الشروط الداخلية لاستعادة الوحدة الوطنية العراقية

1_581252_1_34.jpg








 

عبد الحسين شعبان


ما زالت جهود بناء المشروع الوطني العراقي متعثرة خصوصاً بحكم استفحال الإشكالات الخارجية والداخلية التي تواجهه.


ورغم التضحيات الجسام للحركة الوطنية العراقية على مدى عقود من الزمان، فإن سياقات الوحدة الوطنية ظلّت مهددة بإستمرار بحكم عوامل الانقسام وضعف وهشاشة التراكيب والصيغ الدستورية والقانونية وعدم تلبية الحقوق وانتهاج سياسات إقصائية بحق فئات كثيرة والانتقاص من مبدأ المواطنة والمساواة ركني الدولة العصرية، فضلاً عن الاستئثار لدرجة أن البلاد حُكِمت عبر "أقلوية" كانت تضيق قاعدتها باستمرار.








عبد الحسين شعبان
هذه هي مشكلات الدولة العراقية وإشكالاتها منذ تأسيسها في 23 أغسطس/آب 1921، بعد فترة من الاحتلال البريطاني المباشر 1914-1918، ثم فرض الانتداب عليه 1920، حيث اندلعت ثورة عنيفة عُرفت بإسم "ثورة العشرين" (30 يونيو/حزيران 1920)، مهّدت لإعلان قيام الدولة العراقية أو ما سميّ بالحكم الأهلي أو "الوطني".

ورغم حصول العراق على الاستقلال رسمياً ودخوله عصبة الأمم في العام 1932، فإن البلاد ظلّت مقيّدة باتفاقيات ومعاهدات مذلّة ومجحفة حتى العام 1958، حين اندلعت ثورة 14 يوليو/تموز، فأطاحت بالنظام الملكي وأقامت جمهورية عراقية مستقلة، وانسحب العراق على أثرها من حلف بغداد الاستعماري (1955) ومن نطاق الكتلة الإسترلينية، وأعلن سياسة جديدة تحررية مناوئة للكولونيالية.


لكن العراق الذي كان عضواً مؤسساً في الأمم المتحدة عام 1945 ووقع على ميثاقها في سان فرانسيسكو، وتحرر من ربقة الكولونيالية، عاد اليوم ليقع تحت نير الاحتلال منذ 9 أبريل/نيسان 2003، حيث تم تدمير الدولة العراقية خصوصاً بحل مؤسساتها العسكرية والأمنية وتبديد كيانها، وتعريض هويتها إلى التفتيت، وتعريض تجربتها وتراتبيتها ودواوينيتها وبيروقراطيتها إلى التلاعب والعبث والضياع.


شروط استعادة الوحدة الوطنية وبناء الدولة
الوحدة الوطنية وسياقات التحدي


شروط استعادة الوحدة الوطنية 





"
ما زالت جهود بناء المشروع الوطني العراقي متعثرة خصوصاً بحكم استفحال الإشكالات الخارجية والداخلية التي تواجهه
"
لعل المدخل الأساسي لاستعادة الوحدة الوطنية بعد هذا المآل القاسي والاحتراب المستمر هو "التوافق" بين الفرقاء باعتباره شرطاً لا غنى عنه، خصوصاً إذا اتخذ من احترام الحقوق والحريات وتعزيز قيم المواطنة والمساواة منطلقاً وضامناً للحاضر والمستقبل، بما في ذلك محاولات المصالحة أو الرغبة فيها على أساس عقد اجتماعي سياسي جديد، يجعل من المشترك الوطني والمواطنة والوطنية العراقية أساساً للدولة والعلاقة بين مكوّناتها، بعيداً عن التقاسم الوظيفي المذهبي أو الإثني أو المحاصة أو التعكّز على الهويات المصّغرة التجزيئية والتقسيمية على حساب الهوية الجامعة.

هذا الشرط يقتضي إقراراً من "الجميع"، إذا رغبوا في العيش المشترك وإعادة بناء الدولة، وفقاً لسياقات الوحدة الوطنية والسلام الأهلي والمجتمعي وليس التشظي أو التفتيت أو المصالح الفئوية والجهوية أو الطائفية والإثنية وغيرها، بوحدانية الدولة وسموّ مرجعيتها على المرجعيات الأخرى، باعتبارها الجهة الوحيدة المسؤولة عن السلطات الثلاث المستقلة: التشريعية والتنفيذية والقضائية، وحصر استخدام السلاح بيدها وحدها دون سواها.


الشرط الثاني، يتطلب الإقرار بالحقوق لجميع المكوّنات خصوصاً وأن المجتمع العراقي رغم تعدديته وتنوّعه القومي والديني والفكري والسياسي، كان يعيش في إطار موّحد رغم هضم الحقوق وكبت الحريات، لكنه ظلّ موحداً، وما يجمعه أكثر مما يفرّقه وهو ما تقرّه القوى السياسية العراقية جميعها تقريباً رغم بعض المكابرات أحياناً وإن كانت مشاربها مختلفة ومنابعها متعددة.


ولعل الاعتراف بالحقوق هو إقرار بواقع أليم وسعي لتجاوز الحيف والظلم الذي وقع على بعض الفئات، وتعهد جديد برد الاعتبار إلى المواطنة الكاملة واحترام الخصوصيات.


فقد عانت الدولة العراقية منذ تأسيسها من اختلالات تتعلق ببنيتها وتركيبها، في موضوع حقوق الأكراد وما تعرضوا له من هدر سافر وصارخ لحقوقهم، إضافة إلى نقص فادح في فكرة المساواة، انعكس بالتمييز الذي وقع على فئات سكانية واسعة بسبب قوانين الجنسية العراقية، منذ القانون رقم 42 لسنة 1924 وقانون الجنسية رقم 43 لسنة 1963 والعديد من قرارات مجلس قيادة الثورة السابق، والتي كان أبرزها القرار رقم 666 الصادر في 7 مايو/أيار 1980، والذي تم بموجبه تسفير نحو نصف مليون مواطن عراقي بحجة التبعية الإيرانية عشية وخلال الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988.


الشرط الثالث لاستعادة بناء الدولة هو التحرر، إذ إن استعادة وحدة الدولة العراقية وإلغاء الصياغات والأسس، التي طرأت عليها من صيغة بول بريمر الحاكم المدني الأميركي للعراق لمجلس الحكم الانتقالي، إلى الإيغال في الطائفية والتطهير المذهبي والإثني، الذي طال مناطق عديدة من العراق، وشمل في الوقت ذاته تطهيراً دينياً بحق المسيحيين، يتطلب إنهاء الاحتلال والإقرار بجدول زمني لتحقيق الانسحاب الكامل.


وهذا الأمر يتطلب اعترافاً أممياً من جانب الأمم المتحدة وقراراً جديداً بهذا الخصوص، يضع حدّاً للقرار 1546 الصادر في 8 يونيو/حزيران 2004، والذي بموجبه تم ترتيب صياغات الدولة ونقل السيادة الناقصة والمجروحة (28 يوينو/حزيران 2004) واستمرار القوات المتعددة الجنسيات بقيادتها الأميركية، بالتحكم بمصائر البلاد وسياساتها، والتي قامت الحكومات المتعاقبة بطلب تجديد مهماتها حتى الآن.


كما يقتضي الأمر تعهد المجتمع الدولي ودول الجوار الإقليمي تحديداً، بضمان عدم التدخل في الشأن العراقي، بل التعهد بمدّ يد المساعدة له لإنجاز مهمة إعادة بناء الدولة والوحدة الوطنية والإعمار.


الوحدة الوطنية وسياقات التحدي 


إن التحديات التي تواجه المهمات العسيرة حالياً لإعادة بناء الدولة واستعادة الوحدة الوطنية وتشكل عقبات ومعوّقات تعترض إنجاز المشروع الوطني، المستند إلى التنوع والتعددية في الآن ذاته هي:


التحدي الأول: الاحتلال



"
الطائفية قد تكون أكثر خطرا من الاحتلال، لأن الاحتلال سيزول لا محال، لكن الطائفية سيبقى تأثيرها عميقا في المجتمع العراقي
"
حيث تمتنع الإدارة الأميركية من تحديد جدول زمني للانسحاب، بل إن الرئيس بوش ذهب إلى زيادة عدد القوات الأميركية في العراق بحدود 21500 جندي أميركي،