مؤتمر "الاستقرار والسلام في أوقات مضطربة" يقدم رؤية إستراتيجية لإنهاء الحرب ومعالجة تداعياتها

إحدى جلسات المؤتمر (الجزيرة)

عُقِد في مدينة سالونيك اليونانية، يومي 27 و28 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مؤتمر دولي بعنوان "مناقشة الاستقرار والسلام في أوقات مضطربة: التداعيات المحلية والإقليمية والدولية للحرب على غزة"، بتنظيم مشترك بين مركز الجزيرة للدراسات، ومجلة البحر الأسود وشرق البحر الأبيض المتوسط (BSEMR)، وجامعة نيقوسيا، وجامعة أرسطو في سالونيك. شهد المؤتمر مشاركة واسعة من باحثين وخبراء ومختصين من مختلف دول العالم، سواء بالحضور الشخصي في جامعة أرسطو أو من خلال المشاركة الافتراضية؛ ما أتاح له طابعًا عالميًّا يعكس تنوع وجهات النظر حول القضية.

ركزت الجلسات على أبعاد متعددة للحرب الإسرائيلية على غزة، التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأبرزت الحاجة إلى معالجة شاملة للأبعاد السياسية والإنسانية والاجتماعية للصراع. كانت النقاشات مكثفة حول "إستراتيجيات إنهاء الصراع"؛ حيث تناول الخبراء السبل الممكنة لوقف الحرب وفتح آفاق لحوار شامل يضمن تسوية دائمة. جرى التأكيد على ضرورة التزام الأطراف الفاعلة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا بالعمل على تحقيق الاستقرار، مع طرح مقترحات عملية للتعامل مع العراقيل التي تحول دون تحقيق ذلك، بما في ذلك التباين في مواقف الدول المؤثرة في المنطقة.

تطرقت النقاشات إلى آفاق إعادة إعمار غزة، مع تسليط الضوء على حجم الدمار الذي خلَّفته الحرب وأثره على البنية التحتية والقطاعات الحيوية. شدَّد المشاركون على أهمية ضمان دور فاعل للمنظمات الدولية في عملية إعادة الإعمار، وناقشوا آليات تمويل مستدامة وتوفير المساعدات للمتضررين، مع التركيز على الابتعاد عن تسييس المساعدات الإنسانية.

كلمة مركز الجزيرة للدراسات في افتتاح المؤتمر، يلقيها الدكتور عرفات شكري، الباحث الأول بالمركز.
كلمة مركز الجزيرة للدراسات في افتتاح المؤتمر، يلقيها الدكتور عرفات شكري، الباحث الأول بالمركز.

تناولت جلسات المؤتمر أيضًا دور المنظمات الدولية والإنسانية في تقديم الدعم لمجتمعات غزة المتضررة. تم استعراض التحديات التي تواجه هذه الجهات، مثل الحصار الإسرائيلي والقيود المفروضة على إيصال المساعدات. في هذا السياق، ناقش الخبراء الحاجة إلى إصلاح المنظومة الدولية لضمان فاعلية التدخل الإنساني ورفع مستوى التعاون بين الجهات المانحة والمنظمات المحلية.

أحد المحاور البارزة كان "تحديات الصحفيين في مناطق النزاع"؛ حيث نوقشت المخاطر التي يواجهها الإعلاميون أثناء تغطية الأحداث في غزة والمناطق المماثلة. أظهرت النقاشات أهمية وضع آليات لحماية الصحفيين وتعزيز حرية الإعلام، نظرًا للدور الحاسم الذي تلعبه الصحافة في توثيق الصراعات والكشف عن الانتهاكات. 

ركز المؤتمر كذلك على تأثير الحرب على مسار التطبيع العربي-الإسرائيلي، مشيرًا إلى تراجع الزخم الذي شهده التطبيع بعد اندلاع الأعمال العدائية. استعرضت النقاشات التداعيات المحتملة لهذا التراجع على مستقبل العلاقات الإقليمية، مع تسليط الضوء على ارتباط هذه العلاقات بالحلول المقترحة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. 

في ختام الجلسات، تمحورت النقاشات حول مستقبل القضية الفلسطينية، مع تقييم فرص إحياء العملية السلمية في ظل التحديات المتزايدة. برزت مقترحات حول إمكانية تحقيق حل الدولتين، إلى جانب الدعوة إلى ضرورة تكثيف الجهود الدولية للضغط على الأطراف المعنية من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات. 

هذا المؤتمر عكس أهمية استحضار ذكرى الحرب كفرصة لتقييم التداعيات وإيجاد حلول مبتكرة للصراع. وفَّر المؤتمر منصة لتبادل الأفكار بين الخبراء من مختلف التخصصات والخلفيات؛ ما أسهم في إثراء النقاش حول القضية الفلسطينية من زوايا متعددة. كما أتاح المجال لتقييم الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع الدولي في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة. 

خرج المؤتمر بجملة توصيات، أبرزها الدعوة إلى تعزيز الجهود الدولية لتحقيق تسوية عادلة ومستدامة، ودعم الشعب الفلسطيني، مع مساءلة الأطراف المسؤولة عن استمرار الصراع. أكد المشاركون على ضرورة وجود إرادة دولية قوية لتفعيل الآليات الدبلوماسية والسياسية بما يكفل معالجة شاملة للقضية الفلسطينية تعيد للمنطقة استقرارها المفقود وتحمي حقوق الإنسان فيها.