(الجزيرة) |
مرَّت العلاقة الاستراتيجية التي كانت تربط إيران بحركة حماس بأزمة كبيرة إثر موقف الحركة المؤيد للثورة السورية في مواجهة بطش وطغيان النظام الذي بدوره حصل على دعم إيراني كبير، وحاول أن يحصل على دعم قوى الممانعة التي كانت تعمل ضمن محور واحد قبل الثورة.
وجاء ذلك في ضوء موجة الثورات العربية؛ حيث حاولت حماس أن تحافظ على موقف متوازن من هذا الوضع يحفظ قيمها ومبادئها المنحازة للشعوب ولا ينزلق بعلاقاتها الرسمية مع الدول نحو تأييد قمعها للثورات، وذلك سعيًا للحفاظ على موقف متوازن في هذا الاتجاه لأن القضية تهم كل الأمة العربية والإسلامية.
وعلى هذا الأساس تضررت العلاقة مع إيران في الوقت الذي احتاجت فيه الحركة للدعم العسكري والمالي في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وعلى الأخص عدوان 2014.
كما حاولت الحركة موازنة علاقاتها بإيران مع بقية الدول العربية وأهمها السعودية، في وقت تعمل فيه إيران على تسوية ملفها النووي مع الغرب.
ولمناقشة هذا الموضوع، استضاف مركز الجزيرة للدراسات، الأربعاء 9 سبتمبر/أيلول، السيد/ أسامة حمدان، مسؤول العلاقات الخارجية لحركة حماس، في حلقة نقاشية مغلقة تناولت "مستقبل العلاقة بين إيران وحركة حماس".
البيئة السياسية
تحدث الضيف والباحثون عن البيئة السياسية التي تعيشها الحركة، والتي وُصفت بالسيولة نظرًا للمؤشرات التالية:
-
المعادلات غير المستقرة فيها.
-
تحوُّل وتغيُّر تركيبات الماضي فيها ليسفر عن مشاكل وانقسامات على أُسس عِرقية ودينية.
-
تغير أولويات السياسة الخارجية لأقطاب المنطقة العربية، فبعد أن كانت فلسطين هي الأولوية في السياسة، أصبحت في ذيل هذه الأولويات أو أنها غير ذات أولوية بالمرة.
وقال القيادي بحماس: إنه من الأفضل في ظل هذه المتغيرات أن لا تتشكل المعادلات على أساس الانقسام العِرقي أو الطائفي كما حصل التفكيك الذي أوجده اتفاق سايكس-بيكو في المنطقة والذي انفجر فيما بعد، مشيرًا إلى أن الأساس في بناء العلاقات هو الشراكة وليس التفرد أو الهيمنة حسب رؤية حماس.
الشراكة وليس التفرد
أضاف مسؤول العلاقات الخارجية بحماس: أنه على أساس الشراكة يجري حل الإشكالات التي تنشأ شريطة أن تكون هذه الشراكة على أساس العدل وتكافؤ الفرص وعدم الاستقواء بأطراف خارجية.
وقال حمدان: إن هناك ثلاثة مستويات في بناء العلاقة حسبما ترى الحركة:
-
أولاً: أن تكون جزءًا من إنهاء حالة الانقسام في المنطقة والتي لا يستفيد منها إلا العدو.
-
ثانيًا: العقبات والمشاكل التي تنشأ، تكون مهمة الأطراف القائمة على العلاقة لإيجاد حلول لها، وليس استغلالها لتصفية الحسابات بين الطرفين.
-
ثالثًا: إذا لم يكن هناك إمكانية لوجود شراكة، فلا أقل من إبعاد القضية الفلسطينية عن الانقسامات.
ونوَّه حمدان إلى أن تجاوز الحقوق والمطالب بالنسبة لنا أو للشعوب حولنا هو خط أحمر، وعليه يكون لنا موقف منه كما حصل في ثورات سوريا ومصر واليمن وليبيا، وأن اتخاذ الموقف شيء وإنهاء الشراكة شيء آخر.
تطور العلاقة
ناقش حمدان مع الباحثين تطور العلاقة مع إيران التي قال: إنها بدأت في العام 1991، وتم افتتاح مكتب للحركة في طهران في مارس/آذار 1992، وبالتالي، فإن العلاقة قديمة، وإنها كانت تنمو باطِّراد. وشهدت هذه العلاقة قفزة كبيرة بعد فوز حركة حماس بالانتخابات النيابية عام 2006؛ حيث قال حمدان: إن طهران وقفت مع الحكومة المنتخبة بكل قوة وساندتها سياسيًّا وماليَّا وعسكريًّا.
وفي أعقاب الثورة السورية عام 2011، وخروج الحركة من دمشق واتخاذها موقفًا حاسمًا في دعم الثورة، وإثر استنفاد محاولات النصح للنظام بضرورة احترام إرادة الشعب السوري والاستجابة لمطالبه العادلة، تراجع الموقف الإيراني من الحركة.
وخرجت حماس بعد عام من انطلاق الثورة السورية من دمشق، وهو ما أثار غضب طهران فعمدت إلى تقليص الدعم للحركة في محاولة للتأثير على موقفها.
ورأى الباحثون أنه بعد حرب عام 2014، بدا الطرفان راغبيْن في تجاوز الخلاف بينهما في ظل متغيرات إقليمية في المنطقة؛ حيث دفع الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، طهران إلى تأكيد علاقاتها في المنطقة حتى لا يُفهم أنها ذهبت بعيدًا في هذه العلاقة.
وبالنسبة لحماس، فقد بقيت بحاجة للدعم الإيراني في ضوء استمرار التهديدات الإسرائيلية والرغبة في التصدي لها عسكريًّا.
ورأت حماس أنها محتاجة للدعم في بيئة إقليمية متقلبة حتى لا يتعرض برنامجها المقاوِم للإرباك خصوصًا أنه مشروع استراتيجي.
كما حاولت من خلال استمرار العلاقة مع طهران، منع سقوط المنطقة في براثن فتنة مذهبية، أو محاولة تحجيمها على الأقل.
وقال حمدان: إن قراءتنا للجغرافية السياسية تقول: إن الكيانات المجتمعية عاشت قرونًا إلى جانب بعضها البعض، وإنه لذلك يجب التفكير للمستقبل لا أن نملأ المنطقة بالجروح.
العلاقات العربية وإيران
وعن تأثير العلاقة مع السعودية على العلاقة مع طهران، قال المسؤول بحماس: إن العلاقة مع الرياض بدأت منذ 1989 وتعرضت في فترات للاهتزاز منذ العام 2009 وحتى زيارة مشعل لجدة هذا العام. ونوَّه حمدان إلى أن العلاقة ليست بديلًا ولن تكون على حساب العلاقة مع إيران، مشيرًا إلى أن علاقات الحركة ليست محسوبة على أحد حتى لو لم يؤدِّ التوازن في العلاقات إلى تحقيق الاستفادة الكاملة من العلاقة مع طرف واحد فقط.
وقال حمدان: إن الحركة تحتفظ بعلاقات مع كل من إيران وقطر وتركيا والسعودية وغيرها.
أمَّا عن الاتفاق النووي الإيراني، فتوصل الباحثون إلى أنَّه من المبكر أن يؤثر على شكل العلاقة مع طهران، وأن هذا الموقف لابد أن يتم قراءته ضمن سُلَّم أولويات القيادة الإيرانية وتأثير الأوضاع الداخلية في ذلك.
وأشار الباحثون إلى أن هناك جملة من القضايا داخل إيران لا يزال حراسها في مواقع السلطة الأساسية، ومن ضمن هذه القضايا القضية الفلسطينية.
وقال الباحثون: إن الطرفين مضطران للقبول بمبدأ الشراكة بينهما مع مسؤوليتهما في معالجة الاختلالات التي تنشأ بينهما.
الخلاصة
رأى القيادي بحماس، أسامة حمدان: إن العلاقة مع إيران تأثرت بالتغيرات الإقليمية والدولية، مشيرًا إلى أن حركته رأت أنه من الأفضل في ظل هذه المتغيرات أن لا تتشكل المعادلات على أساس الانقسام العرقي أو الطائفي.
وقال: إن أساس علاقات الحركة بُني على الشراكة وحل الإشكالات التي تنشأ في العلاقات على أساس العدل وتكافؤ الفرص وعدم الاستقواء بأطراف خارجية. وأضاف: إن الحركة وازنت في علاقاتها بين إيران وبقية الدول ولم تدخل في تحالف ضد أي تحالف آخر.
ورأى الباحثون أنه بعد حرب عام 2014، بدا الطرفان راغبيْن في تجاوز الخلاف بينهما في ظلِّ متغيرات إقليمية في المنطقة؛ حيث دفع الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، طهران إلى تأكيد علاقاتها في المنطقة حتى لا يُفهم أنها ذهبت بعيدًا في هذه العلاقة.
_______________________________
ماجد أبو دياك - باحث في مركز الجزيرة للدراسات