ندوة: الأزمة السورية بين جنيف وآستانا: مسارات الحل السياسي واختلاف المرجعيات

67f7379f6baf4081a4098a13e09f0f6f_18.jpg
من اليمين: تيسير علوني، برهان فور أوغلو، نزار الحراكي (الجزيرة)

مقدمة

ما بين مفاوضات جنيف1 عام 2012 وجنيف4 عام 2017 مرورًا بمفاوضات آستانا، حصلت تطورات وتحولات مُؤَثِّرَة في المشهد السوري المعقَّد سياسيًّا وعسكريًّا. ومع كل تحرُّك أو جهد دبلوماسي بحثًا عن تسوية يتطلَّع السوريون إلى أن يفتح ذلك بارقة أمل لإنهاء الصراع بأبعاده المحليَّة والإقليميَّة والدوليَّة ووضع حدٍّ لمحنة الشعب السوري الذي يعيش تحت قصف البراميل المتفجِّرة طوال ستة أعوام ومأساة اللجوء والنزوح والتهجير والتغيير الديمغرافي الطائفي. لكن هذه الأمنيات تبقى رهنًا بمعطيات وتعقيدات الواقع وموازين القوى بين الأطراف المتصارعة على الأرض، وبالنظر إلى حجم التدخلات وتقاطع الحسابات بين اللاعبين في المشهد السوري محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا. 

وقد شهدت الأزمة السورية منذ اندلاع الثورة قبل ستة أعوام محاولات عدَّة للوصول إلى حلٍّ سياسيٍّ، لكنَّ أيًّا منها لم يُكتَب له النجاح، فإلى أي حدٍّ يمكن أن يكون هذا النجاح حليف الجهود الدبلوماسية الحالية، سواء في آستانا أو جنيف، في الوصول لتسوية للأزمة؟ وهل تتوافر الشروط المناسبة لنجاح هذه المفاوضات في ظل موازين القوى على الأرض؟ وإلى أي حدٍّ تلعب حسابات اللاعبين الإقليميين والدوليين دورًا في تحديد ذلك؟ وكيف يمكن النظر للمسارين التفاوضيين في آستانا وجنيف: هل هما متكاملان أم متوازيان؟ وما حدود دور كل طرف؟ وما الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في الأزمة بعد وصول دونالد ترامب لإدارة البيت الأبيض؟ وما دلالات وانعكاسات الغياب العربي عن مفاوضات آستانا على مستقبل الأزمة؟ هذه الأسئلة كانت محور الندوة التي نظَّمها مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر، وشارك فيها كلٌّ من نزار الحراكي، السفير السوري في الدوحة، والخبير في الشؤون السورية، تيسير علوني، والباحث والأكاديمي التركي، برهان قور أوغلو، والمحلِّل السياسي الروسي، يفغيني سيدروف. 

مسارات الحل السياسي ومرجعياته 

إزاء التَّعدُّد في مسارات ومرجعيات الحلِّ السياسي للأزمة السورية الذي تَكَرَّس مع "مبادرة آستانا"، يُبْدِي بعض أطراف المعارضة السورية قلقَه ومخاوفَه من تأثير تَعَدُّد هذه المسارات والمرجعيات سلبًا على مستقبل القضية السورية؛ إذ لا يرى هؤلاء تكاملًا بين مساري آستانا وجنيف في الأطر المرجعية للحلِّ والأهداف والغايات السياسية، بل يعتبرهما السفير السوري في الدوحة، نزار الحراكي، "مسارين متوازيين"؛ ويخشى أن تكون القضية السورية بصدد استنساخ سيناريو مسار جنيف فتصبح أمام (آستانا 1 و2 و3 و4...وهكذا). لذلك، يرى أن هذا المسار ليس في حقيقته سوى ردٍّ على جنيف ومحاولة لقطع الطريق على مرجعياته للحلِّ السياسي، وإشعار المجتمع الدولي بأن الحلف الجديد (روسيا وتركيا وإيران) أَقْدَر على حلِّ الأزمة السورية بحكم العامل الجغرافي الذي يجعله أقرب إلى سوريا من أية جهة أخرى؛ حيث "أراد أن يُتَوِّج ما سمَّاه انتصارًا عسكريًّا في حلب بانتصار سياسي في الآستانا، وهو ما يُمثِّل رسالة للغرب في ظلِّ المصالح المشتركة التي جمعت بين الدول الثلاث". 

وبذلك، يُشَكِّل هذا المسار بالنسبة للحراكي هاجسًا حقيقيًّا من حيث التوجُّهات والرؤية والتطلعات، خاصة أن روسيا تعمَّدت دعوة الفصائل العسكرية وحدها، وهو ما يمثِّل بالنسبة له مصدر خطر؛ لأن هذه الفصائل ليست لديها خبرة سياسية في التعامل مع المفاوضات السياسية، مؤكدًا أن المرتكز الرئيسي في مفاوضات آستانا هو عدم وجود إرادة دولية لدى جميع الأطراف لبلورة حلٍّ للقضية السورية. ولاحظ الحراكي أيضًا أن روسيا وأميركا لم يتفقا بجدية لإيجاد تسوية سياسية للأزمة في الفترة الأخيرة من حكم الرئيس السابق، باراك أوباما، في الوقت الذي تعيش فيه بداية عهد الرئيس دونالد ترامب ضبابية في المواقف لاسيما علاقته بروسيا وأولوياته في المنطقة. 

وباعتبار هذه الهواجس والإشكالات التي يُثيرها مسار آستانا بالنسبة لبعض فصائل المعارضة السورية، يبرز السؤال حول حقيقة الدور الإيراني والروسي في إيجاد تسوية للأزمة السورية؛ وهنا يشير المحلِّل السياسي الروسي، يفغيني سيدروف، إلى رؤية هذين اللاعبين بشأن تسوية الصراع وحدود تقاطع مصالحهما وتضاربها. ولئن كان يميز بين العلاقات الثنائية بين البلدين المبنية على أسس براغماتية والاستجابة للمصالح الاقتصادية لطهران وموسكو، فإن هناك جانبًا آخر تتشابك فيه العلاقات وتتداخل أيضًا وقد تتعارض مصالح الطرفين في سوريا؛ لذلك يرى أن نقاط الالتقاء بين البلدين تحمل طابعًا مرحليًّا عبر دعمهما للنظام السوري؛ لأن نقاط الخلاف شديدة يبنهما لاختلاف مقاربتهما في التعامل مع الأزمة السورية رغم مشاركتهما في ما سمَّاه: الثلاثي (روسيا وإيران وتركيا)، الذي تَشَكَّل قبل مفاوضات آستانا، ويحصر سيدروف نقاط الخلاف بين طهران وموسكو في:

  • اختلاف أسلوب التعامل مع الأزمة السورية الآن وفي مرحلة ما بعد جنيف وما بعد آستانا.
  • تعتزم إيران خوض الحرب في سوريا إلى جانب النظام حتى "النهاية المُظَفَّرَة".
  • تدرك موسكو تمامًا، لاسيما بعد حسم معركة حلب، أن الوقت حان لبذل قصارى الجهود للتسوية السياسية.
  • أعلنت روسيا مرارًا أن مفاوضات آستانا لا تعتبر بديلًا لمفاوضات جنيف. 

ورغم نقاط الخلاف التي يصفها سيدروف بـ"الكبيرة" بين روسيا وإيران، فإنها تظل قابلة ربما للحلِّ أو على الأقل لتجميد الوضع على ما هو عليه الآن. وهنا يميِّز بين العلاقات الثنائية بين البلدين والتي ستستمر وقد تتوطد، بينما يتوقع أن تتوسع الخلافات بينهما في الملف السوري إذا لم يتم التوصل إلى أرضية مشتركة في التعامل مع الأزمة السورية. في المقابل، يرى الحراكي أن التوافق الإيراني-الروسي أو التحالف الإيراني-الروسي هو تحالف استراتيجي قد يختلف في بعض المصالح بالمنطقة خاصة الملف السوري، كما أن إيران لا تريد حلًّا سياسيًّا بل تريد انتصارًا عسكريًّا ساحقًا من أجل تثبيت بشار الأسد، وهو ما يعرقل الحل السياسي. 

هذا التحليل الذي قَدَّمه سيدروف، لاسيما الأطروحة التي حاول إبرازها بشأن تصور موسكو لمسار آستانا، لا يراه أيضًا الخبير في الشؤون السورية، تيسير علوني، مُتَّسِقًا مع إجراءات العملية السياسية الحاكمة لمسار آستانا، موضِّحًا أن الغاية السياسية من المبادرة الروسية هي إقحام جهات معارضة (بين قوسين: محسوبة على المعارضة)، مثل: مِنَصَّة القاهرة التي ليس لها تمثيل على الأرض، ومِنَصَّة موسكو التي تعيش في كنف النظام السوري، ليشارك هؤلاء الحلفاء في الوفد المفاوِض بجنيف، بل "الأخطر في هذا المسار"، حسب وجهة نظر علوني، هو محاولة تغيير مرجعية المفاوضات التي يجب أن تستند لمخرجات جنيف 1 و2، وقرار مجلس الأمن 2254، الذي يبدأ فيه الحلُّ السياسي بمرحلة انتقالية مع حكومة كاملة الصلاحيات، مرورًا بالدعوة إلى انتخابات عامة تفضي إلى تشكيل برلمان وحكومة؛ حيث تتولى هذه المؤسسات صياغة الدستور. ويحاجج علوني على محاولة تغيير مرجعية المفاوضات بتجرؤ دولة أجنبية على تقديم مسودة دستور على طاولة التفاوض في سابقة ليس لها مثيل في التاريخ، لكنه يتوقَّع أن تصل هذه القوى إلى ذلك؛ لأن المعارضة السورية لا تملك صوتًا ولا أوراقًا، ولم يعد هناك ما يمكن تسميته قرارًا سوريًّا، لا من طرف المعارضة ولا من طرف النظام؛ اللذين تُحَرِّكُهُما القوى الداعمة لهما وفقًا لمصالحها. 

أما الدور التركي في مسار آستانا، فتتحكَّم فيه اعتبارات الجغرافيا السياسية والأمن القومي؛ إذ أبرز الأكاديمي، برهان قور أوغلو، أن التدخل الإيراني والروسي في سوريا أدى إلى الانهيار الأمني على الحدود التركية والتأثير أيضًا في الأوضاع المحلية، خاصة في ظل غياب أية قوة دولية تمنع هذه التدخلات، بل إن محاولة الانقلاب التي شهدتها البلاد في 16 يوليو/تموز 2016 كانت جزءًا من هذا الوضع. فكان لابد لتركيا، حسب المتحدث، أن تبحث مع روسيا عن حلٍّ على الأقل لوقف إطلاق النار، لاسيما بعد سقوط حلب في يد النظام، وإعطاء مجال للمعارضة السورية للتفكير بجدية بشأن إمكانية توحيد صفوفها وإدخال العناصر العسكرية لإيجاد حل للقضية السورية. ويرى أوغلو أن مبادرة آستانا جاءت بعد فشل ما سماه "المحاولة الأولى في جنيف"؛ حيث تراهن تركيا على تحسين العلاقات مع سوريا والجلوس على طاولة المفاوضات للبحث عن حلٍّ:

  • أولًا: لوقف القتل والدمار حتى من طرف روسيا لجلب المصالح السياسية.
  • ثانيًا: لتأمين الحدود التركية، وهو أمر مهم جدًّا؛ لأن ما يحدث في سوريا يُهدِّد الأمن التركي "فلا يمكن فصل الأمن التركي عن الوضع في سوريا".
  • ثالثًا: الحلُّ السياسي يضمن استقرار الأمن في سوريا؛ لأن استمرار التدخل العسكري الإيراني والروسي وتدمير البلاد ليس في صالح سوريا ولا تركيا ولا أية دولة في المنطقة. 

ولاحظ أوغلو أن هناك انتهاكات كبيرة في تطبيق وقف إطلاق النار؛ لأن إيران لا تزال لديها أجندة في سوريا، موضِّحًا أن الدول ستتضرر من استمرار التدخل العسكري في سوريا مهما كانت المكاسب التي ستحصل عليها. 

الدور الأميركي والإيراني في الأزمة السورية 

أمام تعاظم النفوذ الروسي في سوريا، ومحاولة موسكو إيجاد تسوية عبر مسارات تفاوضية تعتبرها المعارضة السورية مرجعيات بديلة، يبرز السؤال حول طبيعة الدور الأميركي في الأزمة السورية، لاسيما في ظل غيابها عن مسار آستانا، وهو ما قد يراه البعض انسحابًا من المشهد السوري. لكن السفير السوري في الدوحة، نزار الحراكي، يرى الدور الأميركي حاضرًا في المشهد؛ إذ تحاول واشنطن أن "تكون صاحبة الرتوش الأخير في اللوحة والإخراج النهائي"، وإِنْ كان هناك تغيير فيما سمَّاه "التكتيك"؛ حيث تكون أميركا مرة في الواجهة ومرة تتراجع إلى الخلف. فلا يمكن -من وجهة نظره- أن تتخلى الولايات المتحدة عن هذه المنطقة من العالم لأهميتها الكبيرة حتى ولو تراجعت قليلًا وسمحت للدور الروسي بالتقدم إلى الواجهة، لكنها لا تزال تسيطر بشكل كبير على الملف السوري نظرًا لوجود حلفاء أقوياء لها في المنطقة، مثل: تركيا والعراق والأردن وإسرائيل بطبيعة الحال. 

وأضاف الحراكي أن أميركا تستغل تناقضات مصالح دول المنطقة كي تبقى ممسكة بزمام الأمور، ورغم ذلك لاحظ أن هناك تراجعًا أميركيًّا في الفترة الأخيرة بعد وصول دونالد ترامب لإدارة البيت الأبيض، لكن هناك نوع من التوافق بين روسيا وأميركا بشأن القضية السورية لا أحد يطَّلع على تفاصيله حتى حلفاء أميركا في المنطقة. 

أما إيران فقد اختارت في كل المراحل والتطورات التي عرفتها القضية السورية دعم نظام الأسد سياسيًّا وعسكريًّا لتحقيق أهدافها في المنطقة، وهنا يرى علوني أن إيران تستخدم النظام السوري أداة لخدمة مصالحها في سوريا، مشيرًا إلى سياسة التغيير الديمغرافي التي تنهجها طهران للإخلال بالتركيبة السكانية للنسيج الاجتماعي السوري أو ما سمَّاها بعمليات "التطهير الطائفي" التي يقوم بها النظام الإيراني في محيط دمشق وفي حمص أيضًا وربما تتلوها عمليات تطهير في محيط درعا. ورغم تصريحات المسؤولين السياسيين الإيرانيين الذين يؤكدون أن الأزمة السورية لا يمكن حلها عبر الخيار العسكري، فإن طهران -يقول علوني- لا تتحرك إلا عسكريًّا وليست على استعداد لتقديم أي شيء سياسي على الإطلاق؛ إذ لم تقدِّم أية رؤية سياسية في آستانا،. وتؤكد دائمًا على عدم استعمال الورقة الطائفية. 

من جانبه، أوضح أوغلو أن تركيا تنتقد الدور الإيراني بشدة في سوريا لاستعمالها الورقة الطائفية، وهو ما أدى إلى سوء العلاقات التركية-الإيرانية، مشيرًا إلى أن الوضع الذي يعيشه العراق اليوم كان سببه استخدام الورقة الطائفية من قِبَل الولايات المتحدة عندما احتلت البلاد؛ حيث قدَّمت إمكانات هائلة للشيعة، وهو الأمر الذي يُراد استنساخه في سوريا رغم أن الأرضية تختلف عمَّا في العراق. 

مسار آستانا والمنطقة الآمنة 

مع التقارب التركي-الروسي الذي أنتج مسار آستانا، وتولَّت فيه أنقرة ضمان مشاركة فصائل المعارضة في مقابل ضمان روسيا مشاركة النظام والالتزام بشروط الهدنة، بدأ الحديث عن إمكانية إنشاء المنطقة الآمنة على الحدود السورية-التركية، والتي كانت تركيا تطالب بها منذ بداية الأزمة، وهو ما لم تسمح به إدارة أوباما -حسب أوغلو- في الوقت الذي لا تمثِّل فيه هذه المنطقة مصلحة لتركيا وحدها وإنما تمثِّل أيضًا مكانًا يلجأ إليه الشعب السوري وتتشكل فيه المعارضة العسكرية، لذلك تحارب تركيا تنظيم "الدولة الإسلامية" من أجل إيجاد فرص للجيش الحر. 

بينما يرى سيدروف أن رؤية موسكو وواشنطن للمنطقة الآمنة لا يجب النظر إليها نظرة سطحية ومبسطة؛ لأن بعض التصريحات الصادرة عن دونالد ترامب وإدارته لا تخلو من تضارب كبير؛ إذ لم تكوِّن هذه الإدارة موقفًا دقيقًا من الأزمة السورية بوجه عام ومن المنطقة الآمنة بوجه خاص. واعتبر سيدروف أن حديث ترامب عن المنطقة الآمنة لا يعدو أن يكون بالون اختبار ليرى ردَّ فعل الأطراف المعنية بالأزمة السورية على هذا المقترح. وأوضح المحلل الروسي أن موسكو لديها تساؤلات عدَّة بهذا الشأن، وهي: أولًا: ألا يؤدي تنفيذ هذه المبادرة وترجمتها على أرض الواقع إلى تكرار ما حدث في ليبيا؛ لأن ذلك يترتب عليه إنشاء مناطق حظر جوي يعيد إلى الأذهان ما حدث في ليبيا منذ بضعة أعوام؟ ثانًيا: روسيا لديها أيضًا تساؤل حول المناطق التي يمكن أن يتم فيها إنشاء مثل هذه المنطقة الآمنة. ثالثًا: من سيتحمَّل نفقات وتكاليف إنشاء المنطقة الآمنة؟ هذه الأسئلة -يقول سيدروف- كان الرد عليها ضبابيًّا وسط الغموض الذي يكتنف عمومًا مواقف إدارة ترامب في تعاملها مع مختلف القضايا الدولية والإقليمية. 

عقدة الحل السياسي 

مثلما يُبدي بعض أطراف المعارضة السياسية السورية قلقه من المسارات والمرجعيات المتوازية للحل، فإن هذه القوى لا تؤمن أيضًا بوجود حلٍّ سياسيٍّ يرتكز على المفاوضات وحدها -يقول الحراكي- خاصة أن المعارضة تمثِّل الحلقة الأضعف، بل لابد من تلازم المسارين: العسكري والسياسي. كذلك لا تؤمن هذه المعارضة بأن الحل السياسي سيؤدي إلى نتيجة بسبب غياب الإرادة والضمانات، لاسيما أن النظام يستغل الوقت لصالحه وقد استطاع حرف بوصلة ثورة الشعب السوري التي قامت ضد الظلم والطغيان إلى مكافحة الإرهاب، مشيرًا إلى أن هناك اعتبارات إقليمية ودولية لا تريد أيضًا إسقاط النظام، خاصة الدول المجاورة للجنوب السوري وعلى رأسها إسرائيل ودول أخرى تتواصل مع النظام السوري. 

ويتوافق هذا الرأي الذي قدَّمه الحراكي بشأن مصير الأسد مع التحليل الذي اعتبر فيه علوني أن الغرب مقتنع بأن بشار لا يمكن إزاحته؛ إذ تعمل الممثِّلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغريني، لترتيب خارطة طريق تتضمن بقاء الأسد في السُّلطة، وهو الموقف نفسه الذي يراه الأميركيون. فلا أحد يريد إزاحة الأسد خلال المرحلة الانتقالية، بل إن بعض أطراف المعارضة السورية -في نظر علوني- تبدي موافقتها على هذا التوجه، ومستعدة لإبداء بعض المرونة، أما الطرف الوحيد الذي يتمسك بعدم وجود الأسد فهو الهيئة العليا للمفاوضات. لذلك، فإن المناورات الروسية عبر مسار آستانا استهدفت إزاحة الهيئة التي لا يُذكر اسمها لا في مفاوضات آستانا ولا في جنيف.