المليشيا والعنف في العراق

1_779530_1_34.jpg







خليل الربيعي


لم تكن هذه المرحلة حالة استثنائية في تاريخ العراق المعاصر من ناحية وجود المليشيات، إذ شهد العراق الجمهوري مليشيا مؤطرة من الناحية القانونية تحت مسميات عدة ولكنها كانت حزبية الطابع، وتتصف بكونها دموية في التعاطي مع المعارضة السياسية، ومما ساعد على ذلك هو الطابع الفردي وهيمنة الحزب الواحد على الدولة.





"
هذه المرحلة في تاريخ العراق المعاصر، شهدت وجود مليشيات متعددة، فهي أكثر من عنوان، وخارجة عن سيطرة الدولة وتعمل على تقويض العملية السياسية
"
فالمقاومة الشعبية والحرس القومي والجيش الشعبي وجيش القدس، كلها عناوين للمليشيا، ولكن هذه المرحلة، شهدت وجود مليشيات متعددة، فهي أكثر من عنوان، وخارجة عن سيطرة الدولة وتعمل على تقويض العملية السياسية، إذ يتجاوز عددها المعلن على العشرين مليشيا، وإن تنوعت قي القدرات والإمكانيات والأهداف والوسائل.

ومن الطبيعي أن يكون لهذه المليشيا آثار سلبية على بناء الدولة العراقية.


وفي هذه الورقة سأحاول الحديث عن تلك الآثار، ولكن لابد من التطرق إلى أسباب ظهورها، وهذا ما نحاول الحديث عنه في المحور الأول من هذه الورقة، أما الثاني سيكون حول انعكاسات ذلك على بناء الدولة.


أسباب بروز المليشيا
يمكن القول إن هناك سببا واحدا مباشرا لظهور هذه المليشيات، وهو الاحتلال الذي أسهم في هذه الحالة من ناحيتين:


الأولى: أنه ولد حالة من الرفض الشعبي له عن طريق مقاومته السلمية وعمل أيضا على بروز مجموعات مسلحة تعمل تحت عنوان المقاومة، وكانت كتائب ثورة العشرين والجيش الإسلامي وغيرهما من العناوين أمثلة لمثل هذا الاستغلال، إذ خلطت بين مقاومة المحتل وبين الانضواء تحت الهوية الطائفية، وأخذت بتأثير من الواقع تهاجم العراقيين بل وتتبجح في أحد بياناتها بأنها قامت بتدمير جسر الخالية(1).


الثانية: أنها وباسم وجوب الجهاد قامت مجوعات مسلحة تتخذ من الدين إطارا شرعيا لممارساتها، ولكن انطلاقا من رؤية تفسيرية خاصة لمفاهيم الجهاد والعناصر المستهدفة، فأخذت بالعنف من أوسع أبوابه، وتداخل المشروع منه مع غير المشروع، واختزل الإسلام بهذه المجموعات وأحيت مفاهيم الطائفة الممتنعة، والكفر والارتداد. وعاد النفس الأحادي والهيمنة التفسيرية للدين تحتل المساحة الأكبر في خطاب هذه المجموعات أمثال تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين وأنصار السنة وفيلق عمر والطائفة المنصورة وعصائب أهل العراق، وغيرها كثير(2).


أما الأسباب غير المباشرة فهي:


الثقافة الإقصائية
سادت العراق في مراحل متقدمة من تاريخه، ثقافة إقصائية سواء أكانت على أساس ديني أم قومي أم مذهبي.

وقد خلقت هذه الثقافة نمطين متعارضين، الأول يشعر بالإقصاء الذي لا تمكن معالجته عبر الطرق الدستورية لأن أغلب الأنظمة التي حكمت العراق كانت دموية وفردية ودكتاتورية، وكان نظام حكم صدام حسين الوجه الأبرز لها (3) مما دفع بالبعض إلى تشكيل مليشيا لمواجهة هذه الحالة، وكانت البشمركة العنوان الأبرز لها فضلا عن المليشيا المسلحة للقوى الشيعية المعارضة، وامتد هذا النوع من الإدراك حتى بعد التغيير، إذ أدركت هذه الفئات لاسيما الشيعة أنها مستهدفة من التيارات الأخرى التي تحاول إقصاءها، الأمر الذي دفعها ومن أجل حماية نفسها إلى تشكيل المليشيا الخاصة بها، ولعل سبب ممارسة العنف منها هو للجم الأصوات والتيارات التي حاولت عن طريق العنف إبعادها عن مسرح الأحداث.

أما الطرف الآخر المهيمن فقد حاول المحافظة على هيمنته التي تعرضت إثر الاحتلال إلى الاختلال، فلجأ إلى تشكيل المليشيات، والتي اتخذت عنوانا وطنيا ولكنها كانت إقصائية في نظرتها، ولعل كتائب الفاروق وجيش الراشدين وفيلق عمر وغيرها من العناوين التي ظهرت على الساحة والتي تنتهي إلى العبثيين ومن ساندهم في المرحلة السابقة، مستغلة حالة الاحتلال لتضفي على حركتها البعد الوطني، في حين أنها تحالفت في معظم المراحل مع القاعدة وأنصار الإسلام والجيش الإسلامي وجيش محمد وغيرها من المليشيات التي أوغلت في دماء العراقيين بدلا من مواجهة المحتل (4).


عسكرة المجتمع
انطلاقا من الرؤية العبثية التي تقوم على إدخال الشعب في الصراع مع الأعداء (أعداء الحكم) عمل النظام السابق على خلق مليشيا متعددة اتخذت مسميات منها جيش القدس وفدائيو صدام بالإضافة إلى الحروب التي خاضها النظام ضد جيرانه، تحول المجتمع في أغلبه إلى مجتمع عسكري، ولذلك لا توجد صعوبة من ناحية التدريب والاعتدة التي تركها جيش النظام أثناء المواجهة مع الأميركان. هذه سهلت للفئات التي لا تؤمن بالتغيير أو المؤمنة به إلى تشكيل مليشيا تخدم مصالحها (5).


ضعف هيمنة الدولة



"
القانون الحاكم هو أن الوحدة الوطنية تتناسب طرديا مع وجود الدولة والقانون والشعور بالمساواة، وعكسيا مع وجود المليشيات ونفوذها داخل الدولة
"
ومن الواضح أن البناء الوطني يقوم على قاعدة وجود سيطرة للدولة واضمحلال التأثير السلبي للعناصر الخارجة عنها، بحيث أن القانون الحاكم هو أن الوحدة الوطنية تتناسب طرديا مع وجود الدولة والقانون والشعور بالمساواة، وعكسيا مع وجود المليشيات ونفوذها داخل الدولة.

ومن المنطقي في ظل استخدام العنف أن تتمحور الهوية الشخصية حول عناصر القوة التي تشعر بها، ولذا فإن المليشيات تمثل لدى البعض محاولة للمحافظة على الذات، فضلا عن كونها الهوية الاجتماعية والحامية للمكون الذي ينتمي إليه الشخص.

والمليشيات في العراق تشكل التهديد الحقيقي للوحدة الوطنية عبر محاور عدة منها:



  • أولا: من ناحية الولاء
    يمكن أن نقسم المليشيات في العراق من حيث ولاء أتباعها إلى:



    • مليشيات ذات عناصر أجنبية أو تخضع لقيادة أجنبية سواء أكانت عربية أم غير عربية، وهي تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، ومنظمة أنصار الإسلام، وجماعة المهاجرين العرب وكتيبة الرجال وغيرها، فضلا عن وجود عناصر من الأجانب في كتائب ثورة العشرين والتي كانت تمثل الجناح العسكري للمقاومة الوطنية الإسلامية والتي تخلت عن هذا الاسم إثر الانتقاد الحاد للتسمية من قبل القاعدة في العراق وإثر دخولها في تحالف معها عقب التهديدات الأميركية بمهاجمة الفلوجة والتي كانت مركزا لنشاط هذه الفئات.

      وهذه المليشيا أكثر خطورة على الوحدة الوطنية من أي مليشيا أخرى كونها