من اليمين: د. فاطمة الصمادي، باحث أول بمركز الجزيرة للدراسات، ود.على رضا مير يوسفي، رئيس معهد السياسة والعلاقات الدولية في طهران، وجابر الحرمي، رئيس تحرير صحيفة الشرق القطرية، بالإضافة إلى د. أسامة أبو أرشيد، باحث غير متفرغ بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في واشنطن، مختص في العلاقات الدولية. (الجزيرة) |
ملخص والخلاصة كانت أن انشغال العرب والإيرانيين بأنفسهم يجعل إسرائيل المستفيد النهائي مما يجري. |
مقدمة
وفي الندوة التي جرت الخميس، الموافق 12 فبراير/شباط 2016، بعنوان "العرب وإيران: إشكاليات العلاقة" تحدَّث كل من: د. فاطمة الصمادي، باحث أول بمركز الجزيرة للدراسات، ود. على رضا مير يوسفي، رئيس معهد السياسة والعلاقات الدولية في طهران، وجابر الحرمي، رئيس تحرير صحيفة الشرق القطرية، بالإضافة إلى د. أسامة أبو أرشيد، باحث غير متفرغ بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في واشنطن، مختص في العلاقات الدولية.
وفيما استعرضت الباحثة الصمادي نتائج الاستطلاع الذي أجراه المركز بعنوان "قراءة في مواقف النخبة العربية تجاه إيران" والذي خلص إلى أن مستوى العلاقة مع إيران سيئ، وأن 89% من المستطلعة آراؤهم دعوا لتحسين العلاقات مع إيران بسبب وجود أرضية مشتركة دينيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا؛ فقد دعا يوسفي إلى تفهم السياسة الإقليمية لإيران والتي ترفض التدخل الأجنبي في حل النزاعات.
واتهم الحرمي إيران بمحاولة زعزعة استقرار الخليج من خلال الخلايا التخريبية التي ترعاها، ودعاها إلى ترشيد سياساتها تجاه العالم العربي، فيما دعاها الباحث أبو أرشيد للتمسك بمنظومة قيمية واحدة تجاه كل القضايا التي تتعامل معها، واعتبر أن انشغال العرب والإيرانيين بأنفسهم يجعل إسرائيل المستفيد النهائي مما يجري.
علاقة سيئة
واستهلت الباحثة الصمادي الندوة بتلخيص أهم مخرجات استطلاع مركز الجزيرة بعنوان "قراءة في مواقف النخبة العربية تجاه إيران"، وركَّزت على المخرجات التالية:
-
مستوى العلاقات العربية-الإيرانية (على كافة الصعد) سيئ؛ حيث رأى 90% من المستطلعين أن هذا المستوى أسوأ مما كان عليه قبل الثورات العربية، وأنه يتجه إلى أن يكون أسوأ.
-
أسباب هذا التدهور تعود إلى الصراع على الدور السياسي والنفوذ، وتدخل إيران في شؤون الدول العربية، فضلًا عن المشكلة الطائفية بين الطرفين.
-
88% من المستطلعين قالوا: إن إيران تستخدم القضية الفلسطينية لتعزيز دورها، و90% قالوا: إن تقاعس الأنظمة العربية عن دعم القضية الفلسطينية عزَّز من النفوذ الإيراني.
-
لم يَرَ الغالبية العظمى أن إيران تشكِّل نموذجًا يُحتَذَى في العالم العربي لأنها تدخلت سياسيًّا وعسكريًّا لدعم الاستبداد وضد الثورات العربية التي اعتبرتها مهددة لمشروعها.
-
هناك مخاوف من تصاعد الخلاف الطائفي إلى حرب في المنطقة، والتقدير العام أن هذا الصراع يصب في مصلحة إسرائيل.
-
هناك دعوة قوية (89% من المستطلَعين) لتحسين العلاقات مع إيران استنادًا إلى الأرضية المشتركة بين العرب وبينها في الأطر الدينية والثقافية والسياسية.
تفهُّم السياسات الإيرانية
وفي محاولة منه لرؤية الموضوع من وجهة نظر إيرانية، قال الدكتور يوسفي: إن إيران دولة كبيرة على مستوى المنطقة ولديها أكبر عدد من السكان المتعلِّمين وأكبر قوة دفاعية عسكرية فضلًا عن دورها ومكانتها الجيوسياسية، مقارنة بالعرب الذين عجزوا عن تحقيق هذه المكانة.
واعتبر يوسفي أن العلاقات الإيرانية-العربية مرَّت بمراحل متعددة، لكنها اليوم تمر بمرحلة دقيقة ناتجة عن عدم فهم الجانب العربي مكانة إيران الإقليمية التي تؤهِّلها لتأسيس استقرار حقيقي في المنطقة بعيدًا عن التدخل الخارجي. ورأى أن السبب الأبرز في تدهور علاقات إيران بالجانب العربي اليوم هو القضية السورية التي يحاول العرب السماح لكل القوى الإقليمية والدولية بالتدخل فيها، ويعقدون مؤتمرات هنا وهناك، في الوقت الذي يرفضون فيه السماح لإيران بلعب أي دور.
كما كان لرئيس معهد السياسة والعلاقات الدولية في طهران رأي مغاير لما ورد في الاستطلاع بشأن الدور السلبي لإيران في المنطقة، وقال: إن إيران تريد الاستقرار وتدعو إليه، وإن تدخلها في سوريا جاء في هذا الإطار، وقال: إن طهران رفضت التدخل الأميركي وغيره في سوريا وطرحت خطة بديلة للحل تقود إلى انتخابات عامة بمراقبة دولية.
وخلص يوسفي إلى القول: إن السلام يأتي نتيجة للتفاوض وليس من خلال فرض تغيير النظام.
تصدير الثورة
ولكن الحرمي الذي ركَّز على الثورة الإيرانية منذ انتصارها عام 1979 لخَّص مشكلة العرب مع إيران بسبب عملها على تصدير الثورة بعد أن انتهى دور شرطي الخليج في عهد الشاه.
وقال رئيس تحرير الشرق القطرية: إن إيران بادرت بزرع خلايا تخريبية في الخليج العربي بهدف محاولة زعزعة استقرار الدول الخليجية ما أدَّى إلى تدهور العلاقات بين الطرفين.
ونوَّه الحرمي إلى أن جميع الدول الخليجية رحَّبت بالاتفاق النووي الإيراني مع الغرب وكانت تأمل بأن يتم بناء الثقة في المنطقة، ولكن إيران استمرت بسياسات الهيمنة فصرَّح بعض مسؤوليها بأن هناك أربع عواصم عربية سقطت بيد طهران، التي قال إنها أوغلت في دماء السُّنَّة في سوريا لصالح نظام قمعي وهو نظام بشار الأسد.
ولفت الحرمي إلى أن عدد الدول العربية التي لها علاقات مستقرة مع إيران محدود جدًّا، وأن نظرة الجماهير العربية لإيران تزداد سوءًا. ولكنه دعا في الوقت ذاته إلى ترشيد السياسات الإيرانية تجاه العالم العربي، مشيرًا إلى أنه ليس من صالح المنطقة استمرار الاحتقان والحروب.
منظومة قيمية واحدة
وناقش أبو أرشيد السياسات الإيرانية بشكل شامل سواء مع العرب أو الغرب، ولفت الأنظار إلى ثلاث قضايا أساسية، وهي:
-
الأولى: محاولة تصديرها للثورة بمضمونها الشيعي.
-
الثانية: مساندتها للنظام السوري في حربه ضد شعبه.
-
الثالثة: محاولة ترتيب أوراقها مع الغرب.
وانتقد الباحث بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في واشنطن المواقف العربية تجاه القضايا الأساسية في المنطقة بين التشتت والتخاذل والخيانة، ولكنه رأى أن محاولة تصدير الثورة الإيرانية في محيط سُنِّي خلق مشكلة كبيرة في المنطقة، كما أن مساندة إيران للنظام السوري على حساب شعبه ضرب مشروعها الرسالي ومنظومتها الأخلاقية التي قامت على نصرة الضعيف. وقال: إن تخليها في هذا الإطار عن دعم حماس والجهاد الإسلامي بسبب مواقفهما مما يجري في سوريا أو اليمن يضع علامات استفهام حول دعمها للمقاومة الفلسطينية في مواجهة إسرائيل، بل إنها (طهران) انشغلت مع العرب في مواقف متباينة مما يجري في المنطقة، وكانت إسرائيل هي المستفيد الأول مما يجري.
واستعرض أبو أرشيد بعض المواقف الأميركية من طهران، وخلص إلى القول: إنه يتم الآن إعادة تأهيل إيران لتكون أقرب بشكل أكبر من السعودية إلى الغرب، وخصوصًا بعد الاتفاق النووي الإيراني-الغربي.
واختتم أبو أرشيد مداخلته بمطالبة طهران بمنظومة قيمية واحدة تجاه كل القضايا التي تتعامل معها.
الخلاصة
رسمت الندوة صورة للعلاقات العربية-الإيرانية، والتي تبدو الآن في أسوأ مراحلها بسبب التدخل الإيراني في المنطقة ودعم النظام السوري ضد شعبها وتدخلها في اليمن والبحرين.
وأكَّد الباحثون على أن تدهور هذه العلاقة سيستمر ما لم تغيِّر إيران من مواقفها وترشِّد سياساتها تجاه المنطقة، وشدَّدوا على أن هذا الأمر يمكن أن يتحقق بسبب وجود أرضية مشتركة دينيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا.
ولم تَغِبْ إسرائيل عن صلب الحوار؛ إذ رأى المتداخلون أنها المستفيد الأول مما يحصل من خلافات وممارسات في المنطقة، وأن استعار هذا الخلاف سيعزِّز من مكاسبها.
___________________________________
ماجد أبو دياك - باحث في مركز الجزيرة للدراسات.