ندوة "السلفية في العالم العربي: تصورات، تيارات وجماعات"

2014128115142299621_20.jpg

ملخص
من أبرز النقاط التي طرحتها ندوة: "السلفية في العالم العربي: تصورات، تيارات وجماعات" كون الحركات السلفية المعاصرة نشأت داخل مجتمعات إسلامية وعكست تحديًا داخليًا أكثر مما كانت استجابة لإكراهات خارجية، كما طرحت قضية التعايش بين التيارات السلفية في العالم العربي مع ما يحدث من ثورات. وقد تم التطرق لموقف السلفية من قضايا عديدة كالديمقراطية والمرأة والعلمانية والحرية والتعامل مع الأقليات في العالم الإسلامي، والعلاقة بالغرب. وتمت الإشارة إلى تركيز السلفيين المفرط على قضايا أخلاقية أكثر من تناولهم الإشكالات والقضايا التي يطرحها السياق العالمي الراهن كالاقتصاد وأنماط الحكم، والتعددية. على أن هناك مسألة أثارها بعض الحاضرين، وهي: قابلية المجموعات السلفية للتوظيف أمنيًا والتحول إلى رهينة لدى أنظمة استبدادية. ثم إن التساهل في التكفير واستباحة الدماء وأثر ذلك على صورة الإسلام عمومًا، كان من الملاحظات التي أثيرت كذلك. واختُتمت الندوة بالتأكيد على أن دراسة الظاهرة السلفية ورصد مآلاتها وما قد تبلغه مستقبلاً أمر في غاية الأهمية، ويحتاج إلى مزيد البحث والحوار.

عقد مركز الجزيرة للدراسات ندوة تحت عنوان: "السلفية في العالم العربي: تصورات، تيارات وجماعات"، بتاريخ 25 و26 يناير/كانون الثاني 2014 بالدوحة. وقد ألقت جلسات الندوة الثلاث، فضلاً عن جلسته الختامية، الضوء على ظاهرة السلفية بمختلف تجلياتها عودة إلى تاريخها واستقراءً لحاضرها واستشرافًا لمستقبلها؛ وذلك في ظل التحولات التي تشهدها المجتمعات العربية اليوم.

أكد الدكتور صلاح الدين الزين مدير مركز الجزيرة للدراسات في كلمته الافتتاحية على أن هذه الندوة تأتي ضمن إسهامات المركز في تعميق فهم القضايا والتطورات التي تشهدها المنطقة العربية مبينًا أن المركز يسعى، من خلال فعالياته عمومًا ومن خلال هذه الندوة بالذات، إلى تعزيز الحوار بين كافة الفاعلين من قيادات ونخب ومهتمين من داخل المنطقة العربية ومن خارجها حول القضايا والمواضيع الأساسية.

وسعيًا من المركز لتسليط الضوء على ظاهرة السلفية في العالم العربي فقد نشر مؤخرًا كتابًا بعنوان: الظاهرة السلفية: التعددية التنظيمية والسياسات، وقد أُعلن عنه في اليوم الأول لهذه الندوة، كما جاءت الندوة لتكمل مضامين الكتاب وتصوراته.

السلفية: قراءة في المصطلح والتجليات

كانت أولى جلسات الندوة بعنوان: الظاهرة السلفية: التعددية التنظيمية والسياسات، وفي بدايتها قدم السيد الحواس تقية، الباحث بمركز الجزيرة للدراسات، عرضًا لكتاب: "الظاهرة السلفية: التعددية التنظيمية والسياسات"، الذي نشره مركز الجزيرة للدراسات مؤخرًا، فبين أن هذا الكتاب يعبّر عن طبيعة عمل المركز؛ فهو من ناحية قراءة تحليلية معمقة لظاهرة تشغل اهتمام المحللين والاستراتيجيين، ومن ناحية أخرى استشرافٌ لواقع ومآلات إحدى القوى الدينية والسياسية المهمة التي يرى المحللون أنها ستكون فاعلة في المنطقة العربية على ضوء ما حصل ويحصل من تطورات للربيع العربي. ونظرًا لجوهرية موضوع القوى السلفية فإن مركز الجزيرة للدراسات معنيٌّ بمتابعة مسارها ومعرفة حدود تعاظمها والوقوف على تأثيرها. ويجسّد هذا الكتاب جهدًا جماعيًا حيث شارك في تأليفه أربعة عشر كاتبًا من دول عربية مختلفة، ساهم كل واحد منهم بقراءة لحالة سلفية في دولة عربية معينة، وقدم له الدكتور بشير نافع الباحث بمركز الجزيرة للدراسات الذي شارك إلى جانبه في تحرير الكتاب كل من الباحثين بالمركز الدكتور عزالدين عبدالمولى والأستاذ الحواس تقية. وقد بينت المقدمة والقراءات المختلفة أن المساحة التي تأخذها ظاهرة السلفية في الفضاء العربي توحي بأن هناك سلفية مشتركة، لكنها في نفس الوقت تبين أيضًا أنها سلفيات وليست سلفية واحدة، فكل سلفية تتلون ببيئتها المحلية.

الحواس تقية يعرض كتاب "الظاهرة السلفية: التعددية التنظيمية والسياسات" (رويترز)

ويذهب الحواس إلى أن قراءة زمنية لمفهوم السلفية توضح أن سلفية القرن التاسع عشر مع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومدرستهما كانت قد تشكّلت لمواجهة الاستعمار كما سعت للاستفادة من الحضارة الغربية واستثمار إيجابياتها لصالح الشعوب الإسلامية، في حين تشكلت التيارات السلفية اللاحقة في سياق مواجهات داخلية بين مجموعات فكرية وسياسية داخل العالم العربي والإسلامي. ويخلص الحواس إلى أن الكتاب في مجمله يطرح سؤالاً كبيرًا، وهو: هل خسرت السلفية وما عرفته من مسارات حادة رهانها المتمثل في في معالجة ضعف العالم الإسلامي وتشتته بعد سقوط الخلافة وتحولت إلى عامل استنزاف للعالم العربي والإسلامي وآلية لإضعافه بعد التطورات التي شهدتها في الفترات الأخيرة، بأن صارت جزءًا من المشكلة ووقودًا للحروب الأهلية التي نعيشها ونشاهدها في عدد من الدول العربية؟

في نفس الجلسة بيَّن الدكتور بشير نافع، أن مصطلح السلفية ليس محل اتفاق ولا حتى شبه اتفاق؛ فالبعض يستخدمه للدلالة على كل قوى وتيارات الإسلام السياسي بما في ذلك حزب التحرير والإخوان المسلمين، وآخرون يستخدمون المصطلح للدلالة على مفهوم أضيق يتعلق بمجموعات سلفية تصف نفسها بالسلفية وتعتقد أن غيرها غير سلفي، وهذا ما جعل تحديد هذا المصطلح صعبًا. ويستنطق د. بشير مراحل مختلفة من تاريخ الفكر الإسلامي بحفر المؤرخ واستنطاق المحلل واقفًا على البدايات الأولى لنشأة هذا التيار التي تعود إلى بدايات القرن الثالث الهجري مع من عُرفوا في ذلك التاريخ بجماعة أهل الحديث وفي مقدمتهم الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وغيرهم. ويرسم د. بشير لوحة تاريخ مصطلح السلفية متتبعًا مختلف المنعرجات التي مرّ بها ووقف بشكل خاص على نشأة أحد أبرز التيارات السلفية وهو المدرسة الوهابية؛ حيث أوضح تأثير البيئة الحجازية في القرن الثامن عشر في مؤسسها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رغم أنها بيئة صوفية نقشبندية متمذهبة بمذاهب أهل السنة الأربعة. كما وقف الباحث على علاقة السلفية المعاصرة بالميراث التيمي والحنبلي، كاشفًا عن الكثير من المعاني والدلالات غير الدقيقة التي لحقت بمفهوم السلفية والتي هي بحاجة إلى توضيح وتبيين.

من جهته، قدم رئيس هيئة العلماء المسلمين في لبنان الشيخ سالم الرافعي قراءة في واقع الظاهرة السلفية ملاحظًا أن الظاهرة السلفية تتخذ أشكالاً وأنماطًا متعددة، لدرجة أن المراقب لا يكاد يلمس أي ترابط بين الحركات السلفية إلا في الاسم الذي تحمل. ويعود ذلك في نظره إلى اختلاف البيئات والظروف التي نشأت فيها تلك الحركات. ويرى أن ما يجمع العديد من مكونات الشخصية السلفية هو محاربة البدع والأهواء، والتزام منهج أهل السنة في الأسماء والصفات، واتباع الدليل وعدم التعصب للمذاهب الفقهية.

ووقف الشيخ الرافعي على انقسام الظاهرة السلفية بين تيارات ثلاث: تيارٍ دعوي مكتفٍ من السلطة الحاكمة بالسماح بحرية التعليم والتوجيه، وتيار ثان يرى أن الخروج على الحاكم أولى، وأن الاكتفاء بنشر العقيدة يعد عملاً ضئيلاً ومحدودًا بالنظر إلى حجم الجهد المطلوب لإصلاح وضع الأمة والذي لا يتحقق إلا بإقامة خلافة إسلامية. وهناك تيارٌ ثالثٌ يرى، حسب الشيخ الرافعي، أن استغلال صناديق الاقتراع والدخول في اللعبة الديمقراطية أولى؛ وهو ما يسميه الشيخ بالسلفية السياسية. إلى جانب هذا التوصيف، عرض الشيخ سالم بعض ملامح السلفية في لبنان مطمئنًا الفرقاء السياسيين في لبنان وخصوصًا أهل السنة أن السلفيين في لبنان لا يزاحمونهم على مقاعدهم.

رئيس هيئة العلماء المسلمين في لبنان الشيخ سالم الرافعي (يسار) (الجزيرة)

وقد حظيت الجلسة الأولى بنقاشات وتعقيبات بينت أن تاريخ أهل السنة بشكل خاص امتاز عن غيره من تاريخ الطوائف الإسلامية بأنه تاريخ التعددية، فليس لدى أهل السنة مرجعية تحتكر الحق؛ فالأمة الإسلامية، حسب التصور السني، هي مستودع الحق. وهذا ما جعل أهل السنة يصبحون التيار الرئيس في الأمة الاسلامية؛ فالسلفية كما جاء في التعقيبات والنقاشات ليست حزبًا وإنما هي ظاهرة دينية تعكس جانبًا من التعددية التي اتصفت بها مدرسة أهل السنة من بين المدراس الإسلامية المختلفة على مدى التاريخ الإسلامي. كما أكدت التعقيبات على أن السلفية ليست جماعة سياسية بل هي تيار فكري واسع فيه جماعات متعددة تشترك في ذات التوجه السلفي.

أما في ما يخص التكفير فقد أشارت بعض المداخلات إلى أن ربطه بالسلفية غير دقيق، فليس هنالك ترابط حتمي بين السلفية كمنهج والتكفير كموقف بدليل ظهور تكفيريين في الثقافة الإسلامية قبل ظهور السلفية نفسها.

محددات الخطاب السلفي

خُصصت الجلسة الثانية من أعمال الندوة لبحث سمات الظاهرة السلفية، فتحدث الباحث السوري، مستشار رئيس الحكومة السورية المؤقتة للتربية والتعليم، عبد الرحمن الحاج، عن الظاهرة السلفية والخطاب الديني مشيرًا إلى صعوبة تعريف السلفية وإن كانت تعني إجرائيًا توجهًا فكريًا لجماعات تتخذ من الماضي مرجعية للحاضر.

ويفترض عبد الرحمن الحاج أن السياق الاجتماعي هو المولّد الأساسي للسلفية وليس السياق الديني ولا السياق السياسي؛ فالدين يُستدعَى كلغة للتعبير عنه، كما تُستدعى السياسة للتحول إلى موقف عمومي. ومن خلال المزج بين السياقات الثلاثة (الديني، والاجتماعي، والسياسي) تتحول السلفية إلى أيديولوجيا.

وبيّن الحاج أن أولى سمات الخطاب السلفي كونه طرفيًا وليس مركزيًا؛ فالأطراف (البادية، الريف..) كانت دائمًا منطلق "السلفيات" وليس المركز مستدلاً بالمفردات التي يقوم عليها الخطاب السلفي والتي هي مفردات تنتمي للحقل الاحتجاجي. ولا يغير في الأمر كون بعض قيادات السلفية (بن لادن، الظواهري، أو مصعب الزرقاوي...) كانوا من المدينة؛ فالهامشية أو الطرفية سمة غالبة على المنتمين للسلفية.

ويعدّد الحاج مجموعة من السمات التي يتصف بها الخطاب السلفي كالانتقائية؛ حيث يتم تكبير جزء من الدين ليغطي الباقي، فابن تيمية الصوفي وابن تيمية الفيلسوف يغيبان ولا يظهر إلا ابن تيمية السلفي.

والخطاب السلفي كذلك خطاب متحول وغير مستقر، تختلط فيه البواعث السياسية والاجتماعية والدينية؛ حيث يمكن الحديث عن أطوار للخطاب الديني السلفي. وفي سياق هذا التحول الذي يتصف به التيار السلفي وقف عبد الرحمن الحاج على المراحل المتعددة التي تجسد هذا التحول، وهي:

  • مرحلة التأسيس: حيث تختلط البواعث السياسية والاجتماعية لتحفيز مؤسسي الخطاب السلفي، فيولد الخطاب السلفي بوصفه خطابًا احتجاجيًا إصلاحيًا جذريًا.
  • مرحلة الاستقرار: حيث يتحول الخطاب السلفي بعد تأسيسه إلى إرث فكري له رموزه ومراجعه "العلمية"،  وتولد قناعات أكثر واقعية لدى أصحاب هذا الخطاب.
  • مرحلة نزع السياقات: مع الزمن يتحول الخطاب السلفي بالتدريج إلى خطاب ديني صرف يسعى للحفاظ على شرعية الجماعات المستفيدة منه والمؤمنة به، ويصبح خطابًا تقليديًا مدرسيًا.

البُعد الاجتماعي للظاهرة السلفية كان محور مداخلة أستاذ علم الاجتماع بالجامعة اللبنانية، سعود المولى، الذي ركّز على الحالة اللبنانية، رابطًا بين السلفية والطائفية معتبرًا أن السلفية اللبنانية طائفية تسعى لحماية أهل السنة والدفاع عن مصالحهم، بعد عجز تيار المستقبل عن القيام بهذه المهمة. ووقف المولى طويلاً عند بعض الظواهر التاريخية والاجتماعية المتصلة بتطور التيار السلفي في بلاد الشام عمومًا وفي لبنان خصوصًا، بدءًا بتأثير محمد عبده، الذي أقام برهة في لبنان وترك فيه تلامذة تأثروا بفكره ودعوته في بلاد الشام. تميزت السلفية الأولى في الشام بطابع وطني حيث واجهت العثمانيين وكرست اللغة العربية ودافعت عن الهوية، ثم جاءت بعد ذلك الموجة الوهابية التي تأثر بها بعض رموز التيار السلفي اللبناني. ويوضح سعود المولى جانبًا من مسار السلفية في لبنان وعلاقتها بمدينة طرابلس مشيرًا إلى أن تهميش تلك المدينة واتساع دائرة البطالة في صفوف الشباب خاصة جعلهم يلتفون أولاً حول خطاب الحركات القومية، ثم تحولوا بعد ذلك إلى الحركة السلفية.

تعرضت الباحثة في شؤون الجماعات الإسلامية، سلمى بلعالة، إلى البعد السياسي والإقليمي للظاهرة السلفية مع التركيز على طبيعة الظاهرة السلفية في المغرب العربي، وطالبت بالفصل بين التراث الإسلامي الذي يمثله مغاربيًا، حسب قولها، المذهب المالكي والزاوية الصوفية، والظاهرة السلفية المناقضة بطبيعتها لهذين المكونين الأساسيين للهوية الإسلامية في منطقة المغرب العربي. فقد شكّلت السلفية، حسب الباحثة، قطيعة تعيشها الشعوب العربية بين هذه السلفية كما نعرفها اليوم وبين السلفية العتيقة خصوصًا في موضوع التكفير (تكفير الدولة ككيان وتكفير المجتمع). فقد أصبح ملاحظًا في الدول المغاربية محاولة لتصفية المذهب المالكي؛ وهو ما أدى إلى توتر داخل الإسلام المحلي.

مستقبل السلفية في العالم العربي

خُصصت الجلسة الثالثة لمستقبل التيارات السلفية في العالم العربي تحدثت فيها الباحثة الإسبانية نعومي راميرث عن السلفية في سوريا باعتبارها تمثل حاليًا أكبر تجمع للسلفية الجهادية في العالم، وهو ما يعمّق المخاوف الغربية إزاء الإسلام، وإزاء ما يجري هناك. وصنّفت الباحثة السلفية الناشطة في سوريا إلى ثلاث مجموعات:

  1. داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام): وهي فصيل جهادي ينتمي إلى الجهاد العالمي فكرًا وممارسة وارتباطًا. وترى الفصائل السلفية الأخرى أن ممارسات هذه المجموعة ستؤدي إلى تفتيت سوريا. وقد وصل الخصام بين الفريقين حدَّ المواجهة كما حصل في ريف اللاذقية حيث هاجمت "داعش" قرى علوية عديدة، فتوحدت ضدها عدة كتائب من الجيش الحر وأخرى "إسلامية" لمنع الصراعات الطائفية.
  2. جبهة النصرة: معظم عناصر هذا الفصيل من السوريين لكن ارتباطها بالقاعدة وسعيها لتطبيق الشريعة لم يكونا ضمن مطالب الثورة. هذا الازدواج يطرح احتمال اندماج عدد من عناصرها في تيار السلفية الوطنية، خاصة بعد انتقال معظم مقاتليها الأجانب إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام.
  3. الجبهة الإسلامية السورية: وهي خليط من قوى عسكرية لها قيادات سلفية، مثل "حركة أحرار الشام" و"جيش الإسلام" وأخرى محافظة مثل حركة التوحيد. ومعظم مقاتلي الجبهة ليسوا سلفيين. وبما أن طبيعة تشكّلها تجعلها غير قادرة على تطبيق صارم للشريعة فيمكنها أن تقنع القوى الغربية بالحوار معها للتوصل إلى اتفاق يجعلها شريكًا في الحكم وأداة احتواء لتنظيمات الجهاد العالمي.

كما أكدت الباحثة الإسبانية أن الظواهري رغم إيمانه بعالمية الجهاد وإلغاء الحدود بين الدول، إلا أنه يسعى للفصل بين الجهاد في العراق وسوريا، في الوقت الذي ترفض فيه قوى سلفية محلية الجهاد في سوريا، وتسعى لتدويل المعركة. واستبعدت سيطرة القاعدة على المشهد في سوريا، منوهة إلى المعارك الدائرة حاليًا بين القوى السلفية الفاعلة والمؤثرة في الساحة السورية.

استبعدت الباحثة الإسبانية نعومي راميرث سيطرة القاعدة على المشهد في سوريا (الجزيرة) 

أما عبد الوهاب رفيقي، نائب الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة المغربي؛ فقد استعرض جوانب من تجربة المغرب التي تتميز بعدم تشكيل حزب سلفي مستقل؛ حيث خاض جزء من التيار السلفي المغربي تجربة سياسية جديدة بانتمائه لحزب النهضة والفضيلة. وقد كان الحراك الاجتماعي بالمغرب وبروز حركة 20 فبراير/شباط الاحتجاجية من أسباب إعادة النظام المغربي النظر في تعامله مع السلفيين المعتقلين. وعدّد رفيقي المراحل التي مرّ بها تعاطي السلفيين بالمغرب مع الممارسة السياسية؛ ففي الفترة الأولى كانت التيارات السلفية تعتبر أن الممارسة السياسية تفرضها الضرورة، ثم تطور الأمر لاحقًا إلى اعتبارها مصلحة أكبر من المفسدة، وتوقع أن تذهب التيارات السلفية في المرحلة القادمة إلى مشروعية العمل السياسي دون قيد أو شرط. ومن أبرز سمات التيار السلفي بالمغرب، وخصوصًا التيار الذي يمثله رفيقي، أنه تيار واقعي له علاقات جيدة مع الليبراليين واليساريين، وجيدة جدًا مع العدالة والتنمية.

وفي ورقته قسّم عبد الحي يوسف عبد الرحيم، نائب هيئة علماء السودان، السلفية إلى عدة تيارات، هي:

  • تيار ذو أفكار ملتصقة بالماضي منقطعة عن الحاضر.
  • تيار يعاني من خلل فكري ويدير معارك في ميدان لا عدو فيه، مثل خلق القرآن وغيرها.
  • تيار يتناول قضايا علمية لكنها ليست ذات إلحاح حاضر، متهربًا من السياسة ومهتمًا بالزي واللباس ولا تعنيه حياة الناس ولا ممارساتهم.
  • تيار يتماهى مع السلطة ويدافع عن الحاكم أيًا كان الحاكم.

ويرى عبد الحي أن المستقبل سيشهد تعزيز الاتجاهات التالية داخل التيار السلفي:

  • القبول بالتدجين؛ حيث يتحول السلفيون إلى عون للطغاة ينوبون عنهم باسم الدين في تسفيه المخالفين.
  • ممارسة العنف والتكفير، ورفض الديمقراطية لأن الأنظمة غيبتهم في السجون وجعلتهم متشددين.
  • الاعتدال ومواصلة المسير باتجاه الاندراج أكثر في قضايا المجتمع، فلا مهادنة ولا تبرير. وقد بدأ المنتمون إلى هذا الاتجاه التصدي لقضايا السياسة والاقتصاد ومحاربة "شرك القبور وشرك القصور" على حد سواء.

من جهته حَمَل القيادي السلفي طارق الزمر، الذي سُجن 30 عامًا، على حزب النور السلفي في مصر، قائلاً: إنه يمثل أسوأ ظاهرة للمنهج السلفي، فقد كان أتباعه خلال فترة مرسي يرفضون ما يصفونه الدخول في تحالف مع العلمانيين، ثم شاركوا في الانقلاب وأصبحوا موالين للانقلابيين.

وصف الزمر الحزب بالظاهرة الاستخبارية، التي تُستخدم لضرب جزء من الظاهرة الإسلامية، مشيرًا إلى أنهم كانوا في الأصل مناهضين للثورة، وبعد نجاح الثورة تم استخدامهم لإحداث أول شرخ في الجسم الثوري بطرحهم بشكل فج موضوع تطبيق الشريعة؛ وهو ما أزعج القوى الليبرالية، وفكّك التحالف الثوري، ومهّد لاحقًا للانقلاب على خيارات المصريين، ووأد تجربتهم السياسية.

ناقشت الجلسة الختامية موضوع السلفية والقضايا العربية والإقليمية والدولية (الجزيرة) 

وكانت الجلسة الختامية عبارة عن مائدة مستديرة، ناقشت موضوع السلفية والقضايا العربية والإقليمية والدولية، وفتحت المجال أمام الجميع لمناقشة وطرح العديد من المسائل التي لم يقع تناولها في الجلسات السابقة. ومن أبرز النقاط التي طُرحت في الجلسة الختامية:

  • أن الحركات السلفية المعاصرة نشأت داخل مجتمعات إسلامية وعكست تحديًا داخليًا أكثر مما كانت استجابة لإكراهات خارجية.
  • قضية التعايش بين التيارات السلفية في العالم العربي مع ما يحدث من ثورات.
  • موقف السلفية من قضايا عديدة كالديمقراطية والمرأة والعلمانية والحرية والتعامل مع الأقليات في العالم الإسلامي، والعلاقة بالغرب.
  • تركيز السلفيين المفرط على قضايا أخلاقية أكثر من تناولهم الإشكالات والقضايا التي يطرحها السياق العالمي الراهن كالاقتصاد وأنماط الحكم، والتعددية.
  • قابلية المجموعات السلفية للتوظيف أمنيًا والتحول إلى رهينة لدى أنظمة استبدادية. 
  • التساهل في التكفير واستباحة الدماء وأثر ذلك على صورة الإسلام عمومًا.

واختُتمت الندوة بالتأكيد على أن دراسة الظاهرة السلفية ورصد مآلاتها وما قد تبلغه مستقبلاً أمر في غاية الأهمية، ويحتاج إلى مزيد البحث والحوار.
___________________________
* سيدي أحمد ولد أحمد سالم – باحث بمركز الجزيرة للدراسات