيئًا فشيئًا مع اقتراب نهاية كل فترة رئاسية تثير أزمات اقتصادية وتتسبب في هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، ولا تنسجم مع سياسات التشجيع على الاستثمار الداخلي. ويقف الصومال على مفترق طرق من حالة الجمود السياسي والتدهور الاقتصادي والتحديات الأمنية، ويجب على القيادة الصومالية تدارك الوضع القاتم، لِلَجْمِ الفوضى ومنع تآكل المنجزات الأمنية والاستقرار النسبي، من خلال انتهاج سياسة بنَّاءة تحدُّ من تكرار نموذج انتخابي مشبوه، وتبنِّي سياسة انتخابية ذات معايير واضحة تحظى بالموافقة الجماعية، وعدم التفكير بإعادة تجربة تمديد السلطة تحت ذريعة انعدام الظروف المواتية والوقت المناسبين لتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية في البلاد(23).

نبذة عن الكاتب

مراجع

1) يُنظر:

Helping Somalia Move Beyond a Shaky Status Quo, CrisisGroup, 16 October 2025, (Visited on: 17 October 2025), https://2u.pw/QygAnJ

2) ينظر:

الشافعي أبتدون، أزمة التعديلات الدستورية الجديدة في الصومال: تداعياتها السياسية ومهدداتها الأمنية، مركز الجزيرة للدراسات، 24 يونيو/حزيران 2024 (تاريخ الدخول: 17 أكتوبر/تشرين الأول 2025)، https://shorturl.at/dHjOT

3) ينظر:

Puntland Withdraws Recognition of Federal Government of Somalia, Somalidiges, 30 March 2024, (visited on: 18 October 2025), https://shorturl.at/bBI54

4) ينظر:

الصومال: تعثر مفاوضات "سد الفجوة" بين جوبالاند والحكومة الفيدرالية، الصومال الإخبارية، 6 أكتوبر/تشرين الأول 2025 (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2025)، https://shorturl.at/jNTQV

5) ينظر:

الرهان على الصندوق: كيف تعيد مقديشو تشكيل المشهد السياسي الصومالي؟، قراءات صومالية، 21 أكتوبر/تشرين الأول 2025 (تاريخ الدخول: 23 أكتوبر/تشرين الأول 2025)، https://shorturl.at/Y2Gwm

6) ينظر:

Can Somalia’s Third Republic Be Saved? Mecouncil, 20 March 2025, (visited on: 23 October 2025), https://shorturl.at/RP2wm

7) ينظر:

قاعدة "4.5" في الصومال هي نظام محاصصة قبلية لتوزيع السلطة والمناصب السياسية بين العشائر الرئيسية.

8) ينظر:

الأخلاق والسياسة عند توماس هوبز، ساقية، 29 مايو/أيار 2015 (تاريخ الدخول: 24 أكتوبر/تشرين الأول 2025)، https://shorturl.at/QZydj

9) ينظر:

إعلان البيان التأسيسي لمنصة الإنقاذ الصومالية، 31 مايو/أيار 2025 (تاريخ المشاهدة: 23 أكتوبر/تشرين الأول 2025)، https://2u.pw/x2IvJH

10) ينظر:

Somali President Hassan Sheikh Mohamud met with opposition leaders, Somaliguardian, 25 June 2025, (visited On: 23 October 2025), https://shorturl.at/dBqoV

11) ينظر:

the-unwavering voice of Somali opposition redefining-political dissent in Somalia, somalistream, 20 October 2025, (visited on: 23 October 2025), https://shorturl.at/6DUZC

12) ينظر:

Somali opposition form Somali Future Council in Nairobi, Hiiranonline, 2 October 2025, (visited on: 25 October 2025), https://shorturl.at/FtvqC

13) ينظر: Ibid, Somali stream.

14) ينظر:

Extremist rebels capture remote but key town in central Somalia, AP, 27 July 2025, (visited On: 25 October 2025), https://shorturl.at/dlcot

15) ينظر:

Somalia wants all Ethiopian troops to leave by December, VOA, 03 June 2024, (visited On: 25 October 2025), https://shorturl.at/If6JZ

16) ينظر:

Al-Shabab fighters attack strategic town in central Somalia, Aljazeera, 16 April 2025, (visited On: 25 October 2025), https://shorturl.at/Juj3y

17) ينظر:

مقتل 30 من حركة الشباب بعد هجوم عنيف وسط الصومال، العربي الجديد، 12 سبتمبر/أيلول 2025 (تاريخ الدخول: 27 أكتوبر/تشرين الأول 2025)، https://shorturl.at/jnhYQ

18) ينظر:

Puntland Reports Success in Fight Against ISIS-Somalia, but Clashes Continue, Garoweonline 26 October 2025, (visited on: 27 October 2025), https://shorturl.at/HRVD3

19) ينظر:

اعتراف بولاية جديدة يثير مخاوف على النظام الفيدرالي، العربي الجديد، 14 مايو/أيار 2025 (تاريخ الدخول: 27 أكتوبر/تشرين الأول 2025)، https://shorturl.at/I0FzK

20) ينظر:

Somaliland and Puntland sign Nairobi accord…, Hiiranonline, 5 October 2025, (visited on: 27 October 2025), https://shorturl.at/3KCl1

21) ينظر:

رئيس ولاية بونتلاند يحذر من فراغ دستوري وأمني في الصومال، الصومال الإخبارية، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2025 (تاريخ الدخول: 27 أكتوبر/تشرين الأول 2025)، https://shorturl.at/1BMd6

22) ينظر:

Ra’iisul Wasaare Xamse…, Hiiranonline, 19 May 2025, (visited on: 27 October 2025), https://2u.pw/NnBVZ1

23) ينظر:

Why Somalia Is at a Crossroads, Time Magazine, 24 October 2025, (visited on: 27 October 2025), https://shorturl.at/FGyAc