فض النزاعات: قواعد نظرية على محك صراعات قائمة

9f2de531096d4581866010718093a679_18.jpg
جانب من الندوة (الجزيرة)

 

ملخص
تعد العلاقات بين الدول مجالا خصبا للصراعات بمختلف أشكالها، وتقدم لنا نظريات العلاقات الدولية أطرا نظرية متعددة للتعامل مع تلك الصراعات فهما وتحليلا ومعالجة. والصراع ظاهرة معقدة مستمرة يولدها اختلاف الأهداف القومية للدول فتنعكس على سياساتها الخارجية وعلى علاقاتها فيما بينها. وإذا كانت الحروب والنزاعات المسلحة الوجه الأبرز للصراع، إلا أن هناك أدوات أخرى تحكم العلاقات الدولية، مثل: التهديد، والتفاوض، والحصار، والضغط، والاحتواء، والتحالف، والمساومة إلى غير ذلك من الأشكال التي تستخدم وتتغير طبقا لمتغيرات الموقف الدولي. ورغم أن الدول غالبا ما تكون هي الكيانات الفاعلة في الصراع الدولي إلا أن هناك أطرافا أخرى كالمنظمات والجماعات المسلحة وحركات التحرير، التي يمكن أن تكون سببا أو طرفا فاعلا في صراع قد يكون سياسيا أو اقتصاديا أو مذهبيا أو عرقيا أو غيره.

نظم مركز الجزيرة للدراسات ندوة حوارية بعنوان "فض النزاعات: قواعد نظرية على محك صراعات قائمة"، وعقدت الندوة في قاعة لوسيل بفندق ريتز كارلتون بالدوحة في تمام الساعة السابعة من مساء الأربعاء 9 إبريل/نيسان 2014.

تعد العلاقات بين الدول مجالا خصبا للصراعات بمختلف أشكالها، وتقدم لنا نظريات العلاقات الدولية أطرا نظرية متعددة للتعامل مع تلك الصراعات فهما وتحليلا ومعالجة. والصراع ظاهرة معقدة مستمرة يولدها اختلاف الأهداف القومية للدول فتنعكس على سياساتها الخارجية وعلى علاقاتها فيما بينها. وإذا كانت الحروب والنزاعات المسلحة الوجه الأبرز للصراع، إلا أن هناك أدوات أخرى تحكم العلاقات الدولية، مثل: التهديد، والتفاوض، والحصار، والضغط، والاحتواء، والتحالف، والمساومة إلى غير ذلك من الأشكال التي تستخدم وتتغير طبقا لمتغيرات الموقف الدولي. ورغم أن الدول غالبا ما تكون هي الكيانات الفاعلة في الصراع الدولي إلا أن هناك أطرافا أخرى كالمنظمات والجماعات المسلحة وحركات التحرير، التي يمكن أن تكون سببا أو طرفا فاعلا في صراع قد يكون سياسيا أو اقتصاديا أو مذهبيا أو عرقيا أو غيره.

تشهد الساحة الدولية في الوقت الراهن عددا من تلك الصراعات التي تتشابك فيها الأبعاد الداخلية والخارجية فتشكل مشهدا صراعيا في غاية التعقيد. ونظم مركز الجزيرة للدراسات ندوة حوارية لمناقشة بعض النماذج من الصراعات الجارية، عرض فيها كلا من الحالة السورية والحالة الأوكرانية إلى جانب حالة إفريقيا الوسطى، وذلك في ضوء نظريات إدارة الصراعات وفض النزاعات.

ولتوضيح هذه النقاط فقد دعا المركز مجموعة من الباحثين المتخصصين فجاءت مشاركاتهم كالتالي: الدكتور سامي الخزندار، الباحث المتخصص في إدارة الصراعات قدم الإطار النظري للندوة، وتحدث الدكتور لؤي صافي، الباحث والناشط السياسي السوري عن الحالة السورية، في حين تناولت الدكتورة تاتيانا زهورزينكو، الباحثة والأكاديمية الأوكرانية عن الحالة الأوكرانية، وجاءت مقاربة الدكتور سيدي أحمد ولد أحمد سالم، الباحث بمركز الجزيرة للدراسات حول حالة إفريقيا الوسطى.

علم الصراعات: محددات ومفاهيم

يعتبر علم إدارة الصراعات فنا متخصصا وله أجهزة متخصصة، وهناك ثلاثة مستويات لهذا العلم، كما أن لهذا العلم مجموعة من المفاهيم، تتضمن: 

  • عملية تحليل الصراع نفسه.
  • التسوية وسياقاتها... إلخ.

هذا العلم مرتبط بالسياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع؛ وهو محصلة لهذه العلوم في مفاهيمه وتصوراته. وكما أن هناك إدارة الصراع فهناك التسوية، وهناك المنع الوقائي، وكذلك تحويل الصراع من حالة سلبية إلى حالة إيجابية بحيث يتم نقل المتصارعين إلى شركاء متعاونين.

في مرحلة إدارة الصراع نتحدث عن التسوية، والتسوية الحقيقية التي تبحث في جذور الصراع تطرح السؤال التالي: لماذا يتوقف الناس عن الصراع ويبحثون عن السلام؟ هذا سؤال جذب الباحثين والمهتمين، وهو سؤال يرتبط بالموارد والقدرة والفرصة، ومرتبط كذلك بإرادة القرار التي تقوم على القناعة بأنه لا يوجد طريق للحل بدون عنف.

هناك إشكاليات تواجه عمليات التسوية، منها: تقدير لحظة النضج أو اللحظة المواتية التي تشير إلى إمكانية دخول الأطراف في تسوية أولا، وهذا مرتبط بحدة الصناعة والقناعة بإيجاد بديل للصراع، كما أنه مرتبط بالألم المتبادل بين الأطراف المتصارعة. يبدأ تصور يتولد عند كل طرف وهو أن الحل الأحادي للأزمة غير ممكن مما يفرض البحث عن حل مشترك.

هناك كذلك مسالة توازن القوى، وهي اللحظة المواتية للحل، على أن الصعوبة في التقدير تكون عند من يدير الصراع. بعض الباحثين تحدث عن الفرص المحفزة بمعنى ضرورة اقتناع الأطراف بوجود نتائج مشجعة، وضرورة الوصول إلى مرحلة جني المنافع المتبادلة لكلا الطرفين؛ ويجب أن تكون في جوهر عملية التسوية.

إن مشكلة الصراع تكمن في القدرة على منع الصراع أو تكرار حدوثه كما فعل الأوروبيون بعد الحرب العالمية الثانية. معلوم أنه هناك صراعات تحتاج إلى عمل طويل المدى لمنع حدوثها أو تكرارها، وهناك مؤشرات للصراع تعطي تحذيرا مبكرا، ومن تلك المؤشرات ما هو قضائي وما هو علمي؛ ففي موضوع الأزمات الدولية اليوم نجد أن لها سمات مختلفة عن السمات التقليدية، منها: أن العالم كله بات متورطا وداخلا في الأزمات، وأحسن وسيلة لمستقبل أفضل هي صناعة هذا المستقبل وأخذ المبادرة.

الحالة السورية: بين تعقيدات الداخل وحسابات الخارج

هل يمكن الحديث عن حل سياسي في سوريا؟ هذا سؤال سنبدأ به وإن كان محله النهاية.

الحالة السورية معقدة ولم تكن انتفاضة من أجل صراع عسكري بل إن النظام هو الذي بذل جهدا لإخراجها من سلميتها، وعمق ذلك أن هناك أيضا إرادات إقليمية بل هو صراع دولي بين روسيا مدعومة بالصين في وجه الهيمنة الأميركية. بدأت الثورة السورية حركة شعبية ثم تحولت إلى المطالبة بإسقاط النظام.

ما هو الإطار النظري للحل السياسي في سوريا؟

يقتضي الجواب توافقا على شكل النظام السياسي، والواقع أن هناك فجوة كبيرة في الواقع بين الفرقاء في الميدان. قد يكون الاحتكام إلى صناديق الاقتراع حجة لإبقاء الأسد، وهذا طرح في جوهره ديمقراطي لكن المعارضة لديها مشكلة كبيرة مع هذا الطرح، وحتى حلفاء النظام يبدون خشية من الانتخابات؛ فإيران أبدت استعدادا لكن بإشراف الأمم المتحدة، وظاهريا هذا ما تطالب به المعارضة لإنهاء حالة الفساد والوصول إلى تداول السلطة وكفالة فرص متساوية.

إن التيار الإسلامي الذي يتصدر الصراع يطالب بدولة تحتكم إلى الشرع وتنبع من فكر تقليدي لكنها في المجمل كلها وجهات نظر للبحث عن حل. لكن في الواقع هناك خلافات عميقة، والمعارضة تعتقد أن موقف النظام فيه مراوغة  ظهرت في مؤتمر في جنيف وتم اكتشاف أن النظام يريد الحسم العسكري تحت عناوين مكافحة الإرهاب وهو تعبير فضفاض يشمل المقاتلين المحليين وغيرهم.

ورغم وجود عوائق كبيرة إلا أن بذور التسوية السياسية موجودة لكن المشكلة تكمن في غياب القوى السياسية القادرة عن حمل وحماية مشروع التسوية؛ فالغرب لم يقم بواجبه بحماية شعب يتم قتله يوميا، ثم إن الطرف المهم لتسهيل الحوار غائب وغير موجود.

القوى المؤثرة في الصراع السوري
روسيا وإيران تنظران إلى سوريا من منظور جيوسياسي، وهاتان الدولتان مهتمتان بدعم النظام وغير معنيتين بدفع النظام نحو الحل السياسي. إن سوريا بالنسبة لروسيا قاعدة متقدمة في مواجهة الجماعات الإسلامية التي تخشى روسيا أن تمتد إلى داخلها. وبالنسبة لإيران فسوريا هي طريق لإيصال السلاح والتواصل مع الجماعات الشيعية.

أما أميركا فملتزمة بحماية إسرائيل ومترددة خوفا من الجماعات الإسلامية، وأميركا لا أولوية عندها للدفع بالحل السياسي بل محاربة الإرهاب وإبقاء الصراع بين القاعدة وحزب الله. ويبقى حلفاء أميركا في المنطقة المتضررين الأساسيين مما يحدث في سوريا.

داخليا، لم يتمكن الائتلاف من تحقيق مستوى من التنسيق والتواصل بين القوى الداخلية للثورة وعلاقتها مع القوى الإقليمية المؤيدة للثورة. ويبقى الوصول إلى حل سياسي أمرا بالغ التعقيد، وانتقلت أوراق الحل إلى القوى الإقليمية، وهي قوى غير معنية بالديمقراطية بل معنية بمصالحها؛ مما يعني أن مفاتيح الحل لم تعد بأيدي السوريين.

أما الموقف الأميركي فما زال غامضا وإن كان متعاطفا على مستوى الخطاب مع الثورة لكن واشنطن -كما هو واضح- غير معنية بحل حقيقي أو حتى فك الحصار الكارثي على الناس وتخفيف معاناتهم. إن الولايات المتحدة وحلفاءها ليس لديهم الإرادة السياسية لخلق حلف سياسي ويساعد في ذلك التناقضات والخلافات داخل صفوف المعارضة.

الحالة الأوكرانية: المصالح الخارجية تغير الموازين الداخلية

من المؤلم بالنسبة إليها أن تقدم أوكرانيا كبلد تسوده النزاعات؛ فقد كانت دائما بلدا مسالما يتمتع بمستويات منخفضة من أعمال العنف قبل هذه الأحداث. وتاريخيا، لم يكن البلد مسرحا للنزاعات، وهو ما يشكل مصدرا للفخر لجميع سكانه.

توجد أوجه تشابه بين النزاعين: الأوكراني والسوري، ففي كلتا الحالتين، بدأت الاحتجاجات كانتفاضات شعبية في وجه الحكومات الفاسدة؛ ففي أوكرانيا، كان رفض الحكومة توقيع اتفاقية التعاون مع الاتحاد الأوروبي الفتيل الذي أشعل الأزمة.

وقد لعبت روسيا دورًا مهمًا في الوصول إلى الوضع الحالي، بل شكلت في الواقع عاملاً أو دافعًا أساسيًا لما آلت إليه الأوضاع الأوكرانية.

ومعلوم أنه إثر تفكك الاتحاد السوفيتي، اتخذت أوكرانيا موقفًا جيوسياسيًا حاسمًا؛ حيث عملت أوكرانيا، حتى عام 2004، على الموازنة بين جيرانها خصوصًا فيما يتعلق بالنفط الروسي وما إلى ذلك  من سلع تجارية أساسية.

وفي عام 2004، قضت الثورة البرتقالية في أوكرانيا على السياسة التجارية متعددة القوى. وفي حين كانت أوكرانيا تسعى للتقارب مع الاتحاد الأوروبي، قوبل هذا المسعى بالفشل.

أوكرانيا ما بعد ثورة 2004
لا يمثل الانقسام في اللغة والهوية في أوكرانيا أمرًا مهمًا حقًا إذا ما نظرنا إلى الأمور بشكل إجمالي، بل إن العامل الاقتصادي هو الذي يلعب دورًا حاسمًا في التقسيم؛ فالصناعة في أوكرانيا وفق النمط السوفيتي تعتمد على إمدادات الغاز. وفي عام 2010، شهدت البلاد تسلم فيكتور يانوكوفيتش مقاليد السلطة بشكل "لا أخلاقي"، وكان المشكل الاقتصادي في قلب النزاع، كما كان من الممكن أن يتم تأجيل الانتخابات الرئاسية، مما يعد تطورًا خطيرًا للنزاع.

ولعل النهج أو الحل الواجب اتباعه صار معقدًا؛ حيث الصعب أن نسلّم بوجود حل عملي، بل يكاد يكون من المستحيل أن نقوم بذلك، خصوصًا إذا ما كانت لدينا قناعة راسخة بفعاليته.

وتنظر روسيا إلى النزاع بطريقة مختلفة تمامًا عن الأوكرانيين؛ لكونها تهدف إلى إضعاف البلاد، بل ترمي روسيا إلى ضعضعة الحكومة المركزية ودفعها نحو الحكم الكونفيدرالي، وإعطاء موسكو الفرصة للعمل بشكل أكثر مباشرة في الشأن الأوكراني. وتصر روسيا على اعتبار اللغة الروسية اللغة الثانية في أوكرانيا؛ مما يشكّل دليلاً إضافيًا على رغبتها في فرض مزيد من النفوذ في البلاد.

يتمثل هدف الأوكرانيين الأساسي اليوم في إجراء انتخابات شرعية ونزيهة، أما الحل الطويل الأمد فإنه يعتمد على ما يريده بوتين، فهل يريد إضعاف "الصراع المجمد" كما حدث في مولدوفا؟ أم أنه يريد أن تصبح أوكرانيا "دولة مختلة وظيفيًا"؟ أم أنه يريد ضم أوكرانيا إلى روسيا؟ إنه لمن الصعب جدًا أن نحدد بدقة حلاً طويل الأمد.

إذا لم تتمكن الحكومة الحالية من البقاء إلى غاية الانتخابات القادمة، فإن هذا سيفتح الباب على مصراعيه لمزيد من التدخل الروسي في أوكرانيا.

يجب أن يكون هناك تنفيذ حقيقي للإصلاحات، كما يجب أن يتم سماع صوت المجتمع المدني في هذه المرحلة.

الصراع في إفريقيا الوسطى: الدوائر المفخخة

هنالك عوامل متعددة أثّرت تأثيرًا قويًا على تطور الصراع في إفريقيا الوسطى، ومنها: هشاشة مؤسسات الدولة، وفشل جهود دمقرطة البلاد، وانتشار وتمدد المجموعات المسلحة، وغياب الحوار والتفاهم بين النظام والمعارضة، وغير ذلك.

الصراع في إفريقيا الوسطى: المسار واللاعبون
منذ انقلاب فرانسوا بوزيزي سنة 2003 على الرئيس آنج فيليكس باتاسي دخلت إفريقيا الوسطى في دوامة من العنف بلغت منعرجًا حاسمًا في ديسمبر/كانون الأول 2012 حين أطاحت جماعة "السيلكا"، وتعني التحالف بلغة "السانغو" بالرئيس بوزيزي، وتم تنصيب ميشيل ديوتوديا مكانه؛ فبدأ الصراع الدموي بشكل غير مسبوق بين السليكا وبين ميليشيات جديدة برزت على الساحة، تحت مسمى "أنتي بلاكا" وتعني من لا تصيبهم المناجل، وهم من أنصر الرئيس المطاح به بوزيزي.

تعدد اللاعبون في الصراع بإفريقيا الوسطى بدءًا بالميليشيات المحلية ومرورًا بقوات إفريقية تنتمي لقوات الميسكا التي تعمل تحت إمرة الاتحاد الإفريقي، وانتهاء بالقوات الفرنسية التي دخلت تحت إفريقيا الوسطى مسمى "عملية سنغاريس"، وظاهريًا تهدف عملية سنغاريس العسكرية الفرنسية إلى حماية الفرنسيين المقيمين بإفريقيا الوسطى وإلى دعم قوات "الميسكا"، غير أن الواضح أن لها أهدافًا واسعة وأعمق، وهي تكريس الوجود الفرنسي في مستعمرتها السابقة. كما يوجد حوالي 100 عنصر من القوات الخاصة الأميركية على تراب إفريقيا الوسطى لملاحقة عناصر جيش الرب الأوغندي المقيمين في جنوب شرق البلاد في عملية تنسيق أميركي مع الجيش الأوغندي.

حالة أمنية متدهورة قد تؤول إلى وضع أخطر
خلق الصراع الراهن حالة أمنية متدهورة وحالة إنسانية صعبة، وقد كان المتضرر الأساسي هو الأقلية المسلمة. ومن المفارقات أن المسلمين كانوا هم المسيطرين على أغلب تجارة البلاد من استيراد وتصدير وخصوصًا المواد الغذائية. وقد أثّر تهجيرهم القسري من البلاد وخصوصًا من بانغي على الحياة اليومية للناس.

ومن المحتمل أن تعرف البلاد انزياحًا نحو مزيد من العنف بل قد تجعل الجماعات الجهادية المقربة من تنظيم القاعدة من إفريقيا الوسطى هدفًا لها وساحة من ساحات نشاطاتها. فإذا علمنا أن جماعة بوكو حرام قد أعلنت في شهر فبراير/شباط 2014 أنها لن تسكت عما يحدث للمسلمين في إفريقيا الوسطى، وإذا علمنا أيضًا أن أماكن وجود جماعة بوكو حرام في شمال نيجيريا يبعد أقل من 600 كلم من الحدود مع إفريقيا الوسطى فإن احتمال أن يتحول هذا الفضاء إلى أحد فضاءات النشاط الجهادي المتشدد أمر محتمل. كما أن حركة الشباب المجاهدين في الصومال تقع غير بعيد إلى الشرق من إفريقيا الوسطى، وكون المواجهات في هذه البلد قد اتخذت مظهرًا دينيًا فقد تجد هذه التنظيمات الجهادية في ميدان إفريقيا الوسطى السهل الاختراق والمتشرذم، ميدانًا مناسبًا.

ومن الاحتمالات الواردة أن يمتد الصراع في إفريقيا الوسطى إلى الدول المجاورة علمًا بأن محافظات الدولة الست عشرة لها حدود مع الدول المجاورة، وخمسًا من الدول الست المحاذية لإفريقيا الوسطى عرفت -وما زالت تعرف- صراعات. عدا الكاميرون، ومن السهل أن يصل إليها بعض العنف المتصاعد في إفريقيا الوسطى.

ومن المحتمل كذلك أن تتجه البلاد نحو واقع جديد يطرح قضية انفصال الشمال المسلم عن الجنوب المسيحي في ظل تلاشي قدرة العاصمة بانغي على الحفاظ على الحوزة الترابية، وتكاثر الفصائل المسلحة وتعمق الصدام الديني والقبلي.

ولعل أبرز الفاعلين العسكريين الآن بإفريقيا الوسطى هو فرنسا، والواضح أن مستقبل فرنسا في إفريقيا الوسطى مستقبل غير مطمئن؛ ففرنسا أطلقت على عمليتها العسكرية بإفريقيا الوسطى تسمية: سانغاريس (Sangaris) ويعني نوعًا من الفراشات الإفريقية، والتقدير الفرنسي أن الدلالة المفهومة من معنى فراشات سانغاري أي سرعة الحركة والخفة هو ما ستكون عليه عمليتهم العسكرية؛ إذ عليها أن تحقق نصرًا سريعًا وتعود، وقد حددت فرنسا لهذه العملية العسكرية ثلاثة أشهر، كما قدّر الفرنسيون أن ستة أشهر كفيلة بعودة الأمن إلى البلاد، ويبدو أن التقدير الفرنسي كان خاطئًا في التقديرين؛ فانزلاق البلاد نحو مزيد من العنف، وأخذ هذا العنف طابعًا دينيًا ونزوح الكثير من المسلمين إلى الدول المجاورة جعل فرنسا تواجه مشكلاً مستعصيًا، بل غيرت رأيها فيما يتعلق ببقاء قواتها بإفريقيا الوسطى واستجابت لطلب الرئيسة كاترين بانزا ببقاء القوات الفرنسية حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في فبراير/شباط 2015.

ولا شك أن الفرنسيين قد فشلوا في مهمتهم بدليل القتل اليومي الذي يتعرض له المدنيون المسلمون في بانغي وغيرها، وقد بدأت كراهية فرنسا تظهر عند بعض سكان إفريقيا الوسطى وخصوصًا من المسلمين ممن رأوا الوجود الفرنسي يغض الطرف عن المجازر التي يقوم بها المسيحيون ضد المسلمين.
___________________________
سيدي أحمد ولد أحمد سالم – باحث بمركز الجزيرة للدراسات