مؤتمر الصحافة الاستقصائية ومنهجية البحث العلمي يرسم ملامح تطوير العمل الصحفي الاستقصائي

من اليمين: المصطفى عمراني، سمير بوزويتة، مصطفى اجاعلي، محمد المختار الخليل، محمد القاسمي

عُقد مؤتمر "الصحافة الاستقصائية ومنهجية البحث العلمي في تغطية الحروب والنزاعات"، يومي 4 و5 ديسمبر/كانون الأول 2024، بمدينة فاس المغربية، بتنظيم مشترك بين جامعة سيدي محمد بن عبد الله ومركز الجزيرة للدراسات. استقطب المؤتمر نخبة من الباحثين والخبراء الإعلاميين من مختلف أنحاء العالم، وناقش قضايا جوهرية تتعلق بالصحافة الاستقصائية ودورها في تسليط الضوء على النزاعات، وتوثيق الجرائم والانتهاكات، مع التركيز على إسهامها في تعزيز العدالة الدولية من خلال تبني منهجيات علمية مبتكرة.

أهمية المؤتمر

افتتح رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله، الدكتور مصطفى إجاعلي، المؤتمر مشددًا على أهميته بوصفه منصة أكاديمية متميزة لتعزيز قدرات الطلبة والباحثين في مجال الإعلام والتواصل. وأكد أن الجامعة تسعى لتوفير بيئة تعليمية وبحثية تواكب التحولات السريعة في الإعلام الرقمي، بما يشمل تقنيات الذكاء الاصطناعي وصحافة البيانات. وأوضح الدكتور إجاعلي أن الجامعة تتبنى رؤية إستراتيجية تهدف إلى دمج التعليم الأكاديمي بالتطبيق العملي لتأهيل جيل جديد من الصحفيين والباحثين القادرين على التعامل مع التحديات الحديثة بأسلوب علمي واحترافي. كما أشار إلى التزام الجامعة بالمساهمة في التنمية المجتمعية من خلال تزويد الطلبة بالأدوات والمهارات اللازمة لمعالجة القضايا الاجتماعية، وتعزيز دور الإعلام كوسيلة للتغيير الإيجابي.

التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والإعلامية

في كلمته الافتتاحية، أكد الدكتور محمد المختار الخليل، مدير مركز الجزيرة للدراسات، أهمية التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والإعلامية لتطوير الصحافة الاستقصائية أداةً فاعلة تخدم القضايا المجتمعية والإنسانية. وأشار إلى أن المؤتمر يعالج إشكاليات متعددة تتعلق بالعلاقة بين الصحافة الاستقصائية ومناهج البحث العلمي، لاسيما في سياقات النزاعات الدولية مثل الحرب الروسية-الأوكرانية، والحرب في السودان، والحرب على غزة.

وسلَّط الدكتور الخليل الضوء على التحديات التي تواجه الإعلام الدولي في ظل الاستقطاب الحاد؛ حيث يُستغل وسيلةً لترويج السرديات والأيديولوجية وتغييب الحقائق وتضليل الجمهور. وأوضح أن الصحافة الاستقصائية تلعب دورًا محوريًّا في مواجهة هذه التحديات من خلال الكشف عن الحقائق بعيدًا عن الانحيازات الأيديولوجية. ودعا إلى تزويد العمل الاستقصائي بأطر منهجية تعزز دقته واستقلاليته؛ مما يُمكِّنه من تقديم تغطيات أكثر مصداقية وموضوعية.

تحديات تتطلب معالجة علمية

بدوره، أوضح مدير مختبر الدراسات الأدبية واللسانية وعلوم الإعلام والتواصل، الدكتور محمد القاسمي، أن المؤتمر ينعقد في سياق عالمي يتسم بتغيرات جوهرية في وظائف الإعلام. وبيَّن أن الإعلام المعاصر تجاوز دوره التقليدي ناقلًا للأخبار، ليصبح أداة لصناعة الأخبار وتوجيه الرأي العام؛ ما يفرض تحديات جديدة تتطلب معالجة علمية وأكاديمية دقيقة.

البحث العملي أداة لتطوير الصحافة الاستقصائية

وفي ذات السياق، شدَّد ممثل اللجنة التنظيمية للمؤتمر ورئيس شعبة علوم الإعلام والتواصل، الدكتور المصطفى عمراني، على أهمية هذا اللقاء في تسليط الضوء على إستراتيجيات تغطية النزاعات والحروب بأسلوب يراعي المعايير المهنية والمصداقية. كما أشار إلى ضرورة استثمار أدوات البحث العلمي مدخلًا رئيسيًّا لتطوير الصحافة الاستقصائية، بما يسهم في تحقيق إعلام قائم على التحري الدقيق والطرح الرصين.

أبرز المحاور البحثية

تناولت الأوراق البحثية المقدمة عدة محاور رئيسية، منها المسؤولية الاجتماعية للصحافة؛ حيث دعت الأبحاث إلى إعادة صياغة دور الصحافة لتعزيز قدرتها على كشف الفساد والانحرافات، مع بناء خطاب إعلامي يخدم النفع العام بعيدًا عن الإثارة السطحية. كما ركزت الأوراق على استثمار التقنيات الرقمية، مثل شبكات التواصل الاجتماعي وأدوات المصادر المفتوحة، التي أثبتت دورها في دعم العمل الصحفي، لاسيما في النزاعات، من خلال جمع المعلومات والتحقق منها بدقة وسرعة. شدَّدت الأبحاث كذلك على ضرورة تدريب الصحفيين لاستخدام هذه الأدوات بفعالية؛ مما يُعزز جودة التغطيات الإعلامية.

الأبعاد القانونية والمنهجية

سلَّطت الأبحاث الضوء على أهمية البيئة التشريعية في دعم الصحافة الاستقصائية، مشيرة إلى الحاجة إلى أطر قانونية تضمن حرية التعبير وتحمي الصحفيين، مع تحقيق التوازن بين دور الإعلام الرقابي والحفاظ على المصلحة العامة. وأكد الباحثون أهمية اعتماد مقاربات علمية دقيقة في إعداد التحقيقات الاستقصائية، خاصة في تغطية النزاعات والحروب. وأشارت إلى أن التوثيق الدقيق، والتحليل الموضوعي، والابتعاد عن التحيز، تعد عناصر أساسية لضمان مصداقية النتائج المقدمة للجمهور.

التقنيات والابتكار في الصحافة

تناولت النقاشات توظيف الذكاء الاصطناعي وصحافة البيانات أدوات رئيسية لتعزيز دقة وكفاءة الصحافة الاستقصائية. ورغم الإمكانيات الهائلة التي توفرها هذه الأدوات، حذَّر الباحثون من مخاطر إساءة استخدامها، داعين إلى توفير تدريبات متخصصة للصحفيين لتمكينهم من استثمار هذه التقنيات بطريقة أخلاقية ومسؤولة. كما أبرزت الدراسات المقدمة في المؤتمر أهمية الصور الصحفية أداةً توثيقية في الصحافة الاستقصائية؛ حيث تم التأكيد على ضرورة اعتماد معايير دقيقة لتحليل الصور واستخدامها بطريقة تُسهم في تقديم محتوى متوازن وموثوق، يعكس الواقع بموضوعية ودقة.

الصحافة الاستقصائية ركيزة للعدالة الاجتماعية

أجمع الحاضرون على أن الصحافة الاستقصائية تُعدُّ حجر الزاوية في تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية، لما توفره من أدوات دقيقة لكشف الحقائق وتسليط الضوء على القضايا الجوهرية. وأكد المؤتمر أهمية تعزيز الحوار العلمي حول مستقبل الصحافة الاستقصائية في ظل التحولات الرقمية المتسارعة، مع العمل على مواجهة التحديات واستثمار الفرص المتاحة لبناء مجتمعات أكثر شفافية وإنصافًا.

التوصيات الختامية

اختُتم المؤتمر بجملة من التوصيات التي ركزت على تعزيز الصحافة الاستقصائية بوصفها أداة للتغيير المجتمعي الإيجابي. كما دعت التوصيات إلى توفير تدريبات مستمرة للصحفيين على منهجيات البحث العلمي واستخدام التقنيات الحديثة، وتعزيز الحماية القانونية للعاملين في مناطق النزاعات، وتوسيع نطاق التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والإعلامية لتطوير ممارسات الصحافة الاستقصائية، مع الالتزام بالقيم الأخلاقية والمهنية لضمان تقديم محتوى مسؤول يدعم الشفافية والمساءلة.