خلصت ندوة بحثية مشتركة نظَّمها في العاصمة القطرية، الدوحة، مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع جامعة جورج تاون في قطر وقناة الجزيرة مباشر، أمس الثلاثاء 20 مارس/آذار 2018، إلى أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد هي القوة الوحيدة المؤثِّرة في سياسات دول مجلس التعاون الخليجي بفعل تداعيات الأزمة التي اندلعت في يونيو/حزيران 2017 ولم تجد سبيلها للحل حتى الآن، وأشار المشاركون في الندوة إلى أن ثمَّة دولًا أخرى، مثل: روسيا وإيران وتركيا، أصبح لها تأثير متزايد عن ذي قبل في السياسات والقرارات الخليجية.
وعن التوقعات بشأن القمة الخليجية التي دعت إليها الولايات المتحدة للتباحث في طرق حل الأزمة الخليجية خلال مايو/أيار المقبل، قلَّل المتحدثون من فرص انعقادها كما قلَّلوا من سقف التوقعات المنعقدة عليها، وأرجعوا ذلك إلى أن الأطراف الرئيسة في الأزمة، لاسيما السعودية والإمارات والولايات المتحدة، لم يتوصلوا بعد إلى قناعة بأن الحل في مصلحتهم.
وأشارت الندوة إلى أن الهدف من تفجير دول الحصار للأزمة الخليجية هو تغيير نظام الحكم في قطر والسيطرة على ثرواتها الطبيعية، وأكد المشاركون على أن دول الحصار فشلت في تحقيق أهدافها.
وكانت الندوة قد بدأت بكلمة لرئيس جامعة جورجتاون في قطر، الدكتور أحمد دلال، أعرب فيها عن أهمية انعقاد مثل هذه الندوة في رحاب الجامعة وأوضح أن ذلك من شأنه أن يجعل الأفكار تتلاقح بين الأكاديميين والإعلاميين مما ينعكس على الموضوع المطروح للنقاش عمقًا وثراء.
وتحدث الإعلامي القطري، عبد العزيز آل إسحاق، عن تاريخ العلاقات القطرية-السعودية منذ الملك عبد العزيز آل سعود، وأشار إلى أن الأسرة السعودية الحاكمة تنظر إلى قطر على أنها من المفترض أن تكون تابعة لها، وأن هذه النظرة مستمرة في ملوك هذه الأسرة حتى الآن.
وأكد آل إسحاق أن هدف السعودية والإمارات كان إسقاط نظام الحكم وتغييره بنظام آخر تابع لهما، كما أوضح أن الهدف من الأزمة مع قطر أيضًا كان يستهدف السيطرة على ثرواتها وخيراتها، لكن -يضيف آل إسحاق- هاتين الدولتين، ومعهما مصر والبحرين، فشلتا فيما كانتا تهدفان إليه، وأن قطر قد تجاوزت صدمة الحصار كما أن تلاحم الشعب القطري مع قيادته أفشل مساعي هذه الدول في إسقاط النظام.
ومن جانبه، أوضح روري ميلر، أستاذ شؤون الحكم وإدارة الدولة بجامعة جورجتاون في قطر، أن الولايات المتحدة كانت تلعب دور ضابط الإيقاع في الخليج، لكن في عهد إدارة الرئيس، دونالد ترامب، فإن هذا الدور قد تراجع، وخاصة بعدما بدا ترامب في بداية الأزمة منحازًا للموقف السعودي والإماراتي، لكن الآن -يضيف مولر- فإننا نرى واشنطن تسعى نحو البحث عن إيجاد مخرج لهذه الأزمة يحفظ مصالحها. واختتم مولر حديثه بالقول: إن الأزمة الخليجية الحالية قد تكون فرصة للولايات المتحدة لإعادة تمتين علاقاتها الاستراتيجية مع دول المنطقة واستعادة مكانتها ودورها الفاعل.
أما ستيفن رايت، الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية بجامعة حمد بن خليفة، فقد أشار إلى أن البُعد الاقتصادي في الأزمة الخليجية مسألة مهمة بالنسبة للولايات المتحدة لكن الأهم بالنسبة لها هي الأبعاد الاستراتيجية المترتبة عليها. كما نبَّه رايت إلى مساعي أستراليا والولايات المتحدة الأميركية وروسيا لزيادة إنتاجهم من الغاز الطبيعي مما قد يكون له تأثير سلبي مستقبلًا على الاقتصاد القطري.
وعن المتغيرات التي أحدثتها الأزمة الخليجية في منظومة العلاقات الإقليمية والدولية، قال عبد العزيز آل إسحاق: إن الأزمة أظهرت علاقات جديدة لا تريد واشنطن أن تكون موجودة؛ منها العلاقات مع روسيا وتركيا وإيران، ومنها كذلك تعدد مصادر استيراد السلاح وعدم الاقتصار على السلاح الأميركي، والحديث عن قاعدة عسكرية روسية في الخليج، والاستقلال النسبي للقرار الخليجي عن الولايات المتحدة مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الأزمة.
وعن فرص نجاح الاجتماع المرتقب بين دول مجلس التعاون الخليجي في كامب ديفيد، قلَّل آل إسحاق من سقف التوقعات بشأن هذا الاجتماع، وقال إنه في حال انعقاده ربما يفكك بعض أجزاء الأزمة لكنه لن يحلها، وذلك لأن مصالح دول الحصار والولايات المتحدة لم تنعقد بعد على حلها، وأشار إلى أنه ربما تحدث انفراجة في مسائل محدودة مثل الحج والعمرة والصادرات والواردات، لكن من غير المتوقع أن يحل مثل هذا الاجتماع الأزمة حلًّا كاملًا. وأضاف آل إسحاق: إن أزمة بهذا الحجم تحتاج إلى ضمانة دولية كي لا تتكرر مجددًا. واختتم حديثه بالقول: إنه حتى ولو حُلَّت الأزمة سياسيًّا فإن آثارها الاجتماعية ستبقى جيلًا أو جيلين تفعل فعلها بين شعوب الخليج الذين تضرروا منها.