قضية للمناقشة: ماذا بعد مفاوضات جنيف؟

9bdc3d08dbec4b55a445a1a5ff9fcfc8_18.jpg
من اليمين: سليمان العقيلي، رياض نعسان آغا، ومقدم الندوة المذيع أيمن عزام (الجزيرة)

نظَّم مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر ندوة (قضية للمناقشة) بعنوان "ماذا بعد مفاوضات جنيف؟"؛ تناولت راهن الأزمة السورية ومستقبل التسوية السياسية وفرص نجاح المفاوضات والتداعيات المحتملة لفشلها، في سياق الغموض والشكوك اللذين يحيطان بمُخْرَجات مفاوضات جنيف3؛ التي استمرت 10 أيام خلال الفترة الممتدة من 14 إلى 23 مارس/آذار 2016، وذلك بعد جولات سابقة بدءًا بجنيف1 في 30 يونيو/حزيران 2012، ثم جنيف2 في 22-25 مارس/آذار 2014، ومبادرات أخرى كثيرة لم تؤدِّ إلى إنهاء الأزمة منذ خروج السوريين إلى الشوارع مطالبين بالحرية والكرامة قبل أكثر من خمسة أعوام.

ويثير استعصاء هذه الأزمة أسئلة كثيرة بشأن مصير المفاوضات وضمانات نجاحها في ظل المتغيرات العسكرية والسياسية المتسارعة في الساحة السورية والإقليمية والدولية، لاسيما بعد التفاهمات الروسية-الأميركية بشأن الحل وإقرار الهدنة والانسحاب الروسي الجزئي من سوريا. وقد كانت هذه القضايا مثار النقاش في الندوة؛ التي انعقدت بمسرح مركز الجزيرة الإعلامي للتدريب والتطوير، يوم الثلاثاء 5 إبريل/نيسان 2016، وشارك فيها رياض نعسان آغا، عضو الهيئة العليا للمفاوضات عن المعارضة السورية، والكاتب والمحلِّل السياسي سليمان العقيلي، والمحلِّل السياسي يفغيني سيدروف، بحضور مجموعة من وسائل الإعلام العربية والدولية وبعض قادة الفكر والرأي والدبلوماسيين.

آغا: رحيل الأسد مفتاح الحل للقضية السورية

استهل رياض نعسان آغا، عضو الهيئة العليا للمفاوضات عن المعارضة السورية، مداخلته بالتحفظ على استخدام مصطلح الأزمة السورية، مُشدِّدًا على ضرورة تسميتها بـ"القضية السورية"؛ التي يعتبرها "ثورة تاريخية لا مثيل لها حتى في الثورات الشهيرة، مثل: الثورة الفرنسية، فلم نسمع أن نصف الشعب الفرنسي هاجر. نحن أمام حالة تكاد تكون معجزة؛ فالقضية الفلسطينية على ضخامتها لم تشهد ما آلَتْ إليه القضية السورية؛ فقد أصبحت محور العمل السياسي العالمي والدولي". وأمام الوضع الراهن الذي تعيشه القضية السورية، انتقد آغا المجتمع الدولي الذي يقف عاجزًا متردِّدًا لا يعرف كيف يجد حلًّا لمشكلة دخلت عامها السادس ودمها يتدفق في دول الجوار، وقال: "من الصعب أن تتخيَّل أن دولًا ذات شأن في العالم تقف لمساندة القتل والتدمير، بل تشارك فيه"، مُتسائِلًا: "لا أدرى لماذا تأتي روسيا لكي تقتل الشعب السوري!! وماذا تريد روسيا من السوريين؟ لماذا تتشبَّث بالرجل وتضحِّي بشعب كامل من أجله؟ أمَّا إيران فالعجب العجاب فهي ترفع راية الإسلام ولكنها لا تزال تبحث عن قاتلٍ قتل الحسين قبل 14 قرنًا وترفع راية الثأر عندما دخلت القصير! ممن الثأر؟".

ولاحظ آغا أن قرار مجلس الأمن 2254، الذي يحدِّد خارطة طريق لعملية الانتقال السياسي في سوريا، كان بلا أصابع، بل بلا أذرع فـ"إِنْ شِئْتَ قبلته وإِنْ شِئْتَ رفضته، وحَمَلَ ما يمكن تسميته بالقوة الناعمة والناعمة جدًّا"؛ موضحًا أن "الطريق شبه مسدودة ولدينا شكوى من غموض لا نفهمه مما يتم الاتفاق عليه بين الولايات المتحدة وروسيا". وبشأن مصير بشار الأسد، أكَّد المتحدث أن حلَّ هذه المشكلة يمثِّل مفتاح الحل، "ولا حلَّ على الإطلاق ما دام الأسد موجودًا؛ فالمفاوضات حتى لو وصلت إلى جولتها 15 والأسد موجود فهي عبارة عن كلام وتضييع وقت، فإذا لم نبحث مستقبل الأسد فستفشل المفاوضات"؛ مُبَرِّرًا هذا الموقف بسجلِّ الأسد في السلطة؛ إذ "قتل مليون شخص واعتقل نصف مليون، بينما هناك أكثر من 300 ألف مفقود، ودمَّر 5 آلاف منزل، بل دمَّر وضيَّع وطنًا، ويريد أن يترشَّح في الانتخابات المقبلة!".

العقيلي: الأوراق العربية بشأن القضية السورية محدودة جدًّا

أوضح المحلل السياسي، سليمان العقيلي، أن الأوراق التي تمسك بها السعودية والدول العربية بشأن القضية السورية محدودة جدًّا بعد تدويل الأزمة التي أصبحت في يد القطبين الدوليين روسيا وأميركا، مشيرًا إلى الفرص التي تمتلكها الرياض في الوقت الحاضر مُمَثَّلة في المناورة السياسية مع هذين البلدين.

وقال: إن المقاربة السعودية للحلِّ تعتمد على ثلاث قواعد: مبادئ جنيف 1؛ التي تنصُّ على حكم انتقالي، وتنحية الأسد، وثالثًا: سلامة الدولة المركزية مع إصلاحها، مشيرًا إلى أن المقاربة تتم من خلال العلاقة مع موسكو وواشنطن، وأبرز أن العلاقة مع واشنطن تضرَّرت كثيرًا وأصابها عطب منذ أغسطس/آب 2012 عندما تفاهمت أميركا مع روسيا لتدمير المخزون الكيماوي للسلطة في دمشق وتراجع الرئيس باراك أوباما عن ضرب النظام. هذا أسَّس، في نظر المتحدث، لرؤية مختلفة للعلاقات السعودية-الأميركية تجاه الوضع في سوريا وفي المنطقة، ومنذ ذلك التاريخ تشهد العلاقات بين السعودية وأميركا تراجعات مهمة وخطرة ولكن يتم تفادي مخاطر عدم تماسكها من قِبل العاصمتين.

أمَّا بالنسبة للعامل الروسي، يقول سليمان، فلاشك أن العلاقة بين الرياض وموسكو ليست قوية جدًّا، ولكن الرياض فتحت بابًا للشراكة ليس لدوافع تكتيكية فقط تخص الأزمة السورية، وإنما من خلال حرصها على بناء شراكة تصل إلى تحالف مع موسكو خاصة بعد الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط. وأضاف: إن موسكو لديها شكوك في نوايا السعودية لبناء هذه الشراكة منذ إلغاء الرياض صفقة تسليح تم التفاهم عليها عام 2009. وعلى الرغم من ذلك لا تزال روسيا تُقدِّر الأوراق التي تملكها الرياض، ومن أهمها الورقة النفطية؛ حيث تستطيع الرياض أن تخفِّض أسعار النفط وفي ذلك ضربة نجلاء للاقتصاد الروسي والرئيس فلاديمير بوتين، والورقة الثانية تتمثَّل في تسليح المعارضة السورية بصواريخ أرض/جو قادرة على إلحاق الضرر بسلاح الجو الروسي؛ وهذه الوصفة في الواقع تذكِّر بشروط الأزمة في أفغانستان؛ حيث انهار الاتحاد السوفيتي سابقًا بسبب انهيار أسعار النفط وفاعلية صواريخ ستينغر التي كان يملكها المقاتلون الأفغان؛ وهي الوصفة التي تخيف موسكو.

سيدروف: تباعد مواقف النظام والمعارضة يُعقِّدان القضية السورية

شكَّك المحلل السياسي، يفغيني سيدروف، في إمكانية نجاح مفاوضات جنيف3، معتبرًا أن اتفاق النظام السوري والمعارضة على شكل السلطة التي ستحكم المرحلة القريبة يعدُّ أمرًا مهمًّا، لكن يبدو أن تباعد مواقف الطرفين من الآن يُعقِّد القضية وربما مهمة الموفَد الأممي، ستيفان دي مستورا، لذلك لابد أن يُقدِّما تنازلات متبادلة، والتي سيحدِّد حجمُها إِن ْكانت المفاوضات ناجحة أم لا؛ موضحًا أن نتائج هذه الجولة ترتبط بمقدرة دي مستورا على إقناع الطرف الروسي بضرورة ممارسة مزيد من الضغوط على النظام السوري الذي يجب أن يوافق على حلٍّ توافقي أو أي تنازل يمكن أن يُقْدِم عليه، وحتى إذا وافق الطرفان على مواصلة الجولة المقبلة يمكن اعتبار ذلك نجاحًا نسبيًّا.

وحول مصير الأسد الذي يُعطِّل حلَّ القضية السورية، اعتبر سيدروف أن هذا الموضوع من الخلافات الحادة التي تعقِّد القضية. وأضاف: إن هناك تفاهمًا روسيًّا-أميركيًّا بشأن مصير الأسد؛ إذ يمكن ترك هذا الموضوع إلى وقت لاحق والآن ربما سيتم الاتفاق على مبادئ أساسية تتعلق بشكل هيكل الحكم وهندسة الدستور الجديد. وقال: "إن الرحيل السَّلِس لبشار الأسد ليس الآن وإنما على المدى المتوسط سوف يساعد في حلِّ هذه المشكلة".

أمَّا بشأن مسألة الفيدرالية التي أثارت مخاوف أطراف محلية وإقليمية، فقال المتحدث: لا أعتقد أن هذه القضية مهمة بهذه الدرجة التي يحاول البعض تضخيمها؛ فليس مهمًّا الاسم بل الجوهر؛ إذ يمكن منح العديد من المناطق أو المحافظات السورية المزيد من الاستقلالية حتى تتمكن بحُكم طبيعتها من انتهاج سياسة لصالح الأكثرية التي تقيم فيها. وبذلك يمكن أن تبقى سوريا مثلما كانت سابقًا.

غليون: استنزاف السوريين للقبول بالأسد

من جهته، شارك المفكر السوري وأستاذ علم الاجتماع السياسي، برهان غليون، برأيه في النقاش العام حول مصير المفاوضات؛ مؤكدًا أن أطراف الأزمة في جنيف1 و2 و3 لم تتغير على الإطلاق، واعتبر الأمر طبيعيًّا بالنسبة للمعارضة؛ إذ "لا يمكن للجلاد أن يبقى جلادًا ويتفاهم مع الضحية التي يقتلها ويعذبها كل يوم"؛ مشيرًا إلى المواقف الدولية التي تعوق التقدم في المفاوضات مُمَثَّلة في الموقف الروسي الذي لم يتغير في العُمق؛ إذ كانت روسيا تطالب المعارضة السورية بتكوين حكومة وطنية وعدم التفكير في مرحلة انتقالية.

وأفاد بأن هناك قناعة لدى الدولتين الكبيرتين، اللتين تمسكان بالحل العسكري والسياسي في سوريا، بأن باستطاعتهما ترويض السوريين واستنزاف الشارع والفصائل كي تقبل بحكم انتقالي يكون فيه الأسد موجودًا بالسلطة؛ فهناك تفاهم روسي-أميركي لكنه لا يقنع الشعب والمعارضة. وختم بالقول: إن مفاوضات جنيف3 ستفشل لكن ليس نهائيًّا؛ إذ سيكون ثمة جهد مستمر من أجل إيجاد مخرج لمصير الأسد، الذي يمثِّل العقبة الرئيسية منذ خمس سنوات؛ فهناك اليوم شعور بضرورة التقدم في المفاوضات.