العرب في مواجهة القوى الإقليمية والدولية

1_852859_1_34.jpg








محمد السعيد إدريس


يعتبر الوطن العربي منطقة التقاء مصالح اقتصادية وإستراتيجية حيوية لكثير من القوى الدولية والإقليمية، فالوطن العربي يزخر بالموارد الطبيعية وخاصة الطاقة (النفط والغاز) كما أنه مركز مالي شديد الأهمية وسوق استهلاكية مغرية سواء للواردات المدنية أم العسكرية.







محمد السعيد إدريس

كما أن الوطن العربي يمثل واحدا من أهم المواقع الإستراتيجية في العالم، هو نقطة التقاء التجارة والمواصلات العالمية، من يسيطر عليه يستطيع أن يسيطر على قلب العالم، كما أنه مهد الديانات السماوية الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية)، هو أرض الأنبياء والديانات ومن ثم فهو أرض حضارة وثقافة شهد لها العالم كله.

لهذه الأسباب مجتمعة كان تاريخ الوطن العربي مفعما بالغزوات والصراعات والتنافس الدولي من أجل السيطرة والاحتواء.


هذه الخصوصية يمكن أن تكون مصدرا للقوة إذا أحسن العرب إدارتها وتوظيفها، ويمكن أن تكون مصدرا للضعف إذا لم يحسن العرب توظيفها، وأحسب أننا الآن في إحدى مراحل الضعف والتفكك التي يمكن أن توصف بأنها "تاريخية" أو "كارثية"، لذلك فإن خصوصية الموقع والمكانة تحولت إلى مصادر للتهديد والخطر أكثر منها فرصا للتقدم والتطور والنهوض، كما أنها تفرض مواجهات مع قوى دولية وإقليمية طامعة أكثر مما تتيح من فرص التلاقي والتعاون.

هذه الحالة الراهنة للوطن العربي في تفاعلاته الإقليمية والدولية، حالة الصراع والمواجهة بدلا من التعاون والتنسيق تكاد تكون الغالبة باستثناءات محدودة، وهى حالة لا تعود فقط إلى خصوصية الموقع وإشكالياته، لكنها تعود أيضا إلى أن الوطن والنظام العربيين يعيشان هذه الأيام مجموعة من الأزمات المترابطة.

هذه الأزمات تساهم بتفاعلها مع خصوصية الموقع وإشكالياته في خلق هذه الحالة الصراعية وغير التعاونية مع أغلب القوى الإقليمية والدولية حول المصالح العربية العليا التي تبدو مهددة من جانب تلك القوى الإقليمية والدولية.


أزمات الوطن العربي
المصالح العربية وتحدياتها الدولية والإقليمية


أزمات الوطن العربي


يواجه الوطن العربي حاليا حلقات متداخلة من الأزمات تمثل عوائق أمام قدرته على تعظيم مصالحه من ناحية والتصدي لمحاولات قوى دولية وإقليمية النيل من هذه المصالح من ناحية أخرى. من أهم هذه الأزمات ما يلي:









  1. "
    يواجه الوطن العربي حاليا حلقات متداخلة من الأزمات تمثل عوائق أمام قدرته على تعظيم مصالحه من ناحية والتصدي لمحاولات قوى دولية وإقليمية النيل من هذه المصالح
    "
    أزمة الخلل بين الدولة والمجتمع، حيث تعاني الدول العربية من اختلال كبير في التوازن بين الدولة ومؤسساتها الحاكمة من ناحية وبين المجتمع وتكويناته المختلفة من ناحية أخرى لصالح الدولة.

    فبدلا من أن تكون الدولة في خدمة المجتمع أصبح المجتمع في خدمة الدولة والقوى المهيمنة على الثروة والسلطة، وبعد أن أصبحت الدولة استبدادية وسلطوية وأبوية في معظم الدول العربية، وبعد أن أخذت تشكل العلاقة مع المجتمع بما يخدم استبدادها وتسلطها، لم يعد المجتمع العربي قادرا على ضبط أداء الدولة، ولم يعد أداء الدولة يعمل في اتجاه خدمة المجتمع ومصالحه بقدر ما هو في خدمة القوى المحتكرة للسلطة وللثروة.

    هذا الخلل في التوازن بين الدولة والمجتمع أدى إلى إحداث تشوهات هائلة في إدارة السياسة والحكم في كثير من الدول العربية في ظل عجز المجتمع عن مراقبة أداء مؤسسات الدولة في الداخل وعلاقاتها  وأنماط تحالفاتها في الخارج.


  2. أزمة الخلل بين تأثير القوى الداخلية وتأثير القوى الخارجية على القرار الوطني، فقد أدت أزمة الخلل في التوازن بين الدولة والمجتمع إلى نتيجتين خطيرتين: الأولى تهميش قدرة المجتمع على ضبط أداء الدولة ومؤسساتها وقواها الحاكمة، وما ترتب على ذلك من تعويم شرعية النظام الحاكم وتراكم عوامل عدم الاستقرار السياسي، والثانية حرص النظام الحاكم على تعميق علاقاته وارتباطاته الخارجية بحكم تزايد مصالح الدولة مع الخارج.

    وهكذا أصبحنا أمام معادلة خطيرة للسياسة والحكم في كثير من الدول العربية مفادها أنه كلما اتسعت الفجوة بين النظام الحاكم ومجتمعه في الداخل كلما تعمقت ارتباطاته مع القوى الخارجية الدولية والإقليمية، وازدادت قدرة هذه القوى على التغلغل في الداخل والتأثير على توجهات القرار السياسي لدرجة أصبحت قدرة هذه القوى في التأثير على القرار العربي تفوق قدرة القوى الداخلية.

    وأمامنا الآن ثلاثة أمثلة صارخة لهذه الحالة في ثلاث دول عربية تواجه اضطرابات وأزمات سياسية في الداخل هي على الترتيب: العراق ولبنان وفلسطين، فتطور الأوضاع السياسية داخل هذه الدول العربية الثلاث بات يتوقف بدرجة كبيرة على التقاء أو تباعد مصالح القوى الدولية والإقليمية، هناك دول عربية أخرى تعاني من هذه الأزمة وعلى الأخص بعد تطورات ما بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة.

    فمنذ أن بدأت الولايات المتحدة حربها على ما تسميه "الإرهاب" اتجهت إلى ممارسة ضغوط سياسية قوية على بعض الدول التي سمتها بـ"الدول الفاشلة" التي تراها مسؤولة عن تفريخ المنظمات الإرهابية بسبب عجزها عن حل مشكلاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

    هذه الضغوط أخذت في البداية شكل الدعوة للديمقراطية والإصلاح الديمقراطي ولكنها تحولت إلى "ابتزاز" وضغوط سياسية واقتصادية باتجاه أزمات سياسية عربية أخرى سواء في العراق أو فلسطين أو لبنان، من أجل تقديم تنازلات تخدم الحرب الأميركية على الإرهاب.

    وقد اضطرت بعض الدول العربية إلى تقديم هذه التنازلات كي لا تقدم تنازلات في ملف الإصلاح السياسي والديمقراطي، ومن ثم أصبح القرار السياسي في هذه الدول موجها بفعل الضغوط الخارجية، وعلى الأخص الضغوط الأميركية، وبما لا يعكس اتجاهات وميول الرأي العام الداخلي ومواقف معظم القوى السياسية الداخلية.


  3. أزمة الخلل في العجز عن مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية، فقد ترتب على الخلل في العلاقة بين الدولة والمجتمع والخلل في تأثير الداخل والخارج على القرار الوطني عجز مزمن في قدرة النظم الحاكمة على الأداء والإنجاز، الأمر الذي أدى إلى تراكم التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية.

فالدول العربية تواجه حاليا تحديات سياسية خارج&