عقد مركز الجزيرة للدراسات، بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر، ندوة حوارية، الأحد 31 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بالدوحة، تحت عنوان "25 عامًا على إطلاق الجزيرة: ماذا تغير في الإعلام العربي والعالمي؟"، تحدث فيها: أحمد الشيخ، رئيس تحرير قناة الجزيرة الإخبارية سابقًا، ونور الدين ميلادي، أستاذ الإعلام بجامعة قطر، وإبراهيم أبو شريف، أستاذ الصحافة بجامعة نورث ويسترن بقطر، وأدارتها وعد زكريا، المذيعة بقناة الجزيرة مباشر، وذلك بالتزامن مع احتفال شبكة الجزيرة الإعلامية بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسها.
ألقت الندوة الضوء على تجربة الجزيرة، وناقش المتحدثون مواكبة قنواتها ومؤسساتها للمتغيرات التي شهدتها البيئة الإعلامية والتمسك في ذات الوقت بثوابتها التحريرية، كما تتبعت تأثير الجزيرة في الإعلام العربي، شكلًا ومضمونًا، وحلَّل المتحدثون في الندوة أثر الجزيرة على وعي المتلقين لرسالتها الإعلامية؛ خاصة بعد نجاحها في إنهاء احتكار العواصم الكبرى للإعلام، والذي ظل لعقود موجَّهًا من الشمال إلى الجنوب، واختتمت الندوة نقاشاتها بالحديث عن مستقبل الجزيرة والإعلام العربي عمومًا في ظل التطورات التكنولوجية المتلاحقة، والتي لم يعد الجمهور بسببها متلقيًا فحسب بل متفاعلًا مع الرسالة الإعلامية ومؤثِّرًا في مضمونها، وبعد أن صار في أحيان كثيرة هو نفسه المرسِل وصانع المحتوى.
وفي هذا السياق، خلصت الندوة إلى أن ما ميَّز الجزيرة منذ انطلاقتها الأولى عام 1996 هو خطها التحريري الذي انحاز إلى قضايا الإنسان واشتغل تحت سقف عال من حرية الرأي، وهو ما سمح لأول مرة للأصوات المعارضة أن تظهر على الشاشة، وأن يكون ترتيب الأخبار وفقًا للمهم والمؤثِّر، بعيدًا عن الترتيب التقليدي للنشرة والذي كان سائدًا في الإعلام العربي قبل الجزيرة، حيث كان أغلبها متعلقًا بالرؤساء أو الملوك وأنشطتهم وأقوالهم ثم من يلونهم في الهيكلية السياسية حتى لو لم تكن الأخبار الخاصة بهم مهمة أو ذات أولوية بالنسبة للمشاهد.
وأوضحت الندوة أن الجزيرة أتاحت المعلومة للمتلقي بعد أن كانت حكرًا على مؤسسات الإعلام الرسمي والتي كانت في الغالب محكومة بسقف محدود للغاية من الحرية، مما كان يحرم المشاهد من المعرفة.
وأكدت الندوة على أن سرَّ تميُّز الجزيرة أيضًا يرجع إلى أنها قدمت الخبر مصحوبًا بسياقه وخلفياته وأبعاده وما وراءه من دوافع وأسباب ومسببات؛ الأمر الذي أسهم في رفع الوعي والفهم والإدراك لدى المشاهد.
فضلًا عن ذلك، فقد قدَّمت الجزيرة، كما ذهب إلى ذلك المتحدثون في الندوة، سردية أخرى للأحداث خاصة فيما يتعلق بالملفات الشائكة كالملف الفلسطيني وملفات احتلال بعض الدول كأفغانستان والعراق بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، وأصبح المشاهد مع تلك السردية التي قدمتها الجزيرة متحررًا من إسار السردية الأحادية للإعلام الإسرائيلي أو الغربي.
وأوضح المتحدثون أن مهنية الجزيرة سواء في تعاطيها مع المضمون، ولاسيما من ناحية التوازن والموضوعية والدقة والتنوع، وأيضًا من ناحية الشكل الفني من تصوير وتقديم وإخراج، أوجدت بيئة للمنافسة جعلت العديد من القنوات الحكومية والخاصة تطور من أدائها حتى تحافظ على جمهورها الذي ذهب أغلبه إلى شاشات الجزيرة.
وانتقل الحديث في الندوة سابقة الذكر إلى دخول الجزيرة عصر الإعلام الرقمي وتميزها في هذا المجال أيضًا وجاؤوا على ذكر تجربة الجزيرة بلس (+AJ) التي توجهت بمضمونها ذي الأربعة لغات (العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية) إلى جمهور من الشباب راعت في المادة المقدمة إليه خصوصية هذه الفئة العمرية، فقدمت مضمونًا يناسب اهتماماته ويتماشى وأولوياته، بأشكال وقوالب شائقة وجاذبة ومختصرة وبها ثراء بصري وسمعي يحبِّبهم إليها، وأن هذه التجربة حازت على إقبال كبير فاق التوقعات بعد أن بلغت أعداد المشاهدات لمقاطع الفيديو التي بثَّتها، باللغات سابقة الذكر، المليارات.
وعلى غرار الجزيرة بلس، أشار المتحدثون إلى منصات الجزيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل: فيسبوك وتويتر ويوتيوب، وكيف أن أعداد المتابعين لتلك المنصات وصلوا إلى الملايين، وأوضحوا في هذا الصدد أن الجزيرة استفادت من تلك المنصات الرقمية وأفادتها، وأنها تتعامل معها في بعض الأحيان كمصدر للأخبار بعد أن تتأكد من دقة ومصداقية مضمونها.
ولم تخلُ مداخلات المتحدثين وجمهور المتابعين للندوة على منصات التواصل الاجتماعي من انتقادات للجزيرة، وخاصة فيما وصفوه بمواءماتها السياسية أحيانًا، وقد ردَّ على هذه المسألة أحمد الشيخ، رئيس تحرير الجزيرة الإخبارية السابق، بقوله: إنَّ الجزيرة في نهاية المطاف عمل بشري، وإنَّ الخطأ وارد، لكنها إن اكتشفته تبادر بتصحيحه، وإنَّ الحكم على تجربة الجزيرة يكون بمجمل أدائها على مدى الـ25 عامًا الماضية، وهو أداء في مجمله ثري وفريد.
واختتمت الندوة حواراتها بتسليط الضوء على مستقبل الجزيرة، وأشار المتحدثون إلى أن هذا المستقبل واعد ما بقيت الجزيرة ملتزمة بثوابتها التحريرية ونهجها ورسالتها، ولاسيما فيما يتعلق بانحيازها لقضايا الإنسان عمومًا وللخط القومي العربي، فيما يتعلق بالمنصات الناطقة بالعربية، خصوصًا.