ندوة للجزيرة للدراسات: كورونا يهدد الاقتصاد العالمي بالكساد إذا طال أمد احتوائه

الجزيرة
(الجزيرة)

خلصت ندوة حوارية نظَّمها أمس، الثلاثاء، 7 أبريل/نيسان 2020، مركز الجزيرة للدراسات وقناة الجزيرة مباشر، عبر تقنية (Skype)، عن تأثير انتشار وباء كورونا (كوفيد-19) على الاقتصادات العالمية والعربية، إلى أن الاقتصاد العالمي بالفعل قد تضرَّر بشدة جرَّاء هذا الوباء وأنه دخل في مرحلة انكماش الطلب، لكن لا يزال بإمكانه التعافي إن استطاع العالم التغلب سريعًا على هذا الفيروس وإعادة الحياة إلى طبيعتها. 

وأشار المتحدثون في الندوة إلى أن وباء كورونا كشف النقاب عن الخلل الجوهري في السياسات والأولويات العربية وأن المطلوب هو إعادة النظر كليًّا في هذه السياسات لتكون الأولوية للأمن الغذائي والاهتمام بالقطاع الصحي والبحث العلمي. 

وأكدوا على ضرورة التكافل الاجتماعي في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها المجتمعات المتضررة من الوباء، وأن يتحمل القادرون مسؤولياتهم سواء كانوا أفرادًا أو مستثمرين وأرباب أعمال. 

التعاون العالمي يخفف من تداعيات الأزمة

تحدثت في بداية الندوة الدكتورة علياء مُبيِّض، كبيرة الاقتصاديين للشرق الأوسط في مصرف جفريز إنترناشيونال، فأشارت إلى أن انتشار وباء كورونا قد سبَّب صدمة في العرض والطلب معًا؛ ما أحدث ارتباكًا كبيرًا قلَّما شهده العالم بهذه الكيفية من قبل، وذلك بأن زاد الطلب على كثير من السلع لاسيما الغذائية والطبية منها، وفي الوقت نفسه قلَّ الطلب على سلع أخرى كالنفط والغاز على سبيل المثال. 

وأوضحت الدكتورة مُبيِّض أن وطأة وباء كورونا ستكون أشد على الدول غير المنتجة والتي تعتمد في ميزانياتها على موارد خارجية مثل السياحة وتحويلات العاملين في الخارج، أو الدول الريعية التي ترتكن إلى النفط والغاز، ذلك لأن هذه المصادر قد أصابها الضرر وكادت تتوقف مع إغلاق الدول لحدودها احترازًا من نقل العدوى إلى مواطنيها. 

وعن قدرة البلدان النامية على إدارة الأزمة الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا، قالت المُبيِّض: إنَّ قدرتنا في بلداننا النامية على إدارة هذه الأزمة سواء على مستوى الصحة أو الاقتصاد هي قدرة محدودة، وذلك لعدم توافر الأموال، وضعف التمويل، وقلَّة الكفاءات، وعليه -والكلام للمُبيِّض- فعلينا المطالبة بضرورة التعاون الدولي لمعالجة تداعيات هذه الأزمة.

تفعيل مشاريع العمل العربي المشترك

من جانبه، أشار الدكتور خالد الكيسواني، أستاذ الاقتصاد المشارك بجامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا بالكويت، إلى صعوبة تقييم التداعيات الاقتصادية لانتشار وباء كورونا في الوقت الحالي، مُرجعًا ذلك إلى أن الأزمة لا تزال مستمرة والعالم في حالة تشبه الغيبوبة، على حدِّ وصفه، ومع ذلك فإنَّ أكبر المتضررين من هذا الوباء في رأيه هم العاملون بنظام المياومة، والذين يعتمدون على أذرعهم في كسب قوت يومهم.

ودعا الكيسواني، في هذا الصدد، الدولَ العربية إلى إعادة النظر في المساعدات التي أعلنت عنها للقطاع الخاص والتفرقة بين الشركات المنتجة المطلوب المحافظة على إنتاجيتها في هذا الوقت، وبين الأخرى الخاسرة والمتعثرة من قبل الأزمة، وذلك استثمارًا للموارد المالية وتوجيهها الوجهة الأمثل التي تفيد في التخفيف من التداعيات السلبية للوباء على الاقتصاد.
وأشار الكيسواني إلى أن الأزمة الحالية قد ضربت في الصميم العديد من القطاعات ومن شأنها أن تزيد نسب البطالة في الدول العربية وأن الوقت قد حان لاستخراج مشاريع التعاون العربي المشترك من أدراج جامعة الدول العربية والبدء في تفعيلها، ذلك لأنه لا دولة بمفردها -حتى وإن امتلكت وفرة مالية- قادرة على تجاوز الأزمة راهنًا ومستقبلًا، مشدِّدًا على أن الأولوية يجب أن تكون للإنسان ورفع مستوى معيشته لأنه هو العرض والطلب في آن. 

وأكد الكيسواني على أنَّ الأزمة الحالية قد فتحت الأعين على أهمية إعادة النظر في السياسات المتبعة من قبل الدول العربية، وضرورة تغيير الأولويات، وإعطاء الأمن الغذائي أولوية على ما عداه، والاهتمام بالقطاعات الصحية والتعليمية والبحث العلمي، وبالحاجة إلى حُسن اختيار الكفاءات ووضعها في المكان المناسب لأنها وقتَ الشدة هي القادرة على إدارة الأزمة ما يخفف من تداعياتها على الجميع. 

التحول من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج

أما الدكتور جواد العناني، نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق للشؤون الاقتصادية، فقد ركَّز في مداخلته على ما أسماه بـ"الخسارة الميِّتة" ويُقصد بها تلك القطاعات التي تضررت ولا يمكن تعويضها حاليًّا إلًّا بعد الانتهاء من فترة كورونا، مثل قطاعات السياحة والنقل الجوي. كما أشار إلى أهمية أخذ البنوك بعين الاعتبار انخفاض القيمة الحقيقية للأصول التي منحت بموجبها القروض حتى لا يحدث ما يشبه الأزمة المالية العالمية عام 2008. 

وأشار العناني إلى أن الدول العربية إن ركَّزت فقط على الجانب الإنساني في معالجة الأزمة دون الوعي بضرورة تسيير عجلة الاقتصاد فإن الخسائر إن طال أمد الأزمة ستتضاعف.

وعن محاولات معالجة الخلل في أسواق النفط العالمية بعد حرب الأسعار التي نشبت بين أكبر منتجيْن لهذه السلعة الحيوية؛ السعودية وروسيا، أكد العناني على أن الأهم هو زيادة الطلب على النفط من خلال تشجيع الاستهلاك وإعادة العمل في المصانع والحركة إلى الأسواق وتنشيط التجارة مجددًا، لأنَّ ذلك، كما أشار، هو الضمانة لعدم نزول أسعار النفط إلى الحضيض مرة أخرى.  
وثنَّى الدكتور العناني بأهمية التعاون بين الدول العربية للتخفيف من تداعيات الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي وباء كورونا، مشيرًا في هذا الصدد إلى أننا في العالم العربي بحاجة إلى تعزيز العمل المشترك ومن ذلك على سبيل المثال السماح لحركة الطيران بين الدول بالعودة التدريجية ضمن الحدود المعقولة والآمنة.

وعن أهم الدروس المفترض تعلمها من هذا الوباء، قال الدكتور العناني: إن هذا الفيروس قد أعاد التأكيد على حتمية التحول من الاقتصاد الريعي إلى تنويع مصادر الدخل والتوجه نحو الاقتصاد المنتج حتى نتجنب أزمات أخرى مشابهة في المستقبل. وأوضح أن المؤمَّل من الدول العربية أن تتحول في إنفاقها من الإنفاق على "البنادق إلى الخبز"، وأن تُولي عناية أكبر لقطاعات ثبتت أهميتها وجدواها حتى من المنظور الاقتصادي مثل قطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي فضلًا عن قطاع الاتصالات الذي برزت أهميته في ظل الحظر والحجر الذي لجأت إليه عديد الدول لتقليل انتشار وباء كورونا.

تسريع انتقال مركز القوة العالمي من الغرب إلى الشرق

ولم يبتعد كثيرًا الدكتور هاني عبد اللطيف، أستاذ الاقتصاد المساعد بجامعة سوانزي في بريطانيا، عمَّا قاله المتحدثون؛ فاستعرض التداعيات السلبية لتفشي وباء كورونا على الدول المؤثِّرة في الاقتصاد العالمي مثل الصين أو الولايات المتحدة، واستخلص من ذلك دخول العالم خلال العام الحالي إلى مرحلة من الركود قد تتحول إلى كساد إذا طال أمد الأزمة. 

وألمح عبد اللطيف إلى أن هذه الأزمة قد تُسرِّعُ من انتقال مراكز القوة العالمية من الولايات المتحدة وأوروبا إلى آسيا وبخاصة الصين التي بدا اقتصادها قويًّا في امتصاص تداعيات الأزمة رغم انخفاض معدل نموه إلى قرابة 4%، وأوضح في هذا الصدد أن ما ينقص الصين ليس القوة الخشنة وإنما زيادة رصيدها من القوة الناعمة كي تفرض حضورها على المستوى العالمي بديلًا للقوى الكبرى التقليدية. 

واختتم عبد اللطيف مداخلته بالحديث عن احتمال إعادة تشكيل النظام الدولي والتحالفات القائمة بين الدول في فترة ما بعد كورونا، وتوقع في هذا الصدد تفكك الاتحاد الأوروبي أو على الأقل خروج بعض الدول منه، وزيادة الحضور الصيني والروسي على المستوى العالمي.