رؤى حول الإرهاب والمقاومة والراديكالية

1_1016109_1_34.jpg
 

سيدي احمد ولد أحمد سالم

نظم مركز الجزيرة للدراسات بالاشتراك مع مجلس البحوث الاقتصادية والاجتماعية البريطاني ومركز دراسات مسلمي أوروبا بجامعة أكستر ورشة بعنوان: رؤى في الإرهاب والمقاومة والرادكالية وذلك في يومي 26 – 27 سبتمبر/ أيلول 2010.
ومن بين أهداف هذه الورشة إجراء تبادل صريح لوجهات النظر فضلا عن بناء الجسور بين آراء متخصصين من أوروبا والولايات المتحدة ومن العالم العربي. وتلخصت محاور الندوة في التالي:

الإرهاب والمقاومة والراديكالية: عن أية مفاهيم نتحدث؟
مصادر الإرهاب.. جدلية المركز والأطراف
الجاليات الإسلامية: من يقف معها؟
بين مقاربتي الرؤية التنظيرية والدراسة الميدانية
الحلول: الحاجة إلى التعاطي العملي مع الظواهر المعقدة

الإرهاب والمقاومة والراديكالية: عن أية مفاهيم نتحدث؟

الإطار المفاهيمي واستمرار الجدل حول المصطلحات والتعاريف الخاصة بها

ظل تحديد المفاهيم حاضرا في الجلسات الخمس على الرغم من تخصيص الجلسة الأولى فقط للبحث في هذا المحور وتخصيص باقي الجلسات لمحاور أخرى. إن النقاش حول المفاهيم وضبطها وتحديد حقولها الدلالية مبحث أكاديمي أصيل، غير أن هذا النقاش يكون عسيرا ومتضاربا إذا كان لهذه المفاهيم معان سياسية، حيث تلقي المواقف والمصالح والمنطلقات بثقلها في إدراك هذا المفهوم ووضع تصور له. ويكون النقاش أكثر عسرا وأشد وطئًًا إذا كانت هذه المفاهيم المحملة بالظلال السياسية ذات ارتباط بالعلاقة المعقدة بين الإسلام والغرب.

وقد جاءت هذه الورشة لتساعد في ضبط هذه المصطلحات العصية على الضبط، واستيعاب السياقات التي توظف فيها، وذلك بالنظر إلى كثرة وتشعب تداولها في الحقول السياسية والإعلامية والأكاديمية. لقد صار من الضروري الحصول على فهم جيد وجديد للراديكالية ولفعل المقاومة، وللإرهاب مادام الكثيرون –وخصوصا في الغرب- يربط بين الراديكالية والمسلمين، مهملين بوعي أو بغير وعي أن الراديكالية وكذلك الإرهاب ظاهرتان شموليتان لا يمكن اختزالهما في مجموعة معينة أو ملة واحدة أو حضارة بعينها. ولعل هذا الخلط المفهومي هو ما جعل الباحث بكلية الدراسات الإسلامية بمؤسسة قطر محمد المختار الشنقيطي ير أن سبب العجر في تعريف هذه المفاهيم هو التطفيف أو الكيل بمكيالين.

تعددت الأسباب والإرهاب واحد

"النظريات التفسيرية التي تناولت ظاهرة الإرهاب والرادكالية والتشدد ظلت قاصرة؛ من ذلك مثلا القول بأن النص المؤسس للإسلام يولد مثل هذه الظواهر، أو أن هذه التعبيرات العنفية إنما تعود إلى الفكر السلفي الموجود في الموروث الإسلامي".
بشير نافع

على الرغم من اختلاف أغلب المتدخلين في الجلسة الأولى وفي غيرها حول تحديد معنى الإرهاب فإن هناك اتفاقا على أنه اصبح استراتيجية ولم يعد مرتبطا بإيديولوجيا محددة، لذلك غدا من الطبيعي الحديث عن إرهاب الأفراد وإرهاب الجماعات و إرهاب الدول.

هل هناك تعريف محدد للإرهاب؟ لا، فالإرهاب كما حددته الناشطة في قضايا حقوق المرأة وحقوق الإنسان رشا عوض هو العنف الموجه ضد المدنيين لتحقيق مكاسب سياسية. وعند رئيس برنامج العنف والتطرف في مركز دراسات ديموس جيمي بارتليت هو ترك قنبلة داخل حقيبة في سوق مأهول بالمتبضعين. من هذا المنطلق نستطيع أن نستنتج أن كلا من عوض وبارتليت اتفقا على أن الإرهاب استخدام  غير متكافئ للعنف ضد المدنيين. غير أن هذا التعريف لا يخلو حسب النقاشات التي جرت في القاعة من تبسيط.
وقد حاول الكاتب والمعلق السياسي الدكتور الصادق الفقيه أن يضع إطارا نظريا وتأريخيا للمفاهيم الثلاثة: الإرهاب والمقاومة والرادكالية، مبرزا أن نهاية الحرب الباردة، وليس الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، عرفت تجريد جملة من المصطلحات العصية، التي كان التعامل معها قبل تلك الفترة، يكتسي طابعا من التحسين والتلطيف. فالعنف الثوري مثلا كان قيمة أخلاقية عند المعسكر الشرقي، والزعيم الصيني ماوتسي تونغ كان يقول إن السلام يخرج من فوهة البندقية، والحرب في فييتنام كانت حربا عادلة في وجهة نظر المعسكر الغربي.

وما إن ولى عهد الحرب البادرة حتى انكشف الغطاء عن معان جديدة لهذه المصطلحات نزعت منها تلك القيم المضافة ذات الإيحاء الأخلاقي. والآن صارت المصطلحات تعطى لها دلالاتها في الغرب القوي لتبتلعها العوالم المستضعفة. وهو ما يستدعي ضرورة الاشتراك بين الجميع (العرب والمسلمين والغرب) في المشاركة في تحديد المصطلحات وعدم فرض تصور الجانب الغربي لها على غيره.

وفي سياق أكثر إجرائية تحدث أستاذ العلاقات الدولية في كلية هولوواي بجامعة لندن بان ألوغلين مركزا على العلاقة بين مفاهيم الرادكالية والإرهاب والمقاومة وبين الإعلام محاولا طرح مقاربة ترصد فهم الناس العاديين لما يشاهدونه ويسمعونه في الإعلام عن هذه المفاهيم. فقد قام بدراسات ميدانية تستقصي دراك الجمهور العام لهذه المفاهيم وتقييمه لها.

وجمع المؤرخ والشاعر والباحث بكلية الدراسات الإسلامية بمؤسسة قطر محمد المختار الشنقيطي في حديثه عن هذه الثالوث (الإرهاب والمقاومة والرادكالية) بين التأصيل النظري والبعد الإجرائي مبرزا أن تعريف كل مصطلح من هذه المصطلحات يؤثر فيه السياق الزماني والمكاني مستشهدا بمفهوم الإرهاب في الثورة الفرنسية التي كانت سنواتها الأولى توصف بنظام الإرهاب (le regime de la terreur).

كما بين الشنقيطي مفهوم الرادكالية والإرهاب في سياق الظاهرة السلفية مستعرضا المآلات المحتملة بالنسبة لتنظيم القاعدة من خلال عدة احتمالات منها: قتل القائد أو الفشل في نقل رسالة الجيل الأول إلى الجيل الثاني أو تحقيق الهدف السياسي أو تقادم الأهداف...
وأكد الباحث على ضرورة الاختيار بين النقاش حول مفاهيم ذات طابع إشكالي يصعب الاتفاق عليها وبين الاهتمام بحلول عملية.

وأبرز أستاذ التاريخ الاستعماري في جامعة أكستير مارتن توماس أن الرؤية الطويلة المدى هي التي تضمن فهم الإشكالات وتفكيك المصطلحات. وقد قامت مقاربة توماس على فهم العنف الكولونيالي وتأثيره على الشعوب المستعمرة؛ فمفهوم الإرهاب عموما مرتبط بدراسة تاريخ العنف. كما بينت رئيسة قسم الدراسات الدينية بجامعة تينيسي وأستاذة مادة أنتربولوجيا الدين السيدة روزاليند أن التطرف لم يكن جديدا ولا مجرد ظاهرة الإسلامية. وحثت الأكاديميين على دراسة الأحداث التاريخية للتطرف والتعصب الديني خصوصا في الولايات المتحدة. وقد اختارت الباحثة هاكيت جوانب تطبيقية لمفهومي الراديكالية والإرهاب مركزة على التجربة النيجيرية التي عايشتها أكثر من ثلاثة عقود. وقد حاولت أن تجيب على التساؤل كيف يتحول بلد مثل نيجيريا بسرعة من بلد نموذج للتعايش السلمي إلى بلد تتصارع فيه مجموعات راديكالية. كما أثارت الباحثة جانبا من تداعيات تهديد القس الأمريكي تيري جونز لحرق المصحف. وبينت في نهاية حديثها أن التاريخ الأمريكي حافل بالكراهية، وليست الإسلاموفوبيا سوى حلقة من معاناة طالت طوائف أخرى.

وفي ورقته وضح نائب مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية باسل الحسين أن مفهوم الإرهاب مفهوم مراوغ: فهو يجمع بين المعيارية والتوصيفية، ويلامس القيم كما يلامس الحياة المادية، لذلك صعب على الباحثين تحديده كما يعسر على السياسيين ضبط بوصلته التي تسير في كل اتجاه. وقد ركز باسل وهو ينظر في علاقة الإرهاب بالسياسة على أربعة محاور:

  • التوظيف السياسي
  • الأدلجة السياسية
  • إرهاب الدولة والجماعات
  • الرؤى المختلفة

 وفي سياق متصل قدم مدير البحوث ومشارك أول في مركز كارنيجي للشرق الأوسط عمرو حمزاوي رؤيته لمفهوم الإرهاب وعلاقته بالسياسة الدولية وهي رؤية تقوم على عدة أركان:

1. التعامل الإلحاقي: ويعني به إلحاق مفهوم المقاومة بمفهومي الإرهاب والرادكالية وهو إلحاق لا يخلو من مغالطة منهجية بين حمزاوي أبعادها.
2. تديين المفاهيم: وهو مفهوم أخذ دلالته بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، حيث تغيرت نظر الغرب نحو الإسلام واشتد الصراع لا على المصالح فحسب بل أيضا على المفردات مما أدى تديين الكثير من المفاهيم.
3. إرهاب الدولة المتمثل في ثلاثة مستويات: دولة الاحتلال (إسرائيل في فلسطين وأمريكا في العراق وأفغانستان...) والدولة المتسلطة (الأنظمة العربية وما تمارسه من عنف...) وإرهاب المجموعات (وذلك عندما تغيب الدولة أو تضعف كاليمن والصومال...).
4. المقاومة: وهي مرتبطة بثلاث قضايا: شرعية المقاومة (الحركة التحررية)؛ وشروطها؛ وما بعد المقاومة (عسكرة المجتمع وعلاقة المقاومة بالدولة...).

وقد نبه بروفيسور الأمن الدولي بجامعة واريك السيد ستيوارت كروفت إلى أننا بحاجة ماسة إلى فهم واضح لمفهوم الرادكالية، والحصول على تصور صحيح لهذا المفهوم المركب مكسب طموح خصوصا وأنه ظل في الأدبيات الغربية مرتبطا بالإسلام والمسلمين. وهذا التصور خاطئ بالأساس خصوصا إذا نظرنا إلى مفهوم الرادكالية من خلال ثنائية المركز والأطراف فإننا سنجد:

  • هنالك ربط للرادكالية بالدين في حين أنها الرادكالية قد يكون مصدرها الفن أو الشعر أو فضاءات أخرى غير الدين.
  • اعتقاد المجموعة الرادكالية أنها صفوة وأنها تمتاز بنوع من الخصوصية ينبغي الحفاظ عليها حتى لا تنمحي هويتها. فعند كل مجموعة رادكالية وعي بالنقاء الذاتي، وأن غيرها وعيه مزيف حسب المفهوم الماركسي.

وبالنسبة للكاتب الصحفي في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر وفي شؤون العالم الإسلامي والعربي السيد فهمي هويدي فإن الإشكالات التي أثارتها الندوة حول الإرهاب والرادكالية إشكاليات لا تعني المسلمين بل هي –على أهميتها- صناعة غربية ولا تعني سوى من صنعها. فالعرب والمسلمون ليسوا طرفا ولا هم مشاركون في المحتوى الذي يعطيه الساسة الغربيون لكلمة الإرهاب. فالإرهاب مشكلة صنعها الغرب تصورا وتداولا وبنى عليها مواقف، ونقاشها إنما يعني نقاش أجندة لا هي بالعربية ولا بالإسلامية.

ما أن مشكلات الإسلام مع الغرب أقدم بكثير من أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، فمنذ نزول الإسلام في القرن السابع الميلادي والعلاقة مع الغرب (الروماني حينها) في توتر، هذا فضلا عن العلاقة الناتجة عن الاستعمار وعن قيام إسرائيل واحتلالها لألراضي العربية. فمن يزعم بأن بن لادن وتنظيم القاعدة هم أصل التوتر بين الإسلام وبين الغرب إنما يختزل وقائع كثيرة أعمق وأشد تأثيرا.

ومن المفيد أن ننبه كما يقول هويدي إلى أنه مع غياب الندية بين الدول الإسلامية وبين الدول الغربية فإن الحوار يبقى نظريا. فما دام المسلمون مستضعفين: يمنع عليهم وضع الحجاب في فرنسا وتحظر عليهم رفع مآذن في سويسرا، وهنالك سكوت مطبق على ما تقوم به إسرائيل... فمن غير اللائق الحديث عن حوار بين الطرفين.
وقد استعرض مدير مركز دراسات مسلمي أوروبا بجامعة أكستر السيد روبرت لامبرت فقرات من مذكرات رئيس البريطاني السابق توني بلير تبين فهم بعض الساسة الغربيين للعالم الإسلامي وللمسلمين وهو فهم لا يساعد على التقارب بل يدفع إلى تكريس الرادكالية. من ذلك قول بلير: إن الحرب على العراق مؤلمة لكنها ضرورية.
ومن المفيد لمفكافحة الرادكالية أن ننطلق من الإسلام نفسه، وأن نقدم قراءة لنصوصه تسمح بتحييد الفكر المتشدد.

وقد أكد الباحث أول بمركز الجزيرة للدراسات السيد بشير نافع على أن النظريات التفسيرية التي تناولت ظاهرة الإرهاب والرادكالية والتشدد ظلت قاصرة؛ من ذلك مثلا القول بأن النص المؤسس للإسلام يولد مثل هذه الظواهر، أو أن هذه التعبيرات العنفية إنما تعود إلى الفكر السلفي الموجود في الموروث الإسلامي.
والواقع أن النصوص الإسلامية المؤسسة من قرآن وسنة نصوص مفتوحة لجميع التأويلات وهي هذه خصوصيتها على مدى الأزمنة وفي جميع الأمكنة.
والواقع أن ردود الأفعال الغربية على هذه الحركات الرادكالية مبالغ فيها ماديا وإعلاميا، فالنظرة العقلانية غائبة تماما عن طريقة التعامل معها.

نقاط الائتلاف والاختلاف
هل من الممكن التوصل الى تعريف موحد للشروط المقاومة والارهاب أو التطرف؟ بالنسبة لمديرة المركز العراقي للدراسات الإستراتيجيةً في الأردن السيدة وصال العزاوي فمن المستحيل التوصل الى تعريف موحد على اعتبار أن الطرف الأقوى هو صاحب الكلمة الأخيرة بالنسبة لتحديد معنى هذه المصطلحات. وأكدت وصال على أن الحوار بين المسلمين والغرب ينبغي أن يكون في القضايا ذات الطابع "الناعم" كالثقافة والفن أما أمور العقيدة أو القضايا "الصلبة" فليست مما فيه حوار.

وبينت الجلسات والنقاشات أن "التلاعب" بالمصطلحات اضحى مجالا للتوظيف السياسي وللإثارة الإعلامية المدوية، خصوصاً من طرف قوى اليمين التي تشهد صعودا متناميا في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، مع عملية خلط متعمد بين ظاهرة الإرهاب ومقاومة الاحتلال وبين السلام والعنف.

وقد ولد القصور في تفسير المصطلحات ما أشار إليه الباحث بشير نافع بأنه حالة من عدم التوازن، وقد بات الجميع يفهم المصطلح كما يريده استجابة لحاجته السياسية، وما يتهم به الإسلام في الغرب غير دقيق.

وقد تبلور من خلال النقاشات الموسعة التي دارت خلال هذه الورشة فكرة مؤداها أن تحديد هذه المفاهيم الإشكالية يتطلب تفكيرا مشتركا بين الأطراف وبين المركز، كما ينبغي عدم إعطاء تفسير أحادي النظرة. فإذا كانت الرادكالية قد تجد لها مهادا في بعض التأويلات الدينية فإنها قد في الثقافة السائدة، وفي الفنون والموسيقى والآداب بحسب السياق الذي طرحت فيه، لكن ما يغذيها هو جرعات العنف التي تكون في كثير من الأحيان استجابة للأفكار المولدة لها.
فالرادكالية يجب أن ينظر إليها في إطار شمولي يمكن من تحديد الحمولة، وكذلك فعل المقاومة التي تكون تشكلا لقضايا الهوية، وبالتالي فلا بد من تجاوز مشاكل التمثل السياسي حتى يضبط المصطلح.

مصادر الإرهاب.. جدلية المركز والأطراف

استنطاق المظاهر المعمارية للمدن في علاقتها ببعض الظواهر الاجتماعية والسياسية تبرز أهمية المساحات الحضرية التي تخلق فضاء مشتركا يجمع بين السكان ويلغي الكثير من "الهويات" الضيقة. كما تقول  سارة فرغينز المتخصصة في الجغرافيا السياسية للمناطق الحضرية.

حول موضوع مصادر الإرهاب بينت الورشة عدة افتراضات رئيسية: طرح في البداية التساؤل حول مصدر الإرهاب هل هو في الثقافة الإسلامية أن في وسوء تطبيق المثل الإسلامية؟ وهل كان الإرهاب نتيجة الفقر وانحطاط التعليم وتعاطي المخدرات؟ وهل هو من نتائج القمع والحرمان والتسلط التي تمارسه الدولة (خصوصا في العالم العربي والإسلامي) على المواطنين؟ فمن جاء الإرهاب إذن؟
للإجابة على هذه التساؤلات تناول الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية معتز الخطيب مقاربة تقدم نماذج تفسيرية خمسة:

  1. التفسير الديني للإرهاب: يتساؤل هل الإسلام دين عنف؟ (وتمثل هذا النموذج التفسيري أدبيات الاستشراق)
  2. التفسير السياسي: وينصب على التساؤل هل الإرهاب مرتبط بالإكراه والظلم الممارس على الشعوب العربية؟
  3. التفسير الإستراتيجي: ويتركز على كون الإرهاب تهديدا للأمن.
  4. التفسير الفلسفي: وهو كون الارهاب ابن النظام الدولي الراهن (ونجد هذا في أطروحات الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا وغيره).
  5. التفسير الثقافي: تعليل الظاهر تعليلا ثقافيا (كما نجد عند غلنير وبرنار لويس).

وقد استعرض الخطيب هذه النماذج في سياق حديثه عن مقاربة كان قد قدمها سنة 2007 في كتاب منشور بالإنجليزية والعربية حول ظارهة التطرف الديني.

كما ركزت مديرة مجموعة النزاعات والأمن والتنمية في الكلية الملكية بلندن فنمي أولونيزاكين على دول/حالات بعينها وهي: نيجيريا وغانا وسيراليون وليبيريا. وحاولت الباحثة أن تجيب على التساؤل: كيف تتحول المجتمعات ذات تعددية إثنية شهد تاريخها تعايشا سلميا بين مكوناتها إلى مجتمعات تقوم على اللاتسامح مبينة دور التاريخ في هذا النوع من الصراعات.

وبأسلوب أكثر إجرائية طرح رئيس برنامج العنف والتطرف في مركز دراسات ديموس السيد جايمي بارتليت الرؤية الأوروبية لمكافحة الإرهاب والقائمة على جملة من المبادئ: منها أنه لا بد من الجواب بشكل أولي على التساؤل: لما ذا يلجأ البعض إلى العنف للتعبير عن استيائه في حين لا يفعل البعض ذلك؟
وقد أجرى مركز دراسات ديموس دراسة ميدانية على مجموعة من الإرهابيين (ممن قاموا بجرائم وتمت إدانتهم في أكثر من دولة أوروبية)؛ وتناولت نفس الدراسة مجموعة متشددة لم تنخرط قد في عمل ذي طابع إرهابي. وتشترك المجموعتان في نفس الخلفية الفكرية. وقد بينت الدراسة أن:

  • نظرة الإرهابيين تتسم بثنائية أبيض/أسود، في حين ينحو المتشددون نحو فهم ما حولهم والتوسع في إدراكه.
  • غالبية الإرهابيين كانت تدرس تخصصات علمية تطبيقية في حين يغلب على المتشددين التخصص في العلوم الإنسانية.

وكان للزميلة في الكلية البريطانية لما بعد الدكتوراه والمهتمة بالجغرافيا السياسية للمناطق الحضرية السيدة سارة فرغينز مقاربة تجيب عن التساؤل: هل الرادكالية موجودة وظاهرة للعيان في البنى الحضرية؟ وكيف يشكل التحضر مرآة لمفاهيم مثل الرادكالية؟ واستعرضت الباحثة حصيلة دراسة ميدانية مميزة تتلعق بهذا الموضوع كانت قد أجرتها في أربع مدن: بلفاست وبيروت وبرلين وآمستردام. وهي دراسة تحاول استنطاق المظاهر المعمارية للمدن في علاقتها ببعض الظواهر الاجتماعية والسياسية. وقد أبرزت أهمية المساحات الحضرية التي تخلق فضاء مشتركا يجمع بين السكان ويلغي الكثير من "الهويات" الضيقة.

وفي آخر ورقة من اليوم الأول حلل أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء دكتور عبد الحكيم أبو اللوز خصائص الهوية الطائفية للحركات الدينية معتمدا على منهج اجتماعي. فوقف الباحث عند رؤية تلك الحركات وعلاقتها بالمحيط الديني والاجتماعي مبرزا ارتكاز إيديولوجية الحركات الإسلامية الجهادية على إيمان بسيط قائم على تعاليم بسيطة لا تتطلب عمقا معرفيا. وبين علاقة التابع (المجاهد) والمتبوع (قيادة الحركة) عند هذه الحركات مبيرزا كون هذا التابع ناقلا سلبيا منقادا للأوامر.

ومهد رئيس الأبحاث في مؤسسة قرطبة السيد عبد الله فالق بمعطيات إحصائية توضح حالة المسملين في أوروبا: فهم في حدود مليونين ونصف، وهم أكبر جالية في أوروبا والإسلام هو الدين الثاني في هذه القارة...
وبين فالق أن هناك أخطاء منهجية تتعلق بحالة الجالية المسلمة في أوروبا منها:

  • التعميم الذي يجعل كل من هو مسلم إرهابيا ورادكاليا.
  • ضرورة التمييز بين المحافظ "الفقيه" وبين المتطرف.
  • غياب العلماء والفقهاء.
  • ضرورة وجود هذه الطبقة وقيامها بوظيفتها.

وقد نبهت رئيسة قسم السياسة والدراسات الدولية في كليّة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن السيدة فيونا أدامسون إلى أن ظاهرة الرادكالية ظاهرة عابرة للحدود، كما قامت بتأطير لرؤيتها مستعرضة تاريخ بعض الحركات التي كانت تستخدم العنف في استراتيجيتها مثل حركات التحرر في الفترة الاستعمارية (جبهة التحرير الوطني في الجزائر مثلا).

ومن الأهمية بمكان كما تؤكد فيونا فهم السياق السياسي التي أنتج الحركات الرادكالية (قمع الدولة، تهديد الهويات...
أبرزت المتخصصة في الفلسفة وفي الدراسات الشرقية السيدة سمية غنوشي أن الربط بين الإرهاب وبين مجتمع معين؛ أو جعل الإرهاب وليد حضارة معينة ما هو إلا مقاربة عنصرية وتحكمية. كما أبرزت غنوشي أن الأمر لا يخلو من كسل ممنهج، وذلك حين نعطي تفسيرات ثقافية أو دينية مسطحة لظاهرة الإرهاب.

وأنهت غنوشي رؤيتها بالحديث عن الإرهاب والسياسة الأمريكية التي حولت الهامشي "الحركات المتطرفة" إلى مركزي وجعلتها في دائرة الاهتمام الدولي.

الجاليات الإسلامية: من يقف معها؟

لا يشكل المسلمين في الغرب خطرا على البلاد التي يعيشون فيها مثلما يروج اليمين الذي يقول إنهم يريدون أسلمة أوروبا

بينت نقاشات الورشة وخصوصا جلستها الرابعة أن الجاليات الإسلامية تشكل في سياق معالجة الإرهاب والتشدد حالة ينبغي الوقوف عندها بعمق وتأن. فهذه الجاليات تعيش بشكل حاد الصراع بين الغرب والإسلام. وقد ظلت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عرضة لهزات عنيفة وهدفا سهلا لعنف الجماعات اليمينية المتشدة في الغرب، فضلا عن تعرضها لسياسات بعض الحكومات الغربية التي ذهبت إلى سن قوانين لا تخفي مواقف مبطنة من هذه الجاليات (قانون الحجاب في فرنسا، وقانون منع المآذن في سويسر، وقانون التوقيف والبحث والتفتيش في أكثر من مطار غربي). وقد بينت النقاشات أن المسلمين في الغرب لا يشكلون خطرا على البلاد التي يعيشون فيها مثلما يروج اليمين الذي يقول إنهم يريدون أسلمة أوروبا.

يبلغ المسملون ما يزيد على المليونين ونصف المليون، وهم أكبر جالية في أوروبا، والإسلام هو الدين الثاني في هذه القارة، والمسلمين يمارسون شعارهم بالغرب أكثر من أتباع الديانات الأخرى، كما أن ثقافتهم بتلك البلاد في حالة ازدياد ونمو عكس غيرها من الثقافات.

ومع ما تلاقيه الجاليات الملسمة في الغرب من صعوبات فإنها في غالب الأحيان عرضة لتلاعب سياسات الدول التي تنتمي إليها، وكثيرا ما حملت معها الأوضاع السياسية والثقافية لمجتمعاتها المحلية. فالحكومات العربية والإسلامية تلجأ أحيانا إلى التحريض تجاه أفراد الجالية المسلمة نفسها من أجل أغراض سياسية خاصة.
وقد أبرزت الورشة أن على هذه الجاليات أن تدخل المعترك السياسي الأوروبي، وأن لا تجعل من البلدان الأوروبية مقرا مؤقتا، وأن توجد لنفسها مرجعيات منظمة تحد من خلافاتها الداخلية ومن تدخل حكوماتها الأصلية في حياتها العامة. كما أنها بحاجة إلى وسائل إعلام قوية تمتلكها هذه الجاليات في البلدان الأوروبية، وتعزيز الشراكات بينها وبين باقي شرائح المجتمع الغربي.

بين مقاربتي الرؤية التنظيرية والدراسة الميدانية

عكست ورشة "رؤى في الإرهاب والمقاومة والراديكالية" نمطين من المعالجة أو منهجين للمقاربة ففي حين طغت على الأوراق التي قدمها المشاركون العرب الرؤية التنظيرية التي تبحث في المفاهيم وتحاول تأصيلها وسبر حقولها الدلالية نجد أن المشاركات التي قدمها المشاركون الغربيون قكانت عبارة عن دراسات ميدانية اعتمدت على المقابلات ودراسة حالات بعينها.

وربما كان سبب هذا التنوع والاختلاف أن مراكز البحث الغربية مراكز قديمة لها تقاليدها في إنجاز الدراسات وتحظى بتمويل من طرف حكوماتها أو من طرف بعض الجامعات أو منظمات المجتمع المدني، في حين ما زالت الباحثون العرب يحملون في فراغ مؤسسي حيث لا يجدون من الرعاية ما يسمح لهم بتوجيه بحوثهم نحو .

وقد أعطت هذه الثنائية المنهجية والتعددية في الرؤى للورشة طابع التكامل فجمعت الجلسات بين التصورات النظرية والتأصيل المفهومي وبين العمل الميداني والمقترحات الإجرائية. وقد بينت الرؤيتان معا أن هناك صعوبة في إدارة الحوار بشأن المصطلحات داخليا وخارجيا.

كما كان هناك اتفاق على أنه وبعد أحداث 11 من سبتمبر/ أيلول صار "الإرهاب الإسلامي" مادة الخطاب السياسي والإعلامي وفي مؤسسات البحث في مختلف البلدان الغربية.

الحلول: الحاجة إلى التعاطي العملي مع الظواهر المعقدة

ركزت أغلب الأوراق على ضرورة الإصلاح السياسي وتربية الشباب العربي والمسلم ومحاولة التغلب على معاناتهم.  فرشا عوض مثلا تعتقد أن العالم العربي في حاجة إلى إصلاح تعليمه وأن تكون له مقاربة متشددة فيما يتعلق بالتعليم الديني بشكل خاص.

وهو اقتراح لقي نقاشا واعتراضات من داخل القاعة من أبرزها ملاحظة سمية الغنوشي من أن مرتكبي هجمات 9 / 11 هم من خريجي مؤسسات غربية ، وبهذا المنطق يجب علينا إغلاق جامعة ميونيخ؟

وقدم جايمي بارتليت جوانب من ملامح الرؤية الأوروبية لمكافحة الإرهاب والقائمة على الإجراءات التالية:

  • جعل الشباب المسلم منخرطا في الشأن العام.
  • إيجاد سبل لتصريف طاقاتهم لا عن طريق العنف بل بشكل سلمي.
  • البحث عن بدائل عملية خيرية مشوقة.
  • العمل على جعل القاعدة تنظيما أقل جاذبية يمارس القتل والعنف.

نوه مدير مركز الجزيرة للدراسات دكتور صلاح الزين بكون موضوع هذه الورشة: الإرهاب والمقاومة والرادكالية يدخل في صميم اهتمام مركز الجزيرة للدراسات الذي يتعاطى مع كل الظواهر السياسية والاستراتيجية والأمنية التي تؤثر في علاقات المجتمع العربي والإسلامي بغيره. فكم من مرة قام المركز، كما بين د. صلاح، بإعداد بندوات أو إصدارات كتب أو نشر مقالات على موقعه تتناول هذا الثالوث. وفي نفس السياق فإن مركز الجزيرة للدراسات سينظم في السنة القادمة ندوة أوسع ستتناول هذا الظواهر وغيرها بمناسبة مرور عقد من الزمن على أحداث 11 سبتمبر/ أيلول.

ومن المفيد لهذه الجاليات المسلمة في الغرب كما أشار رئيس المبادرة الإسلامية في بريطانيا السيد محمد صوالحة:

  1. أن تدخل المعترك السياسي الأوروبي، 
  2. أن لا تجعل من البلدان الأوروبية مقرا مؤقتا، 
  3. أن توجد لنفسها مرجعيات منظمة تحد من خلافاتها الداخلية ومن تدخل حكوماتها الأصلية في حياتها العامة. 
  4. وجود وسائل إعلام قوية تمتلكها هذه الجاليات في البلدان الأوروبية.

للاطلاع على النسخة الإنجليزية من التقرير الرجاء الضغط هنــا.
_______________
مركز الجزيرة للدراسات