نظَّم مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع المؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا، يوم الخميس 25 ديسمبر/كانون الأول 2025، ندوة فكرية موسعة بعنوان "دور الثقافة والفن في دعم الحرية وتحقيق العدالة"، بمشاركة نخبة من المثقفين والباحثين والإعلاميين.
انطلقت الندوة من نقاش معمَّق حول صراع السرديات في عالم تتشابك فيه أصوات الشمال والجنوب في معركة المعنى والتأثير؛ حيث تناول المتحدثون الدور الذي تضطلع به الثقافة والفنون بوصفها أحد أهم ميادين التعبير عن القضايا العامة، وأدوات مركزية في مساءلة الواقع وصياغة الوعي. وشارك في النقاش كلٌّ من: عواد جمعة، الصحفي وصانع الأفلام الوثائقية والباحث في قضايا الهوية والذاكرة والسلطة، وحسين جلعاد، الشاعر والصحفي ورئيس التحرير المناوب في موقع الجزيرة نت، ومحمود حامد العيلة، الشاعر والباحث المتخصص في دراسات النزاع والعمل الإنساني.
أكدت المداخلات أن البحث والكتابة والعمل الإعلامي والفني تمثل مسارات متقاطعة في الاشتغال على القضايا العامة؛ حيث يسهم البحث في تفكيك اللغة ومراجعة المسلَّمات، بينما يعمل الإعلام على ملامسة الواقع ومخاطبة الجمهور، في حين يفتح الفن أفقًا رمزيًّا للتعبير يتجاوز المباشر والتقريري. وأشار المشاركون إلى أن جوهر الصراع لا يكمن في الوقائع وحدها، وإنما في السرديات التي تُبنى حولها، وفي مسألة من يُصدَّق أولًا، ومن يُطالَب بالإثبات، في ظل حضور السياسة في مختلف مناحي الحياة.
تناولت الندوة دور الفنانين والشعراء والسينمائيين في التعبير عن قضاياهم وتجاربهم؛ حيث جرى التأكيد على أن هذه الفئات لا تسعى إلى تحقيق العدالة بمعناها القانوني، وإنما تسهم في ترسيخ عدالة رمزية، عبر التعبير عن المظلومية، وحفظ الذاكرة، ونقل التجربة الإنسانية إلى الفضاء العام. وأوضح المتحدثون أن الشاعر، على سبيل المثال، هو ابن بيئته وتجربته ومخاوفه وتحدياته، وأن الإبداع ينبثق من تفاعل الشعور بالظلم أو القهر أو الأمل مع المخزون الثقافي والإنساني، لتتحول لحظة الإلهام إلى نص شعري أو عمل سينمائي أو سرد أدبي يمنح التجربة الفردية بعدًا جمعيًّا.
خصصت الندوة حيزًا مهمًّا للقضية الفلسطينية بوصفها نموذجًا مكثفًا لصراع السرديات؛ حيث ناقش المشاركون كيف أسهم الإحساس العميق والمستمر بالظلم، ولاسيما في قطاع غزة، في تحفيز الإبداع الفني والأدبي، وتحويل المعاناة اليومية إلى أعمال شعرية وسينمائية وسردية نقلت التجربة الفلسطينية إلى العالم، وأسهمت في بناء سردية قادرة على مواجهة محاولات الطمس والتهميش.
من جانبها، أشارت الدكتورة نادية المضاحكة، مدير إدارة البحوث والدراسات في كتارا، إلى أن تنظيم هذه الفعالية يندرج ضمن شراكة معرفية مع مركز الجزيرة للدراسات، تهدف إلى تعزيز التطور الثقافي والفكري وترسيخ الوعي المجتمعي. ولفتت إلى أن اختيار عنوان الندوة يعكس إيمان المؤسستين بالدور المحوري الذي تضطلع به الثقافة والفنون ووسائل التعبير المختلفة في صناعة الوعي وبناء المعنى، وتعزيز قيم الحرية والكرامة الإنسانية، مؤكدة أن الثقافة والفن يشكلان رافعة أساسية في تناول القضايا الإنسانية وترسيخ العدالة في الوعي العام.
تأتي هذه الندوة في إطار سعي المؤسستين إلى تعميق النقاش حول أدوار الثقافة والفنون في دعم قيم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، وإبراز قدرة الإبداع على التأثير في الوعي الجمعي وصياغة خطاب إنساني بديل في زمن تتكاثر فيه السرديات المتصارعة. وقد أدارت الندوة منى الكواري، استشاري في وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي بدولة قطر، فيما تولَّى تقديمها مصطفى عاشور، المذيع بقناة الجزيرة مباشر.