قطر اليوم: المسار الفريد لإمارة غنية

كتاب "قطر اليوم: المسار الفريد لإمارة غنية" هو قراءة جيوسياسية لمسار قطر من القرن الثامن عشر إلى يومنا هذا. يربط المؤلف الحضور القوي لقطر على الساحة الإعلامية الفرنسية والدولية بسياسة الاستثمارات المالية الهائلة في الرياضة والصناعة والقطاع المصرفي، والدبلوماسية الملتزمة والنشطة التي تميز سياسة قطر.
2013822853695734_20.jpg
المصدر: (الجزيرة)

كتاب "قطر اليوم: المسار الفريد لإمارة غنية" (Le Qatar Aujourd’hui : La singuliere trajectoire d’un riche emirat)  لمؤلفه الكاتب والباحث الفرنسي مهدي لازار هو قراءة جيوسياسية لمسار قطر من القرن الثامن عشر إلى يومنا هذا. يربط المؤلف الحضور القوي لقطر على الساحة الإعلامية الفرنسية والدولية بسياسة الاستثمارات المالية الهائلة في الرياضة والصناعة والقطاع المصرفي. ليس فقط، وإنما كذلك الدبلوماسية الملتزمة والنشطة التي تميز سياسة قطر. الكتاب يجيب على تساؤلين: 

  1. ما الذي تبحث عنه قطر؟
  2. كيف يمكن لدولة أن تجمع بين مفارقة المحدودية والقصور في الجغرافيا والديمغرافية والحضور القوي المميز على الساحة الدولية؟

يسوق الكاتب عوامل عدة ساعدت على ظهور قطر بطريقة لافتة:

  • التحولات الاستراتيجية في التسعينيات وتزامنها مع وصول الأمير (السابق) حمد بن خليفة إلى السلطة والتي شكّلت نقطة التحول في قطر.
  • قيام أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة بتجديد النخب سنة 1995.
  • انتهاج سياسة اقتصادية طموحة. 
  • إنشاء قناة الجزيرة.

 دولة مشهورة لكن غير معروفة

ساهم الربيع العربي في التعريف بقطر عالميًا. لم ينسَ الشيخ حمد بن خليفة أثناء مروره عبر مطارات العالم في شبابه أنه كان يُصدم بعدم معرفة ضباط الجوازات بموقع دولة قطر؛ فعمل حينما تولى السلطة  على إدارة سياسة اقتصادية بارعة تمثلت في الاستثمار في الغاز الطبيعي المسال مما وفر لبلده وقودًا للنمو الاقتصادي. لوم يقتصر الاستثمار على الطاقة بل تجاوزه ليصل إلى التنمية الاجتماعية عبر دستور جديد كان من ميزاته منح حق التصويت والترشح للمرأة لأول مرة في تاريخ الدولة.

اقتصاد ريعي غير تقليدي

قطر، يكتب لازار، دولة صغيرة لكنها عملاق اقتصادي مقارنة بمساحتها وعدد سكانها. ويركز الكاتب على تجربة الانتقال من دولة كانت تعيش على الصيد وتجارة اللؤلؤ إلى قوة اقتصادية ذات بعدين:

  1. قوة مالية أصبح دخلها القومي يتجاوز 173 مليار دولار (2011). وتعود هذه القوة حسب لازار إلى مداخيل الغاز والصندوق السيادي لقطر الذي يتولى إدارة الفائض المالي من عائدات النفط والغاز في قطاعات اقتصادية أخرى. 
  2. قوة "غازية" Force gazière: إن امتلاك قطر لثلث احتياطي الغاز ووضعها المتقدم كأول دولة مصدرة للغاز المسال في العالم؛ إذ قفزت نسبة الإنتاج من 89 إلى 106 مليار متر مكعب أما كمية النفط فهي في حدود 25,4 مليار برميل. تميز قطر يكمن -حسب الكاتب- في أنها خلافًا لدول ريعية أخرى استغلت إيرادات الريع من أجل مشاركة شعبها في العولمة. كما عملت تلك السياسات على تشجيع قطاع الصناعات التحويلية لتصبح مكملاً استراتيجيًا للصناعات المرتبطة بالنفط.

 مجتمع نيو تقليدي

ترك اكتشاف النفط بصماته على المجتمع القطري حيث زاد دخل المواطن القطري وأدى إلى تزايد في عدد الوافدين. لكنه في نفس الوقت ساهم في استمرار نمط العلاقة بين الحاكم والمحكوم وحافظ على أشكال تنظيم المجتمع والتي تعود إلى مرحلة ما قبل اكتشاف النفط. إن قطر، يقول الكاتب، لم تلامس إلا قليلاً جدلية المعاصرة والأصالة.

في ظل غياب معطيات سوسيولوجية علمية، لجأ الكاتب إلى دراسات أُجريت على دول خليجية أخرى وقام بتطبيقها على دولة قطر واستخدم نتائجها في تحليله للمجتمع القطري. رغم أهمية الدراسات المقارنة في هذا المجال، إلا أن التحليل المقارن يستوجب التوازن والتشابه في المعطيات الأساسية للوصول إلى نتائج موضوعية؛ الأمر الذي لم يهتدِ إليه الكاتب. كما أن الاستعانة بالتحليلات والنتائج الجاهزة التي وصل إليها الباحثون في الشأن القطري في ظروف معينة لا يمكن تطبيقها دون مراجعة وتحديث على الحالة القطرية(ص72 و73).

من الهفوات المنهجية الأخرى التي وقع فيها الكتاب: الجانب الحقوقي والإعلامي في قطر والاعتماد على مصادر دون أخرى والاكتفاء أحيانًا بمصدر واحد خاصة إذا كانت تفتقد للمصداقية والحيادية. ولعل الاستشهاد باستقالة روبير مينار من مركز الدوحة لحرية الإعلام خير دليل على أحادية التحليل للحكم على المشهد الإعلامي في قطر. كما أن الاستعانة فقط بتقرير الخارجية الأميركية رغم أهميته لا يشكّل مرجعًا علميًا دون البحث عن مصادر أخرى.

إن التقدم السريع الذي تشهده قطر لم يصاحبه تغيير في البنية العقلية والذي غالبًا ما يميز المجتمعات الغنية والاستهلاكية، يقول المؤلف. ويعود السبب حسب رأيه إلى تداخل بين تاريخ قطر وتاريخ أسرة آل ثاني وغياب قراءة نقدية لتاريخ الدولة. ويشير الكاتب إلى مسألة مهمة دون الغوص فيها وهي التأثير الإيجابي لتحول قطر إلى دولة نفطية؛ إذ إن الثروة النفطية لم تضعف الرابطة الاجتماعية بل زادت من نفوذها دون أن تضر بتماسك الدولة. وهنا يسقط الكاتب في فخ المراجع الأجنبية المختصة في تاريخ قطر باعتبار أن العديد من المراجع القطرية كمصادر أولية كان من الممكن الاستفادة منها في معرفة حقيقة التداخل بين تاريخ قطر وتاريخ الأسرة الحاكمة.

هذا لا يعني أن الحداثة متعثرة في قطر، بل متقدمة، لكنها ليست نتاجًا لمطالب اجتماعية بقدر ما هي إرادة داخلية نابعة من القيادة القطرية. وخير دليل على ذلك إنشاء مؤسسة قطر التعليمية وما تقوم به الشيخة موزة بنت ناصر المسند حرم الأمير السابق في إرساء برامج حديثة طويلة المدى في المجالات الاجتماعية والتعليمية والصحية والثقافية جعلت قطر استثناءً في العالم العربي؛ حيث إن الدولة أخذت على عاتقها مسؤولية الحداثة والتقدم. من نتائج هذه البرامج الدور المتقدم للمرأة والحقوق المهمة التي تحصلت عليها في قطر، كما أنه تم تسخير عائدات النفط لتأمين تلك البرامج وفي تغيير ملامح الدولة بفتح ورش كبيرة للبناء والنقل والاقتصاد والثقافة شكّلت البنية التحتية العصرية لقطر. ويتوقف الكاتب عند الأهمية القصوي التي تُوليها قطر للتعليم كرافد أساسي للتنمية؛ لذا شملت خطة الإصلاح التعليمي المقررات الدراسية من الابتدائي إلى الجامعي، وسعت قطر إلى الاستفادة من تجارب عالمية تمثل في بناء مدينة تعليمية بمقاييس عالمية.

النظام السياسي في قطر

منذ استقلال قطر سنة 1971 لم يتوقف النظام السياسي القطري عن تطوير نفسه، ولعل الدساتير التي عرفتها الدولة منذ القانون الأساسي سنة 1970 إلى اعتماد الدستور الدائم سنة 2005 مؤشر على منهجية التدرج والتطوير التي تميز النظام السياسي الداخلي. بدأت مظاهرها باستفتاء على الدستور وتنظيم انتخابات محلية ومهنية. ميزة النظام السياسي في قطر تكمن في أن المكون الرئيسي هو استمرار أسرة آل ثاني في الحكم وتولي أمير البلاد القيادة العسكرية والسلطة التنفيذية بالتعاون مع الوزير الأول الذي يدير مجلس الوزراء. لكن دستور 2005 يعتبر تاريخيًا باعتبار أنه ترجم روح الإصلاحات التي واكبت وصول الشيخ حمد بن خليفة إلى السلطة ورغبته الملحة في التغيير وليس استجابة لمطالب وضغوطات شعبية. كما أن الرغبة في إدارة جيدة لمؤسسات الدولة وضمان الشفافية والاستقرار الدائم شكّلت هواجس دائمة لدى القيادة القطرية. إنها قيادة من جيل جديد. يقول لازار.

السياسة الخارجية لقطر

كل التسميات أُطلقت على السياسة الخارجية من طموحة إلى انتهازية مرورًا بالسياسة الفوضوية -يقول الكاتب. واقع الأمر أن سياسة قطر الخارجية ليست دوغماتية رغم أنها مبنية على أسس ليست بالجديدة لكنها تتجاوب في آن واحد مع متغيرات آنية ونماذج مختلفة، منها التنويع في مصادر الأمن أي عدم الارتباط أمنيًا بجهة واحدة، وسياسة الوساطات السلمية وحماية الإقليم بمساعدة قوة خارجية.

البحث عن دبلوماسية التوازن

من مسلّمات السياسة الخارجية هو أنه من الصعب إدارة سياسة خارجية في محيط متقلب وغير مستقر. الاختلاف في تصنيف وتعريف دبلوماسية قطر مرده أن تلك السياسة لا تعرف الجمود بل تحاول أن تتأقلم مع المتغيرات الإقليمية والدولية. قطر لا تؤمن بالسياسة التقليدية؛ فقد أصبحت من الدول الأكثر دينامية في العالم، لكن هذا التنوع والمرونة يقلق البعض، ويسوق المؤلف تصريحًا لجون كيري عندما كان رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي: "قطر لا يمكن أن تكون حليفًا لأميركا الاثنين وأن ترسل أموالاً لحماس الثلاثاء".

يؤكد الكاتب أن الحرص على تنوع شركاء قطر دبلوماسيًا تقليد يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر عندما وقّعت قطر على اتفاقيات مع العثمانيين والبريطانيين في آن واحد.

سياسة تعدد الشركاء وتنوعهم دفعت بالقيادة في قطر إلى تحسين علاقاتها مع دول الجوار خاصة المملكة السعودية وإيران.

يخصص الكتاب صفحات عديدة للوساطة القطرية كأداة تنفيذية للسياسة الخارجية وكيفية فض النزاعات التي استعصى حلها على القوى الكبرى. سواء كانت داخلية أو دولية ومنها على الخصوص نجاح قطر في لبنان وتميزها في دارفور واليمن وبين المغرب والجزائر وفي إطلاق سراح الممرضات البلغاريات في ليبيا. عملية نجاح الوساطة القطرية يعود إلى طبيعة الدور القطري: محايد ويقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف. كما أنه ليس لقطر أجندة خاصة تتحكم في نشاطها الدبلوماسي تثير حفيظة الأطراف المتنازعة، أما التعاطي مع دول "مارقة" ومع دول ديمقراطية فلا يعتبره الكاتب تناقضًا بل رؤية استراتيجية نابعة من صلب دستور قطر الأخير. إنه تناقض إيجابي لدبلوماسية من مستوى عالٍ تبحث عن الفرص لتترجم مبادئ سياستها الخارجية مع الاحتفاظ بعلاقات متينة مع الدول على مستوى رسمي وشعبي وهو ما سماه الكاتب "سياسة خارجية متعددة الأبعاد". ومن هنا تأتي أهمية العلاقة الخاصة مع واشنطن وباريس. 

أبعاد العلاقة مع واشنطن وباريس

يعتقد لازار أن الحماية الأميركية لقطر توفر للقيادة القطرية هامشًا أكبر من الحرية في سياستها الخارجية التي تتسم بالاستقلالية. صحيح أن واشنطن ليست شريكًا سهلاً وكثيرًا ما أبدت امتعاضها من المبادرات القطرية دوليًا بل وذهبت أبعد من ذلك. استمرت العلاقات بين الدوحة وواشنطن متقلبة لكن مع توقيع اتفاقيات الدفاع بين البلدين واحتضان قطر لقاعدة أميركية جعل العلاقة أكثر واقعية دون أن تتدخل واشنطن في خيارات قطر السياسية. الدور القطري المتنامي منذ وصول الشيخ حمد بن خليفة وإنجازاتها في السياسة الدولية جعلا واشنطن تعتمد على الدوحة وتتقاسم معها أدوارًا مهمة في العديد من المناطق الساخنة في العالم.

غير بعيد عن قاعدة العُديد، تؤوي قطر طائرات الميراج الفرنسية حيث يعتمد السلاح القطري على العتاد الفرنسي بنسبة 80%. ووصلت علاقات قطر مع فرنسا إلى عضوية ملاحظ في المنظمة الدولية للفرانكوفونية. يرى الكاتب أن العلاقة مع فرنسا التي أصبحت علاقة تفضيلية تعود إلى السبعينيات وتشهد تقدمًا مستمرًا باعتبار أنها تتجاوز الخلفيات الحزبية وطبيعة الأغلبية الفرنسية مع أنها وصلت إلى أوجها في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. بالنسبة للعلاقة بين باريس والدوحة، أصبح من الصعب التخلي عن شراكة أثبتت جدواها وتعتبر مؤشرًا قويًا على القيمة الإضافية لرغبة قطر في تنويع محاورها الاستراتيجية. إن حجم الاستثمارات القطرية في فرنسا وحجم التبادل التجاري ومتانة الروابط الخاصة بين البلدين يزيد من متانة العلاقة بين البلدين.

لكن الكاتب يتجنب الخوض في الحملة الإعلامية والسياسية الأخيرة التي شنتها أحزاب سياسية ووسائل إعلامية فرنسية بعد مجرد الاعلان عن مشروع مساعدة أبناء الضواحي في فرنسا من الفرنسيين ذوي أصول عربية وإسلامية. حملة أقحمت قطر كلاعب في السياسة الداخلية الفرنسية لتصفية حسابات سياسية بين اليمين واليسار. 

قطر: الرعاية السياسية

تهدف الاستثمارات القطرية في العالم إلى البحث عن مصادر بديلة للطاقة لضمان مستقبل الأجيال المقبلة لكنها تساهم في وضع قطر على الخريطة الدولية؛ الأمر الذي من شأنه أن يساعد في تقوية اللُّحمة الوطنية والشعور بالفخر للانتماء إلى الوطن؛ لذا شملت الرعاية القطرية العديد من الفعاليات  الثقافية والرياضية والمراكز العلمية والجامعات المرموقة.

أما النجاحات الباهرة التي حققتها الجزيرة بفضل تغطيتها المتميزة جعلها أداة نفوذ يُحسب لها ألف حساب. يكفي -يقول الكاتب- أن الجزيرة وراء إنشاء العشرات من القنوات العربية والأجنبية تقدم الأخبار على مدى الساعة بعد تميز الجزيرة. أدركت قطر أهمية الجزيرة ودورها في ما يُسمى بالدبلوماسية الناعمة فعمدت لتطويرها وفتح قنوات أخرى ترسيخًا لمبدأ الجزيرة كمؤسسة. لعل تغطية الجزيرة المميزة للحرب على العراق وقبلها أفغانستان لا يوازيها إلا تألق الجزيرة في أحداث الربيع العربي ودور الجزيرة في الاصطفاف مع الشعوب في انتفاضتها ضد الأنظمة القائمة. لم تقف الإدارة القطرية على مكتسبات الجزيرة؛ فالسياسة الثقافية ممثلة في الاعتناء بالمتاحف وبناء متاحف عالمية إضافة إلى ملتقيات فنية وأخيرًا الاستثمار في الرياضة إعلاميًا ورعاية، كل ذلك يدل على سياسة قطر متعددة الجوانب. البلد الذي يريد أن يكون حاضرًا في كل المحافل.

قطر والربيع العربي

منذ 2011 شهدت قطر تحولاً في مقاربتها المعتمدة في سياستها الخارجية؛ فانتقلت من سياسة الوساطة السلمية وحل النزاعات عربيًا وإفريقيًا إلى التدخل المباشر في بعض الأزمات والوقوف إلى جنب أطراف الصراع وفي مقدمتها ليبيا وتونس. ويُرجِع الكاتب التحول في السياسة الخارجية إلى تداعيات الربيع العربي وإلى سنة 2008 التي شهدت انفراجًا في العلاقة مع المملكة العربية السعودية والأزمات المالية التي كبحت جماح الدول الغربية آنذاك. أكثر من ذلك، فإن غياب دول وازنة على المسرح الدولي فتح المجال لقطر لتملأ الفراغ. 

العقيدة السياسية الجديدة القائمة على التدخل في الأزمات مع اندلاع الشرارة الأولى للربيع العربي تعود حسب الكاتب إلى شعار قطري "على العرب أن يحلوا مشاكل العرب". فكرة من وحي النخبة المحيطة بالأمير، غير أن ذهاب قطر بعيدًا في دعمها للربيع العربي وخاصة في الأزمة السورية لم يكن ممكنًا حسب المؤلف لولا شعور قطر بالأمان وبدعم الغرب وخاصة الولايات المتحدة للاستمرار في الالتزام بتعهداتها.

استراتيجية قطر: من التأثير إلى النفوذ

يعتبر الربيع العربي، حسب الكاتب، نقطة تحول مهمة في السياسة الخارجية لدولة قطر؛ حيث غيرت قطر استراتيجيتها الإقليمية بنهج انحياز علني للانتفاضات الشعبية ودعم الأحزاب الإسلامية السنية التي جاءت إلى السلطة.

إنه تحول مهم؛ تخلت قطر عن قربها من محور سوريا-إيران-حزب الله بعدما كانت تربطها علاقات وثيقة مع هذا الثلاثي؛ فبدعمها القوي للمعارضة السورية وتأثيرها القوي في الجامعة العربية تمكنت قطر من توطيد علاقاتها مع الرياض التي تتزعم المحور السني. غاب عن الكاتب التركيز على قدرة القادة في قطر في التحكم في متناقضات السياسة الخارجية التي تصل أحيانًا إلى صراع الأضداد واختيار نهج خاص بهم؛ وهو ما مكَّنها من أن تكون نموذجًا تطبيقيًا للسياسة الناعمة كما يعرّفها الأكاديمي الأميركي جوزيف ناي.

الكتاب يعاني من قصور منهجي في التحليل وعدم التقيد بخط تحليلي منسق؛ إذ يعج بنفس الفرضيات الواردة في مقدمة الكتاب في جميع الفصول متمثلة في العائدات التي يوفرها الغاز ودور الجزيرة كلاعب في السياسة الخارجية والعلاقات الخاصة مع إيران والمملكة السعودية كمحددات دائمة. يبقى الكتاب في زحمة الكتب الصادرة في باريس محاولة جادة لفهم مسارات قطر دون أفكار مسبقة. الكتاب الوحيد الذي يربط بين جغرافية قطر وتأثيرها على الأداء الاقتصادي والسياسي والبنية الاجتماعية. مهدي لازار جغرافي التكوين ولذلك أَحجم عن القول بأن الجغرافية لا يمكن أن تفسر كل شيء؛ فتداخل العلوم الاجتماعية يجعل الفصل بينها لاستيعاب العلاقات الدولية يؤدي إلى قصور في التصور وفي المنهاج وفي النتيجة.

الخاتمة

نادر أن تنجز دولة فتية ما شيدته قطر في ظرف قصير. لقد استطاعت التنمية المتسارعة في قطر تغيير التركيبة السكانية لكن المجتمع القطري بقي محافظًا على الانتماءات السابقة القبلية منها والعائلية؛ وهو ما سماه الكاتب المجتمع التقليدي الجديد. كما أن الأسرة الحاكمة ومنذ وصولها للسلطة سنة 1868 استعملت تلك الانتماءات من أجل إضفاء شرعية على حكمها معتمدة على قراءة جديدة لتاريخ الإمارة. ويضيف الكاتب: إن طبيعة العلاقة الصحية بين أفراد الشعب القطري تجعل البلد في منأى عن الهزات الداخلية. إضافة إلى أن النهج السياسي والاقتصادي في قطر يختلف عن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى التي تقول بعض الدراسات إنها مرشحة لمرحلة من عدم الاستقرار في السنوات القادمة. لكن الكاتب يشير إلى خطورة التبعية الأمنية للولايات المتحدة والتي يمكن أن تغير من سلوكها في قطر مع نهاية وجودها في العراق وأفغانستان؛ فهشاشة الوضع الإقليمي من شأنها أن تؤثر على قطر، إضافة إلى الاستقلالية في التزود بالطاقة في حدود سنة 2030. وهنا يناقض الكاتب نفسه؛ فقد أكد في الفصول السابقة أن قوة قطر تكمن في حرصها على عدم ربط سياستها بدولة واحدة لتفادي التبعية المشروطة. بقي لقطر أن تبحث عن طريق مميز ونموذج تنموي جديد يضمن لها التوازن الحساس بين هويتها والحداثة المنشودة.

معلومات الكتاب
عنوان الكتاب: قطر اليوم: المسار الفريد لإمارة غنية.
المؤلف: مهدي لازار.
( David Shambaug)
عرض: د. حسني عبيدي، أستاذ بالمعهد الأوروبي لجامعة جنيف وأستاذ زائر بجامعة باريس الأولى السوربون
الناشر: منشورات ميشالون
تاريخ النشر: 2013.
عدد الصفحات: 238
_________________________________________
عرض: د. حسني عبيدي - أستاذ بالمعهد الأوروبي لجامعة جنيف وأستاذ زائر بجامعة باريس الأولى السوربون.

نبذة عن الكاتب