التركيب الفسيفسائي للجبهة الداخلية في إسرائيل

يتميز هذا الكتاب عن غيره من الكتب السابقة التي تناولت موضوع حماية الجبهة الداخلية الإسرائيلية بأنه يحتوي على وجهات نظر مختلفة ومتباينة يطرحها خبراء وجهات مختصة من زوايا نظر عديدة، بينما الكتب السابقة كانت تقتصر على تناول وجهة نظر واحدة تعالج جزئية محددة.
201292493233439734_20.jpg
 

مؤلفو الكتاب

شارك في إعداد هذا الكتاب مجموعة من الكتاب والقادة والمختصين من أبرزهم وزير حماية الجبهة الداخلية في إسرائيل ماتان فلنائي، ورئيس اللجنة الفرعية لتجهيز الجبهة الداخلية في لجنة الخارجية والأمن زئيف بيلسكي، وقائد الجبهة الداخلية في الجبهة الداخلية الجنرال أيال أيزنبرج، ورئيس قسم السكان في قيادة الجبهة الداخلية العقيد إفي ميشوف، والعقيد احتياط حيليك سوفر رئيس قسم السكان في قيادة الجبهة الداخلية سابقا، والعقيد تسفي حايموفيتش قائد فرع الدفاع الإيجابي في سلاح الجو، وشارك في إعداد الكتاب عدد من كبار الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي مثل الجنرال احتياط جيورا آيلاند، والعميد احتياط مئير ألرن.

أهمية الكتاب

يتكون الكتاب من خمس وثمانين صفحة، ويشتمل على عدد من المقالات لعدد من أبرز المسؤولين والباحثين الإسرائيليين، ويعكس الجهد المنهجي المبذول من قبل الدولة ومراكز البحث في تطوير نظرية للدفاع عن الجبهة الداخلية كجزء من العناصر المكونة لنظرية الأمن الإسرائيلي تجاه التهديدات الآنية التي تستهدف دولة إسرائيل.

ويقدم الكتاب تحليلات لبنية وتنظيم الجبهة الداخلية، والأهداف الإستراتيجية والتعاون بين المؤسسات وبين القطاعات والتطويرات التكنولوجية في مجال الحماية، كما يكشف نقاط الخلل التي تعاني منها نظرية الدفاع عن الجبهة الداخلية.

ويتميز هذا الكتاب عن غيره من الكتب السابقة التي تناولت موضوع حماية الجبهة الداخلية بأنه يحتوي على وجهات نظر مختلفة ومتباينة يطرحها خبراء وجهات مختصة من زوايا نظر عديدة، بينما الكتب السابقة كانت تقتصر على تناول وجهة نظر واحدة تعالج جزئية محددة من مجالات العمل التي يتطلبها الدفاع عن الجبهة الداخلية.

حماية الجبهة الداخلية بين النظرية والتطبيق

استعرض ماتان فلنائي في ورقته واقع الاهتمام الإسرائيلي بالجبهة الداخلية بدءا من العام 1991، حيث سقط على إسرائيل 40 صاروخا عراقيا، وتزايد الاهتمام بعد حرب 2006 على لبنان، وفي عام 2011 تقرر إنشاء وزارة الدفاع عن الجبهة الداخلية، وأشار الوزير إلى أن الجهد يتركز على محاولة بناء نظرية تحدد كيف يجب العمل المشترك في حالة الطوارئ، وأكد أن هذا الجهد يحظى بدعم المستوى السياسي، لكن الإجراءات البيروقراطية تعيق العمل بشكل كبير.

وأكد أن فلسفة عمل الوزارة تنبني على أن الجيش هو الذي ينبغي أن يتولى المسؤولية العليا في هذا المجال، لكن العناصر والجهات المكونة للجبهة الداخلية يجب أن  تتدرب على العمل المشترك. وأشار الوزير إلى أن هدف الوزراة في المرحلة الراهنة هو استصدار قانون خاص بالجبهة الداخلية، وبناء إطار للموازنة يستجيب للأولويات.

ويخصص جيورا آيلاند جزءا من مقاله لانتقاد النظرية المعمول بها لحماية الجبهة الداخلية، ومن أبرز انتقاداته أن كل طرف يعمل بمفرده، والميزانيات المطلوبة غير متوفرة، والنقاش بشأن تحديد الجهة المسؤولة عن تأمين الجبهة الداخلية لم يُحسم بعد، وأبدى جيورا آيلاند قلقا واضحا إزاء التطوير في مجال الصواريخ التي تمتلكها الجهات المعادية لإسرائيل، خاصة أن مستوى دقة التصويب لهذه الصواريخ يتزايد، وقدرتها على إلحاق الضرر تتضاعف، واقترح آيلاند بناء رؤية مشتركة للعمل على المستوى الوطني بين مختلف الأطراف، لكنه أكد أن عملية الدفاع عن الجبهة الداخلية تعتريها الكثير من المعيقات، ولهذا أوصى أن تكون أية معركة مقبلة قصيرة، وهجومية بشكل كبير، وألا تقتصر على محاربة حركات المقاوومة، بل تستهدف الدولة التي تنطلق منها المقاومة، وذلك لتحقيق الردع، وتقصير أمد الحرب، وبالتالي تقصير معاناة الجبهة الداخلية.

الدفاع الإيجابي متعدد الطبقات

قدم جاي أبيرام تعريفا للدفاع الإيجابي باعتباره عملية منع الصواريخ المعادية من الوصول إلى أهدافها، وركز على أهمية الدفاع الإيجابي حيث أكد أنه يحقق أربعة أهداف: الأول على مستوى تقليل فرص المس بحياة المدنيين، والثاني في مجال تقليص الأضرار في الممتلكات والبنية التحتية، أما الثالث فيتمثل في ردع العدو من خلال تحييد قدراته، والرابع يتمثل في منع التصعيد.

وذكر جاي أبيرام أنه تجري عملية بناء منظومة الدفاع الإيجابي من أربعة مستويات: المستوى الأول وهو (القبة الحديدية) والتي تستهدف إسقاط الصواريخ البدائية قصيرة الأمد، والمستوى الثاني منظومة (شربيط هكسميم) والتي تستهدف إسقاط الصواريخ متوسطة المدى، أما المستوى الثالث فيتمثل في منظومة صواريخ (الحيتس) والتي تعمل على صد الصواريخ بعيدة المدى وذات القدرة العالية على التدمير، أما المستوى الرابع فغير موجود في الخدمة الآن، ويُسمَّى (حيتس3) ويهدف إلى إيجاد غلاف بعيد المدى لإسقاط الصواريخ.

ويؤكد جاي أبيرام أنه بدون التعاون مع الولايات المتحدة لا يمكن إنجاز هذه المشروعات الطموحة.

ويدعو تسفي حايموفيتش إلى دمج المنظومات التكنولوجية المتعددة في نظرية تشغيل واحدة وشاملة وفعالة، بحيث تتمكن من مواجهة التهديدات المتزايدة، سيما أن تل أبيب باتت مهددة بالصواريخ من الشمال ومن الجنوب. ويعتبر تسفي حايموفيتش أن العمل المشترك يُحسِّن قدرات العمل إلى الحد الأقصى، ويوفر في استخدام الذخيرة، ويوضِّح أن التغيرات التكنولوجية تُجبر القادة والجنود على العمل في واقع يتغير باستمرار، ويتطلب اتخاذ القرارات في أقل من دقيقة، حيث يجب أن يعرف القائد كيف يتعامل مع الصاروخ من حيث طبيعته، ومكان وقوعه المحتمل، وهل توجد طائرات مدنية في المكان؟ وهل سيكون إطلاق القذيفة المضادة للصاروخ في بيئة آمنة، ويؤكد تسفي حايموفيتش أن التطور مستمر، ولكن لا نستطيع القول أن النتائج ستكون 100%.

ويقترح يوسي أرازي إدخال منظومة الليزر ذو الكفاءة العالية -إلى جانب التكنولوجيات الأخرى- في عملية إسقاط الصواريخ المهاجمة، ويبرر اقتراحه هذا بالقول أن تكتولوجيا الصواريخ ضد الصواريخ مكلفة، وقد تتسبب في سقوط الشظايا داخل البلاد أو فوق التجمعات السكانية، لكن منظومة الليزر أقل تكلفة وتؤدي إلى إسقاط الصواريخ المهاجمة خارج حدود البلاد، لكن يوسي أرازي يشدد على أن إنجاز هذه التكنولوجيا لا يمكن أن يكتمل بدون التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة الأميركية.

ويوجّه الباحث شلومو بروم انتقادا حادا للنقاش الدائر بشأن أنظمة الدفاع الإيجابي، ويعتبر أنه نقاش سياسي يزرع الأوهام في أوساط الناس، وأكد شلومو بروم أن الدفاع عن الجبهة الداخلية لن يكون كاملا، لأن عمليات الدفاع بطبيعتها تُبقي صاحبها في موقف الضعف والارتباك، حيث يختار المهاجم هدفه بعناية، بينما المدافع سيبقى دائما قلقا وينشر أجهزة الدفاع على مناطق واسعة يتوقع أن تتم مهاجمتها، وهذا يجعل نظرية الدفاع أكثر كلفة من الناحية الاقتصادية.

وذكر شلومو بروم أنه في حال نشر منظومات الدفاع الإيجابي، فإن هذا سيحدث بشكل انتقائي حسب الأولويات، وتوقع أن مطلقي الصواريخ سيختارون مناطق غير محمية لتوجيه الصواريخ لها.

جاهزية السكان لحالة الطوارئ

يؤكد حيليك سوفر على أهمية دور الفرد والأسرة في حماية الذات، مع التشديد على أهمية توفير التدريب المناسب والمستمر لتمكين المواطن من حماية ذاته، ويدعو حليك سوفر إلى الاستفادة من الشباب الجامعي وتدريبهم وتنظيمهم في مجموعات حسب تخصصاتهم على أعمال الإنقاذ والإرشاد في حالات الطوارئ، ويدعو حيليك سوفر المؤسسات القيادية للتواصل مع الجمهور عبر توفير مكاتب ومندوبين عن الجهات القيادية المختلفة لتقديم الخدمات المطلوبة للمواطنين.

ويشير حيليك سوفر إلى أهمية الإنذار المبكر، وضرورة إبلاغ المواطنين بطريقة لا تثير الهلع، ويذكر الكاتب أنه في العام 1991 كانت تُطلق صفارات الإنذار في كل الدولة، وبعد لحظات يجري إخراج المناطق غير المستهدفة من حالة الطوارئ، وكانت الدولة مقسمة إلى ثلاثة مناطق، أما الآن فإن الدولة مقسمة إلى 110 مناطق، بمعنى أن الإنذار سيكون فقط للمنطقة المحددة (حي أو قرية)، أما بقية المناطق فلن تسمع صفارات الإنذار.

ويؤكد حليك سوفر أنه لا تتوفر ضمانة أكيدة للحماية الكاملة ضد الصواريخ، لكنه ألمح إلى أن الوضع جيد، أما فيما يتعلق بالسلاح الكيميائي فقد أكد الكاتب أنه توجد لإسرائيل مشكلة حقيقية في مواجهته، وتجهيز السكان لمواجهته يحتاج إلى وقت وميزانيات.

ويذكر إفي ميشوف أن تعقيدات الجبهة الداخلية تفرض تحديات كثيرة، حيث تتعدد وتتنوع مجالاتها، وتبدأ من أمن الفرد وتصل إلى وحدات البنية التحتية، ويذكر الكاتب أن المطلوب من الفرد معرفة ما هو الحيز المحمي الذي يجب أن يتحرك فيه، أما وحدات البنية التحتية فالمطلوب منها أن تبحث عن طريقة لاستمرارية عملها في حالة الطوارئ.

وامتدح إفي ميشوف ما تقوم به قيادة الجبهة الداخلية من تدريبات على مستوى مناطق واسعة، معتبرا أن استمرار العمل والتعاون والتنسيق في مجال التدريبات يكشف عن وجود الثغرات التي تحتاج إلى معالجة.

نحو بناء رؤية إستراتيجية شاملة لتحصين الجبهة الداخلية

يدعو آفي دافيد إلى ضرورة تحضير السكان وتدريبهم، وتهيئة البنية التحتية لحالة الخطر الشديد، ويشدد على أهمية تحصين أماكن العمل بالقبة الحديدية مثلا، ويشدد على أهمية حماية كل مكونات الجبهة الداخلية وفق رؤية إستراتيجية متكاملة، والابتعاد عن الاستغراق في تفاصيل نقاط موضعية، لكنه يؤكد على أهمية تقوية كل الحلقات، لأنها معتمدة على بعضها، ولأن قوة السلسلة مرتبطة بقوة الحلقات التي تكوِّن هذه السلسلة، ويدعو إلى تحديد مساهمة كل طرف في حماية الجبهة الداخلية بوضوح شديد بدون أي تداخل بين الوزارات والسلطات المختلفة.

ويدعو زئيف بيلاسكي إلى إجراء نقاش عام بشأن حماية الجبهة الداخلية، والتوصل إلى لغة مشتركة بين كل مكونات العمل في هذا المجال، وانتقد القوانين الخاصة بتحديد المسؤوليات في هذا المجال، وقال إنها تعود إلى فترة الخمسينات، ودعا إلى تطويرها بما يتناسب مع التطورات والتحديات.

ودعا مئير ألرن إلى بناء نظرية أمن إسرائيلية متكاملة تشمل الجبهة الداخلية، وأن تكون مدعومة بقانون يحدد من هي الجهة المسؤولة عن تجهيز الجبهة الداخلية لحالة الطوارئ، ومن هي الجهة المسؤولة عن إدارة الجبهة الداخلية في حالة الطوارئ، وأكد على أهمية تحديد دور السلطات المحلية في إدارة حالة الطوارئ.

وأوضح مئير ألرن أن الوضع الراهن غير مُرض، ولا يُغلق الفجوة بين التحدي والاستجابة، خاصة أن التهديد يتعاظم كميا ونوعيا، وفي المقابل تأتي الاستجابة انتقائية وجزئية وبطيئة ومتلعثمة، وغير مرضية.

ويُجمل أيال أيزنبرج نقاشات الكتاب بقوله إن حماية الجبهة الداخلية في إسرائيل أمر في غاية الأهمية، وذلك لأنها الهدف الأساس لأعداء إسرائيل، كما أن لصمودها دور حاسم في كسب المعركة.

يمكن القول أن الكتاب يكشف النقاش الجاري في إسرائيل بشأن حماية الجبهة الداخلية في المجالات التالية: التخطيط والتصنيع العسكريين، إضافة إلى توجيه وتدريب السكان على المساهمة في حماية أنفسهم، وصياغة قوانين تحدد الأدوار والمسؤوليات، والاستفادة من التطورات التكنولوجية في عملية بناء القوة وفي تشغيلها كذلك، وبناء إستراتيجية عمل موحدة ومشتركة ومتكاملة تجعل حماية الجبهة الداخلية جزءا من نظرية أمنية إسرائيلية شاملة.

ويكشف الكتاب أيضا أن الفجوة لا زالت واسعة بين التحديات التي تواجه الجبهة الداخلية، وبين سعي إسرائيل لتكوين ردود شافية، وحتى اللحظة لم تتمكن الجهات المختصة من بلورة إستراتيجية عليا تقترح إجابة متكاملة، ومتعددة الأبعاد لتقليل التهديد المتزايد.
__________________________________
عرض الكتاب: د. نهاد محمد الشيخ خليل - رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب بالجامعة الإسلامية في غزة 

نبذة عن الكاتب