نظَّمَ مركز الجزيرة للدراسات ومعهد دراسات حوار الحضارات، الذي يوجد مقرُّه في برلين، ندوة دولية في تونس العاصمة، يومي 28 و29 يونيو/حزيران 2019، برعاية الرئاسة التونسية في تونس العاصمة. وركزت جلسات الندوة على موضوع "الإسلام وأوروبا: تجاوز الاختلافات وتقاسم المسارات" بمشاركة نخبة من الباحثين والخبراء في مجالات الأديان وحوار الحضارات والحقوق السياسية والمدنية والعلوم السياسية والاجتماعية من عدة بلدان عربية وإسلامية وأوروبية.
شملت الندوة أربع جلسات رئيسية كانت تعقبها حلقات نقاشية بين ثلاث مجموعات من المشاركين. فتناولت الجلسة الأولى موضوع "تأثيرات الإسلام على أوروبا"، وترأستها شيرتو غيل، الأمينة التنفيذية لمؤسسة غيران هيرمس، قبل الانتقال إلى تحليل ثلاث قضايا فرعية: 1) التأثيرات الثقافية والمجتمعية، 2) التأثيرات على السياسات العامة، و3) آفاق الحوار متعدد الثقافات ومتعدد الأديان.
واهتمت الجلسة الثانية بالتأثيرات المتبادلة في الاتجاه المقابل "تأثيرات الثقافة الغربية في المجتمعات الإسلامية"، وترأسها محمد الشرقاوي، الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، وتفرعت عنها ثلاث حلقات نقاشية تناولت 1) التأثيرات على الدول الإسلامية، و2) التأثيرات على المسلمين في أوروبا، و3) آفاق الحوار متعدد الثقافات ومتعدد الأديان.
وقد مهدت هاتان الجلستان وحلقات النقاش التالية لتحديد مجموعات من التحديات التي تقف أمام تجسير الخلافات بين أوروبا والمسلمين الأوروبيين والعالم الإسلامي، فضلًا عن رؤى بديلة لتقريب وجهات النظر وتركيب منطلقات عملية لتعبيد الطريق أمام حوار ثقافي وديني وحضاري بين الجانبين.
وكانت الجلسة الثالثة -"الرؤى الحكيمة"- التي ترأَّسها جون كريستوف باس، الرئيس والمدير التنفيذي لمعهد دراسات حوار الحضارات، منصَّة تفاعلية مفتوحة لمناقشة حصيلة النقاشات والرؤى المتبادلة بين أكثر من ثلاثين من المشاركين. وسلطت الضوء على جملة من الإشكالات التي دعا المشاركون لضرورة مراجعتها، منها تحديد مفهوم الإسلام والابتعاد عن التعميم تجنبًا للوصول إلى استنتاجات قاصرة ومجتزأة. كما أكدوا على أهمية استحضار الأبعاد الثقافية والتاريخية في فهم أديان شعوب المنطقة، وتدعيم أسس العيش المشترك بينها، مشيرين في هذا الصدد إلى أن كثيرًا من المفاهيم المتداولة عن تلك الأديان تأثرت بما هو ثقافي وتاريخي أكثر مما هي حقائق داخل بنيتها الدينية والتشريعية.
وعند الأخذ بعين الاعتبار عامل التطور الزمني في قبول مفاهيم كان من الصعب قبولها في الماضي، أوضح المشاركون في الندوة إلى أن هذا البعد أحيانًا ما يُنسى أثناء مناقشة قضايا راهنة يغلب على ظن المتحاورين فيها أنها عصيَّة على التغيير في حين أنه ومن منظور تاريخ الأفكار فإن الاستعداد لقبول وتفهم تلك المفاهيم قد يكون مسألة وقت.
وفي نهاية الندوة، قال الدكتور الشرقاوي في كلمته الختامية: إن أهم ما ميَّز هذا اللقاء البحثي عن غيره هو منطلقاته المعرفية ومنهجيته التي تتوخى البحث عن الآليات والميكانيزمات العملية لمعرفة كيفية تطبيق الأفكار والرؤى والتصورات المتعلقة بقبول الآخر وإرسال أسس وقواعد العيش المشترك على قاعدة من الفهم وتبادل المصالح في آن واحد.
(الجزيرة) |
من اليمين: ريشار أملفي (معهد دراسات حوار الحضارات)، جون كريستوف باس (معهد دراسات حوار الحضارات)، فرانسوا كاريون (باحث في الاقتصاد الإسلامي)، إيمانوييل دوبيي (رئيس معهد الرؤى والأمن في أوروبا)، سولون سيمونز (جامعة جورج ميسن)، وفرح مايزة (عضو مؤسس لمجلس كونفنسينا)
وكان البيان الصحفي للندوة قد أوضح المنحى البراغماتي الذي تتوخاه ندوة تونس تمهيدًا لندوات مقبلة ضمن إطار تقييم حصيلة عشرات المؤتمرات واللقاءات التي تناولت موضوع حوار الحضارات في العقود الأربعة الماضية. وقال جون كريستوف باس: لقد "تم تصميم ندوة تونس لتكون مثالًا قويًّا للحوار العملي وما يمكن أن يحققه. نحن لا نهدف إلى أن يكون هناك نقاش لاهوتي أو نظري أو أن نعيد النظر في المعضلات البالية عن الهجرة أو الأمور الأخرى عن الإسلام في أوروبا والتي غالبًا ما تهيمن على عناوين الأخبار. بدلاً من ذلك، نريد أن نكتشف ما يمكن أن يتعلمه الأفراد من بعضهم البعض عندما يجتمعون في جوٍّ من الانفتاح المتبادل للاستماع إلى وجهات نظر الآخرين دون أي حل وسط. لذلك، تضع ندوة تونس الممارسات الثقافية في المقدمة والوسط، مع مشاركين ممن هم في طليعة الارتباط بين الإسلام وأوروبا. ستكون النتيجة الرئيسية تقييم ما يمكن تحقيقه وما يمكن تعلمه من تجارب المشاركين في مجالات معرفية وفنية مختلفة، وكيف يمكن استخدامها للتغلب على الاختلافات وإنشاء مسارات مشتركة".
وقال الدكتور الشرقاوي: إن مركز الجزيرة للدراسات "يتطلَّع باعتباره مركز أبحاث في عالم الجنوب إلى التعاون مع معهد دراسات حوار الحضارات والرئاسة التونسية تمشيًا مع روح ورؤية المسار المنشود عالميًّا من حوار الحضارات في حقبة تنتعش فيها السياسة اليمينية والشعبوية ونزعات التطرف. ويسعى لتوطيد التعاون الإيجابي بين شركاء في الشمال والجنوب، وإعادة تحديد موقع العلاقة بين الإسلام وأوروبا على أساس فهم أفضل ورؤية جديدة للتعاون للمساعدة في تعزيز فضائل الحضارات والثقافات". وأضاف الشرقاوي أن المركز "يعتبر ندوة تونس والندوات المقبلة بمنزلة منصة فكرية للتفاعل والبناء والمضي قدمًا نحو تحقيق النتائج لمواجهة التحديات الاجتماعية والثقافية للجاليات العربية والإسلامية في جميع أنحاء أوروبا. كما يحرص المركز من خلال هذه الشراكة على إيجاد منطلقات جديدة متعددة التخصصات ومُبتكرة في بناء علاقات أفضل بين الإسلام وأوروبا والعرب والمسلمين الأوروبيين".
(الجزيرة) |
من اليمين: ريشار أملفي (معهد دراسات حوار الحضارات)، لطفي بلحاج (مؤسسة BLH)، جون كريستوف باس (معهد دراسات حوار الحضارات)، علي أسلان (التلفزيون الألماني)، محمد الشرقاوي (مركز الجزيرة للدراسات)، وهيكل دراين (مؤسسة BLH).