ندوة حوارية لمركز الجزيرة للدراسات: العلاقات الخليجية- الأمريكية إلى أين؟

c83878b3889b4cf1b4f26b1e8a4ffb44_18.jpg
من اليمين: د. سامر شحاتة الأستاذ المشارك في معهد الدوحة للدراسات العليا، د. أحمد التويجري المفكر والأكاديمي السعودي، ومقدم الحلقة. (الجزيرة)

مقدمة 

تمرُّ العلاقات الخليجية-الأميركية بحالة غير مسبوقة من التردُّد وعدم الوضوح، بينما تتزايد الشكوك لدى دول الخليج تجاه الحليف الأميركي، الذي ارتبط بعلاقات تحالف استراتيجي مع هذه الدول على مدى عقود طويلة اعتمادًا على معادلة الأمن مقابل النفط. وقد شهدت السنوات الأخيرة من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما العديد من الإشارات التي أثارت الهواجس والمخاوف لدى الجانب الخليجي بشأن واشنطن كحليف يمكن الاعتماد عليه لاسيما في مواجهة المخاطر التي تُهدِّد المنطقة بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي. وتعزَّزت هذه الهواجس عقب الاتفاق النووي الأخير مع إيران (14 يوليو/تموز 2015)، والذي لم تخف دول الخليج عدم ارتياحها منه؛ إذ اعتبرت أن التقارب الأميركي-الإيراني ربما يأتي على حساب المصالح الخليجية. فقد جاء هذا الاتفاق النووي وسط مؤشرات على تراجع في الاهتمام الأميركي بقضايا المنطقة لحسابات أولويات أخرى، وفي ظل خلافات خليجية-أميركية حيال عدد من القضايا المهمة، وعلى رأسها الأزمة السورية ومشروع إيران التوسُّعي في المنطقة والحرب على ما يُسمَّى الإرهاب.  

وبينما شهدت الآونة الأخيرة انفتاحًا خليجيًّا على قوى دولية أخرى، مثل: الصين وحتى روسيا، فيما بدا رسالة لواشنطن، تزايدت الأصوات داخل النخبة الخليجية للمطالبة بالاعتماد على القدرات الذاتية للدول الخليجية بدلًا من الاعتماد على الولايات المتحدة، في تحقيق أمنها والدفاع عن مصالحها ومواجهة المخاطر.  

وفي محاولة، على ما يبدو، لتبديد أو لاحتواء المخاوف الخليجية وطمأنة حلفائها في منطقة الخليج، قام الرئيس الأميركي بزيارة لافتة إلى الرياض منتصف شهر إبريل/نيسان 2016 وحضر جانبًا من أعمال قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وبحث معهم القضايا المشتركة وجدَّد التزام بلاده بأمن واستقرار هذه المنطقة.  

فإلى أي حد ساهمت هذه الزيارة في تبديد المخاوف الخليجية وتجاوز أزمة الثقة بين الجانبين؟ وما مستقبل العلاقات الخليجية-الأميركية في ظل الخلافات الحالية حول عدد من الملفات، وفي ظل مساعي خليجية للاعتماد أكثر على القدرات الذاتية؟ هذه الأسئلة وغيرها كانت محور النقاش خلال الندوة الحوارية التي نظَّمها مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر تحت عنوان "العلاقات الخليجية الأميركية: المسارات والمآلات" بمشاركة كل من الدكتور أحمد التويجري المفكر والأكاديمي السعودي، والدكتور سامر شحاتة الأستاذ المشارك في معهد الدوحة للدراسات العليا، وديفيد ماك نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق وسفير الولايات المتحدة السابق لدى الإمارات العربية المتحدة.  

خيبة أمل خليجية  

 في بداية النقاش لم يُخْف الدكتور أحمد التويجري خيبة أمله في سياسة الإدارة الأميركية الحالية تجاه دول الخليج والمنطقة عمومًا، معتبرًا أن العلاقات الخليجية-الأميركية تشهد حاليًا ما وصفها بمرحلة غير مسبوقة من التدهور لاسيما بعد تصريحات أوباما الأخيرة لمجلة "ذي أتلانتيك" ( The Atlantic ) التي اتَّهم فيها دولًا خليجية بدعم ونشر الإرهاب بينما أثنى على دور إيران. التويجري وصف هذه التصريحات بأنها غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الأميركية-السعودية والعلاقات الخليجية؛ حيث "لم يتورَّط أي رئيس أميركي من قبل في مثل هذه المواقف". وحمَّل التويجري أوباما مسؤولية التراجع في ثقة الخليجيين تجاه الولايات المتحدة؛ حيث شهدت العلاقات الأميركية-الخليجية في عهده تراجعًا واضحًا بسبب الخلافات بين الجانين تجاه العديد من القضايا "بدءًا من الاتفاقية النووية مع إيران والتي لم تراع المصالح الخليجية ولا حتى الأميركية وإنما كانت خدمة للمصالح الإسرائيلية" وفق تعبير التويجري، فضلًا عن الموقف الأميركي المتردِّد تجاه الأزمة السورية وما يتعرَّض له الشعب السوري من مذابح وعمليات قتل وتهجير على يد قوات النظام وحلفائه.  

وقلَّل التويجري من أهمية زيارة أوباما الأخيرة للرياض ومساهمتها في تبديد مخاوف الدول الخليجية، لاسيما وأنها جاءت والرئيس أوباما يستعد لمغادرة البيت الأبيض، وفي وقت تتهيَّأ الولايات المتحدة لانتخابات رئاسية جديدة تثير الكثير من التساؤلات في ظل صعود نجم المرشح الجمهوري دونالد ترامب صاحب التصريحات العنصرية تجاه العالم الإسلامي.  

 ورغم تأكيده على أهمية العلاقات مع الولايات المتحدة؛ باعتبارها دولة كبرى والمصالح الضخمة التي تربطها بالمنطقة، فإن التويجري رأى أن المتغيرات الحالية تؤكد الحاجة إلى استخلاص الدروس وضرورة التعامل مع الولايات المتحدة والغرب عمومًا باللغة التي يفهمها؛ وهي لغة المصالح والحسابات المادية، وضرورة فهم الداخل الأميركي وكيف يُصْنَع القرار في واشنطن وأن يكون للعرب والخليجيين تأثير في ذلك من خلال دعم وتعزيز دور الجاليات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة تمامًا كما فعلت إسرائيل من خلال اللوبي اليهودي هناك.    

 وخلص التويجري إلى أن أزمة الثقة الحالية في العلاقات الخليجية-الأميركية، وفي ظل المخاطر التي تُهدِّد وجود دول الخليج والعالم العربي عمومًا، تفرض على الدول العربية مزيدًا من التَّوحُّد والاعتماد على القدرات الذاتية للدفاع عن مصالحها وأمنها، أكثر من الرهان على الإدارة الأميركية سواء الحالية أو القادمة.  

مخاوف مبالغ فيها

الدكتور سامر شحاتة لم يُشاطر الدكتور التويجري مخاوفه تجاه التقارب الأميركي-الإيراني؛ الذي يأتي على حساب المصالح الخليجية، حيث اعتبرها مخاوف مبالغًا فيها ولا تستند إلى مبررات حقيقية، وقال إن هناك "هيستريا" في منطقة الخليج من العلاقات الأميركية–الإيرانية، ومن الاتفاق النووي الإيراني. 

وأشار في هذا الصدد إلى أن الاتفاق لا يعني عدم وجود خلافات عميقة وكثيرة لا تزال قائمة بين واشنطن وطهران حول العديد من الملفات، مثل: الأزمة السورية، ودور حزب الله اللبناني، والدور الإيراني في العراق، والحرب على الإرهاب، والتسلح الإيراني وغيرها من النقاط الخلافية.  

ودعا شحاتة إلى ضرورة وضع الاتفاق النووي في حجمه الحقيقي والنظر إليه؛ باعتباره الحلَّ الأقلَّ ضررًا بالنسبة لإدارة أوباما؛ لأن البديل كان هو الحرب، وذلك ما سعى أوباما إلى تجنُّبه منذ أن جاء إلى السلطة، خصوصًا بعد التجربة الكارثية للولايات المتحدة في العراق وقبلها في أفغانستان. وبالتالي، "فقد وجد أوباما في هذا الاتفاق ما يساعده على تنفيذ رؤيته بتجنُّب السيناريو العراقي مع إيران، وإكمال خطة انسحاب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان"، كما يرى سامر شحاتة.  

واعتبر المتحدث أن "من الخطأ في العلاقات الدولية أن يتم وضع الولايات المتحدة في موقع الاختيار إما دول الخليج أو إيران"، فأميركا لها علاقات وثيقة مع دول الخليج سواء على الصعيد الاقتصادي أو العسكري، كما أن لها مصلحة أيضًا في الاتفاق النووي مع إيران الذي لا يمكن اعتباره انقلابًا في العلاقات الأميركية-الإيرانية.  

علاقات استراتيجية..كانت وستبقى  

من جهته، اتفق السفير ديفيد ماك مع وجهة نظر الدكتور سامر شحاتة، معتبرًا أن الحديث عن الولايات المتحدة وكأنها تخلَّت عن أصدقائها وحلفائها في الخليج وفي منطقة بالغة الخطورة، هو أمر غير صحيح. وقال إن هناك قطاعًا كبيرًا من الأميركيين لا يؤيدون هذا الاتفاق الذي كانت له انعكاسات سلبية على موقف إدارة أوباما.  

وشبَّه ديفيد ماك المشاعر والهواجس الخليجية الحالية تجاه التقارب الأميركي-الإيراني بما أصاب بعض حلفاء الولايات المتحدة في شرق آسيا، مثل: اليابان وكوريا الجنوبية، عقب زيارة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون إلى الصين في السبعينيات من القرن الماضي؛ حيث تخوَّفوا من هذا التقارب الأميركي-الصيني؛ باعتباره على حساب مصالحهم، وهو ما تبيَّن عدم صحته بعد ذلك.  

 ووصف ماك العلاقات الأميركية-الخليجية بأنها علاقات استراتيجية اقتصاديًّا وأمنيًّا وعسكريًّا، وأنها ستبقى كذلك حتى بعد عشرين عامًا. ورأى أنه من غير المنطقي مقارنة علاقات واشنطن مع دول الخليج بعلاقاتها مع إيران؛ فأميركا لن تكون لها علاقات تعاون عسكري مع طهران، وحتى على المستوى الاقتصادي لا يمكن مقارنة المصالح الاقتصادية مع دول الخليج بإيران. وأوضح الدبلوماسي الأميركي السابق أنه رغم تراجع الوجود العسكري القتالي في المنطقة، فإن الوجود العسكري البحري قائم بقوة، كما أن التعاون العسكري بين الجانبين الأميركي والخليجي بلغ مستويات غير مسبوقة سواء على صعيد مبيعات الأسلحة، أو المناورات المشتركة، أو التعاون والتبادل الاستخباراتي والأمني.  

لكن ماك أقرَّ بأن الولايات المتحدة تريد لعلاقاتها مع دول الخليج أن تقوم على الشراكة الحقيقية لا أن تلعب أميركا دور الشقيق الأكبر أو الحامي لهذه الدول؛ فواشنطن تريد أن تلعب هذه الدول دورًا أكبر في الاعتماد على نفسها وفي إدارة شؤونها الدفاعية العسكرية، مشيرًا في هذا الشأن إلى ما جرى في اليمن؛ حيث قادت السعودية عملية "عاصفة الحزم" بمفردها ومع دول التحالف العربي ودون مشاركة أميركية، دون أن يعني ذلك تخلي واشنطن عن دعمها لدول الخليج.  

قواسم مشتركة  

رغم وجود تباين في وجهات النظر حيال تقييم واقع العلاقات الخليجية-الأميركية ومستقبلها لاسيما ما يتعلق بالموقف من إيران، فقد اتفق المشاركون في الندوة على مجموعة من النقاط أهمها:

  1. أن العلاقات الخليجية-الأميركية علاقات استراتيجية للطرفين رغم ما تشهده من خلافات أو تباين في المواقف تجاه بعض الملفات، كما أن منطقة الخليج تُشكِّل أهمية كبرى للولايات المتحدة، وأي خطر يُهدِّدها يمثِّل خطرًا على الاقتصاد العالمي.
  2. ضرورة التعامل مع الولايات المتحدة بمنطق المصالح والحسابات لا بلغة العواطف، بما يسهم في إقامة شراكة أكثر استقرارًا وتوازنًا.
  3. أهمية الاعتماد على القدرات الذاتية لدول الخليج أمنيًّا وعسكريًّا وسياسيًّا لاسيما في ظل التهديدات الكبرى التي تواجه المنطقة، وتقليل الاعتماد على الحليف الأميركي دون أن يعني ذلك التخلي عن علاقات الشراكة مع واشنطن.
  4. لا يتوقع حدوث تغيير جوهري وحقيقي في السياسة الأميركية تجاه المنطقة وقضاياها في المستقبل وحتى مع وصول رئيس جديد للبيت الأبيض، أيًّا كان الرئيس القادم. فالسياسة الأميركية تحكمها جملة من الحسابات والمصالح ولا ترتبط بشخص الرئيس.