كتاب "صدّق" يحاكم "أسطورة" إنقاذ يهود بلغاريا

يعد كتاب "صدّق.. ثماني نظرات على الهولوكوست في البلقان" للباحثة الموسيقية والدبلوماسية السابقة ليا كوهين، محاكمة حقيقية لطبقة سياسية في بلادها وللدولة نفسها بين أعوام 1941-1944، لكنه أيضًا توظيف صريح للهولوكوست في السياسات التي تخدم إسرائيل, أكثر من كونه كشفًا للفصول الغامضة من التاريخ البلغاري.
201331474258345734_20.jpg
 

في كتابها الجديد المعنون "صدّق.. ثماني نظرات على الهولوكوست في البلقان" أعادت الباحثة الموسيقية والدبلوماسية البلغارية السابقة ليا كوهين تسليط الضوء على حقبة حساسة من تاريخ بلادها، هي الفترة بين أعوام 1941-1944.

في تلك الحقبة, كان في بلغاريا نظام ملكي يخضع لحكم بوريس الثالث كوبروغوتسكي, ويرتبط مع ألمانيا النازية بتحالف جنّب البلاد، على خلاف جاراتها البلقانيات, ظروف الاحتلال الألماني المباشر خلال أحداث الحرب العالمية الثانية. لكنه بالمقابل ربطها, بسياسات ألمانيا النازية حتى بعد وفاة الملك بوريس الثالث في 28 أغسطس/آب 1943 وإلى حين وقوع تلك الدولة البلقانية, تحت النفوذ السوفيتي إثر وصول الشيوعيين إلى السلطة في 9 سبتمبر/أيلول عام 1944. حدث ذلك في ظل تقدم الجيش السوفيتي غربًا في طريقه لاحتلال برلين, وكتابة الفصل الأخير من الحرب العالمية الثانية.

ونظرًا لتجذر التحالف الألماني-البلغاري منذ المرحلة السابقة على اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939؛ فقد استفادت بلغاريا من ثماره توسعًا جغرافيًا واتساعًا في النفوذ, كانت تحلم به منذ تقليص حدودها الجغرافية في نهاية الحرب العالمية الأولى عقابًا لها على مطامعها في أراضي جيرانها خلال حرب البلقان, وتحالفها مع ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.

استعادت بلغاريا وفق اتفاقية كرايوفا الموقعة في 7 سبتمبر/أيلول عام 1940 بضغط من ألمانيا النازية والاتحاد السوفيتي (عندما كانا مرتبطين باتفاقية مولوتوف-روبنتروب السرية) أراضي "يوجنا دوبروجا" التي كانت بلغاريا قد خسرتها بعد الحرب العالمية الأولى, لصالح جارتها الشمالية رومانيا.

ومع انضمامها رسميًا في 1 مارس/آذار 1941 إلى الحلف الثلاثي الذي كان يضم ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية واليابان, توسع نفوذ بلغاريا في إبريل/نيسان من العام ذاته في جنوبها الغربي. وانتشر الجيش البلغاري في إبريل/نيسان من ذات العام, بالتفاهم مع ألمانيا النازية, في أراضي جمهورية مقدونيا (الحالية) عندما كانت تتبع لما كان يُعرف بيوغوسلافيا، أي بعد احتلال أراضيها من قبل ألمانيا. وخطت صوفيا خطوة مماثلة بالتنسيق مع ألمانيا أيضًا, في منطقة تراقيا المتوسطية التي تتبع لجارتها الجنوبية اليونان؛ مما فتح لبلغاريا لأول مرة, منفذًا على بحر إيجة، لكنها بعد الحرب عادت إلى حدودها الأصلية.

ضمن حدود مملكة بلغاريا الموسعة والمتحالفة مع أدولف هتلر, أُديرت على مدى السنوات الأربع المذكورة, سياسة داخلية وخارجية بإشراف من الملك بوريس الثالث وحكومة بوغدان فيلوف الموالية له.

واستنادًا إلى مقتضيات هذه السياسة استجابت بلغاريا إلى ما كانت تصفه ألمانيا بـ"الحل النهائي للمسألة اليهودية". وبوشر تنفيذ ذلك في ظل برلمان بلغاري محروم منذ عام 1934 -وعلى غرار نظيره الألماني آنذاك- من أي تشكيلات حزبية. إلى جانب أن أعضاءه كانوا منتخبين وفق نظام أكثري, ويدينون بالولاء في غالبيتهم للملك بوريس الثالث.

وفي هذا الإطار, أجاز البرلمان في 23 يناير/كانون الثاني عام 1941 قانونًا يسمى "قانون الدفاع عن الأمة"، وهو ترجمة محلية الصنع لقوانين نورمبرغ الألمانية المكرّسة للتخلص من الشيوعيين واليهود ما سمح باستحواذ النازيين على ألمانيا في النصف الثاني من الثلاثينيات. وهو في نسخته البلغارية كان يستهدف ما أسماها المنظمات السرية والبلغار من ذوي الأصل اليهودي وممتلكاتهم.

لكن ما حصل مع اليهود في الواقع في حدود مملكة بلغارية الموسعة لم يكن واضحا للعيان. والسبب هو ما تعتبره المؤلّفة "حالة معقدة" تم في سياقها "إنقاذ بعض اليهود وملاحقة آخرين وتدميرهم في ذات الوقت" (1). فقد رحّلت سلطات الأمن والجيش البلغاري -حسب المؤلفة- إلى معسكر تربلينيكا الشهير ببولندا 11434 من يهود بلغاريا معظمهم من سكان المناطق التي ضُمت حديثًا لحدود المملكة. وتباطأ إرسال باقي اليهود وعددهم 48 ألفًا بعد تجميعهم في معازل ومصادرة أملاكهم وترحيلهم إلى مدن فرعية من قبل "مفوضية الشؤون اليهودية" التي تتبع لوزارة الداخلية البلغارية.

وكانت النتيجة أن التباطؤ وتدخل فئات بلغارية بينها رجال دين أرثوذكس ونواب ومثقفون, كان سببًا في نجاة هؤلاء من مصيرهم المحتوم, ومعظمهم من المقيمين في الحدود الأصلية لبلغاريا، وهو ما أكسب بلغاريا سمعة أنها الدولة البلقانية الوحيدة التي أنقذت يهودها من الموت في المعسكرات النازية.

كتاب ليا كوهين "ليس مصنفًا تاريخيًا أو أطروحة علمية" حسبما قالت المؤلفة في مقدمته, لكنه يقوم على "التوثيق وتحليل الكتابات" لما أسمتها "الأسطورة الإيجابية لعملية الإنقاذ" (2).

ويعرض الكتاب -المدعوم جيدًا بالوثائق والصور المأخوذة من أرشيفيات بلغارية ومقدونية وأميركية وسويسرية- للوقائع والأشخاص الفاعلين في قضية ترحيل اليهود أو إنقاذهم, وتعريفًا بالهوية الوطنية للضحايا, بهدف إزالة الالتباس الحاصل إزاء مواطنيتهم, باعتبار أن الناجين كانوا من يهود بلغاريا, بينما كان الذين ماتوا ينتسبون وقت موتهم إلى بلغاريا الموسعة, لكنهم باتوا حاليًا من يهود دولتين بلقانيتين مجاورتين لها، هما: مقدونيا واليونان. ومن هنا أتى عنوان الكتاب متضمنًا عبارة "الهولوكوست في البلقان".

وبما أن الكتاب هو محاكمة بمفعول رجعي لتلك الحقبة والفاعلين فيها, فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كانت المحاكمة موضوعية ومحايدة؟ وهل تضمنت أي استنتاجات أو إيحاءات تطاول تاريخ هذا البلد ونظرته إلى نفسه؟

قبل الإجابة على هذه الأسئلة يستحسن استعراض فصول الكتاب والوقائع التي استعرضتها المؤلفة في سياقه لتكوين فكرة عن مضمونه ورسالته.

"المنقذون" في بلغاريا

يتضمن الكتاب تمهيدًا عنوانه "خطأ حنا أرندت" استعرضت الكاتبة فيه الجهات الفاعلة في تلك الحقبة من تاريخ مملكة بلغاريا, وخصوصًا الملك بوريس الثالث وحكومة بوغدان فيلوف إضافة إلى استعراض مواصفات الجالية اليهودية التي كانت موجودة في إطار المملكة باعتبارها جزءًا من الأمة البلغارية. كما نوهت إلى وجوب التدقيق في قائمة الجهات التي أسهمت في إنقاذ اليهود استنادًا إلى ما قاموا به بالفعل وليس ما نُسب إليهم. وهي تقول في هذا الصدد: "في تلك الحقبة من تاريخ مملكة بلغاريا كان هنالك رجال سلطة راغبون في تدمير وإزالة كل اليهود, وقد حصلوا جزئيًا على تلك النتيجة, لكن السؤال يبقى حول ما إذا كان هؤلاء قد تصرفوا استنادًا إلى تأثيرات الخارج, أو أنهم كانوا مجرد انتهازيين يتصرفون بتأثير المبادئ المستوردة".

بعد ذلك قسمت الكاتبة كتابها إلى ثلاثة أجزاء. يتناول الجزء الأول المعنون "حقائق وأدلة" صورًا ومعلومات عن اليهود الذين جُمعوا من كافة أرجاء بلغاريا الموسعة، ومن ضمنهم عائلة المؤلّفة، وبينهم أسماء لعائلات من مقدونيا واليونان انتهت في معسكر تربلينيكا ولأخرى نجا أحد أفرادها. وفي باب "الإنقاذ: الشعب والقادة" تستعرض الكاتبة رؤيتها للنظام الذي أشرف عليه الملك بوريس الثالث وظل فاعلاً بين أعوام 1939 و1944، والذي أسماه الشيوعيون "الفاشية الملكية". وتقول الكاتبة في معرض استعراضها للفئات المساهمة في عملية الإنقاذ: "العدالة تقتضي التنويه بأنه خلال ربيع العام 1943 عندما كان السكان اليهود في كل أوروبا هدفًا لأشرس عمليات الترحيل, ظهر في بلغاريا الموالية لألمانيا سياسي مثل ديمتر بيشيف (نائب رئيس البرلمان عن الغالبية الموالية للملك) واحتج رسميًا على الإجراءات المعادية لليهود"، و"أكثر المقاومين على هذا الصعيد الكنيسة الأرثوذكسية البلغارية".

وتُفرد الكاتبة في الجزء الأول أيضًا عنوانًا خاصًا لقانون الدفاع عن الأمة الذي أسمته "قانون الإذلال"، وللظروف الدولية والمحلية المحيطة بإقراره، وتُجري قراءة للوضع السياسي البلغاري الذي كان قائمًا وقت إقرار القانون: "على خلاف جيرانها ودول أخرى في أوروبا لم تخسر بلغاريا أراضي, بل استعادت يوجنا دوبروجا واستحوذت على أجزاء من يوغوسلافيا واليونان، وحولت هذه التطورات بلغاريا إلى دولة قوية تدور في فلك ألمانيا. والأراضي الجديدة قدمها لها حليفها الألماني مع سكانها اليهود وهم 600 شخص من يوجنا دوبروجا، وحوالي 7400 من مقدونيا، و200 من بيروت ( منطقة في يوغوسلافيا)، و4100 من شمال اليونان".

ويتناول هذا الفصل أيضًا تأسيس "مفوضية الشؤون العبرية" في وزارة الداخلية البلغارية وعملها في الفترة بين 20 أغسطس/آب 1942 وسبتمبر/أيلول 1944 تاريخ سقوط النظام الملكي. ودورها في تجميع اليهود في معازل وتصفية ممتلكاتهم، وتعاونها في تنفيذ العملية مع موظف ألماني حضر خصيصًا من برلين، وتنسيقها لعمليات الترحيل مع السفير الألماني أدولف بيركلي. وتقول المؤلفة في هذا الصدد: "إن الاتفاق الحامل لتوقيعي بيليف ودانيكر كان نتيجة لاستشارات وقرارات حكومية ومداولات بين فيلوف وبيركلي ولمحادثات مطولة مع الوزير غابروفسكي ولبلاغات وطلبات صادرة عن القصر".

وفي قسمه الثاني يُفرد كتاب "صدق" تحت عنوان "قوى الظلام" مساحة تستعرض ليا كوهين فيها مواقف الملك بوريس الثالث من اليهود بالاستناد إلى مقاطع من خطب وتصريحات له، أهمها ما قاله أمام المجمع الكنسي، وتتطرق إلى ما أسمتها "عصابة الأربعة" التي تنسق مع ألمانيا في القصر, وهي تضم الملك ورئيس وزرائه فيلوف، وتتطرق أيضًا إلى زيارات الملك إلى هتلر واستقباله بحفاوة في مناسبات معروفة وفي لقاءات غير معلن عنها. وتخلص إلى القول: إن مكانة بوريس الثالث في ما ينسب إليه في موضوع إنقاذ اليهود تقع "بين الشك, والخوف من تطور الأحداث؛ وهذا الأخير سبق إيقاع الشجاعة لديه" (3). وتضيف: إن "الشجاعة الحقيقية في العالم الواقعي كانت للنواب الذين وقّعوا على عريضة الاسترحام ومن ضمنهم بيشيف والقساوسة الذين احتجوا لدى الملك وهتلر, ولبعض وزرائه كبوبوف الذي اعترض حتى النهاية على توقيع الاتفاق الثلاثي مع ألمانيا, ومثّل دور المريض حتى لا يشارك في مراسم التوقيع".

وفي القسم الثالث يتناول الكتاب تحت عنوان "عندما تنام الملائكة: المنقذون" أدوارًا لعبها دبلوماسي إسباني في تهريب يهود إلى بلاده, واعتبرته بلغاريا إثر ذلك "شخصًا غير مرحب به" وطردته. وآخر سويسريًا حاول بدوره ترتيب محاولة انتهت بالفشل لترحيل أطفال ومسنين يهود إلى فلسطين بالاتفاق مع الحكومة البريطانية (التي كان يرعى شؤونها بصوفيا) وحكومة الانتداب البريطاني في فلسطين.

والفصل الأخير من الكتاب كان عنوانه "كنيسة الإنقاذ"، وفيه تقول الكاتبة في معرض التعقيب على جهود بعض القساوسة الأرثوذوكس لدى الملك لمنع ترحيل اليهود "كي ندرك أثر البيانات والقرائن الكنسية بمعيار الزمن الحاضر, يتوجب أن نتذكر أن البابا بيوس الثاني عشر في عام 1943 رفض باسم الكنيسة الكاثوليكية اتخاذ موقف من المطاردة التي كان يتعرض لها اليهود, وأن رجال دين كاثوليك في أوكرانيا وقساوسة بروتستانت في ليتوانيا فضّلوا الصمت على مقتل مئات الآلاف". وتضيف: "لكن الكنيسة الأرثوذوكسية البلغارية هي الوحيدة التي شاركت كمؤسسة, وعبر إستراتيجية محددة ومنظمة, في إنقاذ اليهود البلغار وكل اليهود في الأراضي البلغارية الجديدة. هذه حقيقة تضعها في موقع تنويري استثنائي, وتوضح أعجوبة الإنقاذ البلغاري التي يواصل المؤرخون التنازع بشأنها مستخدمين الوثائق والأدلة لإرجاع جذر عملية الإنقاذ لأشخاص, كان الفضل الوحيد لهم أنهم لم يكونوا يتمتعون بالهيبة والسلطة التي تؤهلهم للوقوف في وجه المطارنة الذين هندسوا عملية الإنقاذ" (4).

محاكمة المؤسسة الملكية

مضمون الكتاب الغني بالمعلومات هو في الحقيقة, محاكمة نصبتها ليا كوهين بوصفها سليلة إحدى الأسر التي أُنقذت من معسكرات الاعتقال النازي. وهذا حقها كشخصية معروفة في بلادها, خدمت كدبلوماسية ونائبة في البرلمان بين أعوام 1990 و1996، إلى جانب كونها متخصصة بالموسيقى, وروائية معروفة.

لكن الإيحاءات التي تضمنها الكتاب تتجاوز هذه الحدود؛ فالكتاب يحمل محاكمة للمؤسسة الملكية التي عادت للحياة في نظر أنصارها بعد عودة الملك سيميون ابن الملك بوريس من منفاه الطويل في إسبانيا وترؤسه حركة سياسية أواسط تسعينيات القرن الماضي وحكومة عام 2001 ما لبثت أن خسرت السلطة لصالح الحزب الاشتراكي عام 2005. وهي تقول في هذا الصدد: "النومنكلاتورا(5) الشيوعية أطلقت على هذا النظام مصطلح (الفاشية الملكية) وهو لا يعني شيئًا من وجهة النظر التاريخية. وبعد عام 1989 تم إعادة الاعتبار إلى هذا النظام عبر إلغاء المصطلح. ليس بالإمكان تمرير إعادة الاعتبار لتاريخ نظام الملك بوريس الثالث وحكومة بوغدان فيلوف اللذين ضمّا بلغاريا إلى الحلف الثلاثي وورطاها بجرائم سياسية كبرى".

كما يحمل الكتاب أيضًا دعوة مبطنة إلى ابتزاز الطبقة السياسية البلغارية كي تقر بمسؤولية الدولة عن مقتل 11343 يهوديًا بصرف النظر عن دور البلغار في إنقاذ 48 ألفًا آخرين؛ حيث تقول في صفحة 32 ما نصه: "الموضوعية تقتضي التنويه إلى أن السياسيين المنتخبين ديمقراطيًا بعد عام 1989 والرؤساء البلغار اعترفوا في مناسبات متعددة بذنب الدولة البلغارية في ذلك الوقت وربطوها بسلطة حكومية محددة هي الحكومة والملك؛ ففي فيلم ماريا تسيكوفا وعنوانه (سباسينيي) (6) قال جيليو جيليف (أول رئيس منتخب ديمقراطيًا) التالي: "الدولة هي من أرسل اليهود إلى تريبلينيكا". وكرر ذلك بكلمات أدق عام 2012 بعد 15 عامًا من تركه منصب الرئاسة في مقال في صحيفة "ترود" في مارس/آذار 2012. اعترف أيضًا الرئيس الأسبق بيتر ستيانوف بمسؤولية السلطات البلغارية عن ترحيل يهود مقدونيا وتراقيا المتوسطية، لكن بصفته الشخصية. وصرّح بشيء مشابه الرئيس (السابق) غيورغي برفانوف خلال زيارته إلى إسرائيل عام 2008 لكن ذلك كان موقفًا مرتجلاً لم يتم تبنيه في وقت لاحق أو عبر وسائل الإعلام. في الحقيقة ليس لدى بلغاريا موقف رسمي حول مسؤوليتها عن ملاحقة اليهود, وهي لم تتبنّ المسؤولية لا عن عمليات الترحيل القسري ولا عن الملاحقة نظرًا لغياب التوافق الوطني حول هذه المسألة".

وأخيرًا، لم يخل كتاب كوهين أيضًا من إيحاء لم يتجرأ المؤرخون البلغار على الذهاب إليه, وملخصه أن ترحيل اليهود بالاتفاق مع ألمانيا النازية إلى معسكرات الاعتقال في بولندا كان ثمنًا لإتاحة الفرصة للملك بوريس الثالث كي يوسع حدود بلده إلى المدى الذي كانت تطمح إليه منذ حروب البلقان. وهي تكتب في هذا الصدد في الصفحة 58 ما يلي: "في 7 سبتمبر/أيلول 1940, بالضبط قبل شهر من إحالة قانون الدفاع عن الأمة إلى مجلس الشعب تم توقيع اتفاق كرايوف الذي قضى باستعادة بلغاريا أراضي يوجنا دوربروجا التي فقدتها عام 1913 بوساطة ألمانية. هذا النجاح والمكرمة الألمانية تم قبولهما من قبل الشعب بحماس يمكن تفهمه وخلق أيضًا وهمًا عند الطبقة السياسية والملك بأن بإمكان بلغاريا استعادة الأراضي التي لها مزاعم حيالها عن طريق عقد صفقة سرية مع ألمانيا النازية. وتتضمن هذه الصفقة انتهاج إجراءات قاسية تجاه السكان اليهود. هذه السياسة قررت حكومة فيلوف انتهاجها قبل أن تضع على الطاولة خلال مفاوضاتها مع ألمانيا النازية ورقة مزاعمها الإقليمية التي صيغت على النحو التالي "من الدانوب إلى البحر الأبيض المتوسط ومن البحر الأسود إلى بحيرة أهريد (في مقدونيا)".

كتاب "صدّق-ثماني نظرات على الهولوكوست في البلقان" هو محاكمة حقيقية لطبقة سياسية في دولة بلقانية في حقبة سياسية غاربة, وللدولة نفسها وللتاريخ البلغاري وللمطامح التاريخية للنظام الملكي الذي أدخل بلغاريا في حربين خلال القرن العشرين. لكنه أيضًا رغم غناه بالحقائق, هو توظيف صريح للهولوكوست في السياسات التي تخدم إسرائيل, أكثر من كونه كشفًا للفصول الغامضة من التاريخ البلغاري.

معلومات عن الكتاب
اسم الكتاب: صدق.. ثماني نظرات على الهولوكوست في البلقان
المؤلف: ليا كوهين – سفيرة بلغاريا في سويسرا وبلجيكا سابقا
دار النشر: إنثوسياست- صوفيا
سنة الصدور: 2012
عدد الصفحات: 254
لغة الكتاب: البلغارية
عرض: محمد داوود العلي
___________________________________
المراجع
1- كوهين ليا: صدق.. ثماني نظرات على الهولوكست في البلقان، دار أنثوسياست صوفيا الطبعة الأولى ( بالبلغارية صفحة 12).

2- كوهين ليا المصدر السابق ص23.

3- كوهين المصدر السابق ص122.

4- كوهين ليا المصدر السابق ص218.

5- النومنكلاتورا: صفة أطلقها المفكر اليوغسلافي ميلوفان جيلاس على طبقة البيروقراطيين التي نشأت مع نشوء سلطة الأحزاب الشيوعية في شرق أوروبا والتي كانت الأكثر استفادة من امتيازات النظام، وهي صفة سلبية.

6- فيلم وثائقي يتحدث عن إنقاذ يهود بلغاريا وعنوانه "سباسينيي" أي: إنقاذ.

نبذة عن الكاتب