باحثون في مؤتمر نزاعات شرق المتوسط يؤكدون أهمية التسوية العادلة للنزاع تجنبًا لخسارة الجميع

المتحدثون من اليمين، الصف الأول: صالح صالحي، حسام مطر، نيكولا سركيس، بشير نافع. الصف الثاني: رودي بارودي، الحواس تقيَّة، حاتم غندير، كوستاس إيفانيتس. الصف الثالث: ممدوح سلامة، طارق الشرقاوي، ستيفن رايت، سهى شابك أغلو. وقد أدار جلسات المؤتمر: مصطفى عاشور ومحمد دحو.(الجزيرة)

اختتم مؤتمر "النزاعات في شرق المتوسط: أسبابها ومآلاتها" الذي نظَّمه، عن بُعد، مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر، أعماله أمس، الأربعاء، 24 سبتمبر/أيلول 2020، بعد أن شارك فيه نخبة من الباحثين والخبراء العرب والترك واليونانيين وبلدان أجنبية أخرى.

واستبعد المتحدثون في المؤتمر وصول التصعيد الراهن في بحر إيجة وشرق المتوسط، على خلفية النزاعات الحدودية وعمليات التنقيب عن النفط والغاز، حدَّ اندلاع حرب شاملة بين الدول المتنازعة، مرجعين ذلك إلى عدم استعداد تلك الدول لتحمل الخسائر الاقتصادية والبشرية الناجمة عن مثل هذه الحرب إذا اندلعت؛ خاصة في هذا الوقت الذي تعاني فيه من تداعيات جائحة كورونا.

وعن احتمال التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع القائم، أعرب المشاركون في المؤتمر عن أملهم في ذلك رغم إقرارهم بصعوبة هذا الأمر، نظرًا لانعدام الثقة بين أطراف النزاع، سيَّما بين تركيا من جهة واليونان وقبرص ومصر وفرنسا من جهة ثانية.

وأوضح المتحدثون أن تركيا لن تستسلم للضغوط الواقعة عليها من بعض بلدان الاتحاد الأوروبي لإجبارها على الموافقة قسرًا على الحدود البحرية المعروضة عليها لأنها تشعر بالغبن، وأنها (تركيا) سوف تستمر في "دبلوماسيتها الخشنة" حتى تنال ما تعتبره حقوقًا سيادية لها. وتوقعوا أن يزداد إيقاع هذا النوع من الدبلوماسية في الأسابيع القادمة التي تسبق الانتخابات الأميركية تحسبًا لفوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، الذي أعلن تأييده للطرف المضاد لتركيا في هذا النزاع.

وأوضح المتحدثون كذلك أن النزاع في منطقة بحر إيجة وشرق المتوسط، وإن كان في منطقة جغرافية محدودة، لكنه في المجمل يعكس صراعًا على النفوذ بين القوى الفاعلة على مستوى الشرق الأوسط بأكمله، ومن هنا تبرز الأهمية الجيوسياسية له.

كما قلَّل المتحدثون من الدور الفرنسي في النزاع القائم حاليًّا في شرق المتوسط، وعَزَوا السبب في ذلك إلى تراجع قوة فرنسا على الصعيد الدولي مقارنة بما كانت عليه في السابق إبَّان عهد الإمبراطورية، وبرَّروا انخراطها في هذا النزاع برغبتها في استثماره من أجل تنشيط مبيعات الأسلحة من جهة، وإعادة الحضور إلى الدبلوماسية الفرنسية على المسرح الدولي من جهة أخرى، حتى ولو كان حضورًا غير فاعل، لا تسنده ولا تدعمه قوة مكافئة.

وأوضح المتحدثون في المؤتمر أن الاستراتيجية الفرنسية في شرق المتوسط تقوم على مبدأ "التوازن من الخارج"، وذلك بهدف تفادي التورط المباشر في مغامرة عسكرية بوجه دولة أخرى منخرطة في الناتو (تركيا)، وتحيل الأعباء على الدول الحليفة في شرق المتوسط، ولكن مع جرعة من الدعم تتناسب والاندفاعة التركية. وتستند المقاربة الفرنسية على ركنين: الحفاظ على الوضع القائم ومنع تركيا من تغييره، وتقوية الفاعلين الإقليميين من الحلفاء.

كما سلَّط المؤتمر الضوء على دور إسرائيل فيما يحدث في شرق المتوسط، ومساعيها "لسرقة" الثروات الطبيعية لفلسطين المحتلة، بالإضافة إلى محاولاتها الاستيلاء على ثروات لبنان مستغلةً انشغاله بمشاكله الداخلية.

وتوقع المشاركون في المؤتمر أن يزداد التعاون الروسي-التركي مستقبلًا، ولم يستبعدوا دخول الصين على الخط ليصبح التعاون ثلاثيًّا (روسيًّا-تركيًّا-صينيًّا) فيما له صلة بالنزاع في بحر إيجة والمتوسط، واستندوا في توقعهم ذلك على كون روسيا وتركيا هما أكبر الخاسرين "مؤقتًا" مما يحدث، سواء بالانتقاص من حقوق تركيا في ثروات مياهها الاقتصادية، أو بتهميش الدور الروسي كأكبر مزوِّد للطاقة إلى أوروبا. لهذا، ووفقًا لما دار في المؤتمر من نقاشات، فإن العلاقات الروسية-التركية مرشحة للتنامي خلال الفترة المقبلة في حال أصرَّت الدول المشاطئة للمتوسط، ومعها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إذا فاز جو بايدن، على مواقفها الحالية.

أما عن دور البُعد التاريخي في تأجيج الصراع الراهن في بحر إيجة وشرق المتوسط، والذي استعرضه المتحدثون في المؤتمر باستفاضة فإنهم، ورغم إقرارهم بوجوده كعامل مساعد في استدامة الصراع، فإنهم اعتبروه، كما سبق القول، "عاملًا مساعدًا" وليس العامل الأساس وذلك لأن الصراع الرهن في جوهره هو "صراع حقيقي على ثروات حقيقية موجودة"، وليس مجرد صراع على خلفيات تاريخية أو دينية أو قومية.

وأخذ الحق الفلسطيني في ثروات شرق المتوسط نصيبه من كلمات المتحدثين، وتحدثوا في هذا الصدد عن مسارعة إسرائيل إلى تجاهل الحق الفلسطيني في تلك الثروات، والتعامل معها باعتبارها ملكًا خالصًا لها، رغم عدم التوصل بعد إلى حل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

وكان المؤتمر سابق الذكر قد انعقد على مدي يومي الثلاثاء والأربعاء، 22 و23 سبتمبر/أيلول 2020، وبُثَّت بعض جلساته على قناة الجزيرة مباشر والمنصات الرقمية لمركز الجزيرة للدراسات على مواقع التواصل الاجتماعي، وشارك فيه: بشير نافع، الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، وسهى شابك أوغلو، عضو المجلس الاستشاري في منتدى جامعة كوتش البحري بتركيا، وكوستاس إيفانيتس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أثينا، ونيكولا سركيس، خبير الطاقة اللبناني، وحاتم غندير، رئيس قسم الاقتصاد بقناة الجزيرة الإخبارية، وستيفن رايت، الأستاذ المساعد بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة حمد بن خليفة، وحسام مطر، الأكاديمي اللبناني المتخصص في العلاقات الدولية، وطارق الشرقاوي، مدير مركز أبحاث تليفزيون TRT التركي، والحواس تقيَّة، الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، وصالح صالحي، أستاذ التعليم العالي بجامعة سطيف1، بالجزائر، ورودي بارودي، الخبير الدولي في شؤون الطاقة والمقيم في قطر.

ويمكن للراغبين في الاستزادة من تفاصيل ما جاء في كلمات المتحدثين متابعة جلسات المؤتمر الأربعة عبر الروابط التالية :

الجلسة الأولى : (اضغط هنا )

الجلسة الثانية : (اضغط هنا )

الجلسة الثالثة : (اضغط هنا )

الجلسة الرابعة :(اضغط هنا )