نظَّم مركز الجزيرة للدراسات وقناة الجزيرة مباشر مؤتمرًا بحثيًّا عن بُعد بعنوان المشروع الوطني الفلسطيني: ما بعد حرب غزة وهبَّة القدس (2021)، يومي الاثنين والثلاثاء، 16-17 أغسطس/ آب 2021، بمشاركة نخبة من الباحثين والأكاديميين والخبراء المختصين في الشأنيْن، الفلسطيني والإسرائيلي.
في بداية المؤتمر، تحدَّث مدير مركز الجزيرة للدراسات، محمد المختار الخليل، عن الهدف منه، وقال: إنَّ المرجو أن يكون منصَّة لتبادل الرأي بين مختلف الآراء والتوجهات لإعادة تقييم المشروع الوطني الفلسطيني والوقوف على أسباب تعثُّره والوسائل الكفيلة بإقالته من عثرته. كما تكلَّم عن السياق الذي ينعقد فيه المؤتمر وبالأخص بعد هبَّة القدس التي وحَّدت الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، والتي أعادت الاعتبار لأهمية المقاومة بأشكالها وأنواعها المختلفة.
وعلى مدى يومي المؤتمر، ومن خلال جلساته الأربعة، تناول المتحدثون ما آل إليه المشروع الوطني الفلسطيني بعد أن تتبعوا، بالرصد والتحليل والتقييم، مراحله التي مرَّ بها على مدى مئة عام الماضية؛ فتحدثوا عن المكاسب والخسائر التي تحققت حينما انتهجت القضية الفلسطينية نهج النضال المسلح حينًا والنهج التفاوضي حينًا آخر وصولًا إلى المرحلة الراهنة التي تجلَّت فيها مظاهر الأزمة والمتمثلة في الانقسام السياسي بين الضفة وغزة، وتعطيل مؤسسات العمل الوطني وعلى رأسها المجلس الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية، وعدم الاتفاق على رؤية ومنهج للتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي حاضرًا ومستقبلًا، فضلًا عن تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية على المستويين، الإقليمي والدولي؛ بل وعلى المستوى الشعبي حيث كانت القضية الفلسطينية تُعدُّ منطقة جذب وبؤرة توحد للنخب والشعوب العربية إلى أن فتر الاهتمام بها والتفاعل معها لدى شرائح كبيرة من الرأي العام العربي.
وبعد استعراض المتحدثين الأسباب التي أوصلت المشروع الوطني الفلسطيني إلى هذه الحالة، قدَّم كلٌّ منهم رؤيته للخروج من الوضع الراهن على النحو التالي:
إبراهيم فريحات، أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا، وعضو المجموعة الأكاديمية لفلسطين.
يرى إبراهيم فريحات أن المشروع الوطني الفلسطيني يمر بأزمة منذ مباحثات كامب ديفيد عام 2000 بين ياسر عرفات وإيهود باراك والتي فشلت كآخر محاولة جدية للعمل ضمن اتفاق أوسلو، ومنذ ذلك الوقت والمشروع الوطني الفلسطيني يراوح مكانه، ولا توجد محاولة جادة لإخراجه من أزمته، وإن كل ما يقال إنما هو شعارات خالية المضمون.
وللخروج من تلك الأزمة، يقترح فريحات أربع خطوات، الأولى: تبدأ من توقف المفاوضات بشكلها الحالي. ومبرِّرُه في ذلك هو عدم توازن القوة بين الجانبيْن المتفاوضيْن؛ وبالتالي فإن ما يحدث في المفاوضات برأيه ما هو إلا تقديم تنازلات وهو ما لا يصلح لطبيعة الصراع الذي يعايشه الفلسطينيون والذي هو نضال ضد استعمار "كولونيالي"، وأن المفاوضات الحقيقية يجب عليها أن تركز على كيفية إنهاء الاحتلال لا أن تتأسس على أن يمنح مَن احتُلَّت أرضه الأمن للمحتل. الخطوة الثانية: عدم التعويل على الغرب أخذًا بدرس أوسلو وما آلت إليه المفاوضات، ويقول: إن التعويل على الغرب إنما هو محض سراب، لأن المجموعة الدولية لن تمنح الفلسطينيين شيئًا ما لم يمتلكوا أوراق قوة بأشكالها المختلفة. أما الخطوة الثالثة، فتتمثل في تعزيز المبادرات الشعبية، ويقصد بها الهبَّات الشعبية التي تجبر القيادات السياسية الفلسطينية على التحرك وفق الأجندة الوطنية الشعبية والتي يستمع إليها الخارج كما حدث في انتفاضة 1987، ومن ثمَّ فمن الضروري في رأيه تعزيز منظمات المجتمع المدني لتقوم بدورها وخاصة في المقاطعة ضد إسرائيل بكافة أشكالها باعتبارها نظامًا للتمييز والفصل العنصري، على غرار ما حدث في قضية جنوب إفريقيا. وتذهب الخطوة الرابعة إلى ضرورة إيجاد بديل للاعتماد على المساعدات المالية التي تتلقاها القيادة الفلسطينية من الخارج سواء من العرب أو من المجموعة الدولية، ويجب تعزيز الاقتصاد الفلسطيني ليؤهلهم للصمود وعدم الاعتماد على الخارج اعتمادًا كليًّا، كما هو حاصل الآن.
سلمان أبو ستة، مؤسس ورئيس هيئة أرض فلسطين ومقرُّها لندن.
يعتقد سلمان أبو ستة أن ثمة مصدرين للقوة الفلسطينية في المستقبل القريب؛ أولهما: القوة الديمغرافية البالغة الآن 14 مليون نسمة والتي ستصبح في عام 2030 حوالي 18 مليونًا والذين يتزايدون باستمرار، ونصفهم حاليًّا على أرض فلسطين و80% من النصف المتبقي يعيشون على بعد 100 كيلو متر من فلسطين، ويرى أبو ستة أن تحويل هذه الأعداد من البشر إلى قوة فاعلة ومؤثرة أمر ممكن، ويلفت النظر في هذا السياق -تأكيدًا على كلامه- إلى الارتباك الذي شعرت به إسرائيل حينما هبَّ الفلسطينيون في غزة والقدس وأراضي الـ48، ويقول: إن ما حدث لم يكن مسبوقًا لعقود خلت وإنه عودة إلى الوضع الطبيعي وهو أن الفلسطينيين شعب واحد. ويقارن أبو ستة بين القوة الديمغرافية الفلسطينية والإسرائيلية ويخلص إلى أن أعداد اليهود في المستقبل لن تتجاوز ثمانية ملايين، مُرجعًا ذلك إلى رغبة اليهود في توزيع أنفسهم بين من يعيشون داخل فلسطين ومن يعيشون خارجها وفقًا للخطة التي وضعوها.
النقطة الثانية التي يرى أبو ستة أن بالإمكان استثمارها لصالح المشروع الوطني الفلسطيني هي التقدم التكنولوجي في وسائل التواصل والاتصال والتي يمكن عبر التطبيقات المختلفة كتطبيق زووم، على سبيل المثال، إبراز الإجرام الصهيوني بحق الفلسطينيين بشكل دقيق، وإن ذلك في تصوره من شأنه أن يغيِّر قناعات قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي ومنهم الشباب اليهودي نفسه، وضرب مثلًا بقناعات مجموعة من الشباب اليهود في إحدى الجامعات التي كان يُدرِّس فيها؛ فيقول: إن 22% من هؤلاء الشباب تغيَّرت قناعاتهم وباتوا ينظرون إلى إسرائيل على أنها "نظام فصل عنصري"، ويخلص أبو ستة إلى أن السيطرة الصهيونية على وسائل الإعلام التي كانت موجودة من قبل تشهد الآن تفككًا وهو ما يمكن استثماره لصالح المشروع الوطني الفلسطيني، ويضيف أن تحويل القوة الديمغرافية واتجاهات الرأي العام العالمي إلى سياسات وقرارات تغيِّر من واقع المآل الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية يحتاج إلى صبر وجهد، ويقول -مبشرًا بالأمل- إنه سيأتي وقت يعتقد فيه العالم أن استمرار دعم إسرائيل بات يكلفهم أثمانًا أكبر من الفائدة المرجوة من ورائها؛ كما هو الاعتقاد السائد الآن بين الأميركان من أن بقاءهم في أفغانستان يتطلب دفع ثمن ليسوا مستعدين لدفعه فتركوها وانسحبوا.
محمد جميل منصور، الرئيس السابق لحزب تواصل الموريتاني.
يعتقد محمد جميل منصور -الذي يلمس فتورًا شعبيًّا لدى قطاعات من الرأي العام العربي تجاه القضية الفلسطينية- أن من المهم إيجاد ميزان قوة حقيقي يستطيع أن يعادل أو يقارب قوة العدو، ويقول: إن الفلسطينيين نجحوا إلى حدٍّ ما في تعديل هذا الميزان من خلال سلاح المقاومة لكنهم بحاجة إلى تعزيز ذلك، وألا يقتصر على الميزان العسكري فحسب بل وعلى كافة المستويات أيضًا، من ذلك الميزان السياسي وتوحيد الصف والتناغم بين القيادات من أجل زيادة التأثير السياسي عربيًّا وإسلاميًّا ودوليًّا.
ويرى جميل منصور أيضًا أن التكامل بين أبعاد القضية الفلسطينية أمر ضروري يجب الحفاظ عليه وتعزيزه، وفي ذلك يقول: إن القضية الفلسطينية قضية فلسطينية وعربية وإنسانية وإن تكاملها أصبح ضروريًّا للمشروع الوطني الفلسطيني ليستفيد من مردود هذه الأبعاد المختلفة، وأن نبتعد عن الحساسية تجاه بُعد من هذه الأبعاد أو معنى من هذه المعاني.
والعنصر الآخر الذي يراه جميل منصور مهمًّا في تعزيز المشروع الوطني الفلسطيني هو استمرار الفلسطينيين في حثِّ الشعوب العربية والإسلامية على الوقوف خلف القضية الفلسطينية باعتبارها واجبًا لكونها قضيتهم المركزية المفترض ألا تتراجع على سلم الأولويات القُطْرية.
كما يعتقد أيضًا أن الضغط على الأنظمة العربية من أجل مزيد المساندة للقضية الفلسطينية أمر واجب، وأن الشعوب العربية بمقدورها القيام بذلك الضغط حتى تتراجع تلك الأنظمة عن سيء الأفعال التي قامت بها وأن تعود على الأقل إلى الموقف الضعيف الذي عبَّرت عنه من خلال المبادرة العربية للسلام في بيروت، عام 2002.
إيلان بابيه، مدير مركز الدراسات الفلسطينية في جامعة إكستر.
يعتقد إيلان بابيه أن ثمة أربع نقاط مهمة يمكنها أن تعزز المشروع الوطني الفلسطيني؛ أولاها: ترسيخ القناعة بأن حلَّ الدولتين قد مات وأنه لن يؤدي إلى حل شامل أو عادل للقضية الفلسطينية لا على المستوى الأخلاقي ولا على المستوى الميداني.
وثانيها: وهو مترتب على الأول، يجب أن نوجد بديلًا لحل الدولتين؛ أيًّا كان الاسم الذي نطلقه على هذا الحل، وأن على حركة التحرير الفلسطينية نفسها أن تقدم هذا البديل، ولن تستطيع فعل ذلك ما لم توحد صفوفها، وما لم تصل إلى رؤية واضحة لمعنى تحرير فلسطين في القرن الحادي والعشرين أخذًا بعين الاعتبار المبادئ الأساسية لأية دولة محررة، والعودة "المشروطة" للاجئين إلى فلسطين، ويقول إيلان بابيه: إن من شأن ذلك أن ينقل الاهتمام بالقضية الفلسطينية من مستوى الرأي العام العالمي إلى مستوى الحكومات والقوى الكبرى التي يمكنها إقرار تلك الرؤية سابقة الذكر وتحويلها إلى شكل من أشكال الدولة يتم الاتفاق عليه.
ثالثًا: من المهم لتعزيز المشروع الوطني الفلسطيني إيقاف التدخل الأميركي والتوقف عن إيكال الأمر إلى الولايات المتحدة لحل معضلات القضية الفلسطينية خاصة بعد ما ثبت أنها لم تقدم أي حل لهذه القضية طيلة العقود الماضية؛ والانتقال بالقضية إلى جملة من الفاعلين الدوليين وليس الولايات المتحدة فقط.
مصطفى البرغوثي، أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية، وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني.
يعتقد البرغوثي أن السؤال الذي يجب أن يسأله الفلسطينيون هو: أين نقف الآن؟ وذلك بعد وهم المفاوضات منذ توقيع اتفاق أوسلو وبعدما ثبت أن الحركة الصهيونية لا تريد قيام دولة فلسطينية مستقلة، وإنما حشْرهم في كيان حكم ذاتي بلا سيادة. والحل الذي يراه مصطفى البرغوثي للمشروع الوطني الفلسطيني يبدأ من عدم الاتكال على الولايات المتحدة التي تعتبر نفسها في تحالف استراتيجي مع إسرائيل وبسبب قوة اللوبي الصهيوني هناك، ويعتقد البرغوثي أن أي حوار بين الفصائل الفلسطينية وبخاصة بين فتح وحماس لن ينجح ما لم تتوافر نية صادقة بينهما للقبول بخمسة مبادئ: أولًا: الشراكة الديمقراطية والاقتناع بأنه لا يوجد في الساحة الفلسطينية قوة واحدة بمقدورها الانفراد بالقرار الفلسطيني. ثانيًا: حق الشعب في الانتخاب الديمقراطي واختيار قيادته دون وصاية من إسرائيل أو الولايات المتحدة، وذلك لأنه ما لم تكن القيادة منتخبة ومختارة من الشعب الفلسطيني فلن تستطيع أن تفاوض أو أن تتحدث باسمه، وهذا هو عمق الأزمة التي تعيشها القضية الفلسطينية راهنًا. ثالثًا: الاتفاق على إنهاء الانقسام بين الضفة وغزة وإزالة كل أشكال التمييز التي تمارَس ضد قطاع غزة والقبول بمبدأ أن كل الفلسطينيين متساوون في الحقوق والواجبات. رابعًا: إعادة مركز الثقل من السلطة الفلسطينية إلى حركة التحرر الوطني الفلسطيني وتشكيل قيادة وطنية موحدة في إطار منظمة التحرير المسلوبة من قِبَل السلطة. خامسًا: قيام القيادة الوطنية الفلسطينية الموحدة المرجوة على أساس برنامج كفاحي مقاوِم لأنه لن توجد وحدة فلسطينية إذا كان ثمة طرف لا يزال يراهن على المفاوضات واتفاق أوسلو والتنسيق الأمني؛ فإذا كانت هذه القناعات ستستمر فلن تشهد فلسطين وحدة بين الفصائل ولا قيادة موحدة تقود المشروع الوطني الفلسطيني.
عدنان أبو عامر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة في غزة.
يرى أبو عامر أن الحديث عن حل الدولتين هو نوع من الترف الفكري في ظل ما يشهده الفلسطينيون من اعتداءات، وفي ظل الوضع الحالي للمستوطنات وتقطيع المدن والبلدات الفلسطينية بالطرق الالتفافية، وفي ظل سلطة فلسطينية "متهالكة"، وإقليم عربي منشغل بملفاته الداخلية، وإدارة أميركية تجعل الملف الفلسطيني-الإسرائيلي في آخر أولوياتها.
ويعتقد أبو عامر أن الحل يكمن في المقاومة التي ترفع تكلفة الاحتلال وتعرقل قضمه للأراضي الفلسطينية بالمستوطنات ونحوها. ويقول: إن ذلك يتطلب إرادة وطنية صادقة لدى حركات المقاومة للاستمرار في النهج المقاوم، وحاضنة شعبية تحتضن المقاومة لينتج عن ذلك في النهاية حصاد ميداني جيد. وللتدليل على كلامه، اتخذ أبو عامر مما حدث في أفغانستان وانتصار حركة طالبان على الولايات المتحدة وحلف الناتو مثالًا ونموذجًا، وفي هذا الصدد، يقول: إنَّ الرضوخ للضغوط والتخلي عن المقاومة هو استسلام لإرادة المحتل، وإن كل حركات المقاومة عبر التاريخ عانت هي وحاضنتها الشعبية في سبيل نيل الحرية. والخلاصة التي يراها حلًّا للقضية الفلسطينية ودفعًا للمشروع الوطني الفلسطيني إلى الأمام تكمن في خيار المقاومة كخيار أساسي واستثماره سياسيًّا؛ تتبنَّاه السلطة الوطنية الفلسطينية بالتعاون مع فصائل المقاومة، مع بذل مزيد الجهد للتخفيف من الضغوط المعيشية من أجل المحافظة على العلاقة بين فصائل المقاومة وحاضنتها الشعبية والحيلولة دون نجاح المحاولات الإسرائيلية لإحداث انفصام بينهما.
جون ألدريدايس، رئيس مركز فض النزاعات في جامعة أكسفورد، وعضو مجلس اللوردات.
يرى ألدريدايس أن اعتقاد الفلسطينيين بأن مصير الاحتلال الإسرائيلي إلى زوال أمر غير صحيح، ويقول إن ثمة أنواع من الاحتلال دامت طويلًا جدًّا. فمثلًا، كان الوطنيون الأيرلنديون يعتبرون الوجود البريطاني احتلالًا لكنه استمر لسبعمئة عام واضطروا للجلوس إلى مائدة المفاوضات، فالمهم بالنسبة للفلسطينيين هو اتفاقهم على أي نتائج يتوصل إليها ممثلوهم وإن لم يفعلوا فلن يصلوا إلى شيء يلبِّي تطلعاتهم.
ويرى ألدريدايس أيضا أن من الخطأ النظر إلى نموذج طالبان الأفغاني وتعميمه على كل أنواع المقاومة، وذلك لأن الوجود الأميركي في أفغانستان كان من البداية مؤقتًا بينما الإسرائيليون ينظرون إلى وجودهم في فلسطين على أنه وجود دائم، فلا يمكن المقارنة هنا بين الاثنين.
ويعتقد ألدريدايس أن من الغباء الظن بأن أية إدارة أميركية ستغير موقفها إزاء إسرائيل وكذلك من الغباء الظن أن أية حكومة إسرائيلية سوف تستجيب للضغوط وتغير سياساتها، ويقول إنني لا أرى أن أية دولة يمكن أن تقوم بشيء فعلي على أرض الواقع غير الكلام، وكذلك الصين أو روسيا، فإذا أراد الفلسطينيون التغيير فلا مناص أمامهم من أن يتحملوا المسؤولية ويفعلوا ذلك بأيديهم لا بيد غيرهم، فعليهم أن يتفقوا على قيادة تحظى بدعم شعبي لتقود المسيرة السياسية بكل أبعادها ومظاهرها ليصلوا إلى النتائج التي يريدونها.
غادة الكرمي، المحاضرة في جامعة إكستر ببريطانيا.
ترى غادة الكرمي أن من الضروري التركيز على السؤال الصحيح حتى نصل إلى الإجابة الصحيحة، والسؤال الصحيح من وجهة نظرها هو: هل الشعب الفلسطيني واحد ونضاله واحد وهدفه واحد؟
وتعتقد الكرمي أن الشعب الفلسطيني بالفعل واحد وهدفه هو إنهاء الاحتلال، وتستدل بالهبَّة التي شهدتها الأراضي الفلسطينية جميعها هذا العام (2021) والتي أوضحت الوحدة بين الداخل والخارج، وتنتقل الكرمي من هذه المقدمة إلى نتيجة مفادها ضرورة التفكير في حل يشمل الشعب الفلسطيني بأكمله وفي آن واحد. وترى أن حل الدولتين لم يعد ممكنًا. وقبل أن توضح ما هو الحل من وجهة نظرها تورد ثلاثة مطالب ترى أن الفلسطينيين يريدون تحقيقها، وهي: عودة كل من طُرد من أرض فلسطين سنة 1948 وما بعدها، وتعويض من لحقت به الخسارة جرَّاء ذلك، وتوفير الحياة الكريمة على أرض فلسطين للفلسطينيين. ثم تقول: إن حل الدولتين لا يحقق هذه المطالب رغم أنه مطلب كثير من الفلسطينيين ورغم أنه يلقى قبولًا لدى المجموعة الدولية، وتبرهن على رأيها بالقول: إن حل الدولتين يمنح الفلسطينيين فقط 22% من مساحة فلسطين التاريخية، وهو ما لا يسمح بعودة اللاجئين ولا بالتعويض ولن تتحقق في ظل هذه الدولة المزمعة كرامة العيش للفلسطينيين.
وتعود الكرمي للتساؤل: إذن، ما الحل؟ وتقول: إن الحل الذي نسعى إليه هو ما يحقق المطالب السابقة، غير أنها ترى أن القيادة السياسية الفلسطينية -رغم أنها واعية لهذه المطالب- فإنها اتبعت سياسة "شيء أفضل من لا شيء"، ومسار "أن نأخذ القليل ثم نطالب بالمزيد"، وتقول: إنه قد ثبت أن ذلك غير مجدٍ، وتصل إلى خلاصة مفادها أن الحل الذي تراه مناسبًا، حتى ولو كانت إسرائيل ترفضه في الوقت الراهن، هو حل الدولة الواحدة الديمقراطية التي تستوعب الجميع وتحقق الكرامة للجميع وتمنح الحقوق للجميع.
محسن صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.
قبل أن يعدِّد محسن صالح جملة من التحديات التي يصفها بالقديمة والمتجددة، يخص بالذكر متغيرين يرى أهميتهما، الأول: تعطيل الانتخابات الفلسطينية مما أدى برأيه إلى حالة من عدم الثقة تجاه القيادة الحالية، والثاني: معركة سيف القدس هذا العام والتي أحدثت التفافًا واسعًا داخل فلسطين وفي الشارع العربي والإسلامي حول المقاومة وبرنامجها، ويقول صالح: إنَّ قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية الحالية تُصرُّ، مع ذلك، على اتباع نفس المنهج السابق الذي لم يعد مناسبًا في الوقت الراهن؛ مما يجعلها "خارج سياق التاريخ وبعيدة عن تطلعات الشعب الفلسطيني".
ويلخص محسن صالح الأزمات الناتجة عن الحالة الراهنة وما سبقها من أوضاع في خمس نقاط: الأولى: عدم التوافق على رؤية تحدد الثوابت والمصالح العليا للشعب الفلسطيني وتوضح المقصود بمصطلح "التحرير" وموقع فلسطين التاريخية من هذا المسار. والثانية: تتعلق بتحديد المسارات الاستراتيجية للشعب الفلسطيني وما إن كان سيعتمد مسار التفاوض أم مسار المقاومة أم الجمع بين المسارين. والثالثة: تحديد برنامج سياسي يحدد الأهداف المرحلية وكيفية إنجازها، ويوضح آلية إنشاء دولة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين في سياق إنشاء دولة فلسطينية على كامل التراب الفلسطيني لاحقًا. الرابعة: إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية في إطار إعادة ترتيب البنية التمثيلية للشعب الفلسطيني عوضًا عن هيمنة فصيل واحد عليها. الخامسة: الإبداع في استثمار تنوع الوجود الجغرافي للفلسطينيين ما بين الموجودين في قطاع غزة وفي الضفة والذين يقطنون في أراضي الـ 48 وأولئك الذين يعيشون في الشتات.
وعليه، فإن محسن صالح يرى أن الحل يكمن في التغلب على تلك التحديات مجتمعة، والبدء بما هو عاجل في تقديره ويتمثل في حل مشكلة شرعية القيادة الفلسطينية ووقف محاولات بعض الدول العربية والغربية إعادة إنتاج السلطة الفلسطينية الحالية، وإفساح المجال أمام الشعب الفلسطيني لإيجاد مسار ديمقراطي حقيقي يعبِّر عن إرادته، وإعادة النظر في آليات صناعة القرار الفلسطيني وذلك من خلال إعادة تفعيل المجلسين، المركزي والوطني، الفلسطينييْن بأعضائهما من الداخل والخارج بعيدًا عن حراب الاحتلال الإسرائيلي، وتفعيل منظمات المجتمع المدني الفلسطيني في الداخل والخارج، والتوافق على برنامج سياسي فعَّال.
أسامة أبو أرشيد، باحث غير مقيم في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بواشنطن.
يتفق أبو أرشيد على أن المشروع الوطني الفلسطيني يواجه التحديات سابقة الذكر وفي مقدمتها غياب القيادة والرؤية والتوافق، ويقول: إن ذلك انعكس على الموقف الدولي من القضية الفلسطينية.
ويعتقد أبو أرشيد أن من الضروري تحديد النقطة المرجعية أثناء الحديث عن تغير أو عدم تغير موقف الإدارات الأميركية من القضية الفلسطينية، ويقول: إننا إذا أخذنا إدارة دونالد ترامب كنقطة مرجعية وقارنَّاها بموقف إدارة جو بايدن فيمكن القول: إن ثمة تغيرًّا، لكن إذا نظرنا في مجمل مواقف الإدارات الأميركية على امتداد قرن بأكمله فإنه لا يوجد تغير حقيقي وإن كل الإدارات تنحاز بشكل تام إلى إسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية.. ومع ذلك فإن أبو أرشيد يلمس بعض المتغيرات التي يرى أنها ستكون مهمة في المستقبل فيما يتعلق بوعي الأميركان والشباب الإسرائيلي والشباب المسيحي الأنجيلكاني. وفي هذا الصدد، يقول: إن هؤلاء جميعًا كلما عرفوا إسرائيل أكثر قلَّ تعاطفهم معها وتفهمهم للحق الفلسطيني. ومن هنا، ينصح أبو أرشيد بضرورة الاشتغال على هذا البعد وذلك المتغير لتعظيم المكاسب المرجوة من ورائها فلسطينيًّا.
ساري عرابي، مدير مركز القدس للدراسات برام الله.
يرى ساري عرابي أن المشكلة في فلسطين ليست مشكلة أفكار نجهد الذهن للوصول إليها وإنما مشكلة إرادات نجمت عن محاولة البعض تغليب المسار التفاوضي على ما عداه من مسارات بارتباطاته وتعقيداته ونمط علاقاته مع المحتل الإسرائيلي. ويعتقد عرابي أن الخطاب يجب أن يوجَّه إلى قيادات حركة فتح ومطالبتها بالتخلي عن مسار المفاوضات التي لم يجنِ الشعب الفلسطيني من ورائها شيئًا، ومطالبتها كذلك بتنفيذ القرارات الصادرة عن المجالس الممثِّلة للشعب الفلسطيني.
ويعتقد ساري عرابي أن الحل يكمن في توحيد المشروع الوطني الفلسطيني على أرضية المقاومة عمومًا وليس المقاومة تحت راية فصيل بعينه، ويقول: إن أغلب الفلسطينيين أظهروا من خلال هبَّة القدس هذا العام والتي شملت كل الأراضي الفلسطينية ومختلف التوجهات السياسية رغبة في الالتفاف حول مشروع المقاومة بعدما يئسوا من مشروع التسوية. وهنا، يطالب عرابي فصائل المقاومة الفلسطينية بتكوين جبهة موحدة لا تقود المقاومة المسلحة فحسب بل والسياسية أيضًا.
كما يرى عرابي ضرورة أن يجري استثمار هبَّة الفلسطينيين في عموم فلسطين ضمن إطار شامل ودعمهم حتى يستمروا على ذات النهج ولا تكون هبَّتهم مؤقتة.
أنطوان شلحت، باحث في الشؤون الإسرائيلية.
يرى شلحت ضرورة في المحافظة على الشعور الذي تولَّد لدى الأجيال الجديدة التي تعيش في أراضي الـ48 والتي تنظر إلى القضية الفلسطينية على أنها قضيتها الأولى مهما حاولت إسرائيل دمج وطمس هويتهم، ويعتقد شلحت أن الاستثمار في هذه الأجيال خلال الفترة المقبلة سيعود بالنفع على المشروع الوطني الفلسطيني.
ويعتقد شلحت أن مسار التسوية من بعد أوسلو همَّش فلسطينيي الـ48 ودفعهم باتجاه ما يسمى بالأسرلة. ويرى أن جل الموانع والعوائق التي تحول دون تقدم المشروع الوطني الفلسطيني إلى الأمام هي عوائق وموانع ذاتية تعود إلى الممارسة السياسية للأحزاب والفصائل الفلسطينية في الداخل والخارج. ويعتقد أن ثمَّة متغيرًا مهمًّا من شأنه أن يعزز المشروع الوطني الفلسطيني ويتمثل في الديناميات المشاهَدة مؤخرًا والتي تبدأ من القواعد الشعبية التي عاد إليها زمام المبادرة وأنها ستصل إلى أعلى وسوف تغير في مواقف القوى السياسية حتى وإن احتاجت إلى بعض الوقت، وأيضًا حتى وإن كانت الحكومة الحالية بزعامة نفتالي بينيت أشد يمينية من سابقتها.
فدوى البرغوثي، عضو المجلس الثوري بحركة فتح.
ترى فدوى البرغوثي أن هبَّة القدس ومعركة سيف القدس قد مثَّلت حالة من الزخم الثوري العام بما شكَّلته من مواجهة عامة في مختلف أنحاء فلسطين وأنها أبانت أن وحدة الشعب في فلسطين وخارجها هي قانون الانتصار وشرط له، وأن الفعل النضالي على الأرض يخلق حالة دعم وإسناد على المستويين الإقليمي والدولي؛ شعبيًّا ورسميًّا، كما أوضحت أن الجماهير الفلسطينية التي انتفضت قدَّمت الرد اللازم في هذه المواجهة ومثَّلت نقدًا لغياب دور القوى الذي يجب أن يكون فاعلًا على الأرض ويرتقي لمستوى اللحظة التاريخية ويُؤسِّس عليها، فضلًا عن تأكيدها أن جيل الشباب الفلسطيني سيتصدَّر الصفوف ويقرِّر التغيير اللازم.
وتعدِّد فدوى البرغوثي ست نقاط ترى أهميتها لتعزيز المشروع الوطني الفلسطيني، الأولى: اعتبار وثيقة الأسرى للوفاق الوطني الأساس للمشروع الوطني الفلسطيني باعتبار ما حظيت به من إجماع سياسي وشعبي ووطني. والثانية، تحديد جدول زمني لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية ولعضوية المجلس الوطني، بما في ذلك في القدس، باعتبار أن الأولوية هي لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني من أجل تجاوز حالة الارتباك والاحتقان، وحفاظًا على المسار الديمقراطي، وإنقاذًا للنظام السياسي الفلسطيني المُتهالك. والثالثة: إعادة بناء وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وضم حركتي حماس والجهاد الإسلامي وبقية الفصائل غير المنضوية في إطارها، لتكون معبِّرة عن القوى والفصائل السياسية كافة. والنقطة الرابعة: إعادة تعريف دور السلطة الوظيفي، وإعادة النظر في وظائفها، وتحديد دورها بإدارة الشأن المحلي وتقديم الخدمات، وإعادة النظر كذلك في دورها الأمني والعمل على أن تكون السلطة جسرًا لتحقيق المشروع الوطني وخادمةً له، وغير قابلة للتعايش مع الاحتلال والاستيطان. والخامسة: أن يتحدد القرار الوطني والسياسي والنضالي من قِبَل منظمة التحرير الفلسطينية بصيغتها الجديدة التي تمثِّل كل القوى والفصائل الفلسطينية. أما النقطة السادسة التي تراها فدوى البرغوثي فهي الجمع بين النضال الوطني التحرُّري والنضال الديمقراطي لتحقيق قيم العدالة والحريات والمساواة، وتكريس مبدأ فصل السلطات واستقلالية القضاء وسيادة القانون، وحماية الحريات الفردية والعامة وحقوق الإنسان، ومكافحة الفساد بكل أشكاله وعلى جميع المستويات، وحماية حرية المرأة وحقوقها وإنصافها عبر تشريع قوانين حضارية وعصرية.
نبيل عمرو، كاتب وسياسي فلسطيني.
يرى نبيل عمرو أن القضية الفلسطينية ستأخذ منحى أكثر سوءًا مما هي عليه الآن بسبب غياب الإرادة لدى القوى السياسية الفاعلة في الساحة الفلسطينية لإنهاء الانقسام السياسي بين الضفة وغزة وعدم المضي نحو إعادة ترتيب البيت الفلسطيني ومؤسساته، وبسبب الفشل في إدارة شؤون المواطنين سواء في الضفة أو غزة، ويقول: "نحن أمام فشل شامل ومُركَّب" ليس سياسيًّا فقط وإنما اقتصادي واجتماعي أيضًا.
ويسوق نبيل عمرو ملاحظة منهجية على بعض ما سمع من مداخلات في المؤتمر مفادها أن من السهل الحديث عمَّا يجب أن يكون لكن المطلوب هو الانطلاق مما هو كائن ومحاولة قدح الذهن للوصول إلى حلول لهذا الواقع. ويرى عمرو أن الوقت قد حان لإعادة النظر في مجمل العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية وليس فقط في موضوع التنسيق الأمني فقط، وذلك لأن التنسيق الأمني جاء في سياق تسوية سياسية شاملة جعلت على الإسرائيليين واجبات وعلى الفلسطينيين واجبات مماثلة، والذي حدث هو أن الإسرائيليين أَخَلُّوا بواجباتهم منذ المرحلة الأولى للتسوية ولذا من اللازم إعادة النظر في العلاقة ككل، ويقول: إنَّ العلاقة حاليًّا تشهد انهيارًا شاملًا وعلى كافة المستويات، ويجب مكاشفة الإسرائيليين بذلك.
ورغم الصورة التي رسمها نبيل عمرو عن الواقع الفلسطيني وتداعيات الانقسام السياسي والارتهان للخارج فإنه متفائل بشأن مستقبل القضية الفلسطينية، ويقول في هذا السياق إنه رغم فشل المسارين، الكفاح المسلح والتسوية السلمية، ورغم القوى المعادية إقليميًّا ودوليًّا، فإنه فشل مؤقت لأن الأمور متغيرة، وإن التعويل يجب أن يكون على الشعب الفلسطيني الذي يرى أنه لن يستسلم ولن يرفع الراية البيضاء لأنه مؤمن بقضيته ومقبل على التعليم ويعرف كيف يتقن أدوات العصر الذي يعيش فيه.
ماجد الزير، قائم بأعمال رئيس الهيئة العامة للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج.
ينطلق ماجد الزير من توصيف الواقع الذي تعيشه القضية الفلسطينية ويقول إنه قبل شهرين من الآن انطلقت هبَّة القدس والتفَّ الشعب حول مشروع المقاومة وحقق إنجازًا مهمًّا على هذا الصعيد، ثم يتساءل: إذن، ما الذي ينقصنا لدفع المشروع الوطني الفلسطيني إلى الأمام؟ ويجيب بقوله: تنقصنا قيادة سياسية للشعب الفلسطيني تستثمر ذلك كله وتعززه وتستمر فيه.
ويضيف الزير: إنَّ المستقبل سيأتي بقيادات إيقاعها ليس بعيدًا عن إيقاع الشعب الفلسطيني، وتأخذ بزمام المبادرة، ولذا فهو مستقبل واعد. ويرى أهمية أن يجتمع الشعب الفلسطيني على برنامج واحد لتحرير فلسطين ودحر المحتل؛ يستخدم في ذلك إمكانات وقدرات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. ويعتقد الزير أن الأوان قد آن لتغيير منظمة التحرير الفلسطينية، واستثمار العمق العربي، وحُسن الاستفادة من قدرات وإمكانات الفلسطينيين في الخارج خاصة من خلال المساحات المفتوحة أمامهم للعمل، ومبادراتهم الوحدوية العابرة للفصائل، ومن خلال إجراء انتخابات فيما بينهم لفرز قيادات تمثيلية تضغط على السلطة الفلسطينية لإعادة ترتيب أوضاعها، وما يتطلبه ذلك كله من بذل مزيد الجهد على مستوى التنسيق الفلسطيني-الفلسطيني. ويقول الزير: إنَّ المشروع الوطني الفلسطيني بخير ويحتاج إلى "السهل الممتنع" لتحقيق أهدافه واستثمار القدرات الكامنة في الشعب الفلسطيني عبر برنامج مقاوم.
هيو لوفات، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
يرى لوفات أن غياب استراتيجية وطنية فلسطينية متفق عليها أدى إلى تشتت الرؤية الغربية وعدم معرفة القادة الغربيين لما يريده الفلسطينيون على وجه التحديد، وما إن كانوا يريدون حلًّا يقوم على فكرة الدولتين أم الدولة الواحدة.
ولا يرى لوفات أهمية في نهج المقاومة المسلحة باعتبارها في رأيه تمنع الدعم الغربي للقضية الفلسطينية، ويضرب مثلًا على ذلك بموقف الدول الغربية من الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة والتي رأتها دفاعًا عن النفس ضد الصواريخ المنطلقة من هناك، ويقول لوفات: إن من الأفضل الأخذ بأساليب النضال السلمي المدني لتجد القضية الفلسطينية أذنًا صاغية لدى الرأي العام الأوروبي والأميركي، ويستدل على ذلك أيضًا بنضال شعب جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري.
ويلفت لوفات النظر إلى زيادة المعرفة بالقضية الفلسطينية لدى الرأي العام الأميركي مقارنة بذي قبل، ويُرجع السبب إلى تنامي حركة حقوق السود مهمة والتي أفسحت المجال أمام الأميركان للاطلاع على القضايا الأخرى المشابهة، وينصح هنا بزيادة التواصل مع الشعوب الغربية ليس فقط على مستوى النشطاء الفلسطينيين كما يحدث حاليًّا وإنما أيضًا على مستوى القيادة الفلسطينية التي قال إنها غائبة عن هذا الميدان.
جواد الحمد، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بالأردن.
يعتقد الحمد أن الدعم الشعبي الفلسطيني والعربي والإسلامي قابل للاستمرار بشرط استمرار المواجهات ضد الاحتلال، وأن تكون القدس هي العنوان، وأن يكون ثمة وحدة فلسطينية على هدف المواجهة، وأن تتعامل القوى العربية مع القضية الفلسطينية باعتبارها مركز الصراع في المنطقة.
ويرى الحمد أن من المهم وقف مساعي بعض الدول العربية التي تعمل على استمرار الانقسام الفلسطيني، والتي تهرول باتجاه التطبيع مع إسرائيل، والتي تمنع أي شكل من أشكال الدعم الشعبي على أراضيها للقضية الفلسطينية. كما يرى أهمية استمرار القوى الفلسطينية على نهجها في عدم التدخل بالشؤون الداخلية في الدول العربية أو الانحياز إلى أي محور عربي أو إسلامي ضد محور آخر مهما كانت الدوافع أو الأسباب، لأن الذي سيدفع الثمن دائمًا هم الفلسطينيون حينما تتغير المعادلات وتتبدل المحاور.
ويعتقد الحمد أن القضية الفلسطينية أمام لحظة تاريخية بعد أن أبانت هبَّة القدس التفافًا شعبيًّا حول مشروع المقاومة؛ سياسيًّا وعسكريًّا ومدنيًّا، ويقول: إنَّ على الفلسطينيين، لكي يدفعوا مشروعهم الوطني إلى الأمام، إنهاء الانقسام فورًا، وحل مشكلة القيادة، والانتقال بفكر المجتمع الدولي من فكرة حل الدولتين الميِّت أو اتفاق أوسلو الهزيل إلى فكرة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، على الأقل إلى حدود 1967.
ويرى أهميةً في استثمار دور فلسطينيي الشتات الذين أظهروا مزيدًا من الحيوية والدينامية والقدرة، كذلك الحال بالنسبة لفلسطينيي الداخل وضرورة إدخالهم في المشروع الفلسطيني بمعناه الشامل.
ويعتقد الحمد أن مسار التطبيع الذي تنتهجه بعض الدول مع إسرائيل لا مستقبل له وأنه في تراجع، كما يرى أن الاتصالات الغربية الأخيرة مع السلطة الفلسطينية هدفها إعادة إحياء مسار التفاوض وامتصاص مكاسب هبَّة القدس الأخيرة والحيلولة دون انفجار غضب الضفة الغربية.