خلصت ندوة حوارية نظَّمها عن بُعد مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر، أمس، الأحد 13 مارس/آذار 2022، عن الحروب السيبرانية ودورها في الاستراتيجيات الدولية، إلى أن هذا النوع الجديد من الحروب قد أصبح سائدًا ومؤثرًا، خاصة وأنه لا يلزم التفوق فيه وامتلاك قدراته أن تكون الدولة غنية أو متوسطة الغنى، ولكن يكفي أن تخصص مجموعات هجومية سيبرانية محترفة لتحقيق أهدافها.
واستبعد المتحدثون في الندوة أن تُقْدِم روسيا -في إطار انتقامها من الدول الغربية التي فرضت عليها عقوبات اقتصادية بسبب غزوها لأوكرانيا- على تخريب شبكة الإنترنت التي تستخدمها تلك الدول، مرجعين ذلك إلى صعوبة تحقيق هذا الأمر نظرًا لأن الشبكة العنكبوتية لا مركزية؛ إذا تعطَّل منها جزء فليس بالضرورة أن تتعطل بقية الأجزاء، لكن من الممكن أن يحدث استهداف لبعض الكابلات البحرية الموصِّلة لحزم البيانات مما يتسبب في إحداث ضرر يستمر لبعض الوقت إلى أن يجري إصلاحها.
وحذَّرت الندوة من تعرُّض بعض الدول العربية والخليجية لهجمات انتقامية سيبرانية على خلفية موقفها من الحرب الروسية-الأوكرانية، وأن يحدث ذلك على أيدي مجموعات إجرامية سيبرانية مُستَأْجَرة، وأوصت الندوة في هذا السياق بأن تأخذ تلك الدول احتياطاتها وتعزز من خطوط دفاعها السيبرانية.
وكانت الندوة سابقة الذكر قد بُثَّت على شاشة قناة الجزيرة مباشر والمواقع الرقمية لمركز الجزيرة للدراسات وشارك فيها: محمد الدوراني، الأستاذ المتخصص في الأمن السيبراني بكلية المجتمع في قطر، وحسن مظفر، مدير مركز الموصل للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، بالعراق، وباشا شاركوف، الأستاذ المشارك في جامعة لومونوسوف بموسكو، ومؤلِّف كتاب "أمن المعلومات في عالم متعدد الأقطاب"، وبيريت بيرنيك، الباحثة المتخصصة في الأمن السيبراني التي تعمل في مركز الدفاع السيبراني (CCDCOE) التابع لحلف الناتو، وأدارتها المذيعة، وعد زكريا.
طبيعة الحروب السيبرانية
بدأت الندوة بتسليط الضوء على مفهوم الحرب السيبرانية والتفرقة بينها وبين الحرب التقليدية، فذكر المتحدثون أنها تُبَاشَرُ في الفضاء السيبراني المتخيَّل عبر شبكات الحواسيب والإنترنت؛ حيث يمارسها قراصنة سيبرانيون وقوات تُعنى بالهجوم والدفاع السيبراني، وتستهدف تدمير أدوات المعلومات والاتصال، وأنها في العادة تكون حروبًا غير معلنة ما لم تفصح الدول المُستهدَفَةُ عنها.
وأضاف المتحدثون أن الحرب السيبرانية هي حرب "غير متوازنة" حيث تعتمد على أمور أخرى غير القوة التقليدية؛ بمعنى أنه لا يشترط أن تكون الدولة قوية عسكريًّا لكي تكون قوية سيبرانيًّا، وعمومًا فإن ثمة خمس دول في العالم مشهورة بالحروب السيبرانية، كما أورد المتحدثون في الندوة، هي: الولايات المتحدة وروسيا وكوريا الشمالية وإيران والصين؛ إذ إنها الأكثر تقدمًا في ميزان الحروب السيبرانية.
وأشار المتحدثون في الندوة إلى أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) قد أعلن عن مساعدته أوكرانيا لتعزيز تصديها وصمودها أمام الهجمات السيبرانية الروسية التي تعرضت لها، وأن هذا الحلف قد أرسل فريقًا متخصصًا في الدفاع والأمن السيبراني إلى أوكرانيا منذ الأيام الأولى للغزو الروسي، وأن ذلك لم يقتصر فقط على الدول الأعضاء في حلف الناتو بل على دول الاتحاد الأوروبي أيضًا، كما أن ثمة شركات غربية أخرى متخصصة في الأمن السيبراني قد أعلنت عن استعدادها لتقديم خدماتها مجانًا من أجل إعاقة أية عملية هجومية روسية ضد أوكرانيا أو أي من دول الناتو والاتحاد الأوروبي.
أما فيما يتعلق بكيفية تحديد مصدر الهجمات السيبرانية، فأشار المتحدثون في الندوة إلى أن ذلك ابتداءً أمر صعب لكنه ليس مستبعدًا خاصة إذا ما عُرِفَت طبيعة الخبرات والقدرات الكامنة وراء الهجمات السيبرانية، ذلك لأن من يقوم بهذه الهجمات لا يعلن عن نفسه، كما السبق القول، كما أنه من الصعوبة تحديد المكان الذي تنطلق منه الهجمات السيبرانية، فضلًا عن أنه ليس بالضرورة أن تكون تلك الهجمات مباشرة؛ إذ يمكن أن تحدث عن طريق توظيف مجموعة من الحواسيب في دولة ثالثة وتقوم تلك الحواسيب باستهداف الدولة المراد استهدافها.
التصدي للهجمات السيبرانية
وعن سبب عدم الإفصاح أحيانًا من بعض الدول التي تتعرض لهجمات سيبرانية، فقد أوضحت الندوة أن ذلك راجع إلى صعوبة تحديد مصدر تلك الهجمات وبالتالي لا تستطيع الدولة المستهدفة الرد على هجوم مجهول المصدر، كذلك فإن الإفصاح عن تلك الهجمات لا يحدث من قبل الدول في العادة إلا بعد أن تتحدث عنها وسائل الإعلام وتُوقِعها في حرج؛ ذلك لأن الهجمات السيبرانية الناجحة تعني أن هناك خللًا في الخطوط الدفاعية السيبرانية لتلك الدول، وهو مؤشر خطير على مستوى الأمن والاقتصاد والاتصال. لذا، فإن الملاحظ أن ثمة مئات وربما آلاف الهجمات السيبرانية تحدث يوميًّا ويجري صدُّها ثم تجاهلها، وبعضها يكون قويًّا ومؤثرًا لكن، ومع ذلك، لا يُفصَح عنها -كما سبق القول- إما جهلًا بمصدرها أو تجنبًا للإحراج أمام الرأي العام.
وفيما يتعلق بالقدرات السيبرانية للدول العربية، فقد أشارت الندوة إلى أن تلك الدول لا تمتلك قوة ردع سيبراني كافية أو وكلاء سيبرانيين أكْفاء يعملون لصالحها، وإنما تدافع عن نفسها عن طريق أدوات وشركات أجنبية تمتلك خبرة في هذا المجال فتقوم تلك الشركات بمساعدتها لدرء الهجمات التي تتعرض لها.
وعن عمليات الانتقام والانتقام السيبراني المضاد بين روسيا وأوكرانيا، فقد أشارت الندوة إلى وجوده في سياق الحرب الدائرة بين البلدين، لكن فيما إن كانت روسيا ستنتقم مباشرة من الدول التي تساعد أوكرانيا، فقد استبعد المتحدثون ذلك حتى لا يُفهم غربيًّا بأنه "إعلان حرب" مما يستلزم ردًّا مضادًّا، غير أنهم (المتحدثون) في ذات الوقت ألمحوا إلى إمكانية أن تقوم روسيا بذلك الانتقام عن طريق جماعات سيبرانية إجرامية منظمة تشتغل لصالحها، فتُوجِّهها إلى استهداف أية دولة عربية أو خليجية أو غربية مساندة لأوكرانيا، وساعتها تتبرأ من مسؤوليتها عن ذلك الفعل، ولذا -يؤكد المشاركون في الندوة في ختام نقاشاتهم- على الدول العربية والخليجية أخذ احتياطاتها السيبرانية من الآن، وربما تطلَّب الأمر "إعلان حالة الطوارئ السيبرانية" حتى تكون مستعدة لصدِّ تلك الهجمات حال حدوثها.
- يمكن للراغبين في متابعة الندوة كاملة (الضغط هنا).