حلقة نقاشية: المعارضة المصرية: الخيارات وآفاق المستقبل

201622472245477734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
أصبح التأزم في المشهد السياسي المصري باديًا للعيان دون أن يكون هناك بوادر انفراج يُخرِج البلد من أزمتها التي تعمَّقت بعد انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013.

وفي ظل فشل سياسي واقتصادي لحكم عبد الفتاح السيسي وتفشي القمع ومصادرة الحريات والزجِّ بالخصوم في غياهب السجون، فقد تم إغلاق الحوار مع قوى الثورة والمعارضة، ومطاردة حركة الإخوان المسلمين وتصنيفها كجماعة إرهابية.

وفي المقابل، هناك حالة تأزُّم لدى المعارضة التي فشلت حتى الآن في الاتفاق على رؤية موحَّدة للتعامل مع النظام وإعادة الاعتبار لثورة 25 يناير/كانون الثاني.

وأمام هذه الحالة كان لمركز الجزيرة للدراسات، إسهامٌ في توصيف الواقع واقتراح حلول عمليَّة للخروج منه من خلال إقامة حلقة نقاشية مغلقة، استضاف فيها بعض شخصيات الثورة والمعارضة.

وحملت الحلقة المغلقة عنوان: "المعارضة المصرية: الخيارات وآفاق المستقبل"، وكان ضيوفها: الدكتور طارق الزمر رئيس حزب البناء والتنمية المصري، والأستاذ وائل قنديل الكاتب الصحفي، ومحمود عفيفي قيادي في تيار الشراكة الوطنية.

مقدمة

افتتح الباحثون الحلقة بالحديث عن واقع حكم عبد الفتاح السيسي، وقالوا إنه يواجه حالة إخفاق وفشل على كل المستويات بدون حتى أن تتدخل المعارضة. وأكدوا أن النظام قسَّم المجتمع ومزَّقه، وحاول تمزيق وتفتيت القوى الثورية والمعارضة.

ومن معالم التفتيت التي مارسها النظام -حسب الباحثين- تعبئة المؤسسات في الدولة (وعلى الأخص الجيش) ضد الإخوان المسلمين، وكذلك محاولة تصنيفهم كقوة إرهابية، واستعداء المكوِّنات الوطنية ضدهم، فضلًا عن استغلال حالة الحرب على الإرهاب لشنِّ حرب شعواء على الإخوان والزج بهم في السجون.

وعمد النظام كذلك إلى ممارسة أساليب البطش والتعذيب والإخفاء القسري ضد المعارضين؛ وذلك بهدف منع المعارضة من التخطيط لبديل ثوري عن النظام.

كما حاول النظام التحالف مع الأقباط ضد القوى الثورية الأخرى، الأمر الذي أثار النعرة الطائفية في البلاد.

واتسعت رقعة المعارضة والرفض لممارسات النظام حتى من داخل صفوف ومكوِّنات حركة 30 يونيو/حزيران التي أطاحت بالرئيس محمد مرسي وحكومته.

وأدى مسار النظام إلى المزيد من التدهور نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب، وهذا ما زاده عزلة وتأزمًا، وجعله أكثر اعتمادًا على قوَّة الدولة الخشنة بأكثر من أي شيء آخر.

ولكن هل نجحت المعارضة أمام تغوُّل النظام أن تجتمع فيما بينها، وتُعِدَّ برنامجًا بقواسم وطنية مشتركة؟

التأثر والتأثير

وتطرق الباحثون إلى نجاح النظام في استقطاب بعض القوى، ومناداة البعض الآخر بعمليات إصلاحية تجميليَّة في مؤسسات النظام دون الحاجة لإفشاله وإسقاطه.

وحاولت الحلقة الإجابة على سؤال مهم، وهو: هل يمكن للمعارضة سواء أكانت في الداخل أم في الخارج أن تؤثِّر على بنية النظام الحالي؟

واتفق الباحثون على أن عمليات الإصلاح والتجميل غير ممكنة في نظام قالوا إنه "فاسد"، وأن محاولة الإصلاح هي سقوط في شِراك النظام الحالي، ومدُّ حبل النجاة له فيما يقف في أسوأ حالاته.

وحسب الباحثين، فإنَّ القوى المعارضة غير متفقة على هذا المنهج، والغالبية منها ترى أن الثورة لم تستكمل بعدُ.

ورأى الباحثون أن القوى الثورية لم تنجح حتى الآن في الاتفاق على رؤية جامعة للمستقبل، وتشكيل برنامج وطني يجتمع عليه الفُرقاء؛ للتعامل مع الوضع الحالي، وتحديد تصور لمستقبل الدولة المصرية وهويتها.

ومن هنا بدأ النقاش يتبلور حول هذه الرؤية ومعوِّقاتها، خصوصًا في ظل التباعد بين مواقف الكتل والشخصيات السياسية.

مسؤولية الإخوان المسلمين

دار نقاش حول مسؤولية جماعة الإخوان المسلمين في عجز القوى الثورية عن التوصل لاتفاق جامع فيما بينها للمرحلة المقبلة.

وشهدت هذه الجماعة في الآونة الأخيرة انشقاقات وتبادل للاتهامات فيما بين رموزها وقادتها، جعلها تنكفئ على نفسها أمام حالة الاستهداف من طرف النظام.

ورأى الباحثون أن الجماعة -التي يفترض بها أن تقود المعارضة والمجموع الثوري بحكم قوتها وشعبيتها- هي الأخرى ضحية للنظام وممارساته القمعية بحق كوادرها.

غير أن مجموع الباحثين رأوا أنها لا تزال تتحمل مسؤولية عن الوضع السلبي للمعارضة؛ لأنها لم تبادر إلى جمع هذه المعارضة على برنامج وطني، بل وأسهمت مع قوى إسلامية أخرى في الانقسام الحاصل بين هذه القوى من خلال رفع شعار أسلمة الثورة، ومحاولة الاستحواذ عليها عندما كانت في الحكم.

على أن ذلك لا يمنع -حسب الباحثين- من الاستمرار في المطالبة بعودة الشرعية المغتصبة، ومساندة الدكتور محمد مرسي كأول رئيس منتخب ديمقراطيًّا في محنته في السجون المصرية.

برنامج وطني للمعارضة

وبالعودة إلى إخفاق القوى الثورية والمعارضة حتى الآن في تشكيل كيان جامع يوحِّد القوى والتيارات المدافعة عن أهداف ومطالب ثورة يناير/كانون الثاني، والساعية لاستعادة المسار الديمقراطي في البلاد، فقد طرح الباحثون تساؤلات حول قدرة المعارضة على توحيد صفوفها وطرح البديل الديمقراطي الذي يقنع جموع المصريين، وينال ثقتهم ويقنعهم بضرورة إنهاء الحكم الاستبدادي الراهن.

ورأى الباحثون أن قوى الثورة والمعارضة قادرة -لو أرادت- على توحيد صفوفها وتناسي خلافاتها بالاتفاق على برنامج جامع لاستعادة المسار الديمقراطي للبلاد.

وبادر العديد من الباحثين إلى طرح بدائل وبرنامج ثوري في مواجهة النظام، ضمن المتطلبات التالية:

  1. الخروج من حالة التقوقع داخل كيانات ومؤسسات المعارضة، وتجاوز خلافات الماضي.
  2. استيعاب كافة القوى والتيارات المعارضة، وتجاوز حالة الإقصاء التي يمارسها البعض تحت مبررات متعددة.
  3. تجسير الهوَّة بين الجماهير والكيانات السياسية المعارضة.
  4. ضرورة تحديد قوى الثورة والمعارضة لأهدافها وغاياتها في المرحلة المقبلة.
  5. الاستراتيجية العامة هي الثورة الشعبية السلميَّة وليس العنف.

وفي سبيل الاتفاق على هذا البرنامج، فإنَّ الباحثين اتفقوا على ضرورة الحوار الجاد بين كافة القوى؛ لإنجاز إطار جامع يشمل جميع هذه الكيانات بحيث ينجز برنامجًا وطنيًّا في المرحلة المقبلة يشمل كذلك إدارة الوضع في حال نجاح الثورة.

وأكد الباحثون في هذا السياق أن خلافات جماعة الإخوان المسلمين التي تشكِّل عصب المعارضة لابُدَّ من حلها كخطوة للاتفاق على البرنامج الوطني على أن يشمل هذا البرنامج جميع فئات المجتمع بمن فيهم الأقباط، وحرمان النظام من الاستفراد بهم ووضعهم في صفِّه في مواجهة الثورة؛ لحرمان النظام من هذه الميزة.

وطالب المشاركون قوى الثورة والمعارضة بأن تطوِّر رؤية مرنة للتعامل مع المحيط الإقليمي والدولي، وذلك في إطار مصالحة مجتمعية وتصور للعدالة الاجتماعية تضع الجميع في بوتقة ثورية واحدة.

خاتمة

وخلصت الحلقة النقاشية المغلقة إلى أن نظام عبد الفتاح السيسي يواجه حالة إخفاق وفشل سياسي واقتصادي بعد تبنِّيه سياسة أمنية صارمة تجاه خصومه ومعارضيه دون أن يتمكن من بلورة مشروع لقيادة البلاد وتحقيق الإنجازات التي وعد بها عام 2013 والتي استند إليها الانقلاب.

وأشار الباحثون إلى أن النظام نجح مع ذلك في تفتيت المعارضة وتقسيم المجتمع وتمزيقه من خلال اتهام الإخوان المسلمين بالإرهابيين، والتحالف مع الأقباط واستيعاب بعض القوى والشخصيات.

ورغم أن الباحثين أكدوا أن المعارضة فشلت حتى الآن في تشكيل تحدٍّ أساسي أمام النظام من خلال عدم تبنيها لمشروع مشترك لاستعادة ثورة 25 يناير/كانون الثاني، إلا أنهم قالوا: إن المعارضة قادرة لو أرادت على تبني هذا المشروع.

وقالوا: إن المطلوب من المعارضة توحيد صفوفها، وتحديد أهدافها وغاياتها في المرحلة المقبلة، وتجاوز حالة الإقصاء والخلافات حتى داخل التنظيم الواحد.

وأكدوا أن بلورة مشروع وطني مشترك في مواجهة النظام يتطلب بلورة نظام للعدالة الاجتماعية، وخطاب مناسب للقوى الإقليمية والدولية؛ حتى تتمكن الثورة من استعادة أهداف ثورة 25 يناير/كانون الثاني.
__________________________________
ماجد أبو دياك - باحث في مركز الجزيرة للدراسات.