اليقظة العربيّة: الإسلام والشرق الأوسط الجديد

عبر فصول الكتاب الأربعة يناقش المؤلف السياق الذي اندلعت فيه الانتفاضات مع تركيز على العوامل التي أدت إليها سواء الداخلية منها والخارجية، كما يتناول تناقض سياسة الغرب الذي كان يدعم الطغاة من جهة ويدعم الناشطين ضدهم من جهة أخرى، كما يتعرض بتوسع للعلاقات الملتبسة بين "الإسلام والإسلاموية والعلمانية". أما "المرجعية الإسلامية" فهي قضية جوهرية في الكتاب يفرد لها المؤلف فصلا كاملا.
201211765430846734_20.jpg

المؤلف: طارق رمضان
عرض: محمود محمد الحرثاني

سنة النشر: 2012
عدد صفحات الكتاب: 274
الناشر: بنجوين، لندن ونيويورك
لغة الكتاب: الإنجليزية

لمؤلف هذا الكتاب اهتمام خاص بعلاقة الإسلام بالغرب، ففضلا عن عمله كأستاذ للدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد، وبعد حصوله على الدكتوارة في الفلسفة والأدب الفرنسي من جامعة جنيف التي درس الأدب لطلابها، تنوعت اهتمامات المؤلف، حيث زار دولا عديدة في أميركا الجنوبية وأفريقيا والهند كناشط اجتماعي، ثم أخيرا إلى المملكة المتحدة حيث يحاضر بكلية سانت أنطوني بجامعة أكسفورد. كما عرف المؤلف بتركيزه الشديد على محورية القيم الإنسانية والتعايش الحضاري والمرجعية الإسلامية، كما يترأس المؤلف مركز التشريع الإسلامي والأخلاق بالدوحة. ألف طارق رمضان أكثر من ثلاثين كتابا منها: "مسلمو الغرب ومستقبل الإسلام" و"الإسلام والغرب وتحديات الحداثة". وفي هذا الكتاب يتناول المؤلف مسألة "ترشيد الثورات العربية" التي يسميها "انتفاضات" لا ثورات.

ويحتوي الكتاب مقدمة وأربعة فصول وعددا من الملاحق، وفي مقدمة الكتاب يتساءل المؤلف عما حدث بالفعل في تونس ومصر ابتداءً، وعما يحدث الآن في المنطقة العربية، وعن توقيته؟. وعبر فصول الكتاب الأربعة يناقش المؤلف السياق الذي اندلعت فيه الانتفاضات مع تركيز على العوامل التي أدت إليها سواء الداخلية منها والخارجية، كما يتناول تناقض سياسة الغرب الذي كان يدعم الطغاة من جهة ويدعم الناشطين ضدهم من جهة أخرى، كما يتعرض بتوسع للعلاقات الملتبسة بين "الإسلام والإسلاموية والعلمانية". أما "المرجعية الإسلامية" فهي قضية جوهرية في الكتاب يفرد لها المؤلف فصلا كاملا.

ثورات.. أم انتفاضات؟

هل ما يجري في الوطن العربي ثورات أم انتفاضات؟ هل هي عملية تحرير أم أنها تحريك غربي للأوضاع؟ لماذا حدثت الانتفاضات العربية؟ ولماذا تحدث الآن؟ ما دور المسلمين؟ وما هي قدرتهم على المساهمة في صناعة المستقبل والمشاركة بفعالية على الساحة الدولية؟، رغم ما يبدو من تشاؤم يلف الكاتب، فإنه يؤكد مرارا على أهمية طرح تلك الأسئلة في جو من التفاؤل، فهو يكثر التساؤل عن طبيعة الدولة القادمة في الوطن العربي، ويقلقه الاستقطاب المحتدم بين الإسلاميين والعلمانيين. من جهة ثانية، تشي بعض المعلومات التي أوردها المؤلف بأن الانتفاضات تم التحضير لها في عواصم غربية ومراكز بحثية، ولذا كانت في الغالب تحت السيطرة، وذلك في ضوء "خمسين مبدأ للتظاهر السلمي"، صممتها دوائر خارجية والتزم بها الناشطون فكانت سببا في نجاحهم.

إن الغرب لم ولن يتنازل عن مصالحه في المنطقة بسهولة، ولما رأى ساسته أن الزعماء والأنظمة التي حافظت على تلك المصالح تسير إلى نهاياتها قرر أن يستبق الأحداث فسلك طريقة جديدة للسيطرة، ومن هنا جاءت فكرة الانتفاضات السلمية التي بدأ الإعداد لها منذ عام 2003. لكن المؤلف يرى أن هناك تحولا غربيا في النظر إلى المسلمين، فبعد أن كان ينظر إليهم على أنهم "الآخر الغريب" تحولوا في نظر الغرب إلى "الأنا البديل" المرغوب فيه في ظل الانتفاضات العربية. ولا يفوت المؤلف أن يركز على دور الصين المتصاعد في المنطقة، في ضوء انحدار القوة الأميركية، مبينا أن البعض يرى أن تقدم الصين يصب في صالح الشعوب العربية، ولكنه يرفض هذه النظرة على أساس أن الصين لها مصالحها أيضا، وسجلها في حقوق الإنسان لا يطمئن.

انتفاضات حسب الطلب؟

هناك فرق بين مصطلحي الثورة والانتفاضة، فالانتفاضة هي مرحلة ما بين الثورة والقومة. الانتفاضة لا تصبح ثورة إلا بعد أن تحقق جميع أهدافها بالتخلص من النظام والهيكلية الاقتصادية التابعة له. ولذلك يرى  الكاتب أن الحديث عن "انتفاضة" أدق وأوجه. وربما لم يتوقع أحد "الانتفاضات" العربية، لكن التحليل العميق قد يؤدي إلى نتائج مختلفة، فقد صرح الرئيس بوش الابن (6 نوفمبر/تشرين الثاني 2003) بأن غزو العراق خطوة أولى في طريق تحقيق "حركة ديمقراطية عالمية"، ولم يكن سرا أن الإدارات الأميركية المتعاقبة أكدت هذه النظرية بصورة أو بأخرى، وذلك من خلال الحديث عن ضرورة التخلص من الدكتاتوريات العربية من أجل أهداف اقتصادية وسياسية وليس من أجل الشعوب.

ويرى المؤلف أن القوى الغربية لو لم تأخذ زمام المبادرة فلربما وجدت نفسها في لحظة ولا سيطرة لها على الأوضاع في منطقة شديدة الأهمية للمصالح الغربية، إذ أن كل شيء كان مرشحا للانفجار في المنطقة. وقد شجع بروز عدد من الدول منها الصين وتركيا الغربَ على أن يتحرك قبل فوات الأوان. من التبسيط أن يظن المرء بأن دولا مثل أميركا وفرنسا والصين كانوا مجرد مراقبين لما يحدث في المنطقة، ولكن هذا لا يعني بأن "الانتفاضات" كانت تحركها قوى خارجية بالكلية. غير أن تقارير تشير إلى يد الغرب، فكانت هناك خطة معدة سلفا تجلت في تدريب أعداد من الشبان العرب على استخدام شبكة الإنترنت، فحركة 6 إبريل في مصر على سبيل المثال تلقى أعضاؤها تدريبا على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في بلغراد وأميركا قبل الثورة بثلاث سنوات، وهناك ثلاث منظمات مجتمع مدني كلها ممولة من الحكومة الأميركية شاركت في هذه النشاطات وهي: "معهد ألبرت أينشتاين" و"فريدم هاوس" و"المعهد الجمهوري الدولي".

وفي هذا السياق، يرى المؤلف أن اليقظة العربية لم تكن من صناعة الحركات الإسلامية، كما أن الانتفاضات لم يكن لها ارتباط بأية مرجعية إسلامية أو ثقافية، وإنما كان وقودها من شباب وشابات ناقمين على الأوضاع في بلدانهم، ولذلك خلت الانتفاضات من الشعارات الدينية، كما خلت من أية شعارات معادية للغرب. ويرى الكاتب أن الانتفاضات العربية ولدت صورة ذهنية جديدة للشعوب العربية في الوجدان الغربي، فبعد أن كانت تلك الشعوب مثالا للمسلم الذي لا يتعلم، أثبتت أنها -مثل الغرب- تؤمن بقيم الحرية والعدالة والمساواة وتسعى نحوهما بكل قوة. وتلك هي المرة الأولى التي لا ينظر الغرب فيها للعالم العربي على أنه "الآخر"، المسلم، الذي لا يقبل التطوير. ولكن كيف سيتعامل الغرب مع الإسلاميين الذين قلدتهم هذه الانتفاضات الحكم؟ يرى المؤلف أن الغرب ليس لديه مشكلة في التعامل مع الإسلام السياسي شريطة حماية الأخير للمصالح الغربية السياسية والاقتصادية، والتحالف مع النظام السعودي ونظام طالبان وحتى أسامة بن لادن شواهد على ذلك.

تفاؤل حذر

ويبين المؤلف أثر قناة الجزيرة التي كان يتابعها أكثر من 40 مليون مشاهد أثناء الانتفاضات، والتي قدمت بدورها رواية للواقع غير تلك التي قدمتها وسائل الإعلام التابعة للأنظمة، وإن كان يرى أن سياسة الشبكة لم تتناقض كليا مع سياسة جوجل وفيسبوك وغيرها من الشبكات الموجهة في بعض الجوانب. ويرى الكاتب أن توقيت اغتيال ابن لادن والطريقة التي تم عرض العملية بها تمثل استعارة لمنهج أميركا الجديد في التعامل مع المنطقة العربية، وكأن أميركا تريد أن تقول: لقد طوينا صفحة وانتهت العلاقة المتوترة ولنبدأ صفحة جديدة من العلاقات. لقد كان احتفاء الغرب بكل مؤسساته بالانتفاضات أمرا ذا مغزى، خاصة وأن هدف نشر الديمقراطية في الوطن العربي، كما تبدى من سلوك الغرب، لم يكن يوما غاية في حد ذاته.

لا يغفل الكاتب البعد الاقتصادي في التحولات الحاصلة في الوطن العربي، فحاجة الغرب تزداد كل يوم للموارد التي توجد بوفرة في المنطقة. لقد طلبت الجامعة العربية بفرض منطقة حظر طيران على قطاع غزة إبان حرب إسرائيل على القطاع عام 2008 ولم ينفذ، بل لم تتم مناقشته في الأمم المتحدة، ولكن عندما طلبت الجامعة نفسها فرض منطقة حظر طيران على ليبيا هُرعت الدول الغربية وطبقت الحظر بل واستغلته لدرجة أن الأمين العام لجامعة الدول العربية –وقتئذ- عمرو موسى قدم احتجاجا على سوء استخدام التفويض. "إن البترول الليبي أغلى على الغرب من الدم الفلسطيني"، كما يرى المؤلف، الأمر الذي يدل بوضوح على حضور البعد الاقتصادي في سياسة الغرب، وهذا يعني، على حد قول المفكر الأميركي نعوم تشومسكي، "أن الغرب، وبسبب من مطامعه الاقتصادية، لن يسمح بديمقراطية حقيقية قد تقف دون مطامعه، بل يمكن أن يسمحوا بديمقراطية سهلة القياد". والأمثلة على هذا متوفرة في التاريخ الحديث، ومنها ما وقع في نيكارجوا وهاييتي وكوريا الجنوبية. وعليه، فإن العالم العربي قد يدخل في حقبة معالمها ليست بدعا في السياسية الأميركية.

وبسبب من أهمية الاقتصاد، فإن الصين حاضرة في الكتاب بقدراتها الاقتصادية وحضورها الصاعد في المنطقة بالإضافة إلى طموحها السياسي الأمر الذي لا يقف عند اهتمام الصين بالاقتصاد بل وبالتسليح أيضا. فمن الناحية العسكرية سوف تصبح الصين في عام 2020 ندا لأميركا، حسب تقرير لمجلس الأمن القومي الأميركي، خاصة وأنها تنفق على التسليح باطراد. فقد زاد الإنفاق الصيني على التسليح من 2010 إلى 2011 بنسبة 12.5%. وتضاعف حجم التبادل التجاري بين الصين والشرق الأوسط بصورة كبيرة، فبينما كان 9 مليار دولار عام 1999 أصبح 78 مليار دولار عام 2006، حسب إحصائية لصندوق النقد الدولي. وهذا يعني أن الصين لها أجندتها السياسية التي تمثلت في الابتعاد عن العراق، بل والتنديد بالاحتلال الأميركي له، وأكثر من ذلك، فقد كانت من الدول القليلة التي لم تنسجم سياساتها مع سياسة أميركا تجاه حكومة حماس في فلسطين، فأرسلت دعوة للدكتور محمود الزهار وزير خارجية حماس في حينه لزيارة الصين، وانتقدت سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أكثر من مرة مما رفع أسهمها لدى المواطن العربي، الأمر الذي يشكل تحديا من نوع آخر للولايات المتحدة في المنطقة يجعلها تفكر مليا في إستراتيجياتها.

الإسلام والإسلاميون والعلمانيون

ويتناول المؤلف العلاقة بين الإسلاميين والعلمانيين، ويرى أن الفريقين في أزمة؛ فالعلمانية لم تعد كلمة مفضلة في البلدان العربية، كما أن تركيز العلمانيين على فكرة فصل الدين عن الدولة كمطلب أولي للتقدم ليس هو كل شيء تريده البلدان العربية الآن، سيما وأن كثيرا من العلمانيين استبطنوا الرؤية الغربية للحياة ولم ينتبهوا للخصوصية الثقافية للشعوب العربية. ورغم أن هناك علمانيين عربا كبارا من أمثال إدوارد سعيد انتقدوا الغرب كمستعمر، مستخدمين أدوات الغرب في النظر، فإنهم قصروا كثيرا في فهم تاريخهم وثقافتهم مما جعل نظرتهم لحال الأمة مجتزأة، وفي بعض الأحيان مضرة.

من جهة أخرى، يرى المؤلف أن الإسلاميين ليس لديهم برنامج واضح، وبالرغم من أن الإسلام دين شامل يقبل التعددية ولا يتعارض مع الديمقراطية  فإن العالم يتجه –برأي المؤلف- نحو ما يسمى بحقبة "ما بعد الحركات الإسلامية"، حيث يكون الإسلام مرجعا ولكن ليس بنفس الصورة التي كان عليها من قبل، ويضرب المؤلف مثالا لذلك بتركيا تحت حكم العدالة والتنمية، وهو الحزب ذو الأصول الإسلامية دون أن يكون إسلاميا بالمفهوم الشائع.
ويطرح المؤلف أسئلة سبعة يرى أنه ينبغي على الإسلاميين أن يجيبوا عليها بدقة: 1- من هو المسلم؟، 2- ما الموقف من العنف؟، 3- هل الشريعة نظام مغلق أم منفتح؟، 4- ما الموقف من إنشاء الأحزاب الإسلامية؟، 5- ما دور المرأة في الحزب والمجتمع؟، 6- ما طبيعة علاقة المسلمين بغير المسلمين، 7- وهل هناك خيار غير المواجهة في العلاقة مع الغرب؟.

المرجعية الإسلامية

أعطى المؤلف مساحة واسعة لمناقشة فكرة  المرجعية الإسلامية، فعبر ستين صفحة من الكتاب يقدم المؤلف الإسلام باعتباره مكونا أساسيا في العلاقات بين الشرق والغرب، أو على حد تعبير عالم الاجتماع الفرنسي أوليفر روي: "لم تنته قصتنا مع الإسلام بعد". ويتساءل الكاتب: إلى متى سيظل الإسلامُ يمثل "الآخرَ" للغرب؟، داعيا المسلمين إلى بذل مزيد من الجهد من أجل فهم موقعهم في العالم وعلاقتهم بالآخر. ويبين الكاتب أن معظم الحركات الإسلامية طرأ على فكرها "تغيير جوهري"؛ فالدولة المدنية لم تكن راسخة في فكر الحركات الإسلامية التي نادت بالدولة الإسلامية ردحا من الزمن، وإنما يعود هذا التحول إلى جهود علماء من أمثال القرضاوي والغنوشي ومحمد عمارة الذين لا يرون تناقضا بين الديمقراطية والدين، إضافة إلى اهتمامهم بمقاصد الشريعة في النظر إلى شؤون الناس ومعايشهم. مشكلة الإسلاميين مع العلمانية في  السابق أنهم كانوا ينظرون إليها على أنها مرادف للتغريب، الأمر الذي تغير عبر الزمن، وتطور الأمر عند البعض أن ينادي بـ"العلمانية الديمقراطية الإسلامية" التي تذهب إليها الباحثة المصرية د. هبة رؤوف عزت. أما الدكتور محمد عمارة فيرى أن الدولة الإسلامية هي في  الحقيقة دولة مدنية أساسها الشورى.  وحتى تكون فكرة الدولة المدنية الديمقراطية مجدية يرى المؤلف أنه لا بد من التركيز على التعليم وتوفيره لأكبر شريحة ممكنة من المجتمع.

لا ثنائيات بعد اليوم

يختم المؤلف كتابه بالتأكيد على أن ثنائية الغرب ضد الإسلام تَضمُر، وخلال عقدين ستفقد معناها، ويتساءل فيما إذا كان العالم العربي جاهزا لهذا التحول الثقافي. وربما تكون اليقظة العربية الحالية مفيدة في هذا السياق، كما أن هناك مسؤولية تقع على عاتق مسلمي الغرب الذين يمكنهم أن يكونوا عامل استقرار داخلي في الغرب، وجسور تفاهم خارجي مع الشرق والعالم العربي. ويؤكد المؤلف على أهمية إعادة ترتيب الأولويات على كل الأصعدة بنَفَس متفائل وعمل دؤوب يعلي قيم الحرية والعدالة والتقدم وحقوق الإنسان وتمكين المرأة والحكم الرشيد في السياسة والاقتصاد.

في نقد الكتاب

الكتاب مهم على وجه الإجمال، وفيه ما يدل على عمق اطلاع الكاتب واستيعابه لمتغيرات العصر خاصة فيما يتعلق بعلاقات الغرب والإسلام من جهة، وعلاقات الإسلاميين بالعلمانيين في العالم العربي من جهة أخرى، بالإضافة إلى تأكيده على مرجعية الإسلام الأخلاقية المرتكزة في الوجدان العربي. لكن ربما يؤخذ على الكتاب أنه يزخر بعدد كبير من الأسئلة (عددها يفوق 180 سؤالا على طول الكتاب)، والواقع أن طرح الأسئلة من الناحية التنظيرية ركن أصيل في المنهج العلمي، ولكن ليس إلى الحد الذي تصبح الهوة بين عدد الأسئلة وعدد الإجابات/الحلول عميقة مما يوقع في خلد القارئ أن قلة الأجوبة تنبئ عن أزمة لا حل لها. لقد أحسن إداورد سعيد في كتابه الاستشراق حينما طرح أسئلة أضافت للكتاب وأثارت خيال الباحثين من بعده، ولكن من يتتبع عدد تلك الأسئلة يجد أنها لا تزيد عن عدد الأصابع.

جاء في الكتاب أنه: عندما كانت الثورات العربية في بداياتها، فإن الإعلام الغربي صورها على أنها استقطاب بين العلمانيين والإسلاميين، وأكثر من ذلك، فقد روجت بعض وسائل الإعلام العربية نفس الصورة. وهنا سأل الكاتب سؤالا يتعلق بأوجه الشبه بين ما حصل في بداية الثورات وبين ما حصل عام 1979 في إيران من مظاهرات ضد الشاة تخللها استقطاب إسلامي علماني انتهى بانتصار التيار الإسلامي، وتكلل بتأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران. والواقع أن المتابع لوسائل الإعلام سواء الغربية أو العربية وتغطيتها للثورات العربية في بداياتها، سيشاهد بوضوح فريقين لا ثالث لهما في الميادين وعلى الشاشات وفي تعليقات المراقبين: الشعب بكل فئاته ضد السلطة بكل ألوانها. وهذا ما أكده الكاتب نفسه في ثنايا حديثه عن أن الثورات العربية لم يكن لها لون سياسي واضح، بل بين الكاتب كيف أن الثورات خلت من أي شعارات إسلامية أو حزبية إلخ.

يرى الكاتب أن الغرب المندهش مما رأى قد بدأ يغير نظرته للعالم العربي، فبعد أن كان الغربي يرى العربي من منظور الإنسان الحسي، الخامل، الراضي بالواقع، الصابر على الهوان، فإنه يراه الآن من منظور الإنسان الذي يؤمن مثله (مثل الغربي) بقيم الحرية والعدالة والمساواة والتغيير السلمي. غير أن هذه النظرة لا تخلو من تسطيح، إذ كيف يمكن لصورة نمطية عقد عليها الجمهور الغربي قلبه ومارسها لقرون تجاه العربي أن يغيرها في عام أو عامين. ومن يقرأ كتاب الاستشراق لإداورد سعيد يدرك مدى رسوخ هذه الرؤية الدونية في الوجدان السياسي الغربي، ومن يقرأ كتاب الثقافة والإمبريالية (لإدوارد سعيد أيضا) يدرك كم هي مستقرة في الآداب الغربية وخاصة في الرواية التي لها دور مهم في  تشكيل العقل الجمعي الغربي.
_______________
د. طارق رمضان بروفيسور الدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد، المملكة المتحدة
عرض الكتاب: د. محمود محمد الحرثاني محاضر الدراسات الثقافية والترجمة، قسم اللغة الإنجليزية، جامعة الأقصى، غزة، فلسطين

Ramdan, Tariq (2012) The Arab Awakening: Islam and the New Middle East, London and New York: Penguin Group. 274 Pages; £20, Hardcover.

                                                                                                

نبذة عن الكاتب