نظَّم مركز الجزيرة للدراسات، يوم السبت، 27 أبريل/نيسان 2019، بالدوحة، حفلًا لتوقيع كتاب "تجربة الحكم الرشيد في قطر: روافع التنمية المستدامة والتمكين المجتمعي (1995-2013)"، الذي شارك فيه نخبة من الأكاديميين والباحثين وحررته العنود أحمد آل ثاني. جاء هذا الحفل على هامش منتدى الجزيرة الثالث عشر المنعقد تحت عنوان "الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي" ويحضره باحثون وخبراء وصنَّاع قرار من دولة مختلفة حول العالم.
وقد صاحب حفل توقيع كتاب "تجربة الحكم الرشيد في قطر" نقاش بين عدد ممن حضروا المنتدى حول محتوياته.
ويتناول هذا الكتاب، بالبحث والدراسة، السياسات الداخلية والخارجية التي انتهجها الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، إبَّان فترة حكمه، التي امتدت بين عامي 1995 و2013، وأثرها في التغيير السياسي والاجتماعي الذي شهدته قطر. وينقسم الكتاب إلى مقدمة وسبعة فصول وخاتمة.
في المقدمة استعرضت محررة الكتاب، العنود أحمد آل ثاني، مفهوم الحكم الرشيد، والوسائل المفترض الاستعانة بها من أجل الوصول بالدولة والمجتمع إلى الرشادة، كما ألقت الضوء على أهمية الكتاب وسياقه ومنهجه وما تضمنه من فصول.
وقد اختصَّ الفصل الأول الذي أعده الدكتور العربي صديق، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قطر، بالحديث عن الوسائل التي انتهجتها قطر خلال فترة الدراسة من أجل تكييف سياستها وبرامجها على المستويات الاجتماعية والسياسية لتحقيق التوازن بين الأصالة التي تحافظ من خلالها على القيم المجتمعية وبين المعاصرة التي تمكنها من مسايرة منجزات العصر والاستفادة من التقدم في أساليب الحكم والإدارة.
وسلَّط الدكتور عمر البوبكري، أستاذ القانون العام بالجامعة التونسية، في الفصل الثاني من الكتاب الضوء على انتهاج قطر لسياسة التنمية المستدامة وأثرها على ديمومة الموارد وتنميتها من أجل الجيل الحالي والأجيال المستقبلية، وما تطلبه التنمية من دعم للشفافية ومحاربة للفساد.
(الجزيرة) |
أما الفصل الثالث، فقدَّم فيه الدكتور حسن السيد، أستاذ القانون الدستوري بكلية القانون في جامعة قطر، قراءة تحليلية للدستور القطري الدائمـ، الصادر سنة 2004، من زاوية علاقته بمبادئ الحكم الرشيد، اعتمادًا على منطوق مواد الدستور وروحه، وقد حاول هذا الفضل الإجابة عن سؤال الانسجام بين الدستور الدائم لدولة قطر ومبادئ الحكم الرشيد، من خلال رصد تطور البنية الدستورية والتشريعية، ومقارنتها بالدستور الدائم ووثيقتي النظام الأساسي المؤقت لعام 1970 والنظام الأساسي المؤقت المعدل في عام 1972، وخلص إلى أن الدستور الدائم شكِّل قفزة نوعية مقارنة مع النظام الأساسي المعدَّل، سواء على مستوى الإعداد والصياغة، أو على مستوى إشراك الشعب في إقراره عن طريق الاستفتاء.
في حين تناول الفصل الرابع الذي أعده الدكتور شاكر الحوكي، أستاذ القانون العام في كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بتونس، الانتخابات البلدية في قطر التي تم تنظيمها بشكل دوري ابتداء من عام 1999. ويُبيِّن كيف أن هذه الانتخابات لم تكن خطوة في طريق ترسيخ الممارسة الديمقراطية بوصفها تقوم على المشاركة الفعلية للمواطنين فقط، بل شكَّلت كذلك خطوة مهمة في طريق إرساء قواعد الحكم الرشيد وتحديث المجتمع. كما أبرز هذا الفصل سُبُل وآليات ترسيخ الحكم الرشيد من خلال الإجراءات الديمقراطية التي تعلقت بإقرار حق الانتخاب والترشح مع ما يتطلبه ذلك من توفير ضمانات النزاهة والشفافية، ومن خلال إرساء مجموعة من الهيئات الرقابية كإدارة الانتخابات واللجنة الإشرافية واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان.
وأبرز الفصل الخامس، الذي أعده الدكتور ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع الساسي في جامعة قطر، مسار التحولات الاجتماعية والسياسية التي عرفها عهد الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، في سياق المشروع التنموي لقطر، ورصد معالم النهضة التي تحققت في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، خاصة الإنجازات التي شهدها حقل التعليم ومشاركة المرأة في التنمية المجتمعية وتطور المجتمع المدني. وحاول من خلال هذه الحقول الثلاثة ملامسة تأثير السياسات العامة في فترة حكم الأمير الشيخ حمد ودورها في تحقيق التنمية البشرية والمستدامة التي تُؤَمِّن بناء نظام اجتماعي عادل يؤدي إلى رفع القدرات البشرية، ويسهم أيضًا في ترسيخ الحكم الرشيد وبناء المجتمع الراشد.
وركَّز الفصل السادس، الذي أعدته العنود أحمد آل ثاني، الباحث الأول والمستشار بمركز الجزيرة للدراسات، على سياسات تمكين المرأة لصناعة التنمية المستدامة، واستقصت دور الحكم الرشيد في تمكين المرأة القطرية اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا من خلال الدينامية السياسية التي أوجدها الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، مباشرة بعد تسلمه مقاليد الحكم في العام 1995. كما رصدت الوسائل والآليات التشريعية والقانونية والبنية المؤسساتية التي سعت الدولة إلى توفيرها لتمكين المرأة وتعزيز مكانتها المجتمعية ودعم حقوقها والنهوض بدورها في مختلف القطاعات. وربطت ذلك برؤية الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، لدور المرأة في المجتمع، وحرصه على دعم وتشجيع الجهود التي بذلتها الشيخة موزا بنت ناصر المسند في إدارة الملفات ورعاية المؤسسات التي أشرفت عليها.
أما الفصل السابق، الذي أعده الدكتور سيف السويدي، أستاذ الاقتصاد بجامعة قطر، فقد سلَّط الضوء على السياسات والاختيارات الاقتصادية التي تبنتها الدولة خلال فترة حكم الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وانعكاساتها على مسارات التنمية، وبحث العلاقة العضوية بين هذه السياسات والاختيارات الاقتصادية بالحكم الرشيد أو مبادرة الحوكمة الرشيدة في إدارة موارد الدولة وثروات البلاد ومقدراتها وتأمين العيش الكريم للأجيال الحالية والاستجابة لاحتياجاتها والاحتياجات المجتمعية للأجيال القادمة. ودرس الدكتور السويدي في هذا الفصل التشريعات والبنية المؤسسية للسياسات الاقتصادية، وموقع "رؤية قطر الوطنية 2030" في هذه السياسات ومجالات تطبيقها ومساراتها، والشراكات الاستراتيجية لدولة قطر مع المؤسسات الاقتصادية الكبرى لتحقيق تطلعات قيادتها ومجتمعها.
ويهدف الكتاب عمومًا إلى تحفيز الفضول العلمي نحو مزيد من الاهتمام بمسألة الحوكمة الرشيدة من خلال تسليط الضوء على خصوصية التجربة القطرية التي تُشكِّل نموذجًا رائدًا في الجمع بين التراث الحضاري لقطر ومقومات الحكم الرشيد وأسسه كما أقرتها منظمات وهيئات دولية (الأمم المتحدة والبنك الدولي). وقد أثبت هذا النموذج فاعليته عبر القواعد والآليات التي ارتكز عليها في ممارسة الحكم الرشيد، وظهرت نجاعته أيضًا في الطفرة التنموية التي حققتها قطر في جميع القطاعات والمجالات، وهو ما جعل التجربة ملهمة في عقلنة الحكم وترشيد الإدارة والمجتمع وثروات البلاد ومقدراتها، وتغري بالبحث والتوسع في دراستها لاستكشاف مصادر الإلهام وعناصر القوة في مساراتها ومسيرتها.
ماجد الأنصاري: الكتاب يبرز الارتقاء بدور المرأة وطنياً
قال ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر، وأحد المشاركين في تأليف الكتاب: إننا ركزنا بشكل أساسي في الفصل الذي تناولناه على التطورات التي حدثت إبان حكم صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والارتقاء بدور المرأة وطنيًا، والمبادرات المتعددة لتطوير التعليم في الفترة من 1995 إلى 2013. كما تناولنا مؤسسات المجتمع المدني التي أنشئت وأصبح لها دور كبير في قطر خلال هذه الفترة.
د. ماجد الأنصاري (الجزيرة) |
وأوضح أن هذا الفصل من الكتاب يهدف تحديدًا إلى تسليط الضوء على جزء ليس بالضرورة مرئيًا لأي حاكم سياسي، لأنه يتعلق بتطوير الجانب الثقافي والاجتماعي الذي يحتل أهمية كبرى في الارتقاء بأي مجتمع.
السويدي: الأمير الوالد بنى دولة المؤسسات الحديثة
ومن جانبه قال الدكتور سيف السويدي، أستاذ الاقتصاد بجامعة قطر، وأحد المشاركين في تأليف الكتاب: إن الكتاب شامل يتحدث عن حقبة مهمة جدًا في مسيرة دولة قطر، ليس فقط من الناحية الاقتصادية، ولكن تجربة كاملة لقيادة صاحب السمو الأمير الوالد من 1995 إلى 2013، لما شهدته هذه الحقبة من تحول كبير في دولة قطر. وقال إن سمو الأمير الوالد قام في هذه الفترة ببناء دولة حديثة شكلت نقلة نوعية من بناء تقليدي قائم على قواعد مؤقتة إلى مؤسسات عالمية، مثل الجزيرة، التي ليس من معاييرها أن تقارن نفسها مع مؤسسات محلية أو إقليمية فقط، وإنما تتحدث عن مستوى عالمي.
د. سيف السويدي (الجزيرة) |