المصدر: (الجزيرة) |
عُنِيَتْ الصين بالدبلوماسية، منذ أقدم العصور، وعَدَّتْها الأنظمة السياسية المختلفة في مقدمة أدوات الفعل السياسي المهمة، واعتمدتها كواحدة من أَخَصِّ "الترتيبات" التأسيسية للنظام الدولي، باعتبارها ركيزة الحضارة والعلاقات الإنسانية في أرقى أشكالها. وذلك باعتبار ما طرأ على الروابط الدولية، في فترات لاحقة، وما حدث من تكامل بين الثقافات الدبلوماسية الإقليمية من خلال عصبة الأمم، ومن بعدها الأمم المتحدة، وإنشاء وزارات الخارجية وتوابعها من السفارات الثنائية، وما أقرَّتهُ اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961) من تنظيمات، والتأهيل المهني للدبلوماسيين والخدمات الدبلوماسية، وما يُعرف في وقتنا الحاضر بدبلوماسية "القمة" واستخدام المبعوثين الخاصين، وأهمية الحفلات الدبلوماسية والبروتوكول، وما تُمثِّله الفروق الدقيقة في اللغة الدبلوماسية، والدبلوماسية العامة والإعلام الاجتماعي، وما تجنيه الدول من التبادلات التعليمية والحوارات بين الثقافات، والمشاركة مع الجهات الفاعلة من غير الدول، تثور تساؤلات كثيرة حول مسألة مستقبل الدبلوماسية الرسمية في المجتمع العالمي العولمي الشبكي، وازدياد نفوذ الدبلوماسية العامة، التي لم تكن الصين، كدولة كبيرة وقوة صاعدة مهمة، بمعزل عن كل حراكها ومتغيراتها.
لقد ظلَّت الصين باستمرار محط اهتمام المراقبين لتوجهات الدبلوماسية العالمية، الذين ينظرون لصعود الصين الاقتصادي والسياسي والعسكري كمحدد استراتيجي لسياستها الخارجية وحيوية فعلها الدبلوماسي. ومثلما ارتفعت رغبة وطلب المجتمع الدولي لمعرفة السياسات الدبلوماسية الصينية بشكل عميق يومًا بعد يوم، ازدادت كذلك حماسة المواطنين الصينيين لمتابعة الشؤون الدبلوماسية والمشاركة فيها باستمرار. ففي السنوات العشر الماضية، أصبحت معرفة السياسات الدبلوماسية الصينية قضية بالغة الأهمية، وغدت تحركات الصين على المسرح الدولي نقطة ساخنة تحظى دائمًا باهتمام كبير من دول العالم. ولأن الصين أصبحت قوية في الوقت الحالي، ودورها وتأثيراتها في المجتمع الدولي أكبر بكثير مما كانت عليه الحال في الماضي؛ فقد شهدت العلاقة بينها والعالم تغيرات جذرية، ويمكن أن تُعَدُّ تاريخية. وفي ظل هذا الوضع، وجب على الدبلوماسية الصينية تقديم وشرح سياسات البلاد الخارجية؛ من خلال مختلف الوسائل، وبشكل جيد وجديد يُسْهِم في رسم صورة حقيقية للصين أمام الشعوب الأخرى. ومع تطبيق مفهوم التنمية العلمية، الذي طرحه الحزب الشيوعي الصيني، تتجسد نظرية "الدبلوماسية من أجل الشعب ووضع الإنسان في المقام الأول" خلال الأعمال الدبلوماسية على نحو أوضح(1).
الكتاب
يقدِّم كتاب "الدبلوماسية الصينية: النظرية والتطبيق" مراجعة شاملة لنهج الحزب الشيوعي الصيني في الدبلوماسية، من خلال تقييم واسع للممارسات والنظريات الرئيسية وراء دبلوماسية الحزب الشيوعي، مع تسليط الضوء على إنجازاتها الرئيسية، في تسعين عامًا من التفاعل الخارجي. وتتعمق المساهمات القيمة، التي حوتها فصول الكتاب السبعة المحكمة، في فحص وجهات النظر التي ارتآها الحزب الشيوعي الصيني واعتمدتها الدولة، حول العصر ومتغيراته، والنظام الدولي، والمصالح الوطنية، والتطورات المتلاحقة للدبلوماسية الصينية. وتناول مواضيع أخرى تغطي فترة العقود التسعة وتتضمن الممارسات الدبلوماسية التقليدية وغير التقليدية للصين، فضلًا عن الخصائص الأساسية لدبلوماسية الحزب الشيوعي الصيني، التي لم يسبق أن تطرقت لها دراسات تفصيلية بهذه السعة وعمق التركيز.
اشتملت محتويات الكتاب على مقدمة تحليلية مطولة من 30 صفحة، بقلم المحرر الدكتور "يانغ جيميان"، بعنوان: "القيادة وإنجازات الحزب الشيوعي الصيني في الدبلوماسية الصينية". وتوزعت الفصول السبعة تحت قسمين، هما: القسم الأول، "النظرية"، الذي استأثر بأربعة فصول، هي: "مفهوم الحقب والسياسة الخارجية للصين"، بقلم الدكتور يي تشينغ، و"مفهوم النظام الدولي والسياسة الخارجية للصين"، للدكتور تشانغ بي، و"مفهوم المصالح الوطنية" للدكتور ليو زونجيي، و"النظرة العلمية للتنمية والدبلوماسية الصينية"، للدكتور زانغ هايبنغ. وجاء القسم الثاني، "التطبيق"، في ثلاثة فصول، هي: "الانتشار التقليدي للدبلوماسية الصينية"، بقلم الدكتور جانغ تشون، و"الدبلوماسية الصينية في مجالات غير تقليدية"، للدكتور يوهونغ يوان، و"الدبلوماسية الحزبية بالخصائص الصينية"، للدكتور نيو هاي. وكما كانت المقدمة، جاءت خاتمة الكتاب، التي كتبها أيضًا المحرر جيميان، حاوية لمستخلصات الفصول السبعة، وطارحة رؤية بعنوان: "الحزب الشيوعي الصيني والتقدم مع العصر: الآفاق المستقبلية للدبلوماسية الصينية"، تجاوزت هي الأخرى خمسًا وعشرين صفحة.
المحرر والمساهمون
يشغل محرِّر هذا الكتاب، الدكتور "يانغ جيميان" منصب الرئيس وزميل معهد شنغهاي للدراسات الدولية. ويعمل، في الوقت نفسه، أستاذًا زائرًا وزميلًا في جامعة الدفاع الوطني، وجامعة شانغهاي للدراسات الدولية وجامعة تونغجي. وهو عضو في لجنة شنغهاي للمؤتمر الاستشاري السياسي الشعبي. وقد حصل على العديد من الجوائز، ونشر العديد من الكتب والأوراق عن العلاقات الدولية والسياسات الخارجية الأميركية والنظريات الدبلوماسية للصين. ومن بين مؤلفاته الأخيرة دبلوماسية العرض الصينية: النظرية والتطبيق (2011)، ونظام الانتقال وإعادة بناء القواعد: دراسة سياسة مشاركة الصين في تسوية القضايا العالمية (2012). وهو عضو مجلس إدارة الجمعية الوطنية الصينية للدراسات الدولية، ومعهد الشعب الصيني للشؤون الخارجية، والرابطة الوطنية للصداقة بين الصين والولايات المتحدة، والرابطة الوطنية للدراسات الأميركية، ورابطة شنغهاي للعلاقات الدولية، ومعهد شنغهاي للدراسات الاستراتيجية الدولية، ورابطة شنغهاي لدراسات تايوان، وغيرها.
وأسهم في الكتاب مجموعة مختارة من العلماء الصينيين المرموقين، هم الدكتور يي تشينغ، مدير مركز دراسات غرب آسيا وشمال إفريقيا، مساعد رئيس معهد شنغهاي للدراسات الدولية، الذي تشمل اهتماماته البحثية الدبلوماسية في الصين، القوى الناشئة والنظام الدولي في مرحلة انتقالية، ودراسات الشرق الأوسط والإسلام. والدكتور تشانغ بي، نائب مدير مركز الدراسات الأوروبية، معهد شنغهاي للدراسات الدولية، الباحث في مجال الاستراتيجيات والسياسات الخارجية للصين، والتفاعل بين التنمية السلمية للصين والنظام الدولي، وصعود وسقوط القوى العظمى، والعلاقات الاستراتيجية بين الصين والاتحاد الأوروبي. والدكتور ليو زونجي، زميل باحث في معهد الدراسات الاقتصادية العالمية، ومركز دراسات آسيا والمحيط الهادئ، الذي تتركز اهتماماته البحثية أساسًا على الاقتصاد الهندي والسياسات الخارجية الهندية. والدكتورة تشانغ هايبنج، المدير التنفيذي لمعهد الدراسات الاقتصادية العالمية، المتخصصة في دراسة الإدارة الاقتصادية العالمية، وخصوصًا المساعدات الإنمائية الرسمية، ودراسات التكامل الإقليمي في الاتحاد الأوروبي. والدكتور تشانغ تشون، نائب مدير مركز دراسات غرب آسيا وإفريقيا، الذي يركز بحثه على سياسة الصين تجاه إفريقيا، ودراسات شمال شرق آسيا، ونظرية العلاقات الدولية. والدكتور يو هونغ يوان، أستاذ ونائب مدير معهد السياسة المقارنة ودراسات السياسات العامة. وهو أيضًا زميل فخري بمركز الدراسات الاستراتيجية والطاقة الدولية في جامعة الشعب الصينية، وزميل فخري بمركز دراسات آسيا والمحيط الهادئ في جامعة ينغنان في هونغ كونغ. كما أسهم في الكتاب الدكتور نيو هاي، الذي يشغل حاليًا منصب مساعد مدير معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية، وزميل باحث في مركز الدراسات الأميركية. وهو يعمل حاليًا على دراسة السياسة الخارجية للبرازيل والتعاون فيما بين البلدان النامية الكبرى. وتشمل أعماله: "النزعة الإقليمية في آسيا: شرح البنائية"، و"ثلاثة متغيرات في الحكمة الأوروبية: السيادة والديمقراطية والهوية"، و"مناظرات بشأن مسؤوليات الصين الدولية".
مشاغل وإشكاليات
يقدِّم هذا الكتاب رؤى نظرية وعملية جديدة في العديد من جوانب العمل الدبلوماسي؛ مشاغلها وإشكالياتها، الأمر الذي يؤدي إلى استنتاج مفاده أن "الدبلوماسية الصينية" تمرُّ بمرحة تقييم أساسية؛ بما يميز أداءها اليوم، وبالنسبة لمشاغلها في المستقبل المنظور. ويبحث المشاركون فيه من العلماء "تشكُّلات" الدبلوماسية الصينية وتطورها النظري والعملي، و"التكامل" بين دور القيادة وإنجازات الحزب الشيوعي الصيني في الدبلوماسية الصينية، و"البيئة" الداخلية والخارجية بعد أكثر من تسعين عامًا من "التجربة"، التي شكَّلتها فترات مختلفة؛ يُصِرُّ الكتاب على وصفها جميعًا بـ"السلمية"، التي بدأت مع مرحلة "دبلوماسية التحرير السلمي" بين عامي 1921 و1949، و"دبلوماسية التعايش السلمي" بين عامي 1949 و1979، ثم "دبلوماسية التنمية السلمية" بين عامي 1979 إلى وقتنا الحاضر. ومَيَّزَتها نظرية "الخصائص الدبلوماسية الصينية"، التي اعتمدها الحزب الشيوعي كمحدد لعلاقات بلاده الخارجية، والتي تُعَرَّف بـ"دبلوماسية السلام والوئام"، و"الدبلوماسية الشاملة والمنفتحة"، و"دبلوماسية الاستقلال والديمقراطية". وتمثلت ملامح قيادة الحزب الشيوعي الصيني للعمل الدبلوماسي في خلق التوازن بين دور القيادة وأدوار الممارسين المحترفين، ومحاولة إيجاد مقاربة بين المصالح الصينية ومتطلبات المجتمع الدولي، أو "الأسرة الإنسانية"؛ وذلك بإعطاء الاعتبارات اللازمة للأوضاع المحلية والعالمية الحق في تقرير مصير المصالح المشتركة. وقد استشعر الحزب الشيوعي مبكرًا العلاقة بين الاستراتيجية الكلية للصين والتطورات الدبلوماسية، وتحقيق المواءمة الدقيقة بين ما تعنيه الضوابط النظرية "الأيديولوجية" وما تحتمه ضرورات الممارسة العملية للعلاقات الخارجية في الساحة العالمية.
ولا شك أن المرحلة الحاضرة هي الأكبر والأهم، في تطور الدبلوماسية الصينية، ويعود الفضل فيها إلى الزعيم الراحل دنغ شياو بينغ، الذي استحق لقب الدبلوماسي الصيني البارز، بالإضافة لكونه زعيمًا وقائدًا للبلاد، لأنه كان يعالج العلاقات الصينية مع الدول المجاورة بمفهومه الجديد والذي طرحه في نهاية سبعينات القرن الماضي، وتبنَّى فيه سياسة خارجية تدعو للسلام وتهيئة البيئة المناسبة لبناء العصرنة كأول مهمة في العلاقات الصينية الخارجية. وعلى هدي هذه الفكرة اتخذت الصين سلسلة من السياسات الفعلية، التي هدفت إلى تعزيز العلاقات الصينية مع الدول المجاورة وأحرزت نتائج إيجابية كبيرة(2).
وبحكم حجم الصين الكبير، يتوقع المرء دائمًا وجود مشاغل ومشاكل حدودية بينها وبين الدول المجاورة تحتاج إلى معالجة دبلوماسية مناسبة، لأنها تتعلق بالأمن والاستقرار المحلي والإقليمي، وهنا طرح دنغ شياو بينغ مبادرة خاصة بحل نزاعات الأراضي مع الدول المجاورة، انطلاقًا من الوضع الاستراتيجي الشامل للصين، جاء فيها: "نتمسك بالسيادة بشدة ونترك النزاعات جانبًا ونبحث عن التنمية المشتركة"(3). وفي تقدير "هان فونغ"، نائب رئيس معهد دراسات منطقة آسيا والهادئ، التابع لأكاديمية الصين للعلوم الاجتماعية، "أن جميع مشاكل الأراضي بين الصين والدول المجاورة قد وجدت حلًّا مناسبًا، أو شهدت تحسنًا، أو جُمِّدت مؤقتًا بعد تطبيق هذه الأفكار الدبلوماسية، وانطلاقًا من مبادئ الصداقة والمنفعة المتبادلة. لذلك، لم تشهد علاقات الصين مع الدول المجاورة حتى الآن حالة توتر، بل تتطور نحو الوفاق باستمرار"(4).
حصاد معلوم
وتأكيدًا وتأييدًا لما جاء من مقولات رئيسية تضمنتها صفحات هذا الكتاب، يقول "يانغ جيه تشي"، عضو مجلس الدولة، في مقال موسوم، نشرته مجلة الحزب الشيوعي الصيني الرسمية، "تشيوشي"، التي تعني "البحث عن الحقيقة"، في طبعتها الانجليزية، تحت عنوان: "الابتكارات في النظرية الدبلوماسية الصينية والممارسة في ظل ظروف جديدة"، إنه منذ الاختتام الناجح للمؤتمر الوطني الـ18 للحزب الشيوعي الصيني عام 2013، ونهاية الدورات السنوية لنواب الشعب الصيني واللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، في بداية عام 2014، ركَّزت اللجنة المركزية للحزب بقيادة السكرتير العام الرفيق شي جين بينغ، وفي ضوء الظروف الجديدة والمهام الجديدة، على الصين في جدول الأعمال الاستراتيجي على المدى الطويل، مع التقدير والحرص على بيئة التنمية العالمية واتجاهات التطور في الداخل والخارج. وإذ تضع في اعتبارها كلًّا من المصالح المحلية والدولية للبلاد والحفاظ على استمرارية واتساق سياساتها الدبلوماسية الرئيسية، التي روَّجت للإبداع في النظرية والممارسة الدبلوماسية المواكبة لاتجاه العصر والمضي قُدمًا بروح الريادة. وبسبب البداية الجيدة المُحْرَزة، والخطة الشاملة المعتمدة، فقد وضعت اللجنة المركزية للحزب العديد من الأفكار الاستراتيجية المهمة لشؤون الصين الخارجية، وكذلك السياسات والمبادئ الدبلوماسية، واتخذت عددًا من المبادرات الدبلوماسية الكبرى، التي لم تساعد في خلق الظروف الخارجية المواتية لتسهيل عمل الحزب والدولة في جميع المجالات فحسب، وإنما عززت وطورت نظام النظرية الدبلوماسية ذات الخصائص الصينية(5).
وبالأخذ في الاعتبار الاهتمام الدولي الوثيق بالتوجه السياسي الرئيسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، قدَّم السيد شي جين بينغ، الأمين العام، لأول مرة الدبلوماسية الصينية في شكل مبادرات دبلوماسية جديدة، شاملة ومبتكرة في طبيعتها، أمام حشد من الخبراء الأجانب العاملين في الصين، تضمنت استراتيجية الصين للانفتاح والسياسة الخارجية، وإرسال رسالة واضحة بأن القيادة المركزية الجماعية الجديدة للصين ملتزمة بالإصلاح والانفتاح، وطريق التنمية السلمية، واستراتيجية التعاون المُربِح للجميع مع العالم الخارجي، مع التمسك بحزم بالمصالح الوطنية الأساسية للصين(6).
وبنظرة سريعة لفعل الدبلوماسية الصينية خلال العام المنصرم، يستطيع المرء أن يلاحظ النشاط الدبلوماسي الكبير للسيد شي جين بينغ، وقادة الحزب والدولة الآخرين، وزياراتهم للعديد من الدول الكبرى والنامية، والبلدان المجاورة للصين، ودول آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية وأوروبا وأميركا الشمالية، واستضافتهم للزيارات التي قام بها العشرات من الزعماء الأجانب. وقد مكَّنت هذه الأنشطة الدبلوماسية الثنائية ومتعددة الأطراف، في الداخل والخارج، القادة الصينيين من تعزيز التبادلات الودية والتعاون العملي مع الدول الأخرى بشكل فعال ومُجْدٍ لكل الأطراف. كما سعت الصين للانخراط بعمق في تشكيل العمليات الدبلوماسية متعددة الأطراف، باحترامها للالتزامات الدولية الواجبة، والعمل في تعاون وثيق مع المنظمات الدولية ذات الصلة، في الحفاظ على السلام والأمن في العالم، وتعزيز التنمية البشرية والتقدم، ومعالجة القضايا والتحديات العالمية، مؤكدة على التزامها الاستمرار في الدعوة إلى ممارسة التعددية كفكرة عملية تُضفي على الدور المهم للأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى قيمة كبيرة وثقة داعمة. وبالتالي، توفير دفعة قوية لإقامة نظام سياسي واقتصادي دولي جديد أكثر عدلًا وإنصافًا.
خاتمة
إن المحتوى القيِّم لهذا الكتاب يصلح للنظر من خلاله لطبيعة الدبلوماسية الصينية في مستوى النظرية والتطبيق. ويسعى الذين نهضوا بعبء إعداده لفائدة جمهور واسع من القراء المهتمين بالشأن الدبلوماسي الصيني، من الباحثين والأكاديميين والمهنيين المهتمين بالدبلوماسية، كعلم ومهنة، والعلاقات الدولية، والعلوم السياسية، في مجالاتها العامة والخاصة؛ إذ إن ما عالجه المؤلفون يُعتبر أكثر شمولًا وإحاطة بقضايا وإشكاليات الدبلوماسية الصينية، مقارنة بغيره من الكتب والدراسات، التي لمست بعض جوانب الموضوع، ومَسَّتْ بشكل عابر دور الحزب الشيوعي في التاريخ الدبلوماسي للصين. كما أن الكتاب يمثِّل مرجعًا مهمًا لما تناثر في صفحاته الكُثر من تفاصيل الدبلوماسية الصينية، ووصف دقيق لكل مناحيها النظرية والتطبيقية. ويُقدَّر له أن يملأ الفجوة في الدراسات الصينية من خلال تسليط الضوء على الرؤى المختلفة للحزب الشيوعي الصيني حول الاستراتيجيات العالمية والتخطيط الدبلوماسي، والمساهمة في بناء نظرية للعلاقات الدولية ذات خصائص صينية؛ إذ حدد المؤلفون بدقة حجم التغيرات في المشهد الدولي، ودعوا إلى اغتنامها دعمًا للاتجاهات الأساسية للتنمية، ومنها التركيز على الاستراتيجية الصينية على المدى الطويل. وذلك للحفاظ على استمرارية واتساق السياسات الخارجية الرئيسية، وفق توازن الاعتبارات المحلية مع المعايير الدولية، وتعزيز الابتكارات في النظرية والممارسة الدبلوماسية ذات الخصائص الصينية.
والمؤكد أن الاطلاع الفاحص على هذا الكتاب سيمكِّن القراء من اكتساب فهم أعمق للعلاقات الدولية للصين، والدور الأساسي للحزب الشيوعي في قيادة العمل الدبلوماسي والسياسة الخارجية. ويُعطي خلفية تساعد على التفسيرات النظرية وراء الممارسات المشهودة لأداء الدبلوماسية الصينية في العالم. ولقد ركَّز بشكل واضح على تحليل القضايا الخارجية ذات الصلة بالصين، ووفَّر وجهات نظر ثاقبة عن الدبلوماسية الصينية والنظام الدولي. كما أن النطاق العام للكتاب واسع؛ إذ تضمَّن كل الأفكار النظرية ودراسة المقاربات السياسية الشارحة لها، وغطى النقاط الساخنة في الممارسة التطبيقية العملية، مثل المشاركة العامة في الدبلوماسية الصينية، ومفاهيم الدبلوماسية الصينية، مثل "الشعب أولًا"، وكذلك دراسات حالة عن الأحداث التاريخية، أو النظر المستقبلي على المدى الطويل، وما إلى ذلك. لذا، فإن الكتاب في مجمله يقدم رؤى جديدة تُعبِّر عن وجهات نظر أكاديمية صينية عليمة، سيفيد منها الذين يرغبون في فهم أفضل للدبلوماسية والشؤون الخارجية والعلاقات الدولية الصينية.
الكتاب: الدبلوماسية الصينية: النظرية والتطبيق
China's Diplomacy: Theory and Practice
المحرر: الدكتور يانغ جيميان
الصفحات: 556
الناشر: شركة عالم القرن
New World Century
سنة النشر: 2014
اللغة: الإنكليزية
__________________________________
الهوامش:
1) الدبلوماسية الصينية تتمسك بوضع الإنسان في المقام الأول وتدفع الدبلوماسية العامة بقوة، إذاعة الصين الدولية، 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2012.
http://arabic.cri.cn/881/2012/11/02/82s154257.htm
2) نظرية دنغ شياو بينغ الدبلوماسية وتطبيقها فى تحسين العلاقات الصينية مع الدول المجاورة، شبكة الصين، 23 أغسطس/آب 2004.
http://arabic.china.org.cn/china/archive/dengxiaoping/txt/2004-08/23/content_2128786.htm
3) نفس المصدر.
4) انظر:
Journal of Politics and Law; Vol. 7, No. 1; 2014 Published by Canadian Center of Science and Education
http://www.ccsenet.org/journal/index.php/jpl/article/viewFile/34744/19849
5) انظر:
Yang Jiechi, “Innovations in China’s Diplomatic Theory and Practice Under New Conditions’, Qiushi Journal, English Edition, Vol. 6 No. 1, January 1, 2014.
6) انظر:
Christopher K. Johnson Decoding China’s Emerging “Great Power” Strategy in Asia, May 5, 2014.
http://www.spf.org/media/upload/1_CSIS.pdf