مدير مركز الجزيرة للدراسات د. صلاح الدين الزين يتوسط الناشطة مها أبو بكر، والكاتب والباحث هاني رسلان (الجزيرة) |
ملخص شارك عدد من الخبراء والباحثين والناشطين المصريين من أطراف مختلفة في الجلسات الحوارية التي نظّمها مركز الجزيرة للدراسات وتناولت المشهد السياسي المصري. وتناولت الجلسات بالتحليل التحولات التي يعرفها المشهد السياسي المصري داخليًا وخارجيًا. وقد شارك في هذه الجلسات عدد من المهتمين بالشأن المصري، ومن بين المشاركين: حمزة زوبع القيادي في حزب الحرية والعدالة، وأحمد حسن الشرقاوي المنسق العام لصحفيين ضد الانقلاب، وعمرو عبد الهادي القيادي في جبهة الضمير، ورامي جان مؤسس حركة "مسيحيون ضد الانقلاب"، والباحث الدكتور جمال نصار، والدكتور خالد محمد العضو السابق في مجلس الشعب عن الحرية والعدالة، والدكتور زكريا مطر المستشار في وزارة الأوقاف القطرية، والدكتور هاني رسلان رئيس تحرير ملف الأهرام الاستراتيجي، والكاتب الصحفي مجدي شندي، ومها أبو بكر المحامية والعضو المؤسس في حركة كفاية. وبحثت الجلسات حصيلة الانقلاب بين المعارضين والمؤيدين، والموقف الإقليمي والدولي من الحدث المصري، وتداعيات إعلان جماعة الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية". واختتمت بتناول المسارات المستقبلية المحتملة للمشهد المصري. |
نظم مركز الجزيرة للدراسات يومي 5، 12 يناير/كانون الثاني 2014 لقاء ضم عددًا من الباحثين والمختصين في الشأن المصري، وتناولت الجلسات بالتحليل التحولات التي يعرفها المشهد السياسي المصري داخليًا وخارجيًا. وقد شارك في هذه الجلسات عدد من المهتمين بالشأن المصري، ومن بين المشاركين: حمزة زوبع القيادي في حزب الحرية والعدالة، وأحمد حسن الشرقاوي المنسق العام لصحفيين ضد الانقلاب، وعمرو عبد الهادي القيادي في جبهة الضمير، ورامي جان مؤسس حركة "مسيحيون ضد الانقلاب"، والباحث الدكتور جمال نصار، والدكتور خالد محمد العضو السابق في مجلس الشعب عن الحرية والعدالة، والدكتور زكريا مطر المستشار في وزارة الأوقاف القطرية، والدكتور هاني رسلان رئيس تحرير ملف الأهرام الاستراتيجي، والكاتب الصحفي مجدي شندي، ومها أبو بكر المحامية والعضو المؤسس في حركة كفاية.
ويسعى مركز الجزيرة للدراسات من خلال هذه الجلسات الخاصة بالشأن المصري إلى تحليل وتفسير الأوضاع في مصر وفهمها بشكل أفضل، وهو الدور المتوقع من هذه اللقاءات التي تجمع عددًا من الأساتذة والباحثين من مشارب مختلفة للنقاش وتوضيح الرؤية. حيث يهدف المركز إلى نشر حصيلة هذه اللقاءات وتعميمها. وتعتبر هذه الندوة منصة حوارية يستفاد منها لإنتاج ورقات تتناول الشأن المصري.
حصيلة الانقلاب بين المعارضين والمؤيدين
رأى بعض المتدخلين في الجلسة الأولى التي قدم أصحابها وجهة النظر المضادة لما يحدث في مصر والتي تصف ما حدث غداة الثلاثين من يونيو/حزيران 2013 بأنه انقلاب على الشرعية كانت حصيلته بعد ستة أشهر بروز معادلة طرفها المتحكم هو الطرف الانقلابي الذي اعتقد أن الأمر قد استقر له، إلا أنه لم يكن يتوقع حجم الصمود رغم الإجراءات الأمنية التي اتبعها منذ انتزاعه للسلطة. إلا أن الواضح حسب الورقة الأولى أن الانقلاب في مصر قد فشل في قمع المناهضين رغم ما جرى من توسيع لدائرة الاعتقال. ومن البيِّن أن اعتصام ميدان رابعة كان قد شكّل فرصة لتشكيل صف ميداني جديد ضم أطيافًا مختلفة؛ حيث خلق الاعتصام مجموعات ضاغطة ومنظمة، كما أصبح الشارع المصري يشكّل بنفسه قيادة جديدة. ومن حصيلة ما حدث في مصر قبل ستة أشهر بروز معطيات جديدة على المستوى الإعلامي: عدم الاعتراف بالانقلاب كما يصرح به عدد من الإعلاميين. وعلى المستوى الخارجي فقد فشل الانقلاب في إقناع العالم بالاعتراف به، كما لم يتمكن الانقلاب من إنتاج شخصيات سياسية تلقى قبولاً. وعلى المستوى الاقتصادي فقد عرفت الأشهر الستة الماضية دخول الاقتصاد المصري في مأزق كما بيّن صاحب الورقة الأولى. وعلى المستوى القانوني والمدني عرف المشهد إعادة صياغة مفهوم المواطن والمواطنة، وكانت هنالك ردة حقوقية قوية صادرة من المنظمات الحقوقية. ولنا أن نتساءل بعد ستة أشهر: هل انقلاب يونيو/حزيران 2013 في طريقه إلى التمهيد لثورة مصرية أخرى كما تساءل صاحب الورقة؟
وقد توالت الورقات في الجلسة لتناقش بتوسع حصيلة ما وقع في مصر في سابقة من نوعها؛ حيث ظهر لدى قادة الجيش المصري الراهنين سياسة مختلفة عما كانت عليه في السابق قبل ستين عامًا من حكم الجيش الذي عمل على تخريب العقل المصري؛ ذلك أن مؤيدي الانقلاب هم نتاج هذه السياسة القديمة على مدار عقود، وقد اتسمت فترة حكم العسكر المصري بتغييب المواطن عن الشأن العام.
كما يلاحظ أن هنالك اتفاقًا خارجيًا وداخليًا على ضرورة تفكيك الثورة واحتوائها. ولم يكن ميدانا التحرير ورابعة سوى بوتقة لصهر القوى السياسية الجديدة التي أنتجت مواطنًا مصريًا جديدًا. وقد ظل مناهضو الثورة مدركين أن الثورة المصرية ما كان لها أن تتجاوز 3 سنوات لكيلا تستقر وتترسخ، خصوصًا وأن استراتيجية مناهضي الثورة المصرية تقوم على فكرة أن قواعد جماعة الإخوان لم تكن مؤهلة للحكم.
مصر والموقف الإقليمي والدولي
ظهرت مؤشرات ودلائل تؤكد على وجود مواقف متبلورة وسياق إقليمي متشكل له موقف مما يحدث في مصر، وقد انعكس ذلك في تصريحات لمسؤولين إسرائيليين وأميركيين تصب كلها في "فشل الرئيس مرسي"، بل إن كاترين آشتون، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي، لوّحت في زياراتها لمصر بوجود تجاوزات خطيرة في حقوق الإنسان كما ذكرت إحدى الورقات. وقد ظلت بعض وسائل الإعلام تغذي هذا التوجه الداعي لتشجيع الدول المهتمة بالشأن المصري على إجهاض الثورة المصرية.
وذهبت أغلب الورقات المقدمة في هذا المحور إلى أن الانقلاب الذي حدث في مصر منتصف سنة 2013 جاء من الخارج وخصوصًا من الدول الغربية المؤثرة في المشهد المصري، وقد دفع صعود جماعة الإخوان المسلمين في أكثر من دولة عربية الدول الخارجية إلى التخوف من هذا الصعود المطرد؛ فكان لا بد من وضع حد له. ومن جهة أخرى فقد أخاف صعود الإخوان عددًا من دول الخليج، خصوصًا أن بعض هذه الدول رأى أن الرئيس المخلوع محمد مرسي دخل في تقارب مع إيران.
ولم يكن بخافٍ على عدد من المراقبين أن جماعة الإخوان أخطأت في التعامل مع المسيحيين الأقباط لما وصلت إلى السلطة؛ وهو ما جعل بعض الأقباط أكثر اطمئنانًا للجيش وأكثر سرعة لتأييد الانقلاب.
تداعيات إعلان جماعة الإخوان المسلمين" جماعة إرهابية"
مرّ حل جماعة الإخوان بمراحل، وكان أبرز تطور من تطورات تعامل النظام الجديد في مصر مع هذه الجماعة هو اعتبارها: جماعة "إرهابية"، ولعل الهدف من هذا القرار هو جعل الإخوان تشكيلة مهجورة وتخويف الناس منها باعتبارها متهمة. وسيكون لهذا القرار جملة من التداعيات الاقتصادية والمعيشية خصوصًا وأنه كان لجماعة الإخوان تواصل اقتصادي واجتماعي مع الناس بسبب الجمعيات الخيرية، وربما كان الهدف من هذا الحل والحظر هو قطع هذا التواصل، فضلاً عن أن نظام الانقلاب يعاني فعليًا من أزمة اقتصادية يحتاج معها إلى أموال الجمعيات الخيرية نفسها كما بيّنت إحدى الورقات.
ولعل في وصف الجماعة بـ"الإرهاب" وسيلة سهلة لتبرير قتل أعضائها واستهداف أنصارها. ومن الناحية القانونية يبقى قرار إعلان الجماعة "إرهابية" قرارًا غير دستوري بل مخالفًا للمعاهدات الدولية. وسياسيًا يهدف القرار للتقليل من حجم الاحتجاجات في الشارع ومحاصرة الجماعة.
الشأن المصري من وجهة نظر مساندة لما يحصل
من الصعب تقديم حصيلة نهائية لما حصل في مصر قبل ستة أشهر أي عقب ثورة 30 يونيو/حزيران لكن المقارنة بما قبل 30 يونيو/حزيران تسمح بفهم التطورات الحاصلة حاليًا، كما ترى إحدى الورقات التي يؤكد مقدمها على أن جماعة الإخوان المسلمين ما زالت تستمر في العمل كمنظمة سرية ذات خطاب مزدوج، وهي جماعة ظلت تسعى نحو استراتيجية التمكين وتحطيم القواعد التي على أساسها وصلت للسلطة ومن ثم الاستيلاء على المجال العام. وتؤكد الورقة على أن جماعة الإخوان تعمل حاليًا سياسيًا وأمنيًا على إعاقة خارطة طريق المستقبل وضرب الاستقرار. كما أن الصور والتقارير الإعلامية التي تتناول الوضع المصري غير صحيحة ومجتزأة ولا تعبّر عن الواقع، وهناك مؤشرات اقتصادية تدل على تراجع الاقتراض الداخلي مقارنة بالفترة السابقة كما ذكرت إحدى الورقات التي أكدت على تناقص البطالة. ومع أن صاحب الورقة يرى أن التعبير والوصف الصحيح للوضع المصري هو السلطة الانتقالية وليس مصطلح "الانقلاب"، إلا أنه ذكر أن الاتحاد الإفريقي لا يزال يعتبر ما جرى في مصر "غير دستوري".
حمزة زوبع القيادي في حزب الحرية والعدالة (يمين)، وبجانبه الكاتب الصحفي أحمد حسن الشرقاوي (الجزيرة) |
وترى ورقة ثانية أن استمرار الرئيس المعزول محمد مرسي لفترة أطول وإيجاد حلول مقبولة كان ممكنًا رغم أخطائه، غير أن المتغير الأساسي -وهو متغير إقليمي بالأساس- هو استشعار دول خليجية للخطر على دورها الإقليمي واستقرارها الداخلي مما دفعها للتدخل في الساحة المصرية، وقد مارست هذه الدول الخليجية تأثيراها من خلال إنشاء علاقات مع حركات معارضة ومنابر إعلامية، ومن خلال الدعم المادي المباشر. ولعل التقارب بين الرئيس المصري وبين إيران سبّب غضب بعض دول الخليج، كما أن تاريخ جماعة الإخوان يثير توجس بعض دول الخليج، وكذلك بروز مسألة التنافس على الشرعية، بالإضافة للعمل السري لأفرع الجماعة في عدد من الدول حيث وُصف إعلاميًا في تلك الدول الخليجية بـ" الهلال الإخواني".
وعلى العموم هناك ثلاث كتل إقليمية دولية تنظر إلى ما حدث في مصر يمكن تصنيفها كالتالي:
-
الكتلة الأولى: ترى أن ما حصل كان ضروريًا باعتباره إكمالاً للثورة ومن الضروري تأييد ما حصل، وتضم هذه الكتلة عددًا من دول مجلس التعاون الخليجي ودولاً أخرى مثل الأردن وسوريا والسلطة الفلسطينية وروسيا.
-
الكتلة الثانية: عارضت ما حدث في 30 يونيو/حزيران 2013 ووصفته بالانقلاب العسكري مثل: تركيا وقطر وإيران ووتونس وليبيا.
-
الكتلة الثالثة: تترقب ما يجري في مصر وأغلبها يؤيد ما جرى لكنه لا يريد المراهنة بمصالحه، ويعلق الاعتراف بأن ما حدث "انتقال ديمقراطي" إلى ما بعد الاستفتاء. وأغلب الدول الغربية المعنية بمصر تدخل في هذه الكتلة.
وقد رأت إحدى الورقات أن جماعة الإخوان توجهت مع أخذها للسلطة للسيطرة على المشهد العام وعدم الاهتمام بالإجماع الوطني؛ وهو ما أدى لمواجهة الحركة تمردًا من كل مؤسسات الدولة من إعلام وقضاء وغيره. وترى هذه الورقة أن ما حدث في 30 يونيو/حزيران ما هو إلا تصحيح للمسار الثوري.
مصر والمسارات المستقبلية المحتملة
يرى المعارضون للانقلاب أن هناك جملة من المسارات؛ فمن المسارات الأكثر تشاؤمًا التي يمكن أن يكون عليها مستقبل الشأن العام في مصر: بقاء الانقلاب واستمرار الاحتجاجات. وهنالك احتمال ثان وهو بقاء الانقلاب بدون الفريق السيسي ومجيء قيادة عسكرية جديدة مع ما يحتاجه ذلك من تصفيات داخل الجيش، وثالثًا: وهو الحل الوسط الذي يمكن أن ينبع من خلال مجموعة حكماء بمجلس مدني لتحقيق الوفاق بين الأطراف، أما المسار الأكثر تفاؤلاً فهو انكسار الانقلاب ورجوع الجيش إلى ثكناته.
لا شك أن سيناريو الاستنزاف قد يستمر ما لم توجد قوة حسم في الميدان، مع الإشارة إلى أن الإخوان ليسوا مع انهيار الدولة أو العنف، مع أنه إذا لم يتم الحسم في هذه السنة فسوف يستمر سيناريو الاستنزاف طويلاً. ولعل إزاحة الجيش للسيسي -لو تمت- حل قد يمهد للمصالحة، أي سيناريو "الانقلاب على الانقلاب" الذي قد يحلحل الأزمة السياسية.
وبغض النظر عن هذه السيناريوهات المحتملة فإن ضرورة إعادة اللحمة بين المكونات السياسية والمدنية تبقى مطلبًا ضروريًا في المستقبل القريب، كما أن بقاء العنف واستمراره أمر وارد في مستقبل مصر نتيجة ضغط الآلة الأمنية، والدليل على ذلك حجم استهداف سيارات الشرطة مؤخرًا.
أما الأوراق التي ترى أن ما حدث في مصر ثورة شعبية ويُعتبر إصلاحًا لمسار الثورة، فترى أن مستقبل مصر قد يأخذ مسارات أخرى، من أبرزها أن المستقبل المصري يظل مرتبطًا بتحقيق خارطة الطريق وعمودها الاستفتاء على الدستور وبناء باقي المؤسسات.
وهنالك قوى وجهات خارج دائرة صنع القرار السياسي مرتبطة بالنظام السابق تسعى لتحقيق مكاسب ومحطات أساسية تحدد المستقبل مثل طموح إجراء الانتخابات الرئاسية بشفافية. وإذا استطاع المصريون عبور الانتخابات الرئاسية يمكن الحديث عن رئيس يقود نظامًا يعيد جمع الفصائل كلها في مشهد قد يبتعد عن العنف ويعود بمصر إلى انسجام سياسي.
وترى بعض الورقات أن القوات المسلحة المصرية لن تتورط مستقبلاً في الساحة السياسية أكثر من ذلك، بل إن هنالك تحديًا مهمًا وهو إعادة صياغة الدولة الوطنية، وبناء مشروع المصالحة الوطنية.
كما أن المستقبل حسب هذه الورقات مرتبط بعدد من الأطر الإقليمية؛ فالتفاعلات الأخيرة وضعت الدولة المصرية في حالة تساؤل بالنظر للتهديد الذي يحيط بها. والتحول الديمقراطي مسار إجباري لا يمكن لفصيل واحد الانفراد به. ثم إن هنالك تحديًا اقتصاديا واقترابًا من حالة الإفلاس قد يسبّب عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
______________________________
كمال القصير - باحث في مركز الجزيرة للدراسات