عقد مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر، ندوة حوارية، أمس، الاثنين، 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان "السودان على مفترق طرق: حكم عسكري أم تحول مدني ديمقراطي؟"، تحدث فيها: أحمد إبراهيم أبوشوك، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة قطر، والوليد آدم مادبو، خبير الحوكمة والمستشار في التنمية الدولية، ونمر عثمان البشير، الأكاديمي، والخبير بالشأن السوداني، وأبو بكر محمد أحمد إبراهيم، المنسق الأكاديمي لبرنامج الدراسات الإسلامية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وأدارها سالم المحروقي، المذيع بقناة الجزيرة مباشر، وحضرها جمع غفير من أفراد الجالية السودانية والمهتمين بالشأن السوداني.
دارت نقاشات الندوة حول الوضع الراهن في السودان، ولاسيما بعد إقدام المكوِّن العسكري في سلطة الفترة الانتقالية يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 على تنحية شريكه المكوِّن المدني، وإعلان حالة الطوارئ، وحل مجلس السيادة الانتقالي وإعفاء أعضائه، وحل مجلس الوزراء وفرض الإقامة الجبرية على رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، واعتقال عدد من الوزراء، وإيقاف العمل بمعظم بنود الوثيقة الدستورية.. والتنقيب عن الأسباب التي أوصلت السودان إلى هذا الوضع، والبحث في كيفية الخروج من هذه الأزمة، ومعرفة التدابير الواجب اتخاذها لعبور الفترة الانتقالية بأمان.
وقد اختلفت قراءات المتحدثين لما حدث وتعددت رؤاهم، غير أن القاسم المشترك بينهم هو وصفهم لما حدث بأنه انقلاب قام به المكوِّن العسكري على شريكه المدني استثمارًا منه لتأزم الوضع الاقتصادي، وتشرذم القوى السياسية، وأن أصابعه (المكوِّن العسكري) لم تكن بعيدة عن إحداث تلك "الفوضى" بطريقة مباشرة أحيانًا وغير مباشرة أحيانًا أخرى.
واتفق المتحدثون كذلك على أن المكوِّن العسكري ليس كتلة متجانسة شأنه في ذلك شأن المكوِّن المدني، وأن الخلافات تدب في صفوف كلٍّ منهما، وأن انحياز العسكريين للثورة السودانية التي أطاحت بالبشير عام 2019 لم يكن انحيازًا للديمقراطية وإنما امتصاصًا للغضب الشعبي وكسبًا للوقت، في محاولة لإعادة فرض الهيمنة العسكرية على الحياة السياسية السودانية.
وأجمع المتحدثون أيضًا على أن ما يحمي الثورة السودانية حتى الآن هو وعي الشعب السوداني، ولاسيما قواه الحيَّة من الشباب الذي يريد القطيعة التامة مع الماضي، والذي لا يرضى بفرض العسكريين وصايتهم على المجتمع والدولة، والمستعد في سبيل ذلك لبذل مزيد من التضحيات.
واتفق المتحدثون على دور العامل الخارجي فيما حدث وما سيحدث في السودان، سواء كان هذا الدور تشجيعًا للانقلاب أم معارضة له.
وأقروا كذلك بأن السودان اعتاد على الانقلابات وأن الفترة الانتقالية الحالية هي الفترة الخامسة في تاريخه الحديث، وأنه في كل مرة كان السودانيون يتفقون على ضرورة تنحية النظام لكنهم يختلفون بعد ذلك في أولويات الأجندة الوطنية الواجب اتباعها ليتأسس على هداها النظام السياسي الجديد في البلاد، وأنه لم تظهر طيلة تلك الفترات الشخصية الوطنية القومية الجامعة ذات الكاريزما التي يلتف حولها الجميع وتستعلي بخطابها ورؤيتها على الخلافات السياسية والتعصبات الجهوية.
واختلف المتحدثون في قراءتهم للاتفاق السياسي الموقَّع بين رئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ورئيس الحكومة، عبد الله حمدوك، والذي أُعلن عنه قبل يوم واحد من انعقاد الندوة (الأحد، 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021)، والذي يلتزم فيه الطرفان بإدارة الفترة الانتقالية وفق إطار شراكة بين القوى الوطنية السياسية والمدنية والمكوِّن العسكري، والإدارة الأهلية، ولجان المقاومة، وقوى الثورة الحية، وقطاع الشباب، والمرأة، ورجالات الطرق الصوفية، بما يضمن انتقال السلطة في موعدها المحدد إلى حكومة مدنية منتخبة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، والتحقيق في مقتل المتظاهرين ومحاسبة المتورطين.. فقد اختلفوا في قراءتهم لهذا الاتفاق؛ إذ عدَّه البعض تراجعًا من القوى المدنية ورضوخًا لضغوط العسكريين، وأُشير في هذا الصدد إلى أن حمدوك، بتوقيعه على هذا الاتفاق، فَقَدَ حاضنته السياسية التي جاءت به إلى السلطة، كما أنه أقرَّ ضمنيًّا بأن ما حدث يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي كان تصحيحًا للمسار ولم يكن انقلابًا عسكريًّا، فيما عدَّه آخرون التقاءً في منتصف الطريق بين المدنيين والعسكريين، وأن من شأنه أن يحقن دماء السودانيين، ونظروا إليه في عمومه نظرة تفاؤل.
وانتهت الندوة في حديثها عن مستقبل السودان خلال العاميين الماضيين إلى أن هذا المستقبل مرتبط بإعادة الترابط والوحدة بين المكوِّن المدني والاتفاق على الأولويات التي من شأنها أن تحقق للسودان انتقالًا ديمقراطيًّا صحيحًا وآمنًا، ومرتبط كذلك بقناعة المكوِّن العسكري أن حكم البلاد منفردًا أمر بات من الماضي، خاصة مع زيادة الوعي الثوري المجتمعي، وأن مصير الحكم العسكري المنفرد هو الفشل في إدارة البلاد ومن ثم العودة إلى الثورة مجددًا، وأن الأفضل للجميع، مدنيين وعسكريين، الاتفاق على صيغة للتعاون طويلة الأمد ومستدامة وليست آنية أو مؤقتة؛ يتحقق بمقتضاها تمكين المدنيين من إدارة شؤون البلاد دون تدخل أو وصاية من العسكريين، وفي الوقت ذاته يستمر العسكريون في أداء وظيفتهم المنوطة بهم فيما يتعلق بالأمن والحماية والدفاع، مع إعادة تأهيل المؤسستين، العسكرية والشرطية، وتحديثهما لتحقيق ذلك.