مشروع الاتحاد المتوسطي بين المخاوف والآمال









مقدم الندوة: د. مصطفى المرابط - مدير مركز الجزيرة للدراسات
ضيوف الندوة:
- آلان جريش- رئيس تحرير جريدة لوموند دبلوماتيك
- صلاح ستيتية- كاتب
- رشيد خشانة - كاتب وصحفي
تاريخ الندوة: 27/7/2008



مقدمة الندوة








مصطفى المرابط
مصطفى المرابط: جاء لقاء القمة من أجل المتوسط الذي انعقد بباريس أواسط هذا الشهر وبحضور أكثر من أربعين دولة ليطلق النقاش حول ماهية هذا المشروع ودوافعه وخلفيته وأهدافه، وقبل هذا وذاك مدى إمكانية تحقيق هذا المشروع وقابليته للحياة.


أثار هذا المشروع كثيرا من المداد وأثار كثيرا من الأسئلة على ضوء اعتبارين مفارقين:



  • الاعتبار الأول: كان هذا المشروع
     أحد أهم الملفات التي برزت في
    حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية،






    رشيد خشانة
    وهو جزء من برنامج رئيس فرنسا المنتخب، يعكس رؤيته ليس لمنطقة البحر المتوسط فقط، إنما أيضا للاتحاد الأوروبي ودوره في منطقة متحركة وملتهبة، مفتوحة على كل الاحتمالات زمن التحولات الكبرى.
  • الاعتبار الثاني: جاء هذا المشروع في أجواء محبطة وغير متفائلة بعد النتائج الهزيلة والمخيبة للآمال لمشروع برشلونة الذي انطلق عام 1995، والذي كان يهدف أيضا إلى بناء شراكة أورومتوسطية في الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية





    صلاح ستيتية
    والإستراتيجية، خاصة وأن اتفاقية برشلونة أطلقت في إطار مشروع مؤتمر مدريد للسلام الذي انعقد عام 1991 فرفع سقف الآمال والانتظارات عاليا.

فما هو إذا الجديد الذي يحمله مشروع الاتحاد من أجل المتوسط؟ هل هو استمرار لما سبقه من مشاريع، خاصة مشروع برشلونة؟ أم أنه يمثل قطيعة مع هذه المشاريع؟ أم يمكن اعتباره انتكاسة؟


لماذا إذا هذا الاهتمام بحوض البحر الأبيض المتوسط؟ وهل مازالت






آلان جريش

هذه المنطقة –منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط- تكتسي أهمية إستراتيجية في ظل التحولات التي تعرفها الجغرافيا السياسية؟

يكاد يكون حوض البحر الأبيض المتوسط القالب الذي فصل عليه العالم، فهو لوحده يختصر هذا العالم، لقد كان دائما المحرار الذي تقاس به أحوال الدنيا، سلما أم حربا، استقرار أم اضطرابا، رخاء أم عوزا. ألا يتوسط هذا الحوض أرض العالم؟


تضافرت عوامل عدة لرسم سمات البحر الأبيض المتوسط، إلا أن ما يضفي فرادة وتميزا على هذه المنطقة هو التزاوج الذي حدث من جهة بين الجغرافيا والتاريخ بحيث من الصعب استدعاء الجغرافيا بدون التاريخ والعكس صحيح، وكأن الجغرافيا أعيدت هندستها عبر آلية التاريخ، والتاريخ كأنه جاء مفصلا على الجغرافيا.


ومن جهة أخرى حصل تزاوج بين الطبيعة والثقافة، فالتلاحم بينهما يبلغ درجة لا نميز فيه بين ما ينتمي إلى عالم الطبيعة وما ينتمي إلى عالم الثقافة، إن نمط الحياة هو التعبير الثقافي عن الطبيعة، بحيث تصبح العادات والأفكار واللغة والفن مطبوعة بمحيطها.


فإذا أخذنا مثلا الزيتونة، كثمرة لشجرة متوسطية، نجد أنه أيضا هو نمط حياة ونظام غذائي ورمز للسلام أيضا.


لهذه الاعتبارات عرفت هذه المنطقة بتوسطها ووسطيتها، فهي متوسطة في موقعها الجغرافي وفي مناخها، ووسطية في نمط حضاراتها، ولذلك ليس صدفة أن تكون مهد الحضارات الإنسانية، ومهبط الرسالات التوحيدية، ومحط الاهتمام الجيوإستراتيجي العالمي.


إن أي مشروع لا يأخذ بعين الاعتبار هذه السمات الرئيسة، يتم رفضه وينتهي إلى الفشل، إن المشاريع المعاصرة التي طرحت في إطار حوض البحر الأبيض المتوسط، إنما طرحت في ظل اختلال التوازنات الجيوسياسية والإستراتيجية والاقتصادية، ولم تكن تهدف إلى تصحيح هذه الاختلالات، بل في الغالب كانت تسعى إلى تكريس الأمر الواقع بما يضمن استمرار الغلبة والهيمنة.


إن حقبة ما بعد الاستعمار، تكرس فيها بشكل تراجيدية الانتصار الذي ظل العنوان السائد بين ضفتي المتوسط، ولا نجانب الصواب إذا قلنا بأن حوض البحر الأبيض المتوسط يمثل في الوعي كما في المتخيل انتصارا بين عالمين أو بين حضارتين أو ثقافتين أو بين نمطين.


فالبحر المتوسطي من منظر الضفة الجنوبية، جدار عازل يحبس هذه الضفة في سجن البؤس والفقر والحرمان والعوز، أما إذا نظر إليه من الضفة الشمالية فهو حدود جغرافية وسياسية واقتصادية وثقافية لحماية أوروبا، لأنها لا تستطيع أن تستقبل بؤس العالم كما يدعي بعض قياداتها.


بكلمة، إن مأساة العالم على كل المستويات تجد لها تجسيدا جغرافيا في حوض البحر الأبيض المتوسط، فهو خط فاصل بين شمال وجنوب، بين حضارة وبربرية، بين أغنياء وفقراء، بين إسلام وغرب، بين تقدم وتخلف، وغيرها من الثنائيات التي تميز التصور المانوي الذي يحكم العالم، فهو منطقة تماس فائقة الالتهاب، لا تهدأ إلا لتنفجر.


ويكفي أن ننظر إلى ضفتي المتوسط، وخاصة الضفة الجنوبية لنجد أن التوتر والاضطراب هما القاعدة، سواء داخل البلد الواحد أو بين البلدان فيما بينها، كيف لا والضفة الجنوبية هي التي تأوي مركز الزلازل في العالم، الصراع العربي الإسرائيلي.


البحر الأبيض المتوسط ليس له من الأبيض إلا الاسم، فهو ملوث إما بالنفايات التي تدفن فيه، أو بجثث ضحايا الهجرة السرية التي تطفو على سطحه، وليس له من المتوسط إلا الاسم أيضا، فعلى ضفتيه تتطور وتنمو كل أشكال التطرف التي تغذي منطق صدام الحضارات لتبقى هشة وضعيفة، وتديم الاضطراب والصراع.


فأي نوع من المشروع يمكن أن يسعف هذه الضفة من الخروج من قدرها هذا؟ هل مشروع الاتحاد من أجل المتوسط قادر على أن يعيد إلى المنطقة دورها التاريخي في صناعة الحضارة؟


هل هذا المشروع بإمكانه أن يخرج المنطقة من دوامة الاضطراب والصراع في ظل تنافس محموم مع الإستراتيجية الأميركية؟


هل المشروع هذا قادر أن يبتكر نمطا حضاريا آخر يقطع مع الصور النمطية ذات النزعة المركزية الموروثة من الحقبة الاستعمارية في ظل انقسام حاد بين ضفة موحدة وقوية وضفة مبعثرة ومجزأة وضعيفة؟