في محاضرة نظَّمها مركز الجزيرة للدراسات: رئيس مجلس الشورى الإيراني الأسبق يدعو إلى توسعة مجلس التعاون الخليجي ليشمل إيران والعراق

مدير مركز الجزيرة للدراسات، دكتور محمد المختار الخليل (يسارًا)، يُقدِّم المحاضر، دكتور غلامعلي حداد عادل (يمينًا)، إلى الجمهور، وبينهما مديرة الجلسة، الدكتورة فاطمة الصمادي، الباحثة الأولى بالمركز والمتخصصة في الشأن الإيراني. (الجزيرة)

استضاف مركز الجزيرة للدراسات عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام ورئيس مجلس الشورى الإسلامي الأسبق في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الدكتور غلامعلي حداد عادل، الأربعاء 1 ديسمبر/كانون الأول 2021، بالعاصمة القطرية، الدوحة، لإلقاء محاضرة عامة، بعنوان "القوى الإقليمية ومستقبل العالم الإسلامي: التعاون أم التنافس؟".

وفي كلمته الافتتاحية، رحَّب الدكتور محمد المختار الخليل، مدير المركز، بالمحاضِر، وقال: إننا دعوناه للحديث في هذه الفعالية، التي تأتي بعد عامين من عقد فعالياتنا عن بُعد بسبب الإجراءات الصحية المصاحبة لجائحة كورونا، وأضاف: إننا دعوناه لا ليتحدث في راهن السياسة ولا في المتابعات اليومية لمتغيراتها التي يختلف الناس في قراءتها وتقييمها، وإنما للحديث عن مبدأ كلي يجمل بالمسلمين جميعًا أن ينتبهوا إليه وأن يوجهوا سلوكهم نحوه وهو أن يكون جهدهم السياسي في المنطقة تعاونًا أو تنافسًا، وألَّا ينزلق إلى خيار ثالث هو خيار التضاد والصراع.

وبعد هذه التقدمة، تناولت المحاضَرة، التي أدارتها الدكتورة فاطمة الصمادي، الباحثة الأولى في المركز والمتخصصة في الشأن الإيراني، أهم المحطات السياسية والاجتماعية التي شهدها العالم الإسلامي في مئة العام الماضية، واستعرضت ما اندلعت في بلدانه من حروب وصراعات، وما أسفرت عنه من ضعف وتفكك وعودة "للتبعية والاستعمار"، وأرجعت المحاضرة أسباب ذلك، فيما أرجعته، إلى حالة الفرقة والتشتت التي تعيشها شعوب وبلدان العالم الإسلامي، وإلى الفرص الضائعة نتيجة استمرار هذا "الوضع البائس" على ما هو عليه، واقترحت المحاضرة تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية عمومًا، وتوسعة مجلس التعاون الخليجي ليضم العراق وإيران على وجه الخصوص.

وكانت المحاضرة سابقة الذكر قد ابتدأت بتسلسل الأحداث التي شهدها العالم الإسلامي، خاصة في أعقاب هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وتقسيم ممتلكاتها بين القوى الاستعمارية وتأسس دول قُطرية على أسس قومية بدلًا من الأساس الديني الذي كان يجمعها تحت لواء الخلافة الإسلامية.

وانتقل المحاضر من هذه المقدمة إلى تعداد مظاهر الضعف التي عاشها، ولا يزال، العالم الإسلامي طيلة القرن المنصرم، وذكر منها الانتداب الغربي، ثم احتلال فلسطين، والحروب التي شهدها العديد من دول المنطقة مثل الحروب العربية-الإسرائيلية، والحرب العراقية-الإيرانية، وغزو العراق للكويت، والغزو الأميركي للعراق، والحروب والصراعات التي اندلعت في السنوات العشرة الأخيرة في سوريا واليمن وليبيا، وما نجم عن ذلك من دمار وخراب.

كما عدَّد المحاضر أبرز المشكلات والتحديات التي تواجه الشعوب والمجتمعات الإسلامية فذكر منها التعصب والإرهاب والصراعات على أسس دينية ومذهبية وعرقية، وما نجم عن ذلك كله من قلاقل واضطرابات، وتمزق للنسيج الاجتماعي، وانتشار للعنف والفقر.

وقارن المحاضِر الواقع الإسلامي سابق الذكر مع ما يعيشه العديد من الكيانات والاتحادات في العالم مثل الاتحاد الأوروبي، ودول منظمة شنغهاي، ودول أميركا الشمالية المشتركة في اتفاقية التجارة الحرة (NAFTA)، وغيرها من الاتحادات والمنظمات، في وقت، كما يقول المحاضر، لا تفعل منظمة مثل منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة شيئًا ذا بال تجاه القضايا والمشكلات الكبرى التي يعانيها العالم الإسلامي.

ومن هذه النقطة انتقل المحاضر إلى الحديث عن وجوب تعزيز التعاون بين دول العالم الإسلامي ولاسيما قواه الإقليمية الكبرى عوضًا عن التنافس والصراع، وقال في هذا الصدد: إنَّ الظرف الراهن مهيأ لهذا التعاون، وضرب على ذلك مثلًا بانشغال الولايات المتحدة الأميركية بمواجهة روسيا والصين وتراجع أولوية "الشرق الأوسط" في استراتيجيتها، كما أرجعه المحاضر أيضًا إلى بوادر حلحلة الأزمة اليمنية، وعودة الاستقرار التدريجي إلى سوريا وليبيا وأفغانستان، وأشار كذلك، ضمن ذكره لعوامل القوة التي يمكن البناء عليها، إلى قوة المقاومة وخصَّ بالذكر منها حزب الله في لبنان وما يمثله من عامل ردع ضد إسرائيل.

واختتم الدكتور غلامعلي حداد محاضرته بتكرار الدعوة إلى تعزيز التعاون بين القوى الإقليمية في العالم الإسلامي، وأشار في هذا الصدد إلى إمكانية توسعة مجلس التعاون الخليجي ليضم إيران والعراق، وأنهى محاضرته بالقول: "إننا في إيران ننظر إلى أنفسنا كجزء من الحل لمشكلات العالم الإسلامي، وإنَّ خلاصنا في اتحادنا".

وعقب المحاضرة وجَّه بعض الحضور جملةً من الأسئلة إلى الضيف حول سياسات إيران تجاه العراق ولبنان وسوريا واليمن، وما نجم عن هذه السياسات من اضطرابات سياسية وتداعيات اجتماعية، على حدِّ وصف السائلين. وقد رفض المحاضر، في معرض إجابته على تلك الأسئلة، الاتهامات الضمنية التي يمكن أن توجَّه لبلاده أو تحميلها المسؤولية عن تلك الاضطرابات، قائلًا: إنَّ إيران لم تتدخل في شؤون دول المنطقة، وإنها لم تُرسل قطُّ قوات خارج حدودها، وأضاف أنها دائمة المساعدة لفلسطين وأفغانستان والبوسنة، وإنَّ الأصوات التي سمعها البعض والقائلة: "إنَّ إيران باتت تسيطر على أربع أو خمس عواصم عربية" إنما هي أصوات قليلة لا تتعدى الصوت أو الصوتين، وإنها لا تمثل السياسة الرسمية الإيرانية، ولا أغلبية الرأي العام الإيراني، وقال: إنَّ إيران بلد لا يعرف تكميم الأفواه، وإنَّ ما يقال في هذا الصدد إنما هو من قبيل "تعددية الآراء".

كما رفض الدكتور غلامعلي حداد الانتقادات التي وجَّهها أحد الحضور لإيران، خاصة ما يتعلق منها بمساعدتها الرئيس السوري، بشار الأسد، في "قمعه" للثورة السورية وما نجم عن ذلك القمع "من قتل لمئات الآلاف وتشريد لملايين السكان"، على حدِّ قول السائل، وقال الضيف: إنَّ إيران تدخلت في سوريا لمساعدتها بعدما وجدت بعض الدول العربية تدعم جماعات الإرهاب في هذا البلد، وإنها (إيران) هبَّت لمساعدة اليمن "العربي القحطاني" الذي تُشَن حرب عليه من بعض الدول العربية الجارة، وكذلك فعلت إيران في لبنان بمساعدتها حزب الله للقيام بدوره في المحافظة على الاستقرار السياسي والاقتصادي لهذا البلد، وفي ردع إسرائيل التي اجتاحته من قبلُ دون مقاومة. واختتم الدكتور غلامعلي محاضرته، كما سبقت الإشارة، بالقول: "إننا ننظر إلى أنفسنا على أننا جزء من الحل في العالم الإسلامي ولسنا جزءًا من المشكلة".