انتهت ندوة حوارية نظَّمها أمس، الثلاثاء، 16 يونيو/حزيران 2020، مركز الجزيرة للدراسات وقناة الجزيرة مباشر، عن التداعيات الاستراتيجية بعيدة المدى لحصار قطر، المستمر منذ العام 2017، إلى أنَّ قطر خرجت من الأزمة الخليجية أكثر قوة واعتمادًا على النفس، وأنها اكتسبت خبرة في إدارة الأزمات، في حين فشلت دول الحصار في تحقيق أهدافها والمتمثلة في عرقلة النمو الاقتصادي القطري وما يتبعه من استقلالية سياسية.
وأرجع المتحدثون في الندوة أسباب نجاح قطر في ذلك إلى جملة من العوامل، أبرزها: شرعية نظامها السياسي، وكفاءته، وقدرته على تحقيق الأمن والاستقرار والرفاه للمواطنين القطريين، وكذلك إلى الاستراتيجية التي اتبعتها الدوحة في التعامل مع الأزمة على المستويات: الاقتصادية والسياسية والعسكرية والإعلامية والقانونية.
وأوضح المشاركون في الندوة أنه من غير المتوقع حل الأزمة الخليجية الراهنة حلًّا جذريًّا في المدى المنظور، لأنها لا تمثِّل ضغطًا على أطرافها، ولا على الأمن والسلم الدوليين، بيد أنهم أشاروا إلى الفوائد الناجمة عن المنهج الأميركي الجديد للتعاطي مع الأزمة والمتمثل في تجزئتها إلى ملفات والسعي لحل كل ملف على حدة، وتوقعوا في هذا الصدد أن يشهد ملف الحصار الجوي -على سبيل المثال- حلحلة بسبب رغبة الولايات المتحدة الأميركية في منع إفادة إيران من عبور طائرات الخطوط الجوية القطرية فوق مجالها الجوي.
وأكد المتحدثون أن بواعث الأزمة سوف تستمر طالما بقيت دول الحصار تقف في الخندق المعادي لثورات الربيع العربي وتطلعات الشعوب نحو الحرية والتغيير والإصلاح بينما تقف قطر داعمةً لهذا التوجه وذاك المسار.
وأشار المشاركون في الندوة إلى أن مجلس التعاون الخليجي -رغم ضعفه- سيبقى، لأن الولايات المتحدة الأميركية تريد لهذه المظلة أن تستمر ولأعضائه أن يحافظوا ولو على الحد الأدنى من التعاون حتى لا تضطرب هذه المنطقة الحيوية بالنسبة للمصالح الأميركية لاسيما في مواجهة إيران والصين وروسيا.
وكانت الندوة سابقة الذكر قد انعقدت أمس، وتمَّ بثُّها عبر الإنترنت تحت عنوان "حصار قطر: التداعيات الاستراتيجية بعيدة المدى"، وشارك فيها: أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة قطر، ماجد الأنصاري، ومدير مركز مينا للأبحاث في واشنطن، خالد الجابر، والباحث في مركز الجزيرة للدراسات، الحواس تقيَّة، والباحث في السياسة النقدية والاقتصاد السياسي بجامعة كامبردج البريطانية، خالد الخاطر، والإعلامية القطرية، إلهام بدر، وأدارها المذيع بقناة الجزيرة مباشر، مصطفى عاشور.
فشل المشروع السعودي/الإماراتي
في بداية مداخلته، أوضح ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قطر، أنه بعد ثلاث سنوات على بداية تفجُّر الأزمة الخليجية وما تبعها من حصار لقطر اتضحت الأسباب الحقيقية التي كانت تقف خلف ما حدث، وتبيَّن أنه كان جزءًا من مشروع تبنته السعودية والإمارات لوأد ثورات الربيع العربي، وأن هاتين الدولتين أخذتا على عاتقهما محاربة قوى التغيير والإصلاح في العالم العربي وفي مقدمتها قوى الإسلام السياسي. ولهذا، رأيناهما تتدخلان في اليمن وتونس، وتدعمان الانقلاب العسكري في مصر وليبيا.. كل ذلك بغرض فرض الهيمنة وبسط النفوذ، وأنَّ ما حدث مع قطر -يضيف الأنصاري- يقع ضمن هذا السياق، وذلك حينما وجدت أبو ظبي والرياض الدوحةَ تدعم حركة التغيير في العالم العربي فقررتا إسكات صوتها، وظنَّتا في بداية الأزمة أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشخصيته وتوجهه ونمط تفكيره، سيدعمهما فيما يريدانه، لكن سرعان ما تدخلت المؤسسات الأميركية للمحافظة على المصالح الأميركية العليا فوضعت حدًّا لهذه المساعي، ما خفَّف من حدة الأزمة، وحال دون تحولها إلى عمل عسكري كما كان مخططًا لها.
ويضيف ماجد الأنصاري قائلًا: إننا نلاحظ الآن تراجعًا للمشروع السعودي/الإماراتي، ليس على مستوى الأزمة وحصار قطر فقط وإنما على مستوى المنطقة بأكملها، وهذا يدل على أنَّ الهدف كان الهيمنة السياسية، بدليل -والكلام للأنصاري- أنه في المفاوضات السعودية-القطرية في ديسمبر/كانون الأول الماضي (2019) لم تُشر الرياض إلى المطالب الـ13 التي كانت تشترطها مع دول الحصار، وهذا يدل على أن هذه المطالب لم تكن السبب الحقيقي للأزمة، وإنما كانت خليطًا من رغبات كل دولة من دول الحصار لتسويغ معاداتها لقطر.
وعن تداعيات الأزمة الخليجية على مجلس التعاون وأفق الحل الذي يراه، أوضح الأنصاري أن مجلس التعاون الخليجي، ومنذ ما قبل الأزمة، لم يكن مؤسسة فاعلة على المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وأنه بقي في ظل هذه الأزمة بلا فاعلية، وربما -والكلام للأنصاري- كان هذا الضعف سببًا في بقائه وعدم إلغائه حتى الآن، ليؤدي ما يُطلب منه من بعض المجالات الرسمية، أما تطويره ليصبح منظومة إقليمية فاعلة ومؤثِّرة فأمر مستبعد خلال المرحلة الراهنة.
أما عن مآلات الأزمة وأفق حلها، فقد أوضح ماجد الأنصاري أن الأزمة لن تشهد حلًّا على المدى المنظور، وأرجع ذلك إلى أن أطرافها؛ سواء قطر أو دول الحصار أو القوى الإقليمية والدولية، ليسوا معرَّضين للضغط بسببها، وأنها لا تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن والسلم الدولييْن يجعلها على رأس أولويات القوى الكبرى، غير أنها -والكلام للأنصاري- قد تشهد حلحلة في بعض ملفاتها مثل ملف فتح المجال الجوي لدول الحصار أمام الطيران القطري، وذلك لرغبة الولايات المتحدة في منع إفادة إيران من استخدام الخطوط الجوية القطرية المجالَ الجوي الإيراني خلال رحلاتها.
واختتم الأنصاري مداخلته بالقول: إن "منهج التجزئة" الذي تتعاطى به الولايات المتحدة مع الأزمة الخليجية ربما يساعد في مزيد من تبريدها وحلحلة بعض عُقدها، وإن الوضع سيبقى على حاله إلى أن تنتهي الانتخابات الأميركية القادمة وتتضح معالم السياسة الخارجية إزاء الشرق الأوسط التي سيتبعها الفائز في تلك الانتخابات.
انشغالات تؤخِّر حل الأزمة
في توصيفه للأزمة، استعرض مدير مركز مينا للأبحاث في واشنطن، خالد الجابر، أبرز المحطات الأمنية التي مرَّت على مجلس التعاون الخليجي فتحدث عن دور المجلس في الحرب العراقية-الإيرانية، ودوره في غزو واحتلال الكويت، ثم دوره في غزو واحتلال العراق، وموقفه من ثورات الربيع العربي، وأخيرًا دوره ومدى فاعليته في الأزمة التي افتعلتها دول الخليج مع قطر سواء عام 2014 حينما سحبت سفراءها، أو في عام 2017 حينما فرضت الحصار. وخلص خالد الجابر إلى أن مجلس التعاون الخليجي طيلة هذه الأزمات، وخلال تلك المنعطفات بدا منظمة ضعيفة وهشَّة وغير قادرة على العمل، وقال: إنه سيبقى هكذا ما لم يحدث تغيير جوهري على مستوى الإرادة السياسية لأعضائه.
وعن الدور الأميركي في حلحلة الأزمة الخليجية الراهنة، قال خالد الجابر: إنَّ الولايات المتحدة الأميركية منشغلة الآن بتداعيات جائحة كورونا وما خلَّفته من آثار على مستوى الخسائر البشرية (التي جاوزت مئة ألف قتيل)، أو على المستوى الاقتصادي الذي تسبب في تصاعد نسب البطالة حتى أصبح في البلاد حاليًّا ما بين 40 إلى 50 مليون عاطل عن العمل، كما أنها منشغلة بالانتخابات الرئاسية التي ستُجرى نهاية العام، ومن غير المتوقع إحداث تغييرات في سياستها الخارجية حتى يتضح القادم الجديد للبيت الأبيض.
وأشار خالد الجابر في معرض حديثه عن عملية اتخاذ القرار في الولايات المتحدة إلى مقدار الصعوبة والتعقيد في هذا الأمر نظرًا لكثرة المؤسسات ذات الصلة بمخرجات هذا القرار. وضرب مثلًا على ذلك بمحاولة وزارة الخارجية الأميركية تكوين تحالف دولي يجمع مصر وإسرائيل ودول الخليج ضد إيران وإخفاقها في هذا الأمر.
وعن توقعاته لحل الأزمة، أثنى خالد الجابر على جهود دولة الكويت وأميرها الشيخ، صباح الأحمد الجابر الصباح، في بذل غاية الوسع في حل الأزمة الخليجية، لكنه وافق ماجد الأنصاري فيما ذهب إليه من أن الأزمة ستراوح مكانها حتى إشعار آخر لأنه ليس ثمَّة ضغوط حاليًّا على أطرافها تدفعهم لحلها، وليست في الوقت الراهن عامل تهديد يقوِّض الأمن والاستقرار في العالم، فضلًا -يقول خالد الجابر- عن انشغال كل دولة خليجية بمشاكلها الداخلية لاسيما مع جائحة كورونا، وانتظار الجميع نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، وأنها ستبقى على هذه الدرجة المنخفضة من السخونة ما لم يحدث تغيير في الإقليم يعيدها الى الواجهة، كمواجهة أميركية-إيرانية على سبيل المثال تجبر دول الحصار على فتح مجالهم الجوي أمام الطيران القطري.
عوامل نجاح قطر
اختار الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، الحواس تقيَّة، أن يُفرد في مداخلته مساحة للحديث عن العوامل التي ساعدت قطر في امتصاص صدمة الحصار خلال أيامه الأولى، والاستراتيجية التي اتبعتها طيلة فترة الأزمة، والتي نجحت من خلالها في إدارتها، وإفشال المخططات الرامية إلى إخضاع سيادتها الوطنية وقرارها السياسي لدول الحصار، فأرجع تلك العوامل إلى جملة من الأسباب، أبرزها: شرعية النظام، والتي قال: إنه يستمدها من عاملين رئيسين؛ أولهما: ثقة الشعب في قدرته على حمايته ورعاية مصالحه، وثانيهما: من قدرته وكفاءته في التعامل مع مثل هذه الأزمات وتجاوز تداعياتها والتغلب على آثارها؛ الأمر الذي أدى إلى التفاف المجتمع القطري حول قيادته السياسية، وبذله أقصى الجهد من أجل حماية النظام والدولة مما يحاك لهما.
والأمر الثاني -يضيف الحواس- الذي اعتمدت عليه قطر في مواجهة الأزمة هو "السردية" التي استطاعت من خلالها إثبات بطلان دعاوى دول الحصار والحيلولة دون "سرديتهم" التي حاولوا ترويجها بشتى الطرق، والقائمة على ترويج أكاذيب بشأن دعم قطر للإرهاب، وتسببها في زعزعة أمن واستقرار الخليج، وما هنالك من تُرَّهات. وقد كان للإعلام القطري، وبخاصة الموجَّه للخارج، الدور الحاسم في إيصال صوت قطر إلى العالم، والتأثير في الرأي العام وصُنَّاع القرار.
وسبب آخر ساعد على تمكين قطر من تجاوز الأزمة، أشار إليه الحواس، وهو الموارد الاقتصادية والمالية الكبيرة التي تمتلكها قطر، وأوضح أن الدوحة استطاعت بناء شبكة واسعة من المصالح مع الدول التي تعتمد في جزء كبير من احتياجاتها للطاقة على الغاز القطري، لاسيما في قارتي آسيا وأوروبا، وأن هذه الدول بذلت جهدها السياسي والدبلوماسي لمنع تفاقم الأزمة حفاظًا على استمرارية تدفق الغاز ومن ثم بقاء مصالحها خارج دائرة التأثر.
وأكد الحواس كذلك على أن الأمر نفسه (تبريد الأزمة حفاظًا على المصالح) اتبعته الولايات المتحدة الأميركية في هذه الأزمة؛ إذ راهنت قطر على وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وبقية مؤسسات الدولة الأميركية، فكان أن وقفت تلك المؤسسات -التي تبيَّن أنها أقوى من بقية اللوبيات بما فيها اللوبي الصهيوني- وأعادت التوازن في تعامل البيت الأبيض ورئيسه، دونالد ترامب، مع الأزمة، وقد كان ميَّالًا في بدايتها إلى موقف دول الحصار، فوزارة الدفاع -يضيف الحواس- تعرف أن المصالح الأميركية هي في عدم تفاقم الأزمة الخليجية، وفي العمل على تسوية الخلافات بين دول مجلس التعاون، أو على الأقل ضمان عدم خروجها عن الحد المسموح به، وبقاء هذه المنظومة؛ يتعامل أعضاؤها فيما بينهم، حفاظًا على أمن الخليج، الذي يُعتبر من ركائز الأمن الأميركي في دوائره المتعددة حول العالم.
وأشار الحواس تقيَّة إلى أن من العوامل الأخرى التي ساعدت قطر على تجاوز أزمة صيف العام 2017 الاستراتيجية التي اتبعتها على الأصعدة التنموية والاقتصادية والدفاعية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية -سابقة الذكر- وقد مكَّنها ذلك من التماسك، وامتصاص الصدمة، ثم بعد ذلك التحوُّل من الدفاع إلى الهجوم المضاد.
وعن نموذج إدارة الدول الصغرى لتحدياتها الأمنية، قال تقيَّة: في العادة يرتبط أمن الدول الصغرى في مواجهة الدول الكبرى بما يمكن تسميته بسياسة "خفض الجناح"، ومؤداها أن تتحمَّل وضعها، وتتقبَّل ضعفها، وتستكين لقدرها، بينما النموذج القطري ذهب في طريق مختلف؛ فكانت الدولة أكثر حركيةً، وأمضى فاعليةً، واختارت أن تكون مستقلة في سياساتها وقراراتها، وأن تظل محافظةً على قيمها المتوارثة في الدفاع عن القيم وحقوق الإنسان وبخاصة المظلوم والمضِيم، واتبعت استراتيجية لتحقيق الأمن والاستقرار والرفاهية، وقد استطاعت القيادة القطرية استخدام موارد الدولة بكفاءة فحصلت على النتيجة المرجوَّة، رغم أنه هذه الموارد أقل كثيرًا على مستوى التعداد السكاني والمساحة الجغرافية والدخل القومي مقارنةً بدول الحصار، واستطاعت قطر بذلك إفشال مشاريع تلك الدول، وأبانت أنَّ صغر مساحة الدولة لا يعني بالضرورة الضعف.
وعن آفاق التسوية السياسية للأزمة الخليجية الراهنة، أشار تقيَّة إلى أن التسوية الشاملة ربما تكون مستبعدة في المدى المنظور، لكن "الحلحلة" على منهج التجزئة، الذي أشار إليه الدكتور الأنصاري في مداخلته السابقة، قد تؤتي بعض الثمار، وأرجع ذلك إلى المصالح التي يفرضها الجوار الجغرافي بين السعودية وقطر، وقال: إن هذا الجوار قد يكون دافعًا "جيوبوليتيكيًّا" نحو الحلحلة، خاصة -يضيف تقيًّة- أن الصعوبات التي تواجه السعودية والامارات في اليمن، وتلك التي تواجهها أبو ظبي في ليبيا وجيبوتي والصومال، تسببت في انهماكهما؛ ما قد يُخفف من اندفاعهما، وربما ساعد على ذلك أيضًا ما يلوح في الأفق من تقارب إماراتي-إيراني، فضلًا عن رغبة الولايات المتحدة الأميركية -وهي تواجه تصاعد نفوذ الصين- إلى لملمة شمل الخليجيين حتى يدافعوا عن مصالحها في منطقة الخليج، ولهذا -يختم الحواس تقيَّة- ربما تدفع واشنطن أطراف الأزمة من أجل تسويتها.
البُعد الاقتصادي
استهلَّ الباحث الاقتصادي، خالد الخاطر، مداخلته بالحديث عن الجوانب الاقتصادية والمالية ودورها في الأزمة، فأشار إلى أنَّ ثروات الأمم والشعوب تكون في العادة مطمعًا لغيرها، وأنَّ ما حدث بالنسبة لقطر في تلك الأزمة لم يكن بعيدًا عن ذلك؛ إذ هدفت دول الحصار إلى تعطيل الصعود الاقتصادي لقطر حتى لا يتبعه استقلالها في قرارها السياسي وتظل بالتالي تابعة لغيرها، فكان هدف الحصار كبح هذا الصعود، ووضعها تحت الوصاية، وإن استدعى الأمر استخدام القوة العسكرية. واتبعت دول الحصار شتى السبل لتحقيق مرادها، منها: الحصار الاقتصادي والتجاري، والحرب التي شنَّتها على العملة القطرية بهدف زعزعة استقرار النظام أو إسقاطه من خلال تدمير روافد صمود قطر على كافة مستويات القوة الصلبة والناعمة، فاستهدفت دول الحصار ثروات قطر واستثماراتها وإعلامها ودبلوماسيتها، وشملت تلك الاستهدافات التشكيك في قدرة قطر على تنظيم كأس العالم، لكن قطر أفشلت ذلك كله.
وأضاف الخاطر أنَّ الأزمة الخليجية الراهنة عادت على قطر بالخير من باب توجهها نحو الاعتماد على الذات ومساعيها نحو تحقيق الأمن الغذائي، وتنويع مصادر الاستيراد، وفتح أسواق جديدة لتصدير الغاز المسال، وتدعيم قواتها المسلحة، وعدم الاعتماد على جيران لم يعودوا يؤمن جانبهم.. وقد أكسب ذلك كله قطر مناعة وزادها خبرةً ظهرت في تعاملها مع بقية الأزمات كما هي الحال راهنًا بالنسبة لإدارتها أزمة جائحة كورونا التي كان وقعها عليها أخف وطأةً مقارنة بدول الحصار ذاتها.
واستطرد جابر الخاطر في تحليل العوامل التي أدت إلى فشل دول الحصار في تحقيق أهدافها الاقتصادية من الأزمة؛ فقال: إن الحصار لم تتوافر له فرص النجاح من الأساس؛ ذلك لأن عوامل الإنتاج في دول الخليج متشابهة من ناحيتي الضعف والهشاشة، فلا توجد دولة خليجية تعتمد على الأخرى في استيراد سلعة ليست موجودة عند غيرها.. فدول المجلس تُصدِّر النفط وتستورد بعد ذلك معظم احتياجاتها من الأسواق العالمية. ولذلك، لم يكن حجم التجارة الخليجية البينية بذي بال، وحينما أعلنت دول الحصار مقاطعتها لقطر توجهت الدوحة إلى العالم، خاصة أنَّ تلك الدول لا تستطيع التحكُّم في المياه والأجواء الدولية.
وأنحى الجابر باللائمة على المملكة العربية السعودية في تعطيل بعض المشاريع الاقتصادية المهمة لمجلس التعاون الخليجي، وأشار في هذا الصدد إلى تعطيل الرياض مدَّ جسر بين قطر والبحرين، وقطعها التواصل الجغرافي بين قطر والإمارات، ورفضها إنشاء محطة عملاقة للطاقة تُزوَّد بالغاز القطري وتغطي احتياجات دول مجلس التعاون من الكهرباء وما زاد عن ذلك يتم تصديره إلى أوروبا، كما رفضت تصدير الغاز القطري عبر دول الخليج وذلك برفضها مد أنبوب غاز من قطر إلى البحرين ومنها إلى الكويت. وأشار الجابر إلى تسبب الإمارات العربية المتحدة كذلك في إفشال فكرة الاتحاد النقدي وذلك بانسحابها منه، واعتراضها على تأسيس بنك مركزي خليجي موحد.
ويضيف الجابر: بسبب فشل التكامل الاقتصادي الخليجي قبل الأزمة -كما سبق إيضاحه- لم تكن ثمَّة خسائر كبيرة، ويستطرد قائلًا: لنا أن نتصور مثلًا لو كانت هناك عملة خليجية موحدة ثم انهارت بسبب الأزمة الراهنة؛ كيف ستكون التداعيات؟!
وأوضح الجابر أن قطر حينما رأت عرقلة السعودية ومساعيها من أجل عدم تحولها إلى أكبر مُصدِّر للغاز في العالم أخذت زمام المبادرة بنفسها، وتوسعت في الإنتاج والتصدير وتهيئة البنية الأساسية في الدول المستوردة حتى أضحت الآن أكبر مزوِّد للعالم بالغاز الطبيعي المسال.
وعن فرص آفاق حل الأزمة الحالية، قال الجابر: إن قطر سوف تستمر في بناء رأس المال البشري، وتنويع مصادر الدخل، وتقوية علاقاتها الخارجية على كافة المستويات السياسية والاقتصادية، وتعزيز التنمية المستدامة، وحُسن استثمار مواردها، ومراكمة خبراتها في التعامل مع الأزمات.. وهذا كله يعود عليها دولة ونظامًا ومجتمعًا بالخير.
دور الإعلام
من جانبها، أشارت الإعلامية القطرية، إلهام بدر، وهي تسلِّط الضوء على دور الإعلام في الأزمة الخليجية، إلى أن هذه الأزمة بدأت في الإعلام قبل أن تبدأ على المستويات السياسية والاقتصادية وكادت تصل إلى العسكرية. وأوضحت أنه بعد قرصنة وكالة الأنباء القطرية اتضحت معالم الاستراتيجية الإعلامية لدول الحصار، وأنها تقوم على شيطنة قطر، ووسمها بالإرهاب وبشتى أنواع الأكاذيب والافتراءات، وقد استخدمت في ذلك كل الأدوات من: وسائل تواصل اجتماعي، إلى المسلسل التليفزيوني والأغنية واللحن، للنَّيْل من كل الرموز القطرية.
وأوضحت إلهام بدر أن قطر في المقابل اتبعت استراتيجية إعلامية تقوم على المهنية، والابتعاد عن الانجرار نحو الإسفاف والابتذال، وتبيان الحقائق، والمحافظة على القيم العربية والإسلامية والخليجية والعلاقات الأخوية بين الشعوب.. ولهذا فإن استراتيجيتها الإعلامية قد نجحت بينما فشل الآخرون في تحقيق أهدافهم.
وأشارت إلهام بدر إلى أن الأزمة الراهنة عزَّزت الهوية القطرية، وزادت اللُّحمة الوطنية بين القيادة السياسية والشعب، وأظهرت مقدار الوعي الذي يتمتع به المواطن القطري. واستذكرت الإعلامية القطرية ما وصفته بأنه "أجمل مشهد" حين خرج سكان قطر، مواطنين ومقيمين، عن بكرة أبيهم لاستقبال الأمير، الشيخ تميم بن حمد، عقب عودته من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك في مظاهرة شعبية جدَّد فيها دعمه لشرعية الحكم، وقالت: إن ذلك من المكاسب التي سنحرص على تعززها.
وعن تصورها لحال الإعلام الخليجي إذا ما انتهت الأزمة الراهنة، قالت إلهام بدر: إنَّ عودة السياق الإعلامي الخليجي بعد انتهاء هذه الأزمة سيكون بالنسبة إلى قطر أمرًا سهلًا لأن إعلامها لم ينزلق إلى ما انزلق إليه إعلام دول الحصار من إسفاف وابتذال، بينما سيكون ذلك صعبًا على إعلام تلك الدول الذي وصل إلى حالة مزرية. واختتمت إلهام بدر كلامها بالقول: إنَّ الأزمة الخليجية بدأت بالإعلام وستنتهي به إذا ما قرَّر أطرافها ذلك.