العراق.. رهانات الوحدة وتحديات بناء الدولة

1_663581_1_34.jpg








نظم مركز الجزيرة للدراسات ملتقى حول العراق تحت عنوان: "العراق: رهانات الوحدة وتحديات بناء الدولة" وذلك من 25 إلى 26 فبراير/شباط 2007، بفندق شيراتون الدوحة، بقطر.




"
ما يتعرض له العراق منذ بداية الاحتلال في ربيع 2003 هو مستوى آخر من الامتحان، ليس لأن قطاعاً من العراقيين ساهم في تسويغ الغزو والاحتلال فحسب، وإنما أيضاً لأن النظام العراقي الذي ولد مع الاحتلال لا يشبه العراق ولا تاريخه ولا ميراثه
"
وقد صدر عن الملتقى الوثيقة التالية
مر العراق خلال العقود القليلة الماضية بحقبة من أكثر حقبات تاريخه صعوبة وتعقيداً.


فمن سنوات الحرب العراقية–الإيرانية الطويلة والباهظة الخسائر بالأرواح والأموال، مروراً بسنوات الحصار بالغة القسوة، إلى الغزو والاحتلال الأجنبي، كان العراق يخرج من محنة ليدخل أخرى.


ولكن ما يتعرض له العراق منذ بداية الاحتلال في ربيع 2003 هو مستوى آخر من الامتحان، ليس لأن قطاعاً من العراقيين ساهم في تسويغ الغزو والاحتلال فحسب، وإنما أيضاً لأن النظام العراقي الذي ولد مع الاحتلال لا يشبه العراق ولا تاريخه ولا ميراثه، ولن يكون قادراً على إعادة البلاد إلى عافيتها.


تعرض العراق، وطناً ودولة وشعباً، للتشويه والإنكار، وتواطأت فئات وتيارات محلية مع قوى خارجية نافذة على تأسيس سردية بديلة لتاريخ العراق ومكوناته والمعالم الكبرى لهويته. قيل مثلاً، إن العراق دولة مصطنعة، أقامها البريطانيون بقوة السلاح من ثلاث ولايات عثمانية شمالية وجنوبية ووسطى مختلفة. وقيل إن الشعب العراقي شعب منقسم على ذاته، ليس فقط بين عرب وأكراد، ولكن أيضاً بين سنة وشيعة، وغيرهم، لم يبقهم معاً طوال العقود الثمانية الماضية إلا بطش سلطة مركزية متحكمة. وحتى هوية العراق العربية أصبحت موضع تساؤل.


نحن المجتمعين، عراقيين وغير عراقيين، في ندوة مركز الجزيرة للدراسات حول العراق، نؤكد على ما يلي:




  1. برز العراق باعتباره وطناً ومجالاً جغرافياً محدد السمات والمزاج منذ مطلع الفتح الإسلامي، وبالرغم من الخلافات الصغيرة بين المؤرخين والجغرافيين المسلمين، فقد عرف هؤلاء العراق بأنه البلاد الممتدة من عبدان إلى حديثة الموصل. قسم العراق إدارياً مطلع الفتح الإسلامي إلى عدة ولايات أحياناً، وأصبح ولاية واحدة أحياناً أخرى، أصبح مركز مجال إمبراطوري إسلامي لحقبة من الزمن، وتقاسمته دويلات وإمارات إسلامية في ظل الخلافة العباسية في حقبات أخرى.

    وبعد فاصلة من الاضطراب والتدافع تلت الغزو المغولي، أصبح العراق جزءاً من السلطنة العثمانية. في العهد العثماني، ومثل أغلب بلدان المشرق العربي، أدير العراق في بعض الفترات باعتباره ولايات ثلاث أو أكثر، وفي فترات أخرى باعتباره ولاية واحدة. ولكن هذه التقسيمات الإدارية لم تنل من وحدة العراق، وكان يشار إليه في الأدبيات العثمانية بالبلاد العراقية أو الخطة العراقية. كما ظلت بغداد منذ تأسيسها مركز العراق الاقتصادي والسياسي والعلمي الرئيس، بل والمركز صاحب التأثير الأكبر على مدن العراق الأخرى وحكامها، من البصرة إلى الموصل والسليمانية.


  2. كل دول المشرق، بحدودها المعروفة الآن، بما في ذلك تركيا نفسها، التي تضم العاصمة العثمانية السابقة، وليدة الحرب العالمية الأولى وانهيار النظام العثماني. وكما أن الفرنسيين لم يخترعوا أهمية دمشق وثقلها التاريخي بالنسبة لسورية، فإن البريطانيين لم يجهلوا معنى القاهرة وبغداد بالنسبة للدولتين المصرية والعراقية الحديثتين.

    الحقيقة التي لا ينبغي القفز عليها أن وجود مصر وسورية والعراق، كأوطان لا كدول حديثة مجزئة، سبق وجود النظام الاستعماري بقرون طويلة. كما أن توق شعوب المنطقة العربية للوحدة، يمثل رغبة الشعوب في كسر حدود الدولة الحديثة، التي رسمتها القوى الاستعمارية، لا تحطيم وحدة العراق وسورية ومصر، وإلا فكيف نفسر تصويت أبناء ولاية الموصل في منتصف العشرينات، وتحت إشراف عصبة الأمم، للبقاء ضمن الدولة العراقية عندما انفجر النزاع بين العراق وتركيا على مصير الموصل.


  3. كان العراق موطناً للقبائل العربية اليمانية والشمالية (إلى جانب الصابئة والأنباط والفرس) منذ ما قبل الفتح الإسلامي. وقد تدفقت الهجرات العربية القبلية إلى العراق مباشرة بعد الفتح واستمرت حتى القرن التاسع عشر. وككل مجال إسلامي مركزي، شهد العراق حركة تعرب واسعة النطاق.




    "
    ولدت الدولة العراقية الحديثة في 1921 والنمط السائد للدولة في العالم هو نمط الدولة المسيطرة على شعبها وحدودها، الدولة باعتبارها مصدراً للقانون والشرعية، التي لا تتحكم في مقدرات بلادها وحسب، بل وتطلب الولاء من شعبها
    "
    ولكن انهيار السلطة العباسية المركزية في نهايات القرن الثالث الهجري، ونشوء إمارات إسلامية شبه مستقلة في المشرق الإسلامي الأسيوي، تبنى أمراؤها الثقافة الفارسية، وضع حداً لحركة التعرب. وحتى ولادة الفكرة العربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لم يعرف العراق في فترة واحدة من تاريخه شكاً في هويته العربية وفي هيمنة العربية على فضائه الثقافي، ولا في الانتشار العربي الحضري والقبلي على جغرافيته، بالرغم من استمرار وجود مجموعات إثنية وثقافية أخرى، لم تجد غضاضة في أن تكون جزءاً من العراق العربي–الإسلامي. وعلى مر العصور، ظل العراق بوتقة تعرب إسلامية حيوية، لم تتوقف عن الفعل إلا بعد تبلور الاتجاهات القومية الحصرية في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى.


  4. في العراق ولد التشيع والتسنن على السواء، وفي حواضره سجلت النصوص المؤسسة لكل منهما. ولم يحدث مطلقاً أن تجلى التشيع أو التسنن في كيانات إثنية أو قبلية حصرية، بل ظلا دائماً خيارين إسلاميين داخل المجموعات الإثنية والقبلية، بل والأسرية، الواحدة. وليس صحيحاً أن التشيع تعرض للاضطهاد طوال التاريخ الإسلامي للعراق، فالخلفاء العباسيون الأوائل لم يكونوا سنة بالمعنى المعروف للتسنن، وحتى بعد الصعود السني الكبير في القرن الثالث الهجري، لم يعدم التاريخ العباسي بروز خلفاء عباسيين متشيعين، من المأمون إلى الناصر. وقد كان أغلب وزراء الدولة العباسية في القرن الأخير من تاريخها من الشيعة. كانت السلطة البويهية سلطة شيعية، كما أن الدولة الحمدانية في شمالي العراق وسورية كانت كذلك.


  5. إن من التبسيط تبرئة التاريخ الإسلامي كله من حوادث الاضطهاد للمخالفين للسلطة الحاكمة أو للمجموعات المتمردة. ولكن حوادث الاضطهاد وقعت من الجميع وعانى منها الجميع